على الرغم من أن بواكير الرواية الأدبية في البحرين تعود إلى منتصف ستينات القرن الماضي فإن نموها من حيث الكم والكيف كان محدوداً بالقياس إلى مجال القصة القصيرة.
ففي الوقت الذي ترجع فيه بدايات تاريخ القصة القصيرة إلى أربعينات القرن الماضي من خلال جريدة البحرين التي دشنت هذا النوع من الأدب في الخليج، ثم جريدة صوت البحرين التي أعقبتها، وقد استمر هذا التاريخ حتى الآن، نجد أن الرواية قد تأخرت نسبياً حتى منتصف ستينات القرن الماضي.
كما أن كتّاب الرواية الأوائل كانوا من كتّاب القصة القصيرة، وقد تحولوا من كتابة القصة القصيرة إلى كتابة الرواية أو زاوجوا بين الاثنين مثل فؤاد عبيد، ومحمد عبدالملك، وفوزية رشيد، وعبدالله خليفة، وأمين صالح، وعبدالقادر عقيل، وعبدالجليل الصفار، وغيرهم حنى استقروا بعد فترات على كتابة الرواية، وهي في الغالب روايات قصيرة، أو قصة طويلة.
وظل التحول من كتابة القصة القصيرة إلى عالم الرواية محدوداً من حيث الكم، وقد استمر هذا الوضع حتى تسعينات القرن الماضي عندما بدأت الرواية تشق طريقها بطريقة ملفتة للنظر وتظهر نتاجات روائية لكتاب جدد دون أن يمروا بكتابة القصة القصيرة.
وفي هذه الأثناء بدأت تتقهقر القصة القصيرة إلى حد ما لصالح الرواية ويبرز على الساحة الأدبية عشرات الروايات الجديدة والمواكبة للتغيرات المجتمعية والمعبرة عن وقائع جديدة على الصعيد السوسيولوجي والثقافي والقيمي في المجتمع البحريني. يضاف إلى ذلك بروز المرأة كروائية، أو الرواية النسائية إذا جاز القول، وأصبح لدينا عشرات النساء ممن يكتبن الرواية وكذلك الرجال.
ومن خلال هذا الكم الكبير من الروايات يمكن أن نصف العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين بأنهما يمثلان عصر الرواية في البحرين، حيث صدرت عشرات الروايات ذات البعد الملحمي مما يدل على ازدهار هذا النوع من الإبداع الكتابي، أو بشكل أصح ازدهار السرد الروائي بشكل ملفت لنظر المهتم القارئ والناقد.
طبعاً ما كان للرواية أن تزدهر دون أن تستند على تاريخ من الإبداع في مجال القصة القصيرة، لكن أيضاً ما كان للرواية أن تزدهر على حساب القصة القصيرة لولا وجود متغيرات وتطورات سوسيولوجية وقيمية في المجتمع البحريني تتطلب أشكالاً أكثر ثراءً واستيعاباً لتلك المتغيرات، التي لا تستطيع القصة القصيرة أن تستوعبها بحكم بنيتها الفنية، وبالتالي تكون الرواية بالاستناد إلى عوالمها وإمكاناتها الإبداعية الأكثر اتساعاً والأعمق في المعالجة هي المجال الأنسب لتمثل تلك التغيرات الاجتماعية فنياً وأدبياً.
ففي خلال هذه الفترة شهدت الساحة البحرينية بروز العديد من الأدباء في مجال الرواية ومعظمهم من الشباب والشابات، وبعضهم رغم قلة خبرته إلا أنه أثبت جدارة في مجال الإبداع الروائي وبشكل مباشر دون المرور بفترة الحبو، أو بكتابة القصة القصيرة. حيث الدخول إلى عالم الرواية من بابها الواسع ودون مقدمات.
هذا يعني بتقديرنا أن هؤلاء الكتاب الجدد وجدوا أن التعبير المناسب عن هواجسهم وكذلك شؤون وشجون المجتمع البحريني لا يمكن أن يتم إلا من خلال معالجة إبداعية موسعة تتمثل في الرواية وليس القصة القصيرة. بمعنى الإحساس بأننا في زمن الرواية موضوعياً وتاريخياً وليس زمن القصة القصيرة، الذي كان سائداً في العقود الماضية. فما كانت تستوعبه القصة القصيرة فيما مضى أصبح اليوم واقعاً مختلفاً تماماً ولا يمكن أن تستوعبه إلا الرواية بشموليتها وتعدد أصواتها وعوالمها المركبة والمعقدة.
