مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

وَجّ في المصادراللغوية والأدبية

وَجّ، واو بفتح ثم جيم مشددة، وبعضهم يكسر الواو؛ وادٍ يخترق الطائف من الجنوب إلى الشمال، وهو أشهر أسماء الطائف وأقدمها قبل بناء الطوف. ووجّ، هو الاسم الذي استل من بين أسماء شهيرة كثيرة، تزخر بها الطائف، تاريخاً وجغرافية على مر العصور.

والوجّ: النعام والقطا، ونبات عشبي من فصيلة القلقاسيات، رائحته ذكية. والوج خشبة الفدان. أو لعل مرد الاسم هو من الوِجّ، بالكسر: طيور من العصافير الصغيرة، تتحد في الصوت الذي يسمى الوجيج، وبخاصة في الأمسيات قبيل الغروب، وتعيش عادة في أشجار السدر، وقد كان وادي وجّ في القديم، يكتظ بهذا الشجر الأخضر الباسق، إلى جانب حدائق العنب والعُنّاب والرمان والخوخ والمشمش والحماط الذي تنتظم جنباته، وتسقى بمياه العيون الكثيرة حوله.
وفي شمس العلوم، الوج: عرق شجرة أبيض يميل إلى الصفرة يُكتحل بعصارته، وهو حار يابس في الدرجة الثانية، إذا شُرب ماؤه حلل ورم الطحال، ونقّى المعدة، وقوّى الكبد، وفتح السدد، وأدر البول، وأذهب أوجاع الصدر والجنب.
والوجّ: عيدان يُتبخر بها، وفي التهذيب: يُتداوى بها. قال الأزهري: ما أراه عربياً محضاً. وقيل: الوجّ ضرب من الأدوية، فارسي معرب، والوجّ: خشبة الفدَّان.
ووجّ: هي بلد بالطائف، وقيل: هي الطائف، قال أبو الهندي، واسمه عبدالمؤمن بن عبد القدوس:
فإن تسق من أعناب وجٍّ فإننا
لنا العين تجري، من كسيس ومن خَمْر
والكسيس: نبيذ التمر.
وقال:
لحاها الله صابئة بوجٍّ
بمكة أو بأطراف الحجون
وقال ابن دريد:
صَبَحْتُ بها وجّاً، فكانت صبيحة
على أهل وجٍّ، مثل راغية البكر
ومن معاني الوجّ: السرعة، قال بذلك (ابن الأعرابي). والقطا والوُجُجُ: جمع، وهو النعام السريع العدو. وهو وادي الطائف، وادٍ فحل، يأخذ من شفا هذيل، حيث يقاسم نعمان وضيم الماء، فيتجه شرقاً، فتأخذ عن يساره نخلة الشامية، وعن يمينه لِيَّة، فيمر في طرف مدينة الطائف من الجنوب الغربي، ثم الجنوب فالشرق.
يسمى أعلاه، المخاضة، ووسطه المثناة، وأسفله العرج، ويجتمع سيله مع سيل عقيق الطائف في المبعوث شرقي عُكَاظ، وفيه من القرى العامرة: (الوَهَط، وشُواحِط، والأُخَيْضر)، وبالأخيضر يسمى الوادي؛ إذا مر به قرب اجتماعه بالعقيق.
ومن روافد وجّ الكبيرة: القاوة، والضحياء. وسكانه: في أعلاه الطلحات من هذيل، وقريش، ووسطه ثقيف، وأسفله عتيبة وعدوان.
قال ياقوت:
وَجّ: بالفتح ثم التشديد، والوجّ في اللغة: عيدان يُتداوى بها، قال أبو منصور: وما أراه عربياً محضاً، والوج السرعة، والوج: القطا، والوجّ: النعام، وفي الحديث، أن النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه قال: إن آخر وطأة لله يوم وجّ، وهو الطائف، وأراد بالوطأة، الغزاة ههنا، وكانت غزاة الطائف آخر غزوات النبي، وقيل سميت وَجّاً، بوج بن عبد الحق من العمالقة، وقيل من خزاعة الذي قيل كذلك أنه أول من نزلها.
قال البلادي: والعرب تسمي صوت الرياح إذا كانت بين حاجزين وجيجاً فيقولون: الرياح توجّ وَجاً ووجيجاً، إذا اصطدم صوتها بالجبال أو الأشجار، فإذا كان اسم وجّ مشتقاً، فهذا أقرب.
