مجلة شهرية - العدد (586)  | يوليو 2025 م- محرم 1447 هـ

صورة الرجل في الكتابات النسائية

ما تزال صورة الرجل في الكتابات النسائية العربية غامضة، وغير واضحة، لأن المرأة تضع صورتها في المرتبة الأولى ثم تضع صورة الرجل في المرتبة الثانية، وهذا نتيجة لخصوصية الذات في كتابات المرأة.
الاختلاف الكبير في صورة الرجل في كتابات المرأة تبعاً لتعاقب الأجيال ولتطور الأفكار وتعدد المفاهيم من مرحلة لأخرى ووفقاً لما عرفته المرأة من المتغيرات الحياتية وما عايشته في قلب الأحداث السياسية والتقلبات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية التي أحدثت انقلاباً في وضع المرأة بدا للبعض خللاً في تركيبة المجتمع، وفي المجال الأدبي انتقلت كتابات المرأة من الرؤية التقليدية للمجتمع الذكوري المتأثرة بمفهوم القوامة، إلى مرحلة البحث عن الذات، وبدأت بصياغة شكل جديد من العلاقة برزت من خلالها صورة الرجل المقهور بأعباء الحياة وتكاليفها، ثم انتقلت إلى مرحلة تجاوز فقدان الذات إلى اكتشافها والنجاح في التوصل إلى تحديد علاقة توافق بين الرجل والمرأة، ورسمت الكثير من الكتابات صوراً تؤكد نجاح المرأة في تعليم الرجل طريقة التعامل معها وكيفية احترامها وعلى رأسها صورة الأب الحبيب المقدر لمشاعر ابنته المراهقة والوالد الحنون المتفهم لطبيعة مشاكلها، وصورة الزوج (الجنتلمان) المتحضر، والأخ الأكبر الجامعي المتفتح في علاقاته مع زميلات الدراسة... وتؤكد نتيجة هذه المراحل أن رؤية المرأة لذاتها لم تكن مفقودة وإنما متحققة، وأنها لا تعد انصرافاً تاماً منها عن وهم سيطر عليها طويلاً حتى أقنعت نفسها أن الرجل أكثر منها تحملاً وقوة وتفوقاً وأنه لذلك يقهرها، ولعله كان واضحاً أنها تريد أن تضع نقطة نهاية مرحلة كانت هي من ساهمت في تشكيلها وفي ترسيخ ما كان قائماً منها في علاقتها بزوجها وأبنائها وقامت للأسف بإعادة إنتاج هذه النظرة في كتاباتها، وفي غمرة التفاؤل بالانفتاح أحدثت المرأة ردة بعد تقدمها، ردة بدت طوعية بعدما عجزت عن إدراك أبعاد المرحلة واستيعاب معطياتها إذ أدت العوامل الاقتصادية الصعبة والظروف السياسية المضطربة إلى خلخلة الوعي، وأصبحت كل الأوضاع مختلطة نتيجة انقلاب الهرم الاجتماعي.
لفت الأدب النسائي العربي انتباه الباحثين والنقاد بشدة لما يمتلكه من مقومات حديثة مكّنت المرأة من أن تثبت جدارة الحضور النسائي في المشهد الثقافي، ولهذا فتحت الروائية والكاتبة مسألة وجودها على الساحة الثقافية من خلال رصد الرجل لطبيعة إبداعاتها ونصوصها الحائرة التي تشظت فيها الذات الأنثوية عبر مواضيع حساسة قلما تمكن الكاتب من إجادة تناولها بقلمه لعدم نضج تمام وعيه بقضايا المرأة وعمق درايته باحتياجاتها الأساسية.
