الثقافة أسلوب الحياة الذي يميز مجتمع ما عن غيره من المجتمعات، ولكل مجتمع من المجتمعات خصوصيته التي تعكس طريقة حياة الإنسان وتفكيره. تتطور هذه الثقافة لكنها تحتفظ بجذور عميقه في التراث، كالقيم، اللغة واللهجة، المعتقدات، العادات والتقاليد، الفنون، الملابس، الطعام، النظام الأسري، المعرفة، العمل وعمل المرأة، القيم والمبادئ الأخلاقية، التعامل مع الضيف.. وغيرها من المظاهر التي تعكس ثقافة المجتمع، وتعطينا النظرة الكلية الشاملة عن المجتمع بأكمله. إن الثقافة هي نتاج صنع الإنسان مع غيره من البشر، وتعد الثقافة كأنها عقيدة عند الشعوب.
إن علاقة الإنسان بمعطيات الحياة تقوده إلى التساؤل: كيف يتعامل مع نفسه ومع أسرته، ومع الآخرين؟ وكيف يفكر؟ وكيف يحاور؟ وكيف ينظر إلى الإيجابيات والسلبيات في العالم؟ وكيف يفكر في القضايا الجدلية والعولمة؟ وحتى توجهاته ونظرته المستقبلية تعكس ثقافته. إن دراسة الطريقة التي تشكل الثقافة تركز على التفاعل الديناميكي بين الأفراد والثقافات، وعلى العمليات المعرفية والانفعالية.
عرف (ريتشارد شويدر)، عالم الأنثروبولوجيا؛ علم النفس الثقافي بأنه دراسة طريقة تنظيم التقاليد الثقافية والممارسات الاجتماعية وتحديدها وتحويلها للنفس البشرية، مما يؤدي إلى وجود وحدة نفسية للجنس البشري أقل من الاختلافات العرقية في العقل والنفس والعاطفة.
تكامل الأنثروبولوجيا مع علم النفس الثقافي ضروري، ويساعد على فهم الإنسان بصورة كلية، إذ يعمل على دراسة كيفية تشكل النفس الإنسانية عبر العوامل الثقافية والاجتماعية، ويسهم في تطوير السلوك البشري.
إن علم النفس الثقافي دراسة منهجية بين الثقافة والنفس، أي كيف تكوّن الثقافة خبراتنا الإدراكية والانفعالية والاجتماعية؟ وكيف تساهم النفس البشرية بدورها في إنتاج الثقافة وإعادة تشكيلها؟
ومن أهم المحاور التي يدرسها علم النفس الثقافي: الذات والهوية، اللغة والتفكير، النمو الاجتماعي والمعرفي، الإدراك والثقافة، الأخلاقيات.
إن الشخصية وحدة مميزة خاصة بالفرد، حتى ولو كانت هناك سمات مشتركة بينه وبين غيره من الأفراد. وتتمثل في السلوك الظاهري الخارجي، أي أن سلوكنا يدل على شخصيتنا. وذلك يعني: لكي تحدد خصائص شخص ما؛ لاحظ سلوكه في عده مواقف. عرّف (ألبرت بندورا، مؤسس نظرية التعلم الاجتماعي)؛ (الشخصية) بأنها نتيجة التفاعل المتبادل بين السلوك، والعمليات العقلية، والبيئة. ويركز على السلوك الناتج كما يراه الآخرون.
تحتلّ دراسة الشخصيّة جزءاً كبيراً من اهتمام علماء النفس في العالم، لأنّها النواة الأساسيّة في فهم السلوك، وهي أسلوب التوافق العادي الذي يتخذه الفرد بين دوافعه ومطالب البيئة، وهي استجابات الفرد المميزة للمثيرات الاجتماعية وكيفية توافقه مع المظاهر الاجتماعية في المجتمع.
تبدأ الشخصية عند الإنسان منذ المرحلة الجنينية، وتتأثر بالعوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية.
يولد الطفل وهو مزود بالقدرة على نمط وراثي بيولوجي سلوكي، مع استعداد للتكيف مع المجتمع المحيط، لذلك أكد علماء النفس على مدى أهمية السنوات الأولى في حياه الفرد، وهي مرحلة حاسمة في تكوين الثقافة، وتظهر ضرورة التربية للفرد من مفهوم الثقافة الذي لا ينتقل من جيل إلى جيل بالوراثة، بل من خلال تربية الوالدين والبيئة المحيطة وثقافة المجتمع وما يحويه من قيم: عادات وتقاليد، أنماط سلوكية، فهي لا تورث ولكنها تكتسب من ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد، وبما أن الإنسان فرد من المجتمع سينتج ثقافة معينة تميز مجتمعه عن غيره من المجتمعات، يكسب أفراده الشعور بالانتماء والتماسك، والاستمرارية، والإنسانية، وبذلك يتحقق التعاون بين أفراد المجتمع.
