مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

محمد نجيب محمد علي: احذروا الشعر فإنه لا يورث إلا الفقر

حوار/ منى حسن: السودان


يلمس القارئ لنصوص الشاعر محمد نجيب محمد علي شعريةً لا تتمحور حول ذاتها، بل هي على علاقة حميمة بالإنسان السوداني. تُدون معاناته، وأفراحه، وتترجم انفعالاته بمُعجمِ شَاعرٍ ظلَّ وفياً لإنسانيته/ سودانيته.
ومحمد نجيب محمد علي، شاعر وصحفي سوداني، من مواليد مدينة أرقو حاضرة شبه جزيرة أرقو بشمال السودان منتصف الخمسينات. تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة، وعمل بعدة صحف محلية وعربية. كما كان مراسلاً لعدة مواقع عربية.
يكتب الفصحى والعامية ويعد من أهم شعراء الأغنية في السودان.
صدر له: (تعاويذ على شرفات الليل)، (ضد الإحباط)، (عن إلزا وذاكرة المدينة)، (دم العاصفة)، (نداء الأجنحة)، وله تحت الطبع ديوان: (أناشيد الأسئلة) المجموعة الحاصلة على جائزة الطيب صالح العالمية في دورتها الثانية عشرة- محور الشعر 2021. كما صدر له كتابان ضما أهم ما أجراه من حوارات في مسيرته الصحفية.
شارك في عدة فعاليات محلية وعربية، وتغنى بكلماته عدد من كبار الفنانين بالسودان. له عدة أعمال للأطفال، وترجمت قصائده للغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية.
التقته المجلة العربية في الحوار أدناه للحديث عن تجربته الأدبية وعدة قضايا ذات صلة:
يحدونا التأمل في تجربتك المتنوعة الاشتغالات للتساؤل عن أهم العوامل التي أسهمت في تشكيل التجربة الشعرية/ الشعورية لمحمد نجيب؟
- في الشعر يجتمع الخاص والعام حين يصبح ما هو ذاتي عاماً وما هو عام ذاتياً... وللشاعر عوالم تتسع مساحاتها بأكبر من خارطة الأرض.. وتجمع في أعماقها أنهار الروح وجبالها وبحارها وأرضها وسماءها.. والشعر محاولة للإبحار فوق أمواج الأسئلة وحيرتها وعذاب الذات والناس. نحن ما نزال نعيش في كون مجهول لم يكتشف بعد.. كلما عبرنا جداراً بدا لنا جدار آخر... نحاول من خلال الرؤيا وحمحمة الروح أن نرى برقاً يضيء.. وننظر في وعد السحب.
لا أراني قصدت الدخول إلى عوالم القصيدة.. لأنني لم أكتشف نفسي إلا وأنا غارق في أمواجها، لذا لم أتبين الشاطئ الذي دخلت منه... كنت يافعاً حين مسني ذلك الجنون فهجرت طفولتي وأنا لم أبلغ التاسعة بعد.. في ذاكرتي الآن أرى نفسي تائهة تفكر في الهروب ليلاً من داخلية المدرسة الوسطى خوفاً من إغلاق أبوابها عند السابعة مساء. وقد فعلت ذلك وكنت أتبع آثار خطوات العربات في صحراء عارية إلا من جذوع أشجار ترمي بظلالها العارية وأشباحها.. كنت أبحث عن أحضان أمي الغائبة عني في مدينة أخرى، وأتبع صرخات أبي وهي تعيدني عند أذان الفجر لطابور الصباح المدرسي كي أنال عقابي جلداً أمام زملائي حتى لا يفكروا في فعل ما فعلت.. وهم لا يفكرون أبداً.. كنت أعيد الكرة مرة ومرات دون أن تهمس لي شعرة خوف... إذ كيف يخاف من صاحب الأشباح والظلمة وهو لا يرى حتى ظله..
