داهمها شعور بالاختناق، فارتدت عباءتها السمراء، واندفعت خارج المنزل، لم تكن مرتدية نظارتها الطبية فقد نسيتها كعادتها، لم تتذكر أين وضعتها آخر مرة قبل نومها، الرؤية مشوشة والوجوه غير واضحة المعالم، وصوت السيارات أرهق أُذنيها. تريد هدوءاً ولكن دون جدوى، تناهى إلى مسامعها صدى صوته:
- أرى فيكِ الأزاهير والربيع، والحمائم والنسيم.
دمعت عيناها، وعَلَت شفتيها ابتسامة حزينة، وتذكرت كلماتها له:
- وأنا أرى فيكَ حِصنَ أمن، ومرفأ أمان.
أكملت طريقها، العربات تزيد من سرعتها، وهديرها يبدد ما تنشده من هدوء، ومع ذلك لم تتراجع وأصرت على السير إلى حيث لا تعلم.
لم تغب عنها ملامحه الوضاءة، وبراءته المعهودة، وعبارات الحب التي كان يطرب بها أذنيها:
- أحبك فدوى.. أحبك..
تداعبه:
- أمتأكد أنتَ؟
- لن يفرق بيننا سوى الموت.
استمرت في السير، بدأ الظلام يتسلل إلى الطريق، وهي لا تزال ماضية، لا تبالي بشيء ولا تكترث بما يدور حولها، إلى أن وجدت نفسها وحيدة تماماً، وصار الممشى أمامها يتسع، كان صوت البوم والغربان في الفضاء ينعق، ارتجفت وهرولت، وراحت تصرخ وتصرخ، إلى أن بلغت بناية صغيرة، ارتمت بجانبها والدموع تسيل من عينيها، لكنها لم تكن تدري أن تلك البناية ليست سوى قبر حبيبها.