روائيات كثيرات لم يعتبرن العامل الاقتصادي هو المسؤول الأول دائماً عن تفتت العلاقات الاجتماعية بقدر ما رأين أن المسألة تتعلق بضعف الوعي الاجتماعي أو غيابه التام عن تلقي رسائل الإلهام المرسلة من إفرازات طبيعة المرحلة، فهذه رواية تقدم الكاتبة فيها الرجل من زاوية الزوج أو الحبيب وليس باعتباره إنساناً يكابد يومياً الضغوط القاهرة، وثمة من تضع الرجل في خانة حلم الفتاة أو الرجل الملهم وهناك حالات من غياب الرجل بشكل كامل أو على الأقل بشكل جزئي وذلك حين تظهر المرأة باعتبارها العائل الوحيد للأسرة وبخاصة منذ اعتراف المجتمع بحق المرأة في العمل، ووجدت بعضهن السبيل إلى شن الهجوم المعاكس بتصوير الرجل من خلال انكساراته الداخلية وإحباطاته اليومية ونفسيته المهزومة أمام ضغوط الحياة وهو مسعى عمدي لإبراز النقيض منه عند المرأة الصبورة فاتجهت بعض الكاتبات إلى تكسير فكرة أن الرجل قاهر للمرأة، ومالت إلى تأكيد حقيقة أن المرأة هي من قهرت نفسها بغياب وعيها، وعلى ذلك ظهرت فجوة بين الحلم والواقع في رؤية المرأة للرجل لدى الجيل المعاصر من الكاتبات، ومع ذلك كانت بعض الكتابات النسوية قصصاً وشعراً مزيجاً من المعانقة والتفهم، ومن خيبة الأمل والحزن، أي أن عواطف المرأة كانت تتأرجح في كتاباتها بين حب الرجل وكرهه، تتمتع عندما تشعر بقيمته أو قد تضيق بعبئه في الحياة، هي تقلبات أحاسيس الأنوثة تتشكل من فرضية أن دموع المرأة تهزم عناد الرجال ثم تظهر خطوطاً عميقة في نسيج الرواية أو القصة، لذلك لم يعد ينظر إليها في وقتنا الحاضر كتعبير عن فكرة قهر المرأة، بل إن بعضهم تحدث عن كونها مجرد عرض لإثارة ضجة بخلفية دعائية من دون رؤية فنية، حيث تميل بعض الكتابات النسوية إلى ترسيخ الصورة النمطية للرجل: الأب الحامي، والأخ المتسلط، والزوج المسيطر، والابن المعبود، وتقابلها نماذج الأم المضحية، والأخت الخدومة، والزوجة المطيعة، والابنة الصاغرة وهي صور سلبية من جانب وإيجابية في جانب آخر في سياقها العام، فالأب الحامي قد يكون مثال الرعاية والسند المعتمد عليه على الرغم من شدته وقسوته، والأم المضحية قد تكون مثال الحب والاحتواء على الرغم من ضعفها وقلة حيلتها، وقد جعل تغيّر الظروف المعيشية والتركيبة الاجتماعية الأسلوب الوصفي للرجل في قلم المرأة يتحول إلى تيار من الغضب والتنفيس واللوم، وتؤكد بعض الأقلام النسوية أنه أصبح من المطلوب كسر دائرة السياق المتكرر والمظلومية المتوارثة سواء عن الرجل أو المرأة، والنظر ملياً في تفاصيل الواقع الحياتي الذي تباينت تراكيبه واختلفت شخوصه، وأيضاً أصبح من الواجب البدء في عملية التصحيح المتبادل سواء من جانب نظرة الرجل إلى الإبداع النسائي أو نظرة المرأة للرجل من خلال العمل الأدبي، بمعنى محاولة الإيحاء أن المرأة لا تكتب لتنتقم بل لتعيش، مع التأكيد على أن البحث لكشف صورة الرجل ورسم أبعادها في الروايات النسوية لابد أن يعتمد كثيراً على المنهج الاجتماعي، بينما سيكون الاعتماد كبيراً على الجانب النفسي عند التعمق في تحليل صور الرجل من وجهة نظر نفسية، وتلك مسؤولية فكرية نحو تشكيل المجتمعات وقناعات أفرادها.

ذو صلة