لم أكن حينها أعرف ما الشعر وما هي الكتابة... فقط كنت أحاول أن تتسع عيناي لتكون أكبر.. وأقدامي لتكون عملاقة.. كنت أحاول أن أرى ما لا يرى.. وأسمع ما لا يقال.. أنا ولدت في بيئة كانت تفيض بالحكايات، حكايات جدتي وأمي.. حكايات الليالي الغريبة تلك التي لم تكتب في ألف ليلة وليلة.. أنا ابن الأحاجي... ابن عوالم مسكونة بالغرائب.. هكذا وجدت نفسي.. وكنت أحاول أن أرى العالم دفعة واحدة.. العالم الذي لا ينتهي في الضفة الأخرى من النهر.. ربما لم أكن مشغولاً بذاتي.. كانت تشغلني الفوضى التي أراها ولا أمسك بها.. كنت أبكي في غير أوقات البكاء وأضحك في غير أوقات الضحك.. وقليلاً قليلاً بدأت أسأل عن كل مشهد وكل جرح وكل وطن مسروق. كانت فلسطين أول نكبة صعدت على جبل الروح كي ألعن بلفور وأعانق فاطمة برناوي.. وأغني لعرفات... وكان أحمد طه القرشي أول شهيد جعلني أبكي وأخبئ شهقاتي بركن جدار في المدرسة في شهر أكتوبر.. لم أكن أعرف ماذا يحدث ولكن أصوات قلبي كانت تقول إن هذا العالم جد مخيف...
لم أكن وقتها قد عرفت الحب إلا بعد وفاة ابنة الجيران وهي في التاسعة من عمرها بداء الملاريا. بكيت الليل بطوله حين أدركت أنني لن أراها مرة أخرى.
حياتي بدأت بأسئلة ولا تزال معلقة على حبال الروح... حين يتوه الشاعر يتوه العالم وحين يتوه العالم يتوه الشاعر.. ونحن أبناء محنة واحدة... تلك هي البذرة الأولى التي حملت كل فروع وأغصان التجربة.. وبعد ذلك.. أنبتت الشجرة ثمارها حين أضاءت الفوانيس الليل وأغرقتني بين الكتب وأسئلة الفلسفة.. وحين أخذتني شوارع النهار لتجارب كثيرة هنا وهناك.. رمتني بين العصف والنزف... امتلأت ذاكرتي وروحي حتى بحثت عن عصاة أتوكأ عليها حتى لا يضلني الطريق وحتى لا يضيق... أبحرت في تجارب وتجريب بحثاً عن يد الحلم الغائبة.. وعن صوتي الذي أراه وربما يوماً أفعل ذلك.
هل أثرى عملك في الصحافة مسيرتك الأدبية، أم كان خصماً عليها؟
- أحسبني جربت وظائف عديدة بدءاً من عملي كتاجر بسوق أمدرمان ثم مدرساً لمادة الفلسفة بمدارس اليمن، وسائق عربة أجرة، ثم مديراً لمصنع أحذية وصحفياً، على مدى أكثر من ثلاثين عاماً. والشعر بالتأكيد ليس وظيفة نسترزق منها. هو شيء مختلف. لن تكسب منه سوى الجنون والضياع والفقر.. وقد قلت ذلك في مقدمة ديواني دم العاصفة احذروا الشعر فإنه لا يورث إلا الفقر. ربما يكون العمل بالصحافة هو أقرب الوظائف التي لا تفصلك عن ذاتك الكاتبة.. أحسبه أضاف لي الكثير حيث كانت أغلب أشغالي فيه ترتبط بالجانب الثقافي والفكري والإبداعي. أتاح لي العمل بهذا المجال حوار الكثير من المبدعين في وطننا العربي والسوداني بدءاً من واسيني الأعرج وزينب الأعوج وسعيد يقطين ومحمد بنيس وإدريس زايدي وعيسى الحلو وإبراهيم إسحاق وعبدالقادر جبار وحسن النواب وناصر بكرية وآخرين كثر وصدر لي كتابان بعنوان حوارات في تدابير الراهن الثقافي وسيصدر كتابان آخران مستقبلاً..
وأعتقد أن العمل الصحافي الثقافي يحتاج إلى ذخيرة معرفية كبيرة وذلك لن يتأتى إلا بالاطلاع والقراءة ودراسة تجارب الآخرين وإبداعاتهم. وهذا يقود إلى القول إن عمل الأديب أو المبدع بالصحافة لا يكون خصماً على إبداعه، إنما ينهل المبدع من هذه التجربة ويستطيع أن يوظفها في اتساع الرؤية وفي أعماله الإبداعية... ومن وجهة نظري أن كل الوظائف هي تجارب حياتية تفيد المبدع لأن نظرته لكل تجربة تختلف عن نظرة عامة الناس وفي ذات اللحظة تربطه بالناس. وإذا تأملت في وظائف المبدعين في العالم تجدين أكثرها قرباً لهم هو عملهم بالصحافة.. الذي يتيح اتساع المعرفة والوعي بكل ما يجري في العالم. والصحافة هدفها الأول هو التنوير وكشف المستور ومعالجة الفوضى وتحقيق الأمن والسلام والعدالة وهذه هي ذات أهداف الكتابة الإبداعية التي كما قلت لك تجمع بين الخاص والعام.
