مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

فاروق الباز: البشر في طريقهم لاستعمار المريخ

حوار: داليا عاصم: مصر


يحظى العالم المصري فاروق الباز بمكانة عالمية، وتحديداً في علوم الفضاء والجيولوجيا، وهو يشغل منصب مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية. لقب بـ(الملك) في وكالة ناسا الأمريكية، بعد أن قاد فريق رحلة (أبوللو) للهبوط على سطح القمر، في أول رحلة تهبط بنجاح. وبعد أن ارتدى عباءة الثمانين عاماً قرر كتابة مذكراته. التقته (المجلة العربية) أثناء وجوده بالقاهرة في رحلة قصيرة يعود بعدها لمتابعة أبحاث ومشروعات علمية مع تلاميذه بالولايات المتحدة الأمريكية، للحديث عن: كتابه الجديد، والجدل الدائر حول الثقب الأسود، وصعود إسرائيل للقمر.. فإلى الحوار:
هلّا أوضحت لنا ما هي أهمية التقاط أول صورة للثقب الأسود؟
- منذ قديم الأزل كلما نظر الفلكيون للفضاء الفسيح يجدون جزءاً في أتربة كونية تقترب منها الأشياء ثم تختفي كلياً وتماماً، فكان التساؤل الأزلي: أين تذهب هذه الأشياء؟ وكانت الإجابة أن الجاذبية عند هذا الجسم الخفي من أقوى ما يكون، حتى أن الضوء يختفي فيها ولا يخرج منها! فأطلق عليها الثقب، إنه لا يظهر منه الضوء، تحدث عنه كثير من العلماء، منهم آينشتاين وهوكينج، وتم اكتشاف أنها مجموعة أجسام كبيرة تجمعت معاً، بحيث أصبحت جاذبيتها جبارة. حتى أن الشمس بكل كواكبها إذا اقتربت منها سوف تبتلع الأرض والمريخ وجميع المجموعة الشمسية. وكانت هذه أول صورة بالتعاون مع شبكة عالمية من التليسكوبات، لكن هذا الثقب لا أحد يعلم أبعاده؟ ولا أين تذهب الأشياء فيما بعد؟ فهذا أحد أسرار الكون العظمى.
تزامن هذا مع غزو إسرائيل للفضاء، ما أهمية أو خطورة ذلك؟
- لم تنجح في الهبوط على القمر، لكنها رابع من وصل له. ولكي ندرك أهمية هذا يجب أن نجيب عن سؤال: ماذا نفعل الآن نحن العرب والمصريين؟ لقد بدأت مصر في السبعينات وأسست مركز استشعار عن بعد في أكاديمية العلوم بالقصر العيني، ثم أصبح مركز الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، ثم قمنا بشراء قمر صناعي من أوكرانيا، لكننا لم نتقدم في النشاط الفكري، فيما يخص علوم الفضاء، رغم وجود الكوادر والعلماء. كان المفترض أن نسبق إسرائيل، وإسرائيل صمموا القمر الصناعي بأيادي أولادهم وخططوا للرحلة وصعدوا بها باكتفاء ذاتي، وبدعم من رجل أعمال، بعيداً عن الحكومة، بينما الحكومة تدعمهم بتسهيلات، بينما نحن نحطم آمال الشباب ونكسرها.
حالياً في الإمارات هناك محاولات جادة لغزو الفضاء، لديها مؤسسة فضاء، وسوف تطلق في العيد الخمسين للدولة سفينة فضائية للمريخ. حالياً هم يدرسون ويوزعون صوراً للعالم كله، وأحسن صورة فضائية ترسل من قمر صناعي في العالم ترسلها الإمارات. كما تجهز وتعد مدينة مماثلة لطبيعة الحياة على المريخ، وهذا التفكير المستقبلي مطلوب، لأنه يمكن بالفعل أن يستعمر البشر المريخ في المستقبل.
ما هي أهمية الوصول للقمر بالنسبة لنا في العالم العربي، خصوصاً مع وجود أولويات كثيرة للتنمية على الأرض؟
- نحن الشعوب العربية نعتمد على القمر في تحديد الأشهر العربية ومواقيت الصلاة.. وغيرها، فالقمر يؤثر علينا، في حياتنا، وفي أشياء كثيرة جداً. أجدادنا العرب اهتموا به وبدراسته، وكذلك الحضارة اليونانية من قبلهم، وهارون الرشيد والخليفة المأمون ممن اهتموا بدراسات الفلك وترجمة ما توصل إليه السابقون، لكن أين نحن الآن؟
 هذا هو السؤال، وفيه تكمن الإجابة عن المستقبل، وسنعرف أين سنكون؟
كنت أطمح بتشييد قمر صناعي عربي وقمر صناعي إسلامي على الأقل يدرس بلادنا العربية، وتكون الصور، لكن لم أجد حماساً. وأتمنى أن نستفيق عربياً بعد وصول إسرائيل للقمر. فجميع الدول العربية الآن بكل ما تترجمه طوال 100 عام يساوي ما تترجمه إسبانيا للإسبانية في سنة واحدة، نحن لا نترجم ولا نقوم بأبحاث ولا أي شيء بالرغم من أن تعاليمنا الدينية تحثنا على العلم والمعرفة.
