مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

إبراهيم الدغيثر.. إدارة المالية في حائل

كتبه ابن صالح - عبدالعزيز بن صالح الدغيثر: العارض


ضُمت حائل إلى الحكم السعودي عام 1340هـ/1922م؛ فعيّن الملك عبدالعزيز (إبراهيم السالم السبهان) أميراً عليها لمدة عام واحد، قبل أن يعين الأمير عبدالعزيز بن مساعد بدلاً عنه أواخر عام 1341هـ. الذي طلب أوائل سنين إمارته رجالاً ليشغلوا بعض الوظائف ويتولون بعض الإمارات التابعة لمنطقة حائل إدارياً آنذاك، مثل عبدالعزيز بن راشد بن عساكر الذي كان أول رئيس لبيت المال في حائل بعد ضمها، وسليمان بن يوسف الشنيفي الذي تولى إمارة لينة، ومحمد بن بتال الذي كان أول أعماله أميراً على القطيف، ومحمد بن شهيل الذي كان آخر أعماله وكيلاً لإمارة حائل، وغيرهم من أهالي العارض الذين عملوا في إمارة حائل فترة إمارة ابن مساعد عليها، ومن الذين تولوا مناصب إدارية في حائل؛ إبراهيم بن عبدالله السعود الدغيثر -يرحمه الله- الذي كان مديراً لمالية حائل في عهدي الملك عبدالعزيز والملك سعود، فكرس حياته خدمة لدينه وولاة أمره من أسرة آل سعود الكريمة ووطنه مدة قاربت الخمسين سنة. فكان الوفاءُ للوطن وقياداته والبِر بالآباء والأجداد دافعين لي للبحث عن سيرته  وتدوينها
فابتدأت البحث عن سيرته وجمع المعلومات عنه والوثائق التي تخصه، وسعيت أن أتواصل مع كل من قد أجد عنده معلومة مفيدة عنه في الرياض أو حائل، كذلك سعيت أن أطلع على ما يخصه من وثائق خلال سنوات عمله، وقد حصلت على صور مما تبقى من أوراقه الرسمية  التي سلمت من إتلافه لأوراقه بعد عودته من حائل بسنوات، فكانت مفيدة لي أثناء التدوين.
ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر لأبي خالد، فهد بن إبراهيم على إتاحة الفرصة لي وتفضله علي بالموافقة على تدويني لهذه السطور عن والده.
ولا أدعي الإلمام برحلة جاوز عمرها المئة عام، لكنني اجتهدت وعسى أن أكون قد وفقت في اجتهادي هذا.

الأسرة والميلاد
ولد إبراهيم الدغيثر عام 1316 هـ/1898م تقريباً، ويعود نسب أسرة آل دغيثر إلى آل يزيد من بني حنيفة؛ وهي أسرة عارضية شهيرة بالولاء للأسرة المالكة منذ طور تأسيس الدولة الأولى حتى يومنا هذا.

العمل في العلا
في عام 1344هـ/1926م ضُمت العلا سلمياً للحكم السعودي بعد حصار قارب الشهرين؛ فوليّ قائد الحصار عبدالرحمن بن نويصر العنقري إمارتها، وشرع في تنفيذ أوامر الملك عبدالعزيز في تأمين الطرق وإرساء العدل وربط العلا بشبكة اللاسلكي (البرقيات) التي كانت حديثة على البلاد، وعُين الدغيثر في نفس السنة (مأموراً) فيها، وكان قد كُلف قبل ذلك بتنظيم الشؤون المالية لبعض بلدان شمال المملكة لما ضمت. وإن كانت المصادر التاريخية والوثائق غير كافية أثناء تدويني عن فترة إمارة ابن نويصر على العلا فإنها تكاد تنعدم عند فترة مأمورية إبراهيم الدغيثر فيها، إلا أنه يُستنبط مما هو متوفر، أن ابن نويصر كان أميراً على العلا يقوم بمهام الأمير الإدارية والأمنية وإلى جانبها قام بالأعمال القضائية قبل تعيين الحميدي الرديعان قاضياً في العلا الذي أعفي بناء على طلبه من إمامة المسجد النبوي الشريف أواخر عام 1345هـ. ويستدل على ذلك بوجود ختم ابن نويصر على وثيقة مبايعة في العلا مؤرخة في 12/11/1345هـ، أيضاً يدل على ذلك رواية ابنه لي عن قيام والده بقسمة تركة متوفى في العلا. أما إبراهيم الدغيثر فقد كان إلى جوار ابن نويصر مقتصراً عمله آنذاك على البرقيات وبيت المال وما هو محفوظ فيه، ويُفهم هذا من رسالة أرسلها ابن نويصر إلى الأمير (الملك) فيصل نائب جلالة الملك في الحجاز، وردت الإشارة فيها إلى ودائع محفوظة لدى الدغيثر.
بقي إبراهيم الدغيثر (مأموراً) في العلا أربع سنوات هي نفس فترة تأمير ابن نويصر عليها.

إلى حائل
في عام 1348هـ/1929م انتقل إبراهيم الدغيثر من العلا إلى حائل تلبية لطلب الأمير عبدالعزيز بن مساعد رجالاً ليشغلوا بعض الأعمال فيها؛ فعُين الدغيثر في مالية حائل وما لبث أن كلفه الأمير عبدالعزيز بن مساعد مشرفاً على نفقات قصر الأمير الخاص وقصر الإمارة إضافة لعمله في المالية.