لطالما ظلَّ الشاعر السوداني في الظلِ ليس عربياً وحسب، بل عالمياً، وظلَّ الشعر السوداني مغموراً، ومُهمشاً رغم تميزه وعمق تجاربه، فما سر هذا الانزواء، وهل تؤيد أن الثقل الأعظم من مسؤوليته تقع على الأديب نفسه؟
- يوماً ما قال الشاعر نزار قباني في زيارته للخرطوم: إن كل أهل السودان شعراء. صدق نزار. وفي اعتقادي أن الشعر في بلادنا بلغ شأواً عظيماً.. ولدينا شعراء لا يقلون عن أعظم شعراء العالم. ولكن مشكلتنا تكمن فى أننا فشلنا في التسويق لهم.. وترجمة أعمالهم. فالشاعر الحق في بلادنا يعيش مأساة منذ أن يولد وحتى يموت.. فلا الدولة تهتم بذلك ولا اتحادات الكتاب المتعددة تفعل شيئاً.. فقط يجيدون كتابة بيانات التعزية يوم الرحيل... في ظني مثلاً أن محمد المهدي مجذوب لا يقل عن الجواهري. ومصطفي سند عن درويش. وهناك غيرهم كثيرون. والعالم العربي لا يعرف منا سوى الفيتوري والذي ساعدته ظروفه في أن يصل صوته للعالم بذات الظروف التي ساعدت الطيب صالح أن يكون عبقري الرواية العربية كما أطلق عليه مؤتمر الرواية مؤخراً في القاهرة. للأسف شعراؤنا الذين يعيشون داخل الوطن يعيشون الغربة السوداء ويعجزون حتى عن طباعة أعمالهم. هذا من جانب ومن جانب آخر نرى هيمنة السياسة وفرض سلطتها المؤدلجة على المبدعين الشعراء. فعلى مدى ثلاثين عاماً كان تمثيل السودان في المهرجانات العربية حكراً على شعراء السلطة دون غيرهم وهم الأضعف فنياً. وهم فقط من تطبع أعمالهم ومن يجدون تذاكر سفرهم على بوابات المطار.. ولكي يصل صوت شعرائنا للعالم لا بد من طباعة أعمالهم ولا بد من وجود رعاية لهم ولا بد من ترجمتها. نحن نملك أمانة لرعاية المبدعين تعجز حتى عن دفع إيجار مكاتبها الآن كما قال لي الشاعر عبدالقادر الكتيابي أمين الصندوق. فماذا ستقدم هذه الأمانة للمبدعين. في وجهة نظري لا بد أن يكون لهذه الأمانة ما يدعم الإبداع أولاً كي يدعم المبدعين. ولا أظن أن مسؤولية وجود الشاعر في الظل تقع على الأديب نفسه إلا من ناحية الفن والتقنية والتجاوز الإبداعي. أما التسويق للعمل الإبداعي مسؤولية الدولة الحضارية ومسؤولية الاتحادات بكل فروعها. شعراؤنا أفقر الناس وأغنى الشعراء.. ودون شك سيأتي اليوم الذي يجد فيه الشاعر السوداني مكانته بين شعراء العالم وليس ذلك ببعيد.
هل ترى أن النقد ضرورة ملحة لتطوير القصيدة؟
- أنا مع النقد الذي يتم عن محبة كما قال الطيب صالح. النقد المسؤول وليس النقد الذي يأتي وكأنه مصارعة عضلات في حلبة ثيران. لا شك أن لكل قصيدة شروطها التي تأسست عليها ولا بد أن ينظر النقد في هذه الشروط ومدى نجاح الشاعر فيها. لكننا للأسف اليوم نرى أن النقد اتخذ له أزقة ضيقة.. لم يعد هو ذلك العمل الذي يمكن أن يضيف للشاعر.. أصبح يعتمد على مزاج الناقد وعلاقاته وأحياناً أيديولوجيته. وأحياناً أخرى مجرد إسقاطات وتعابير إنشائية لا تضيف شيئاً. في اعتقادي أننا نحتاج لمناهج نقدية عربية أصيلة ترتبط بتاريخ القصيدة ومستقبلها ورؤيتها المعاصرة والتي لن تنفصل بالتأكيد عن بعدها الإنساني وفضائه. النقد أصبح جملاً تكتب حول النص باختصار مزرٍ.. هذا عمل جيد وهذا عمل رديء.. والسؤال الحقيقي هو لماذا هذا العمل جيد أو رديء. نحن نحتاج إلى نص نقدي يوازي النص الشعري.. يغوص بأعماقه ليخرج اللآلئ أو عشب الماء.. ورغم كل ما قلته يبقى للنقد الجيد دوره الإيجابي المنتظر لتطوير القصيدة.. والقصيدة اليوم بلغت فضاءات جديدة... أكثر مما بلغه النقد.. أذكر في مرة سألت الناقد الدكتور مصطفى الصاوي لماذا لا نرى متابعة نقدية من النقاد لما ينشر ويكتب، أجابني لأن النقد وظيفة بلا راتب! ترى هل سيكون لنا يوماً موظفون نقاد وهل سيهيئ لهم المسؤولون هيكلاً وظيفياً يحقق لهم طلباتهم.. أعرف كثيرين تخرجوا من أقسام الدراسات النقدية بالجامعات ولم يعملوا نقاداً، إنما اختاروا وظائف أخرى.. تحقق لهم عائداً مادياً.
