في إطار برنامج منصة (الأمة) المتلفز ننشر تحرير لقاء مع د. لويس بلان Louis Blin؛ دبلوماسي، ومؤرخ، ومستعرب، وقنصل فرنسا العام في جدة من 2012-2016م، عاش وعمل في الجزائر والمغرب وسورية ومصر والإمارات العربية المتحدة. ألَّف ما يقارب خمسة عشر كتاباً عن العالم العربي والإسلام، عدد منها عن المملكة العربية السعودية.
ينصب اللقاء على كتابه: (لامارتين، الساعي بالإسلام)، منشورات إيريك بونيي، 2024م
La Martine passeur d’islam, Ed. Éric Bonnier 2024.
ومن كتب السيد بلان الأخرى التي تجدر ترجمتها كتاب: ألكسندر دوما، سرديات بلاد العرب، منشورات لارماتان L’Harmattan, 2022, 572 p.
وكتاب: المملكة العربية السعودية، من الذهب الأسود إلى البحر الأحمر
L’Arabie saoudite, de l’Or noir à la mer Rouge
الناشر؛ إيرولبس، 2021 م، 190 صفحة (Eyrolles/IRIS, 2021, 190 p.)
- مدينة حواء، جدة في الأيقونات الفرنسية حتى عام 1940م
La ville d’Ève. Djeddah dans l’iconographie française jusqu’en 1940
الناشر: غوتنير، 2021 م، 446 صفحة (Geuthner, 2021, 446 p.)
-اكتشاف الفرنسيين الجزيرة العربية
La Découverte de l’Arabie par lês Français
غوتنير، 2019 م، 768 صفحة Geuthner, 2019, 798 p.
وله كتابات مهمة عن الدولة السعودية الأولى أهمها: نابليون والدولة السعودية الأولى، (وهو لدينا قيد الترجمة).
ومن كتبه أيضاً: فيكتور هوغو والإسلام Victor hugo et l›islam Paru 2023, ، نشر 2023 م، منشورات إسيّ Essai (broché)
ومن آخر كتبه: معجم تعريفي بالمملكة العربية السعودية: (معجم فريد للمملكة العربية السعودية) الذي سيصدر في 23 مايو (أيار) 2025م، عن دار نشر كوزموبول COSMOPOl
Dictionnaire insolite de l’Arabie saoudite
نص الحوار:
يعرج بلان في هذا الحوار الشيق والثري على المسار المجهول لألفونس دو لامارتين
Alphonse de Lamartine (1790-1869م)
الشاعر الرومانسي، والسياسي الملتزم، ويعد من أوائل المثقفين الفرنسيين الذين دعوا إلى رؤية مستنيرة تحترم الإسلام.
لقد استطاع لامارتين عبر رحلاته إلى الشرق، وعبر قراءاته ولقاءاته أن يبدل جذريا إحساسه العميق بالشرق وبالعالم الإسلامي. لقد رأى، بمنأى عن آراء الاستشراق المسبقة في عصره، أن الإسلام دين العقل والتسامح والإنسانية.
لقد سعى لويس بلان إلى رسم ملامح هذا الارتقاء الروحي والسياسي، ويدعونا إلى إعادة اكتشاف هذا الفج العميق المنسي في الإرث الأدبي الفرنسي في معالم الالتقاء بين فرنسا والعالم العربي.
إن ذلك بقعة ضوء ملهمة في زمن يشغل فيه النقاش عن الهوية والذاكرة الجماعية موقعاً مركزياً في الفضاء الشعبي.
ارتقاء شخصي مصبوغ بصبغة الشرق
يبدأ لويس بلان كتابه بوضع لامارتين في موضعه من عصره وفي مساره الشخصي. لقد كان شاباً ذا توجه ملكي، كاثوليكياً متطرفاً، ثم ابتعد شيئاً فشيئاً عن الرؤية الضيقة عندما اكتشف الشرق والإسلام إبان رحلاته إلى لبنان وفلسطين وسورية.
إن ذلك الارتقاء الشخصي، عبر القراءات واللقاءات، مع المسلمين والمسيحيين العرب على وجه الخصوص، قد غير تغييراً جذرياً رؤيته للعالم.
لقد كان على النقيض من رومانسيي عصره ممن كانوا على منوال شاتوبريان Chateaubriand يغريهم الشرق المتوهم والغرائبي.
كان لامارتين حريصاً على فهم واقع تلك الحضارة، وأن يُنظر إليها بعين العدل، وعلى وجه الخصوص في بعدها الديني.
لامارتين الساعي بالاختلاف والإنسانية
يرى لويس بلان أن تلك المواجهة مع الاختلاف الملموس هي التي جعلت من لامارتين (ساعياً) حقيقياً. إنه لم يكتف بالنظرة السطحية أو الاستشراقية: لقد عاش تجربة روحية دفعته إلى أن يعد الإسلام دين تسامح، عقلاني، وإنساني بامتياز في آن معاً.