ودون أن نربط بين ازدهار الرواية من جهة وتغير المجتمع بعلاقة ميكانيكية من جهة أخرى، فإن التغيرات المجتمعية الهائلة تحتاج إلى نوع آخر من الإبداع السردي يختلف عن سرد القصة القصيرة، ألا وهو السرد الروائي الأوسع والملحمي بطبيعة الحال.
أما الشيء المهم في كل ذلك الإبداع الروائي، فهو حضور المرأة الكبير في هذا الإبداع، فإلى جانب الإبداعات الروائية التي أبدعها روائيون رجال من الجيل الجديد، جيل الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، نجد هناك حضوراً نسائياً كبيراً في الرواية، بل إن بعض هؤلاء المبدعات الروائيات يتميزين بحضور إبداعي لافت واستيعاب لشروط وقوانين الإبداع الروائي، وقدرة على الاستمرارية وإصدار أعمال باهرة.
إننا أمام ظاهرة ملفتة للنظر تتمثل في أمرين مهمين: الأول هو ازدهار الرواية على حساب القصة القصيرة. وثانياً بروز جيل جديد من الكتاب يدخلون عالم الرواية لأول مرة ومن بابها الواسع، ويستطيعون أن يقدموا منجزاً روائياً متميزاً معبراً عما تمر به البحرين والمنطقة من تغيرات دراماتيكية.
أما الشيء الأهم فهو أن التجربة الروائية الجديدة تميزت بتناول مجمل مكونات المجتمع البحريني، والتطرق إلى نماذج من الريف كما من المدينة، هذا فضلاً عن حضور كتاب من الريف، بخلاف تجربة القصة القصيرة وبعض الروايات الأولى التي كانت وقفاً على كتاب من المدينة.
ومن الملاحظ في الرواية إبراز الإنسان الريفي بالإضافة لسوسيولوجيا الريف وما يدور فيه من وقائع حيث بدأ كتّاب الريف يشقون طريقهم في المعالجة الروائية للمجتمع الريفي وحجم التغيرات التي أصابته خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
وفي مقابل ذلك أيضاً لم يكن الإبداع الروائي مقتصراً على سوسيولوجيا البحرين، فهناك إبداعات روائية تاريخية أو تستلهم تاريخ المنطقة مثل رواية (المحيط الإنجليزي) للكاتب الراحل فريد رمضان أو الكاتب عقيل الموسوي في روايتيه (إريامهر نامه) و(دارا الزرادشتي). وغيرها من الروايات التي صدرت في غضون العقدين الأخيرين من هذا القرن.
أخيراً يمكن القول إن الإنجاز الروائي الكبير خلال هذين العقدين بحاجة إلى نوع من الدراسة الموضوعية لمعرفة المقومات الذاتية من جهة والمقومات الموضوعية من جهة أخرى. وتحليل أنماط السرد الروائي وأساليبه أو تقنياته. وبنظرة عامة في الأدب الروائي المنجز في مجال الرواية البحرينية الحديثة يمكن ملاحظة شتى الأساليب الروائية في المدونة الروائية الحديثة من قبيل أسلوب: تقنية الوصف، أسلوب الرسائل والتوثيق، أسلوب التركيب بين الوصف والصورة، أسلوب التذكر واليوميات، وأسلوب السيرة الذاتية... إلخ.
كل ذلك يعني أن كتّاب الرواية في البحرين قد تجاوزوا البدايات وأصبح للرواية تاريخ حافل من التجريب والتنويع واستيعاب مختلف تقنيات السرد الروائي.
وهذا الأمر -أعني الجوانب الفنية والإبداعية والأسلوبية ومستوى الأدبية في السرود الروائية- هي برسم الحركة النقدية التي ينبغي أن تواكب هذا الإبداع قراءة ونقداً واستخلاص النتائج الفنية والتاريخية. فالأدب عموماً والرواية جزء أصيل منه لا يمكن أن يتطور دون وجود نقد موازٍ له. ودون أن نربط بينهما بشكل ميكانيكي بل بشكل جدلي. وكذلك من باب التأكيد أن النقد هو كذلك إبداع على الإبداع.