تأكيداً إشكالية النقد كبيرة.. وأذكر أننا في سبعينات القرن الماضي حين بدأنا نكتب ولم نجد من يقرأ أعمالنا كنا نقول إننا جيل بلا نقاد لذا سعى بعض شعراء جيلنا لكتابة النقد بجانب كتابتهم للشعر ومنهم الشاعر محجوب كبلو والشاعر أسامة الخواض ومحمد محي الدين.
هل أنت مع هدم حواجز الشكل بين الأجناس الأدبية؟
- لا ليس هكذا.. كل جنس أدبي له شكله الذي يحتفي به ويميزه عن الجنس الآخر. القصيدة ليست قصة أو رواية أو فيلماً سينمائياً أو لوحة تشكيلية إلخ... ولكنها يمكن أن تستفيد من كل ذلك. أنا أقول بالفضاء المفتوح الذي يفيد النص الأدبي الشعري ويثريه.. أذكر يوماً أنني قرأت قصيدة لشاعر سوري كان يتحدث فيها عن غضبه من غضب حبيبته، وهو يحكي عن ذلك وضع صورته الشخصية غاضباً كبيت في القصيدة. أطربني تفكيره ولمحته الفنية التي أضافت للقصيدة فنون الصورة. ترى ما الذي يضير السماء وفيها ظلال أضواء النجوم والقمر والسحب والكواكب الأخرى غير أنها تزيدها جمالاً.. أعتقد أن الأجناس الفنية يمكن أن تستفيد من بعضها دون هدم الحواجز حتى لا تختل الموازين. ودون أن تفقد الأشكال رونقها وجمالها. فلكل شكل شروطه التي تحقق له الاستقرار والأمن وهذه الشروط يحكمها الإبداع وليس شيئاً غيره. نحن نحتاج إلى إبداع يشبه هذا العصر ويحمل ألوانه وإيقاعه ولغته. نحتاج إلى ما هو أقرب لوجدان الناس ولثقافتهم.
رؤيتك، وتقييمك للمشهد الشعري السوداني حالياً.
- في رأيي أن كل كتاب السودان هم أساساً شعراء. لذا أقول من ليس بشاعر ليس بمبدع. نجد الروائيين طارق الطيب وأمير تاج السر يكتبان القصيدة. وأيضاً كان الطيب صالح الروائي العالمي السوداني شاعراً قبل أن يكون سارداً. وهناك القاص والروائي إبراهيم إسحاق بدايته كانت الشعر ومحمود محمد مدني وآن الصافي، وبشرى الفاضل والناقدان عبدالقدوس الخاتم ومجذوب عيدروس وهذا يقول بصدق ما رميت له. والمشهد الشعري حالياً تتآلف في مائدته كل أشكال الشعر. العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر. كل شاعر يحاول إضافة بصمته في القصيدة. ودون شك التحولات التي يمر بها السودان وفضاء الحرية الذي تحقق سيلعب دوراً كبيراً في إثراء المكتبة الإنسانية وشكل الكتابة.
ورغم كل هذا المد الإبداعي لا تزال هناك إشكالات النشر والطباعة. وغياب الحراك الفاعل الذي يؤسس للمشهد حالياً.. وبخاصة أن الظروف الاقتصادية السيئة ما تزال تفرض سلطتها على اليومي وعلى الكتاب والعافية.. أعتقد أننا موعودون بمستقبل مشرق في فضاء الكتابة الإبداعية وسيكون الشعر وجديده ديوانها. خصوصاً أننا في عصر الانفتاح والحداثة وما بعدها.. هنالك أصوات شابة جديدة ومضيئة في ساحة القصيدة إذ نجد بابكر الوسيلة والجنيد يونس ومنى حسن وابتهال محمد مصطفى وآخرين وأخريات... في ظني أن المسارح والمنابر ستضيء بعد غربتها وغيابها بالقادم من فنون الشعر.