لقد صاغ لامارتين في إطار هذا المنظور فلسفة إنسانية تتجاوز الانقسامات الدينية، وتبني ضرباً من الأخوة الكونية بين المسلمين والمسيحيين، بين الشرق والغرب.
السيرة النبوية.. وثيقة أدبية وسياسية
إن واحداً من العناصر المركزية للكتاب الذي ذكره لويس بلان هي السيرة التي خص بها لامارتين النبي محمداً صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أنه لم يكن يتقن العربية، لقد اعتمد على ترجمة لسيرة ابن إسحاق ليستخلص منها عملاً يصل إلى أفهام القارئ الفرنسي في عصره. لقد كان يأمل من ذلك أن يجعل القراء الغربيين في ذلك العصر يكتشفون شخصية شوهها الغرب بلا وجه حق. ويرى لويس بلان أن هذا المشروع كان يرمي إلى محاربة الجهل المطبِق الذي كان منتشراً في أوروبا عن الإسلام، وإلى منح القدرة على التماهي مع المسلمين عبر شخصية النبي صلى الله عليه وسلم التي ينبغي الحديث عنها بعبارة أدبية وبإجلال واحترام.
برنامج التزام سياسي لخدمة البعد الكوني
يذكر لويس بلان أيضاً أن لامارتين كان رجل سياسة ملتزماً، وخصوصاً بصفته وزير الشؤون الخارجية، وعنصراً فاعلاً في ثورة عام 1848م؛ وهو الذي ألغى بلا رجعة في هذا العام التاريخي سياسة الإتجار بالبشر في فرنسا. لقد كان التزامه السياسي متماشياً مع تفكيره الكوني: لقد كان يعتقد اعتقاداً راسخاً أن التنوع الديني والثقافي يمكنه أن يثري الأمة الفرنسية. ويرى بلان أن لهذه العبارة وقعاً فريداً في عصرنا المشحون بالتوتر الانتمائي.
تقليد إسلامي محبب ولكنه منسي
يشير المتحدث، لويس بلان، إلى أن لامارتين لم يكن حالة فريدة. بل إنه كان واحداً من ثلاثة أصدقاء هم: فيكتور هيغو (1802-1885م) Victor Hugo، وألكسندر دوما (1802-1870م) Alexandre Dumas
وقد كانوا جميعاً يتقاسمون إحساساً مشتركاً حيال الإسلام والشرق. هذا النمط من حب الإسلام الذي كان يُعبَّر عنه بأسلوب أدبي في القرن التاسع عشر هو نمط منسي غالباً لمصلحة سردية تتمركز في الأعم الأغلب حول الاستعمار. تستحق السردية الأولى أن تُكتشف من جديد. ويظهر من دراستها أن هناك في صميم الثقافة الفرنسية نفسها تياراً عميقاً من تقدير الإسلام والانفتاح عليه، متمثلاً في عدد من كبار كتَّاب الأمة الفرنسية.
ذاكرة انتقائية ينبغي تجاوزها
يُدين لويس بلان في هذا السياق الذاكرة الانتقائية لفرنسا المعاصرة، التي تميل إلى إخفاء ذلك التقليد في الانفتاح لمصلحة سردية متضاربة. إنه يدعو إلى إعادة قراءة لامارتين، وإلى إعادة تقويم رصيده الأدبي ليس لكي نفهم الإسلام فهماً أعمق، وإنما لإعادة اكتشاف ملمح جوهري من ملامح التراث الأدبي والثقافي الفرنسي.
ويرى بلان أن إنكار هذا الجانب الإسلامي المحبب في تاريخ فرنسا لا يفضي إلى ارتكاب خطأ تاريخي فحسب، بل إنه يسهم أيضاً في إضعاف هويتنا الوطنية الخاصة، القائمة على التعددية والإنسانية.
كلما عرفنا الإسلام معرفة أفضل كانت حياتنا معاً أفضل
يلح لويس بلان في الختام على أهمية أن يتعرف فرنسيو اليوم على أعلام الإسلام، كما يعرفون أعلام المسيحية؛ إذ لا يكفي في مجتمع هو في كل يوم ينغمس أكثر فأكثر في التعددية الثقافية أن يعرف من كان القديس بيير، بل ينبغي أيضاً أن يعرف من هي خديجة ومن هو أبو بكر رضي الله عنهما.
إن هذه المعرفة المشتركة هي ركيزة العيش المشترك المطمئن.
الإسلام ثروة للثقافة الفرنسية
يُنهي لويس بلان حديثه مشدداً على أن الإسلام، البعيد كل البعد عن أن يكون خطراً، هو ثروة ثقافية وروحية. وإذا كان هناك اليوم إسلام فرنسي فإنه اليوم موروث من لامارتين، وهوغو ونابليون. إذن، لقد حان الوقت اليوم لإدراج هذه الذاكرة في سردية الموروث الوطني ليس من باب التوبة النصوح، ولكن تلبية لمتطلبات الحقيقة والتلاحم.
نشر مضمون هذا الحوار على منصة (أمة) Oumma بتاريخ 24 أبريل 2025.