فالتربية تحقق الوحدة الاجتماعية من خلال نقل الأنماط السلوكية للفرد من المجتمع ليأخذ بها ويندمج بيسر وسهولة في مجتمعه، وكذا نقل الثقافة المتجذرة ابتداء من البيت والمدرسة والمجتمع، وتجديدها وتهذيبها، حيث لا تكتفي التربية بنقل الثقافة فقط بل العمل على إدخال التعديلات والإضافات ومواكبة الحضارة والتكنولوجيا.
تكوين الشخصية المتوازنة جسدياً، ونفسياً، واجتماعياً؛ يكوّن الفرد شخصاً فعالاً في مجتمعه، ويكوّن لديه القدرة على التواصل مع كافة أفراد المجتمع وإكسابه واكتساب الخبرات المتبادلة، وذلك بالقضاء على أنواع الجهل بأكملها، والعمل على تطوير الذات ومواكبة الحياة. فإذا أراد المجتمع حفظ ثقافته من الضياع فإن الطريق إلى نقل الثقافة المجتمعية من خلال الأجيال الناشئة بواسطة التربية، وتعزيز الثقافة المجتمعية. وعلى الرغم من أن محتويات المجتمع أحياناً يكون فيها بعض السلوكيات التي أصبحت قديمة في بعض المواضيع الحياتية؛ إلا أنها كانت مناسبة في ذلك الوقت. ومع العولمة والتكنولوجيا على الأجيال التمسك بثقافتهم وبقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم والاعتزاز بها.
وثقافة الشعوب ليست ثابتة، بل هي كائن حي يتطور بتأثير التاريخ، البيئة، والتفاعل مع الثقافات الأخرى. ومع كل عصر، تترك الشعوب بصمتها الثقافية، التي تشكل جزءاً من التراث الإنساني المشترك.
ومع صعود الإعلام في الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية المتعددة؛ حدث تحول جذري في مفاهيم الثقافة، فأصبح هناك تغيير واضح وملموس، والتطور واضح في عصر مليء بالعولمة، حتى تغيرت بعض المفاهيم، فلم يعد صاحب المقالات المنشورة في الصحف والمجلات والموسوعات، صاحب القلم؛ هو الأكثر انتشاراً، بل أصبح في عصر العولمة (مؤثراً) رقمياً، يملك القدرة على التأثير على متابعيه بأسلوب بسيط ومباشر، وبعض المؤثرين يكون محتواهم بسيطاً جداً، ومع ذلك يحققون نجاحات كبيرة في الفضاء الرقمي.
إذ تعد الثورة الرقمية حدث تاريخي فارق على مستوى العالم، فهي تختلف بطبيعتها وتأثيرها على الأفراد، لقد حولت العالم إلى قرية صغيرة نظراً لأنها ترتبط بالمعلومات وقربت المسافة بين شعوب العالم في مختلف جوانب الحياة، ولها آثار قوية على حياتنا اليومية.
يساعد الفضاء الرقمي في التعرف على أشخاص من ثقافات وبيئات مختلفة ضمن إمكانية أسرع وأبسط وأقل تعقيداً في محاولة فهم وجهات نظرهم، بالتعايش معهم، وعدم إصدار الحكم المسبق عليهم، والتعاطف معهم.
من خلال الإعلام الرقمي أصبحت هناك فرصة كبيرة لتفاعل شعوب العالم وثقافاتهم ونقل التراث والعادات ونشر اللغات والأماكن السياحية.
تلعب التربية دوراً محورياً في نقل الثقافة وتشكيل الاتجاهات والهوية، في حين يعيد الإعلام الرقمي رسم الحدود الثقافية من خلال خلق فضاءات جديدة للتفاعل والتعبير. وفي هذا السياق، يصبح فهم العلاقة بين الثقافة والشخصية والتربية والإعلام الرقمي ضرورة لفهم الإنسان المعاصر، وبخاصة في ظل التغيرات المتسارعة التي تفرضها العولمة والتكنولوجيا.