مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

تجار نجد في الهند (عنيزة نموذجاً)

 شكلت الهند في نهاية القرن التاسع عشر ملجأ آمناً للتجارة مع بلدان الخليج والجزيرة العربية، والمركز التجاري والاقتصادي، بل وحتى السياسي الأول في معظم آسيا، وبسبب قوة الهند البشرية الهائلة والمساحات الزراعية الضخمة والصناعات التي راحت تغزوها، علاوة على وسائل المواصلات البحرية المتوفرة من وإلى الخليج والجزيرة، دفعت كل هذه المغريات إلى هجرة بعض تجار الخليج العربي والجزيرة العربية إلى الهند واتخاذها مقراً رئيساً لممارسة تجارتهم المتنوعة في تصدير المواد الغذائية ومواد البناء والأقمشة وغيرها إلى بلدانهم، واستيراد اللؤلؤ وغيره من المنطقة للمتاجرة به في أسواق الهند الكبرى.
لضيق العيش في نجد خرج كثير من أهلها لطلب الرزق إلى العراق والشام وفلسطين ومصر والخليج العربي لصيد اللؤلؤ بل اتجهوا إلى الهند حتى قيل (الهند هندك ليا قضى ما عندك). وقد تكونت في الهند طائفة من التجار النجديين، شكل فيها أهل عنيزة طبقة تجارية مثقفة، وقد اشتهرت إلى جانب ثقافتها الجيدة بالسمعة الطيبة.
وقد برز في الهند عدد من البيوتات التجارية، ومن أبرزها بيت آل فوزان التجاري، وكان ممن عمل فيه الشيخ عبدالله بن سليمان الحمدان، الذي أصبح وزيراً للمالية في عهد الملك عبدالعزيز، ما ساعده في تكوين خبرة تجارية، كما برز منه الشيخ عبدالله بن محمد الفوزان، الذي ولد في عنيزة ونشأ بها وتزوج فيها، ثم غادر إلى الهند وهو في السابعة عشرة من عمره مع والده محمد حيث كان يتاجر بين نجد والعراق والهند، وقد عين وكيلاً للملك عبدالعزيز في الهند، وكان له إسهامات في التواصل مع زعماء الطوائف الدينية لتوضيح أهداف الملك عبدالعزيز، إلى جانب ما قدمه من خدمات للحجاج الصينيين الموجودين في الهند، وقد تركز نشاطه التجاري على الاستيراد والتصدير حيث يستورد من العراق التمور، ويصدر إلى نجد جميع أنواع المؤن، وقد توفي في مدينة بومباي في 1380هـ عن عمر ناهز المئة عام.
 ومنها بيت الفضل، وكان بيت آل فضل في الهند مأوى لكل ضعيف من أهل نجد، وقد برز منه صالح العبد الله الفضل، الذي استقر في بومبي أواخر القرن التاسع عشر، وكان على اتصال وثيق بالملك عبدالعزيز، وكان ممن استقبل الأمير فيصل بن عبدالعزيز عند مروره في بومبي، كما كان ممن يكلفه الملك عبدالعزيز لبعض المشتريات والمهمات الثقافية، لم تنقطع صلته بعنيزة وقد خصص جزءاً من صدقاته لعنيزة، فيما توفي في كراتشي سنة 1923م.
 ومن هذه البيوت الشهيرة بيت القاضي وقد برز منه حمد بن علي بن عبدالله بن إبراهيم القاضي، الذي قال عنه الشيخ محمد القاضي (وكان من أثرى أهل زمانه ومشاهير بلده في الخارج)، وقد رحل من عنيزة إلى الهند في مقتبل شبابه للعمل في التجارة فمكث فيها قرابة ستين سنة حتى عام 1948م، حيث أرسله أعمامه إلى بومباي للعمل لدى أحد أفراد عائلة البسام في تجارة الشاي، تنقل بين عدة بلدان بين باكستان والهند وتركيا والكويت، ثم سكن بيروت وفيها توفي.
 ومنها بيت البسام، ويذكر عبدالعزيز الشايع أحد تجار الكويت عن مكاتب التجارة في الهند (أما السعوديون فلهم ثلاثة مكاتب وهم: محمد علي زينل علي رضا، وصالح ومحمد العلي البسام، وعبدالرحمن وعبدالله البسام، وكان مكتبهم الأول الذي أسسه والدهم عبدالعزيز في كلكتا وبعدها انتقلوا إلى بومباي)، وقد برز من أسرة البسام: عبدالرحمن حمد محمد عبدالعزيز حمد البسام، ولد في عنيزة عام 1887م، ثم سافر إلى الهند، واستقر في بومبي وعمل فيها لعدة سنوات أتقن اللغة الإنجليزية والأوردية، وكان ملماً بالشعر والأدب ثم عاد إلى عنيزة في عام 1940م، ثم سافر إلى البصرة وتوفي فيها عام 1986م، ومنهم صالح عبدالله حمد سليمان حمد البسام، قد هاجر من عنيزة إلى بومبي عام 1887م وهو في الخامسة والعشرين من عمره وأصبح ذا تجارة واسعة في التمور والذهب والعملات والأقمشة من الخليج العربي، وقد ازهرت تجارته في الهند بعد عام 1928م حيث نال وكالة (الشماغ الأحمر) التي عرفت فيما بعد باسم شماغ البسام، وقبل الحرب العالمية انتقل صالح البسام إلى البصرة وترك إدارة شركته لأبن أخيه (محمد علي البسام) ولولديه عبدالله وعبدالعزيز، وقد توفي في البصرة عام 1942م.
 وقد تعرض النشاط التجاري بين الهند والخليج إلى صعود وهبوط نتيجة للأحداث السياسية والعسكرية، ولاسيما أثناء الحربين العالميتين، والتي أثرت على نشاط التجار ومعاملاتهم نلمس ذلك من خلال الرسائل التجارية التي تبودلت بين العديد من التجار التي عبرت بجانب طابعها التجاري عن أحوال البلاد وظروفها السياسية، ومن هذه الرسائل نجد رسالة من التاجر عبدالله بن محمد الفوزان في بومبي إلى التاجر سليمان الحمد البسام يستعرض فيها أحوال التجارة والزراعة في الهند في أواخر الحرب العالمية الثانية بتاريخ 1364هـ / 1945م، يقول فيها: (الأمطار كثيرة عندنا وزراعة العيش في كلكتا حصل عليها نقص كبير بسب كثرة الأمطار. سوق اللؤلؤ واقف نهاية خصوصاً بعد صلح الجابان الأسعار بدون مشترى)، في حين نجد رسالة من إبراهيم بن عبد الله الفضل في بومبي إلى التاجر عمر بن عبدالرحمن العمري يتحدث فيها عن توقف أحوال التجارة في الهند مدة بسبب قيام فتنة بين الهنود والمسلمين في عام 1347هـ / 1929م يقول فيها: (وقد حصل فتنة في الأيام الماضية في بومبي بين الهنود والمسلمين وجميع المحلات التجارية توقفت حركتها توقفاً عاماً).

ذو صلة