ضجَرٌ..
يتضجَّرُ من نفسهِ
يوقظُ الليلَ من ليلهِ المتطاولِ في نومهِ
يسحبُ الحُلْمَ من ياقةِ الوهمِ
يغمسُ هامتَه تحت حوضِ الغسيلِ
فتسقطُ في القاعِ كلُ الملامحِ من وجههِ
يتأمّلُ مرآتَه
فيرى الحُلْمَ يُشبهه دون شكٍ تماماً
فيُفلتهِ من يديه ويمضي بعيداً.
ضجَرٌ..
سيحاولُ لو مرةً أن يكونَ سعيداً.
ضجرٌ عائدٌ للطفولةِ
يلهو بألعابها
يتأرجحُ في خفةٍ بين أحبالِ أهدابها
لا يبرّر أفعالَه
أو يحوكُ اعتذاراتِه الساذجةْ
يصْفِقُ البابَ بالبابِ
يخلقُ أجنحةً للنوافذِ
كيما تطير بعيداً بلا عودةٍ
نحو أقفاص سجّانِها الباردةْ.
يخرجُ الآن في نزهةٍ صُحبةَ البابِ
يسألهُ: كيف تمضي بكَ السنواتُ..
وتعتادُ هذا الصقيعَ الذي ينهشُ القلبَ..
تعبركُ الخطواتُ الصديقةُ، والغرباءُ..
وتسكنك الذكرياتُ، الأكفُّ، الظلالُ..
وأنت كما كنتَ في أزَلِ الخشبِ المطمئنِ بروحكَ..
تألفُ وحدَتكَ الهشّةَ القاتمةْ؟
أجرَّبتَ مثليْ ولو مرةً
التأفُّفَ من طارقٍ لا يملُّ من الطرْقِ والانتظارِ؟
يد تترددُ في مقبضِ البابِ.. ثم تعودُ سريعاً إلى جيبها؟
نعم يا صديقي..
ملَلتُ
وهأنذا معك الآن نخرجُ في نزهةٍ دونَ معنى
ونقْسِمُ بالعدلِ كعكةَ أوهامَنا بيننا
وننِشُّ ذبابَ الضجرْ.
لستُ وحدي...
معيْ العتَباتُ على البابِ
الطاولاتُ.. الأرائكُ
نبضُ السلالمِ.. كلُ الأثاثِ
معي البيتُ يا صاحبي
كلُنا الآن في نزهةٍ
كي نبدِّد عن أفقِ الروحِ غيمَ الضجر.
يصمتانِ طويلاً..
يعودانِ للبيتِ
ينتظمُ البيتُ في البيتِ
ها.. كلُ شيءٍ تماماً يعودُ كما كان من قبلُ
لكنَّ هذا الضجَر
كان يجلسُ في المَرسَمِ المتهالِكِ في القبوِ
يغمِسُ فرشاتَه في خليطٍ من اللونِ
دوامةٍ من نشازٍ تخلَّقَ في الأبدِ اللانهائيِ
كانت تدورُ بأفكارهِ
وهو يأخذ فرشاتَه ثم يضربُ ألوانَها
كيفما اتفقت دونَ وعيٍ
على ورقِ اللوحةِ الأبيضِ المتمددِ
كالزمنِ المتدفِّقِ من وعيهِ
ثمَّ يفتحُ عينيهِ..
يبصرُ في اللوحةِ الماثلةْ
ضَجَراً هائلاً يتخفّفُ من دِقةِ الأزمنةْ
يتجرَّدُ.. يخرجُ من حيِّز الأمكنة.
يرى مطراً صاعداً لائذاً بالسحابْ
غابةً كالنعامِ تخبئُ هاماتِها في شُقوقِ الترابْ.
يرى الشمسَ
تلعبُ (غُمِّيضةً) والقمرْ.
يرى البحرَ
يُبحرُ ليلاً بلا رِفقةٍ
ويهاجرُ دون قواربَ مثقوبةٍ
ليجرب معنى اللجوء إلى اليابسةْ.
يرى الموتَ
يغسل كفيهِ من لونِ كلِّ ضحاياه
يمضي إلى الحقلِ
يدفنُ في السرِّ منجلهُ
ويغيّرُ آخرَ هذا النهارِ وظيفتَه في الحصادِ
ليحترفَ الغرْسَ والبستنة.