ما هي أول قصيدة شعرية نظمتها وتحولت لأغنية، ومن أبرز من تعاونت معهم من الفنانين السودانيين؟
- أول قصائدي التي وجدت طريقها للغناء كتبت في مرحلة الدراسة الثانوية إذ كان حماس التلميذ العاشق يمسك بيد القلب. كانت (مع السلامة) هي أول كلمات تغنى بها أخي الفنان الأستاذ الجيلاني الواثق وذلك عام 1973. ثم جاءت بعدها (بتذكرك) للأستاذ أحمد شاويش. ومن بعدهما تغنى لي الفنان مجذوب أونسة بمجموعة من الأعمال. وكذلك تغنى سيف الجامعة وعبير علي، وفضل أحمد فضل، وغيرهم كثيرون. وأذكر أن أحد أعمالي مع الأستاذ أحمد شاويش قد نال جائزة الأغنية العربية بتونس والتي شاركت فيها الإذاعة السودانية في أحد الأعوام. وبجانب ذلك كان لي مشاركات في كتابة العديد من الشعارات الغنائية للمسلسلات التلفزيونية والمساهمة أيضاً في كتابة أغنيات للأطفال. وآخر من تغنى بأعمالي الفنان والموسيقار الدكتور أنس العاقب والدكتور ياسر مبيوع، والأستاذ عادل التجاني.
كيف ترى واقع الأغنية السودانية حالياً؟
- لم تعد الأغنية عذبة كما كانت.. صارت جافة وناشفة.. شجرة سقطت عنها الأوراق الخضراء. عباقرة الأغنية السودانية أغلبهم رحلوا عن عالمنا ولم تبق إلا قلة انزوت حين جاء الزحف الصحراوي الأمي.. فآثروا الصمت. كان الغناء يوماً خالصاً ونقياً ومثقفاً.. تسقيه اللغة القيمة والصورة والمعنى والشكل.. أما الآن فنحن في عصر انهيار الأغنية.. ضل الحب والحبيب.. وبقينا نحتمي بالأطلال الزاهية. لا أجد كلمة ولا لحناً ولا صوتاً زاهياً. رحل عثمان حسين والكاشف ووردي وإبراهيم عوض وعشة الفلاتية، وزيدان وخليل إسماعيل... إلخ. وتركوا كنوزاً ودروباً عجز أبناء الحاضر من السير خلفها.. لقد ضلت الأغنية السودانية طريقها في زمن الصراخ واللا غناء. وهذا من أثر فوضى الأدب التي سورت حياتنا.. فصار المغني يغني للرقص وما يريده رواد الحفل.. (للنقطة) التي تتساقط على رؤوس النساء والرجال نحن نحتاج لزمن طويل كي يعود الغناء للغناء.
نلت عدة جوائز وتكريمات في مسيرتك الشعرية، وترجمت أعمالك الأدبية إلى عدة لغات، برأيك ما هو التكريم الذي يصبو له القلب الشاعر؟
- أذكر يوماً كنت أحاور فيه أستاذنا الراحل الدكتور تاج السر الحسن شاعر آسيا وإفريقيا، وسألته ذات السؤال.. وكان العهد الماضي قد سعى لتكريمه بعربة جديدة ولكنه رفضها ورفض التكريم. أجابني إن أجمل تكريم ذلك الذي يأتي من الشعب، من الناس وليس من المؤسسات الرسمية.. وهذا في ظني التكريم الذي يصبو له القلب الشاعر.. نحن الشعراء نكتب بعذاب لا يحد، ليسعد الآخرون بما نكتب. الكتابة جحيم الشاعر وجنة نعيم الناس.
أما وقد سألت عن الجوائز فهي شهادات بأن ما نكتبه يربح منه إنسان العالم. والجوائز تعني النجاح.. وكان الفوز الذي حققته مجموعتي ( أناشيد الأسئلة) بجائزة الطيب صالح العالمية فرحاً لي وفرحاً أكبر لمن يقرؤون ما أكتب.. فرحاً للناس... وفي داخل كل مبدع أحلام عميقة يحاول تحقيقها من أجل الخير والجمال.. من أجل ترتيب الفوضى التي تملأ العالم. من أجل المستقبل ومن يولدون غداً، ومن أجل بلادنا العظيمة التي نحب. نحن نسعى للقصيدة التي لم تكتب بعد.

ذو صلة