مجلة شهرية - العدد (591)  | ديسمبر 2025 م- جمادى الثانية 1447 هـ

الافتتاحية

يذهب ملف هذا العدد من مجلتكم (المجلة العربية) إلى قراءة حضور الحواس في السياق الثقافي، من منظور عام ومشترك، لا شخصي أو فردي؛ لأن سلوك الأفراد مرهون بالتجربة الشخصية، دون أن تعبِّر في المجمل عن تصور جمعي.
إننا اليوم في زمن تضافرت فيه الأسباب لتعتلي فيه الحاسة البصرية صدارة الحواس الأخرى للإنسان، فهذا زمن الشاشات التي تعمرها الأبصار، في مشهد باتت فيه العين اختصاراً لفكرة الحواس التي رافقت رحلة الإنسان على هذه البسيطة.
اليوم نحن لا نشتم رائحة الخبز، بل نشاهد احمراره في صورة تفتح الشهية بالبصر، وكذا الحال عند هطول المطر الذي ينعش الأرض برائحة امتزاج الماء بالتراب، لكننا لا نشتمها.. ولكم استمطار ما لا حد له من شواهد الحالات التي تثبت تعطيل الحواس لصالح حاسة واحدة هي البصر، رغم تجذّر المقولة التي تذهب نحو ارتباط الإنسان بحاستي الشم والاستماع؛ فذاكرة العطر وذاكرة الموسيقى عصيتان على النسيان، بل قابلتان إلى تذكّر ما التصق بهما من ذكريات ومواقف.
اليوم تواجه البشرية عملية تحول كبرى، تتجه نحو تشيئة المعاني، ضمن مشروع أتمتة الحياة وطمس رمزيات الإنسان، وهو سياق لم يكن مخططاً له بقدر ما هو نتيجة تلقائية أفرزتها منظومة الحضارة الرقمية التي تحيط بحياة البشر من كل صوب، وهو الأمر الذي يتطلب جهوداً ثقافية وفكرية تستهدف النبش فيما أصبح بفعل الاعتياد أمراً طبيعياً لا طارئاً، من قبيل ما يطرحه ملف هذا العدد حول إعادة قراءة واقع الحواس المنسية في الأزمنة الرقمية.
فأهلاً بكم إلى الذاكرة الجمعية لحواس الإنسان كافة، لا حاسة واحدة.

ذو صلة