مدير مالية حائل
ثم في عام 1360هـ/1940م صدر أمر الملك عبدالعزيز بتعيينه مديراً لمالية حائل؛ مع استمرارية عمله مشرفاً على نفقات قصر الأمير الخاص وقصر الإمارة. وكانت حدود منطقة حائل إدارياً حينها أكبر مما هي عليه الآن، فقد شملت أيضاً مناطق تبوك والجوف والحدود الشمالية وجزء من منطقة المدينة المنورة، فكانت جميع الشؤون المالية لبلدات هذه المناطق أو ما كان يسمى (بيت المال) تتبع لمالية حائل التي كان يتولى إبراهيم الدغيثر إدارتها. ونجد له إبان عمله مديراً لمالية حائل بعض الأوراق التي سلمت من إتلافه لأوراقه الرسمية، منها عدة بيانات (سجلات) توضح العهدة التي استلمها من سابقه مبارك ابن مبيريك، ذُكر في إحداها تاريخ توليه عمله واستلامه العهدة وهو 14/11/1360هـ، أيضاً نجد تعليمات لمالية حائل هي أشبه اليوم باللائحة النظامية للمؤسسات والإدارات، كذلك بعض الأوراق التي تخص نفقات قصر الأمير الخاص. أيضاً مما تجدر الإشارة إليه أن المسمى الوظيفي لمسؤول مالية حائل قبل توليه لم يكن (مدير المالية) بل كان (وكيل المالية) ويُلاحظ هذا في البيانات (السجلات) الباقية من أوراقه. ومن ضمن الذين عملوا تحت إدارته آنذاك، محمد بن عبدالله النويصر رئيس الديوان الملكي الأسبق الذي بقي لاحقاً وفياً حافظاً للود معه.

هدية الملك عبدالعزيز
زار الملك عبدالعزيز حائل عام 1366هـ/1945م؛ وهي ثاني زيارة قام بها لحائل منذ ضمها للحكم السعودي عام 1340هـ/1922م، وكان إبراهيم الدغيثر قد كُلف بشؤون زيارة الملك لها وبالتجهيز والإعداد لحفل استقباله.
وقد غادر الملك عبدالعزيز حائل بعد انتهاء مدة زيارته لها متوجهاً إلى القصيم. وفي القصيم أُقيم للملك مخيم في حي التغيرة ببريدة، فقدم إليه في هذا المخيم ليعرض عليه احتياجات مالية تخص مالية حائل، فوافق الملك عبدالعزيز عليها ووجهه بالذهاب إلى مكة للقاء حمد السليمان الحمدان شقيق وزير المالية ووكيله. وكانت الأجواء أثناء مغادرته مخيم الملك محملة بالأتربة، فناداه الملك عبدالعزيز قبل مغادرته وأهداه (نظارة) إطارها من الجلد السميك، وقال له: خذ هذه تحمي عيونك من الأتربة.
وقد قام ورثته بعد وفاته بإهداء هذه النظارة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- عندما كان أميراً لمنطقة الرياض.

شهادة الملك سعود بالأمانة
في عام 1379هـ/1958م كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك سعود إلى حائل؛ وهي ثالث زياراته لها منذ توليه الحكم. وفيها التقى الملك بالعديد من أعيان المنطقة وأهاليها، وقدم كما هو معروف عنه الهدايا المالية لشيوخ القبائل والمواطنين الذين التقى بهم في زيارته تلك. وشرّف الملك أيضاً إبراهيم الدغيثر خلال تلك الزيارة في منزله بحائل ملبياً دعوته، وأودع الملك سعود لديه أثناء تلك الزيارة مئتي ألف ريال أمانة بصفته الطبيعية لا بصفته الاعتبارية كونه مديراً لمالية حائل. فحفظ الأمانة الملكية في منزله وأبقاها عنده مدة قاربت السنتين أو زادت عليها بقليل؛ وبعد مضي هذه المدة قرر السفر من حائل إلى الرياض للسلام على الملك سعود وتسليمه ما أمنه عنده، فسافر إلى الرياض وذهب للسلام على الملك في مجلسه -لعله في قصر الناصرية- وبعد السلام عليه قدم الأمانة للملك وقال له: هذا ما أودعته عندي أمانة لما زرتنا في حائل آخر مرة، فقام الملك سعود وقال أمام الحضور: (إن هذا الرجل أمين.. إن هذا الرجل أمين).

العودة إلى العارض
استمر إبراهيم الدغيثر متعاوناً مع مرؤوسيه ومخلصاً ووفياً لولاة أمره وصديقاً محباً لرئيسه الأمير عبدالعزيز بن مساعد حتى 1378هـ/1957م حيث مدد له خمس سنوات بعد بلوغه سن التقاعد النظامي؛ ثم مدد له أيضاً مرة أخرى. وفي عام 1391هـ/1970م وافق الملك فيصل على طلب الأمير ابن مساعد الإعفاء من منصبه أميراً لمنطقة حائل بعد خمسين سنة من إمارته عليها. بقي إبراهيم الدغيثر بعد ذلك في حائل لمدة عامين قبل أن يغادرها إلى الرياض عام 1393هـ/1973م، وفي عام 1401هـ/1980م، شارك في تأسيس شركة بنده لتجارة التجزئة.
توفي إبراهيم الدغيثر في الرياض يوم الخميس 19/2/1419هـ الموافق 11/6/1998م ودفن في مقبرة العود فرحمة الله عليه.

ذو صلة