عندما انتقلنا إلى منزلنا الجديد، اتفقنا أنا وزوجتي على كل قطعة أثاث في المنزل، إلا اللوحة التي أردنا أن نشتريها ونضعها في أحد حوائط الصالة الرئيسة، حائط كبير نوعاً ما، سبعة أمتار مكشوفة على كل شيء، لم تكن تلك اللوحة متوافقة لكلينا، ما كنا متوافقين عليه أن تكون اللوحة ذات دلالة سريالية كي لا يتمكن الناظر من فهمها من أول وهلة، وكي تظل متوقدة في كل حين ولا تفسر سريعاً، فلا نضطر إلى تغييرها بعد مدة قصيرة، أما اللوحة الواقعية فإنها مع مرور الوقت ستتحول إلى منظر نمطي، ومن الممكن أن تفقد حيويتها أو جاذبيتها الأولى التي شاهدناها بها.
أرادت زوجتي لوحة عرضها متر ونصف، بينما أردتُ أنا لوحة بعرض مترين، بما أن الحائط مساحته كبيرة، هذا هو ما تجادلنا حوله. أصرت زوجتي على أن لوحة عرضها متر ونصف هو كل ما نحتاجه، شريطة أن توضع في وسط الحائط تماماً. شعرتُ أن وجهة نظرها بعيدة عن الهدف الحقيقي تماماً، وأخبرتها أن ما يهمني هو حجم اللوحة، والنظر إليها جالساً هنا أو هناك أو من أي مكان في الصالة، ومن الممكن التحديق العميق فيها والتخيل، لذا ينبغي أن تكون بمستوى قياس مناسب للناظر إليها، في تصوري كانت فكرة مقاس اللوحة أهم من أي إطار من الممكن أن يحملها.
لذا، أخبرتها أننا نريد لوحة ننظر إليها كي نتمكن من تخيل الإبداع بصور متعددة، وتخيل إمكانية أن نعيش في كل جزء منها بخيال واسع، وكلما كانت اللوحة أعرض كلما ازدادت مساحة التخيل، وتكون أدت واجبها بشكل متقن. تطرقت زوجتي لمسألة المال، فأخبرتها أنني أفضل أن نشتري لوحة مكلفة قليلاً وتفي بالغرض، على أن نشتري لوحة رخيصة ثم نندم على شرائها فيما بعد. لذا، فإن خيار عدم شراء لوحة غير مناسبة لحائط كبير يصبح أفضل من شراء لوحة سنضطر لتغييرها يوماً ما.
تعبنا من الجدال حول الخيارات الثلاثة، خيار شراء لوحة بعرض مترين، وخيار شراء لوحة بعرض متر ونصف، وخيار عدم شراء لوحة في الوقت الحالي. لذا توقفنا ليوم عن الحديث عنها، خلال هذا اليوم اضطررت للتجول في السوق، أثناء دخولي لأحد المعارض كنت أرى لوحة هنا ولوحة هناك، في مساحات كبيرة، ومساحات صغيرة، حيناً كنت أراها على حائط بخلفية بيضاء وحيناً بخلفية سوداء، سواء كان الحائط مرتفعاً أم منخفضاً، فقد كانت اللوحات ذوات عرض مترين دائماً، سواء كانت لوحة سريالية أو طبيعية، سواء لوحة تناسب الحوائط الفاتحة أم الداكنة.
بالنسبة لزوجتي، عرض اللوحة متر ونصف مؤهل لاستغلال باقي الحائط بصور أخرى أقل حجماً، تقول إن الحائط واسع ويستوعب عدداً من الصور. بالنسبة لي، قد يكون تعدد الصور يشتت نظر الضيوف عن اللوحة الرئيسة.
مضى ذلك اليوم، وفي اليوم التالي بدأتُ أنا وزوجتي نتجادل حول اللوحة مرة أخرى، ثم بدأت أصواتنا تخف رويداً، وتتكشف لنا فكرة جديدة، حين شعرتْ أني أميل إلى وجهة نظرها، وشعرتُ بها تميل قليلاً إلى وجهة نظري حول اللوحة، أيدتها، مع ذلك قلت أثناء الحديث: إن اللوحة التي بعرض متر ونصف تبدو شبه ضائعة في حائط كهذا، بينما اللوحة ذات عرض مترين تبدو أكثر انسجاماً على حائطنا بالذات. واعترفت لي: أن اللوحة ذات المترين ليس بينها وبين اللوحة ذات المتر ونصف فارق كبير، قلت: فعلاً، من الصعب أحياناً أن نرى فرقاً بينهما. واقتنعتُ بأن لا فارق كبير، واتفقت معي على أنه من الممكن ألا يلحظ أحد الفارق بين رؤيتينا، لقد كان الفارق نصف متر واحد فحسب.
أعتقد أننا في تلك اللحظة اكتشفنا معاً وجود اللوحة المناسبة، لوحة جميلة يمكننا وضعها على الحائط ذاته، وقد بدا لنا أن هذه اللوحة هي ما كنا نبحث عنه طوال الوقت، وهي ما تصورناها في رؤيتنا معلقة على هذا الحائط، لوحة بعرض متر وخمسة وسبعين سنتمتراً.