مجلة شهرية - العدد (586)  | يوليو 2025 م- محرم 1447 هـ

كأُناسٍ متحضِّرين

لا عليكِ...
أنا فقط متعبٌ قليلاً
وغاضبٌ بعضَ الشيء
فلم يعد المناخُ (حار جاف صيفاً.. دفئ ممطر شتاء)،
وساعات العملِ تطولُ وتزداد قسوةً،
والحزن يهيِّج جيوبيَ الأنفية...
لكنني على موعدٍ قريب مع الحياة
لجلسة صلح، ربما تُصلِح ما أفسدَ العطَّار.
في مقهى جانبيٍّ صغير
تعلو فيه أصوات زهر الطاولة
وضحكات الروَّاد -بلا سببٍ على الأرجح-
وأخبار العالم تبثُّها شاشةٌ صامتة...
سنجلسُ هادئيْن -غالباً-
وبين رشفةِ شايٍ وأخرى
سأعترفُ لها:
كنتُ غبيّاً بما يكفي
لأدركَ متأخراً أن القناعةَ سلاحٌ ذو حدَّين،
وليست كنزاً..
وأنني ساذجٌ جدّاً
لاعتقادي أن العصافيرَ
سعيدةٌ بتحليقِها المستمرِّ وخوفِها الدائم
وأنَّ تغريدَها من فرط السعادة.
سأخبرها أننا مضلَّلون تماماً
لأننا نظن أن الحزنَ طارئٌ
وليس الأصل،
وأن الذكرياتِ كافيةٌ لممارسةِ الحياة،
سأمرِّر لها قناعتي بأن الموتَ فعلٌ يوميٌّ
لكنَّه أكبرُ من مجردِ مواراةِ جثةٍ
والنواحِ على قبرها قليلاً،
وأن النجومَ ليست بعيدةً
كما تحاولُ أن توهمنا،
وأن الملائكةَ تحسدنا
فقط لأننا قادرون على الحبِّ واقترافِ الخطأ...
وأنني قضيت عمراً
كطفلٍ
يختبئُ من العالم
بإغماضِ عينيه
فقط ستسمعُ بإنصاتٍ
وتهزُّ رأسها علامةً على الموافقة...
وفي النهايةِ
سأكتفي بابتسامةٍ
قبل أن نفترقَ
على موعدٍ
لنسوِّي خلافاتِنا العالقةَ
كأُناسٍ متحضِّرين.

ذو صلة