قال أبو الصلت والد أمية يصفها:
نحن المبنون في (وَجٍّ) على شرفٍ
تلقى لنا شفعاً منه وأركانا
إنّا لنحن نسوق العير آوِنَةً
بنُسْوةٍ شُعُثٍ يزجينَ ولدانا
وما وأدنا حذار الهزل من ولدٍ
فيها وقد وأدت أحياءُ عدنانا
ويانع من صنوف الكرم عَنْجَدَنا
منه، ونعصره خَلّاً ولَذَّانا
قد ادْهَأمَّتْ وأمست ماؤها غدق
يمشي معاً أصلها والفَرع أبّانا
إلى خضارم مثل الليل مُتَّجِئاً
فُوماً وقَضْباً وزيتوناً ورمانا
فيها كواكب مثلوج مناهلها
يشفي الغليل بها من كان طَيَّانا
ومقرّباتٌ صُفُونٌ بين أرحلنا
تخالها بالكماة الصيد قضبانا
قال ابن خميس: وقد ورد في تحريم وادي وج، أحاديث وآثار طعن في صحتها المحققون، واستخلص بعض الباحثين منها: أن المراد أنه صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه، حرّم على أصحابه ما هنالك من زهرة الحياة الدنيا، وما عساه يقع بينهم من نفار وشجار، فالقضية قضية حرب، ومصابرة عدو، يجب أن تتجه له الهموم، ويوجد لها العزم.
قال عروة بن حزام في أجمل ما قيل في وج شعراً في عصره:
أحقاً يا حمامة بطن (وجٍ)
بهذا النوح أنك تصدقينا
غلبتك بالبكاء لأن ليلي
أواصله وأنك تهجعينا
وأني إن بكيت بكيت حقاً
وأنك في بكائك تكذبينا
فلست إن بكيت أشد شوقاً
ولكني أسر وتعلنينا
فنوحي يا حمامة بطن (وجٍّ)
فقد هيجت مشتاقاً حزينا
وقال كعب بن مالك الأنصاري:
قضينا من تهامة كل أرب
بخيبر ثم أغمدنا السيوفا
نسائلها ولو نطقت لقالت
قواطعهن دوساً أو ثقيفا
فلست لمالك إن لم نزركم
بساحة داركم منا ألوفا
وتنتزع العروش عروش (وَجٍّ)
وتصبح دوركم منا خلوفا
وقال النابغ:
أتهدي لي الوعيد ببطن (وَجٍّ)
كأني لا أراك ولا تراني
وقال أمية بن أبي الصلت:
إن (وَجّاً) وما يلي بطن وَجٍّ
دار قومي بَرِيدَةٍ وَرْتُوق
(والريدة: طيبة الهواء أو مرتاد).
ويذكر الطائف أنه بين جبلي المحترق والأحيحين. فهما من أعلى المثناة، بينهما وبين الوهط.
وقال البكري: وحُنَين: وادي الطائف، وهذا خطأ، فأين حنين من وَجّ..؟ وقال: سميت بوج بن عبد الحي من العمالقة، وهو أول من نزلها، أما قوله: منه عرج الرب تبارك وتعالى حين قضى خلق السموات والأرض، فهو من الأقوال التي لا ينظر إليها.
ومن شعر لخفاف بن ندبة قوله:
ألا طرقت أسماء لا حين مطرقي
وأني إذا حَلَّتْ بنجران نلتقي
(بوجٍّ)، وما بالي (بوجٍّ) وبالها
ومن يلق يوماً جِدَّة الحب يُخْلقِ
وقال الأحوص يذكر وجَّاً:
أمنزلتي سلمى على القدم اسلما
فقد هجتما للشوق قلباً متيماً
وذكرتما عصر الشباب الذي مضى
وجِدَّة وصل حبله قد تجذما
وإني إذا حلت ببيش مقيمة
وحل (بِوَجٍّ) جالساً أو تَتَّهَما
يمانية شطت فأصبح نفعها
رجاءً وظنَّا بالمغيب مرجما
وهذا من شعر للعبلي، واسمه عبدالله بن عمر يذكر فيه وَجَّاً، قال:
أفاض المدامع قتلى كُدىً
وقتلى بكثوة لم تُرمَسِ
وقتلى (بوجٍّ) وباللاَّبتيـ
ـن من يثرب خير ما أنفس
ويقول أمية بن الأسكر:
لمن شيخان قد نشدا كلابا
كتاب الله لو قبل الكتابا
أنادي فيعرض في إباء
فلا وأبي كلاب ما أصابا
إذا سجعت حمامة بطن (وج)
إلى بيضاتها دعوا كلابا
وفي شعر منسوب إلى (الثقفي):
سقيا (لوج) وجنوب وج
واحتله غيث دراك الثج
وفي شعر آخر منسوب إلى (شيخ):
تركت أباك مرعشة يداه
وأمك ما تسيغ لها شرابا
إذا نعب الحمام ببطن (وج)
على بيضاته ذكرا كلابا
أما جمال الدين العبدري فيقول:
رأى صاحبي أثمار (وج) فقال لي:
ترى هذه الأثمار تسقط أو تجنى؟
فقلت له: كلها هنيئاً فإنما
