مجلة شهرية - العدد (585)  | يونيو 2025 م- ذو الحجة 1446 هـ

ليلى

مداكِ هُناكَ.. في حِضْنِ الجنوبِ كما مَدى الأمْطارْ
ووجهُكِ عابقٌ بالسِّحرِ.. بالتَّحْنانِ.. بالأزْهارْ
كمَا حُسْنٍ سَماوِيِّ.. تَمَازَجَ: فِتْنةً ووَقارْ

مداكِ هُنا.. تُضِيئينَ الحياةَ ككوْكبٍ دُرِّيْ
ودَرْبي طَاعنٌ في الوَحْلِ يَهْذي.. دُونَما بَدْرِ
فكيْفَ هَبطْتِ يا ليْلايَ منْ أرْجُوحَةِ الفجْرِ؟

وتَسْألُني اللَّيالي عنْكِ، أيْنَ وَجدْتَّها؟ حقاً..
وكيْفَ بَلغْتَ سِدْرتها؟.. وَعُدْتَ!.. ولمْ تَذُبْ توْقاً؟
وهلْ بِهواكَ أُغْنيةٌ تَليقُ بلحْنِها الأنْقَى؟

فتسْألُني الأغاني عنْكِ يا ليْلايَ.. والسُّمَّارْ
ولحْنٌ صاخِبٌ بالحُزْن يَحْقِنُ أُنْسَنَا بِدُوارْ
فمُنْذُ حَضنْتِ هذا العُودَ.. أجْدَبَ موْسِمُ الأوْتارْ
أيا تهْويدَةَ الشُّطْآنِ للبحْرِ الّذي ضَلَّ
ويا تلْويحَةَ الزَّيتُونِ للعُمْرِ الّذي وَلَّى
ويا تطْبيبَ ذَاكِرتي لقَلْبي الصبّ مُذْ كلَّ

ويا باكُورَة الألْحَانِ.. يا قلقاً بريشَةِ عُودْ
ويا صوْتي الّذي ضيَّعْتُه طِفلاً.. وفيكِ يَعُودْ
على إيقَاعِ صُدْفتِنا يُدَنْدِنُ خاشِعاً (مَوْعودْ)
تَبَارَكَ مَوْعدِيْ القُدْسَيُّ.. اسْرَاءَهْ ومِعْراجَه
معَ البِنْتِ التي انْسَكبَتْ.. لهَا النظَراتُ مُهْتاجَه
وتَقْصدُ عِطْرَها النَّسَمَاتُ.. مِنْ أصْقاعِها.. حَاجَّه

شِفاهُكِ.. شهْقَةُ الفِنْجانِ حينَ شَرِبْتِ: يا أللَّهْ!
ودِفْؤُكِ.. رعْشَةُ التِّيراسِ حيْثُ هَجرْتِهِ لشِتاهْ
وحُضْنَكِ.. كلُّ هذا اللَّيْلِ.. مُبْتلاً بدَمْع أساهْ
صبَاحِي.. وجْهُكِ المَرْسُوم في عَيْنيَّ.. كالوشْمِ
وهمْسةُ صوْتُكِ الفتَّان.. تغْسلُ بالنَّدى اسْمي
وكفُّ حَنانَكِ المُمْتدِّ بـ(اللُّقْمَةْ) إلى (فمِّي)

وأنْتِ الوَرْدُ يا ليْلى.. وصُبْحُ المِسْكِ والعنْبَرْ
صَباحُ القَهْوةِ المُرَّةْ.. تُشَاغِبُ رِيقَكِ السُّكَّرْ
صباحُكِ، قَلْبُ هذا الصَّبِّ.. مُذْ قَبَّلْتِهِ.. أمْطرْ

وأنْتِ العِطْرُ، أنْتِ الشِّعْرُ، أنْتِ العُمْرُ، أنْتِ أنايْ
وأنْتِ السِّحْرُ، أنْتِ الحِبْرُ، أنْتِ البَحْرُ لي ومَدَايْ
وأنْتِ تَصَعْلُكُ التَّأْويلِ في مَنْفايَ/في مَعْنايْ