هل سيكون الصراع في المستقبل على ثروات الفضاء؟
- بالطبع، في الفضاء تكوينات وأجسام بها معادن ثمينة، فمثلاً نجد جسماً كله من معدن النيكل، وجسم كله تيتانيوم، وهذا يعتبر كنزاً، فهذا المعدن يستخدم في صناعة مشارط الأطباء، كنا حينما نجد من 4 - 7% في المناجم نكون في غاية السعادة، لابد أن ندرس المزيد من أحجار وصخور القمر والاستفادة منها في الحصول على المعادن التي نضبت.
هل يمكن أن نعيش على سطح كوكب آخر؟
- بالتأكيد سيحدث هذا يوماً ما، لأنها غريزة بشرية، فمنذ بدء الخليقة يسعى الإنسان إلى التنقل والاستكشاف والبحث عن أماكن جديدة، ونحاول أن نبحث ونستكشف ما خلقه الله حولنا. بدأت رحلة الإنسان من أفريقيا وأرسلت البعثات شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً حتى أصبح للبشر وجود في كافة أرجاء الأرض، وفي أثناء هذه الرحلات فقد بشر كثيرون، لكن ذلك لم يمنعهم من عبور المحيطات والوصول لأراضٍ جديدة. ربما سيحدث خلال ملايين السنوات عندما ترتفع درجة حرارة الأرض بشكل كبير، سيكون الإنسان تطور وربما يعيش تحت الأرض أو في القطب الجنوبي والشمالي وربما سيعيش في الفضاء.
رأينا مؤخراً محاولات صينية للزراعة فوق سطح المريخ، هل سيصلح المريخ للعيش؟
- المريخ به صخور متنوعة وأخرى بركانية، نعلم جيداً أنه كان يحتوي على المياه، بل كان به محيط شاسع، لكن هذا المحيط تبخر لأن جاذبية المريخ قليلة، لذا انسحبت المياه من سطح المريخ وبدأت درجة حرارته تنخفض، وبعض من المياه امتص تحت أرض المريخ وأصبحت مثل  الثلج تحت الصخور. لا نعلم حالياً ما سيصل له العلم أو الذكاء الاصطناعي، ومرجح جداً أن يتقدم بشكل خطير.
أنت عضو بمركز بحوث الصحراء العربية، ما هي الدراسات التي تعكفون عليها؟
- في العالم العربي هناك صحراء شاسعة هي من أشد المناطق في العالم ظمأ وأشدها حرارة. الأشعة الشمسية التي تصل إلينا مقدارها 200 مرة أكبر من التي تصل لأي مكان. لابد أن نستخدم الطاقة الشمسية على الدوام مع الاستفادة من قوة الرياح وطاقتها، مؤخراً كان هناك بحث يؤكد أنه يمكن عبر قطعة أرض 50*50 كم، لو وضعنا بها مجمعات شمسية؛ يمكن أن تمدنا بكهرباء تغطي احتياجات العالم العربي، وتصدر الباقي لأوروبا. كل كيلومتر في العالم العربي من الخليج للمحيط يجب أن تتم دراسته، وهذا ما نعكف عليه بالمركز، ويمكن أن نستفيد منه. العلماء يجب أن يساعدوا الناس على الفهم عبر الإعلام.
ما هي أحدث الأبحاث التي تمت حول الصحارى العربية؟
- لم تكن صحارى، بل كانت خضراء وبها مياه، ولكن متى؟ كانت أفريقيا قريبة من خط الاستواء وظلت تتحرك بمعدل بطيء على مدار ملايين السنوات، فقد كانت بعيدة عن أوروبا وظلت القارة تتحرك شمالاً حتى اصطدمت بآسيا، ونتج عن ذلك الالتصاق جبال الألب. كذلك الهند كانت بعيدة ثم التصقت بآسيا ونتج عنها جبال الهيمالايا. خط الاستواء كان قريباً من أسوان، لذا كانت بها بحيرات كثيرة، وظلت المياه تهبط الخط إلى أسفل حتى تشبعت به الأرض عبر الصخور المسامية، وكانت هناك بحيرات 300 كيلو في الصحراء الغربية، وفي ليبيا 3 بحيرات، والجزائر بحيرتان، والمغرب 3 بحيرات، صحراء الربع الخالي كانت من أروع البحيرات، حيث كانت تترسب فيها المياه التي تنهمر من أعالي جبال الحجاز وجبال عمان، وكانت تتجمع بها المياه، وحينما بعدت عن خط الاستواء تبخرت المياه وبقي الرمل. وكانت شبه الجزيرة ملتصقة بأفريقيا ثم انفصلت عن أفريقيا فنتج البحر الأحمر، ومازال هذا الانفصال يتسع حيث تبتعد الجزيرة العربية عن أفريقيا من 2 إلى 6 سم سنوياً، إذن مضيق هرمز سيسد وينتهي، وتلتصق السعودية بإيران بعد 50 مليون سنة.