أطايبها تجنى وتأتيك من تُجنى
ولأحمد بن معصوم قوله:
فبنفسي على معزة نفسي
وبمالي من جل منه وقلا
خرد قد نزلن أكناف (وج)
وسكن المثناة حزناً وسهلاً
وبها اصطفن بل وربعن أيضاً
قاطنات سفح الأخيلة ظلا
ولعلي صدر الدين بن معصوم كذلك:
ما على حاديهم لو كان عاجا
فقضى حين مضى للصب حاجا
ضعنوا والقلب يقفو إثرهم
تبع العيس بكوراً وإدلاجا
سلكوا من بطن (وج) سبلاً
لا عدى صوب الحيا تلك الفجاجا
هم أراقوا بنواهم مدمعي
وأهاجوا لاعج الوجد فهاجا
ومن رقيق الشاعر عثمان الراضي قوله:
لله معهد أنسنا
ما بين (وج) والغدير
مغنىً تخال قبابه
في البهو هالات البدور
يسمو برونقه على
حسن الخورنق والسدير
كم فيه من بدر تكحـ
ـل بالدلال على الفتور
أو شمس حسن بالجما
ل تقنعت لا بالحرير
والشاعر غيلان بن سلمة، يقول:
ألا يا أخت خثعم خبرينا
بأي بلاء قومك تفخرينا
جلبنا الخيل من أكناف (وج)
ولِيَّة نحوكم بالدارعينا
وهذا عباس بن مرداس السلمي، يهجو ثقيفاً أصحاب (وج) ويقول:
وبئس الأمر أمر بني قسي
(بوج) إذ تقسمت الأمور
أضاعوا أمرهم ولكل قوم
أمير والدوائر قد تدور
ونأتي إلى الشعر المعاصر، فقد احتل وج وحمامته الشهيرة في الشعر العربي، مكانة علية، فلا نجد شاعراً كتب شعراً في الطائف وللطائف، إلا وعرج على واديها (وج)، أو ناجى حماماته، وشاكى يماماته، تلك التي برزت ماثلة منذ مئات السنين، في أشعار عروة بن حزام، وأمية بن الأسكر.. وغيرهما. فجاء الشاعر خير الدين الزركلي، بقصيدة سياسية باكية، يشطر فيها قصيدة عروة بن حزام في مناجاته لحمامة بطن وج، وكأنه، ينعى تشطير الأمة العربية، فيقول منها:
أحقاً يا حمامة بطن (وج)
رميت من الزمان بما رمينا
لقد زعموك شاكية وخافوا
بهذا النوح أنك تصدقينا
غلبتك بالبكاء لأن ليلي
يمثل في ديار العرب هونا
إلى أن يقول في آخر الأبيات:
فنوحي يا حمامة بطن (وج)
على وطن سمعت له أنينا
وزيديه البكاء ولا تبالي
فقد هيجت مشتاقاً حزينا
ومن القطر العراقي الشقيق، هذا الشاعر يوسف عز الدين، يبث نجواه وشكواه من جنبات وج فيقول:
هتف الحنين مرجعاً أشواقه
غنى بإخلاصي وطول سهادي
أحمامة الوادي الجميلة غردي
ودعي البكاء لغربة الإنشاد
يا بنت (وج) أنت في أفنانه
هيجت أشواقي إلى بغدادي
وللشاعر عبدالله بن عبدالكريم العبادي، هذان البيتان من قصيدة يذكر فيها الطائف ووج، وهو ينصح صديقه عز الدين بالصبر والتجلد. يقول:
نشاطرك الآلام ما ناح طائر
(بوج) على أيك جميل بتول
تجلد بصبر إن في الصبر راحة
وعلق بآمال فأنت عقول
ومن قصيدة للمرحوم فرح عقيلان قوله:
لطائف الطائف لا تحصر
والعيش في جنباته منظر
الروح والريحان في روضه
والحسن والخضرة والكوثر
يا حبذا (وج) غداة الحيا
وسلسل الغيث بها يهدر
على أن أشمل وأجمل قصيدة قيلت في وج هذا، تلك التي كتبها المرحوم حمزة شحاتة، قال:
إن (وجاً) وسامح الله (وجاً)
لم يدع لي، إلى السلامة نهجا
كان ليلي به مسيلاً من النور
يُغشّي جوانب العيش وهجا
فأنا اليوم بعده في ظلام
أنتجيه وعراً وأطويه لَجّا
بين قيدين.. بين ضيق وعجز
كلما قرت المواجع لجّا
يا رمال الوادي الحبيب تناسيـ
ـت طويلاً هذا العليل المسجّى!
إنه جارك القديم ونجوا
ه لعهد من الوفاء مرجّى
أطلقت ذكرياته دمع عيني
بالذي سر في هواك وأشجى
أتراني إليك أستقبل الفجــ
ـر ملاذاً بعدوتيك ومنجى؟
كذب العيش بعد يومك يا و
ج مريراً، والعمر بعدك فجّا
ويظل وج، نغماً شجياً على أوتار الشعر، وأغنية تتردد على أفواه الشعراء على مر العصور.

ذو صلة