تُسائِلُني.. عنِ السَّجْعِِ المُقفَّى في تَرَانِيمِي
عن النَّغَمَاتِ إذْ تَغْدُو عَلامَاتٌ لترْقِيمِي
عن الأَلْوَانِ حِينَ تَضُوعُ شِعْراً مِنْ تَقَاسِيمي
وتسْألُنُي عَن الْمَعْنَى.. عَن المَنْفَى.. عن التَّأْويلْ
عن الخَيْبَاتِ كَيْفَ تُكَفِّنُ الأَيَامَ دُونَ عَويلْ
عن الطِّفلِ الذِّي رَضَعَ الرُّؤَى.. وغَفَا بِحضْنِ النِّيلْ

أنا تيهٌ.. عُصَامِيٌّ.. تَعلَّم رقْصةَ الرِّيحِ
تَمادَى في تغَرُّبِه.. وأسْرفَ في التَّبَاريحِ
ومَا حَفِظَتْهُ يا ليْلى تِلَاوَاتُ المَصَابيحِ

أنا منْ قايضَ الفرْدوْسَ.. يَخْصِفُ.. سَاتِراً شكَّهْ
وأَتْقنَ لُعْبةَ المَنْفى.. تَلاشَى.. تَكَّةً.. تكةْ
ولمْ يهْدِلْ بِقافيةٍ تَليقُ بِلوْعةِ الحَبْكة

أنا.. مُذْ قِيلَ كُنْ.. قَدْ كُنْتُ يَا ليْلَى.. ولَسْتِ مَعِي
بِوادٍ غَيْرِ ذِي زرْعٍٍ.. بِلا بَيْتٍ.. ولا نَبْعِ
ولا فرحٍٍ ليَعْمُرَ مَكَّتي.. مُذْ فَاضَ بي دَمْعِي
أنا منْ عُلِّمَ الأسْماءَ.. ثمَّ رآكِ فاحْتارَ
وأصْغَى للسَّماءِ تَضجُّ أسراراً وأخْباراً
عن الحَسْنَاء.. منْ سَجَدَتْ لها النَّجماتُ.. مُخْتارةْ

أنا حَمَّالُ هَذي الأرْضَ.. لا قهْرٌ.. ولا مِنَّةْ
تَجُوبُ حُمُولِيَ الأوْجَاعَ.. تَمْضي.. غَيْرَ مُمْتنةْ
وأعْظمُ ما حَملْتُ هَوايَ يا فَتَّانَةَ الفِتْنةْ
تُفتِّشُ عنْكِ أخْيِلتي.. وتُمْعِنُ فيكِ أحْلامِي
وتهوي.. لاحْتِراقِ العمْرِ في عَيْنَيْكِ أيَّامي
وأُعْلنُ باسمِكِ المنْقُوشِ في الألْواحِِ إسْلامي

ولاسْمُكِ.. فِتْنَةٌ كُبْرى.. أغَارُ على تَفَاعِيلهْ
أغارُ عليْهِ مِنْ نَحْوِ النُّحَاةِ.. وغَيِّ تأْويلهْ
ومِنْ أفْوَاهِ مَنْ غَنُّوا.. وهامُوا في تَفاصِيلهْ
وباسْمُكِ.. دَنْدَنَاتُ الفجْرِ.. يا تَرْنيمَةَ البُلْبُلْ
وهمْسُ تَشَهُّدِ الفُلَّاتِ والوَرْدَاتِ.. إذْ تَذْبلْ
وتسْبيحِ الغُيومِ البِيضِ بالقَطَراتِ إذْ تَهْطُلْ

تَعَالِيْ.. ضَجَّتِ الأشْيَاءُ.. واتَّقدَ الغِناءُ حريقْ
وأَخْشى.. جُلَّ ما أخْشاهُ.. عيْنٌ للزَّمانِ تُفيقْ
فَيَصْفعُ وجْهيَ المَنْفيَّ دهْرٌ آثِمٌ وصَفِيقْ!

تَعَاليْ.. إنَّمَا الأعْمارُ أشْهى ما تَكُونُ الآنْ
ولمْ تكْبُرْ شَقَاوتُنَا.. ولمْ نَضْمرْ عَنِ التَّحْنانْ
تعاليْ.. رُبَّما.. في نشْوةٍ منَّا.. نَعِيشُ (زَمَانْ)

صَبياً اسْمُهُ أحْمدْ - وحُلْوةْ اسْمُها ليْلى
تَفِّرُ إليْهِ.. يَحْضنُها.. ويُثْخِنُ ثَغْرها نَيْلاً
ويَخْتصِمانِ في أشْعارِ مجْنونيْكِ يا ليْلى

ذو صلة