هل يمكن أن تنجو المنطقة العربية من مخاطر زيادة درجة حرارة الأرض؟
- هناك دراسات تمت وأثبتنا أن الكويت كانت دلتا لنهر عظيم، وسميت هذه المنطقة التي جفت الوادي الباطن عرضه 8 كيلومترات، كان نهراً متوحشاً، لابد أن ندرس كل ذلك: أين كان يعيش الناس؟ ماذا تركوا؟ وكيف كانوا يعيشون؟ وأن تكون هناك دراسات بينية يجب أن تفيد في القياس على معدلات الماضي وما يمكن توقعه في المستقبل. أين ذهبت هذه المياه؟ وماذا تحت هذه الصحراء؟ أين توجد المياه وعلى عمق كم؟ لاستخراجها، ونساعد أنفسنا قبل التعرض لجفاف مع التغيرات الطبيعية المقبلة.
بدأت مشروعاً جديداً وهو كتابة سيرتك الذاتية، حدثنا عن أهم المحطات التي ستمر عليها؟
- بدأت كتابة مذكراتي بعد أن تعديت 80 عاماً، فقررت أن أكتب تجاربي وذكرياتي لإفادة الأجيال القادمة. أود أن أقول لهم، لا تنتظر الحكومة، ولا تقبل على نفسك أن تتعلم لكي تنجح فقط، نحن ندرس لنتعلم (جمع العلم والمعرفة)، وأفضل شيء يصنعه الإنسان لنفسه هو جمع العلم والمعرفة كما كان يقول لي والدي، وهو أزهري التعليم. الشهادة تعني أن الفرد كان يتعلم حتى استلام الشهادة، أنت قد تعلمت ومن اليوم تقدر وتستطيع أن تعلم نفسك باستمرار. (من اليوم فصاعداً تستطيع أن تعلم نفسك) تقرأ كل يوم وتتعلم وتعرف كل شيء عن القوانين والسياسات.
هل سنرى مشروع (ممر التنمية) يوماً ما؟
- أعتقد ذلك، فهذا المشروع تحدثت فيه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأبدى سعادته به. هذا المشروع سيفتح مجال المعيشة بمصر بطولها، وهو ينصب على التنمية، بداية من الجنوب، وهو مركز الحكم في مصر منذ قدماء المصريين. الصعيد مهم جداً بالنسبة لنا، ويجب أن نتوسع أفقياً ناحية الغرب، ويمكن أن يمتد الصعيد وتنشأ محافظات جديدة. الممر الطولي أفكر به سيكون آخر شيء يتم، بعد 5 سنوات بعد أن تتوسع كل محافظة غرباً ببناء المصانع وغيرها سوف يتم التشبيك بين المحافظات الجديدة وبعضها تدريجياً إلى أن تصل إلى العلمين الجديدة.
ما الذي تطمح إليه بالنسبة لمستقبل الأمة العربية؟
- أن نبدأ نحترم الشباب الفتيات والأولاد، لأنه سن العمل والإبداع الحقيقي. أيام رحلة (أبوللو 11) أخذت مجموعة من الشباب الساهرين على تسيير السفينة، حينما نام الرواد في الطريق إلى القمر ظللنا نحسب سن الرواد المشغلين لسفينة أبوللو، ظهر أن متوسط عمر العاملين في ناسا آنذاك 26 سنة. كل فرد منهم كان يقيس نبضات قلب الرواد ودرجة حرارة السفينة، ولو غفل للحظة تفشل الرحلة، ويخاطر بحياة أناس، يظل جالساً لمدة 8 ساعات ولو اضطر للمكوث أكثر يظل 12 ساعة يفعل ذلك. هذه هي طاقة الشباب وقدرتهم على تحمل المسؤولية، وهي غير مرتبطة بالمرحلة العمرية، ينبغي على صناع القرار في العالم العربي الإيمان بالشباب، فهم سر قوتنا المستقبلية.
نعطي للشاب الحرية الكاملة، ونحترم كلمته، ونعطيه حرية أخذ القرار. لا يمكن أن ألومه وأقول له كان يجب أن تفعل ذلك، يجب أن نترك لهم فرصة التعلم والتحسين من قدراتهم تدريجياً، بهذا فقط يمكن أن نجد قادة للمستقبل.

ذو صلة