مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

الإبل.. رمز ثقافي وحضاري في المملكة العربية السعودية

الإبل رفيقة درب، وصديقة وفية، ورمز للقوة والصمود والتحمل، وذاكرة لحضارة عريقة، حضارة الجزيرة العربية. ومنذ فجر التاريخ سكنت الإبل رمال الجزيرة العربية، لتنشأ بينها وبين العرب علاقة فريدة نسجت بها خيوطاً من تراث وحضارة عريقة.
تعد الفنون الصخرية في الجزيرة العربية من أهم المصادر الأثرية التي يعتمد عليها الباحثون لاستقراء مكانة الإبل في حياة الإنسان العربي القديم منذ عصور ما قبل التاريخ، حيث كانت أكثر الرسومات انتشاراً هي رسومات الإبل، ولا غرابة في ذلك كونها إحدى مقومات الحياة للإنسان العربي القديم لقدرتها على العيش وتحمل الجوع والعطش في ظروف بيئية قليلة الموارد ومناخية قاسية بما حباها الله سبحانه من صفات جسمانية فريدة.
فمن خلال صور الإبل التي ظهرت على الواجهات الصخرية في الجزيرة العربية منذ العصر النحاسي تكشفت لنا أدوار وظيفية عديدة للإبل وجوانب جلية من علاقتها بالإنسان العربي الذي تعمد أن يصورها لنا من خلال لوحات واقعية بتقنيات وأساليب متنوعة معبرة عن حبه للإبل حيث لم يغفل عن تصوير انفعالاتها وسلوكياتها ومشاعرها إلى جانب تصويرها في مشاهد الاقتتال والصيد والرعي والرضاعة والتزاوج والقوافل التجارية، وهو أمر لا يمكن أن يتم مالم تتضلع الإبل دون غيرها من بقية الحيوانات دوراً مهماً ومحورياً في حياة الإنسان العربي القديم في شبه الجزيرة العربية. كما دلت هذه اللوحات على المكانة الكبيرة التي تبوأتها الإبل وتضلعت بها في الجزيرة العربية، فمن ناحية اقتصادية هي مصدر مهم للغذاء، فحليبها غني بالعناصر الغذائية، ولحمها طعام شهي يؤمن للبدو قوتَ يومهم، ووبرها يلبس، وما ارتبط بها من صناعات. وقد كانت مقياساً للثروة والمال ومهراً للنساء، كما لعبت دوراً مهماً في ازدهار حركة التجارة بنقلها للأمتعة والبضائع الثقيلة وما ارتبط بهذه الحركة التجارية من تواصل ثقافي ومن ناحية اجتماعية، وكانت الإبل رمزاً للكرم والجود والفخر والاعتزاز، لذا حرص العرب على اقتنائها. وكانت الإبل مصدراً للجمال والزينة، حيث كان العرب يزينونها ويعتنون بها عناية فائقة. ومن ناحية ثقافية، كانت الإبل رمزاً للقوة والصمود. كما تبوأت الإبل دورا قتالياً مهماً أظهرته اللوحات الجدارية الآشورية في القرن التاسع قبل الميلاد، حيث صورت المحاربين العرب وهم يقاتلون فوق ظهور جمالهم، إضافة إلى أنها وسيلة من وسائل الحرب والقتال بما تقوم به من نقل للمؤن والعتاد والأسلحة وإثارة الخوف وبث الرعب لدى خيول الأعداء.
لذا، كان من الطبيعي أن يمتد تأثير الإبل في الإنسان العربي ليكون أحد عناصره الأساسية التي يوظفها في أدبه شعراً ونثراً. ويضرب بها المثل بالوفاء والصبر والرفقة وقوة الذاكرة، ويتغنى بصفاتها، معبراً عن قيمتها ومنزلتها عنده.
ولما كانت الإبل إرث الإنسان العربي ورأس ثروته، فقد حرص أشد الحرص على إثبات ملكيته لها وتسجيلها بأساليب متنوعة، إما بنقش كتابي أو وسم وهو تقليد عربي قديم عرفته القبائل العربية منذ القدم، فقيمة الحيوان ومكانته في النظام الرعوي هي التي تؤهله للوسم.
تمثل رحلة الإبل في الجزيرة العربية رواية ملهمة عن التكيف والبقاء، رواية تجسد تراثاً غنياً وتاريخاً عريقاً، تؤكد على أهمية الحفاظ على هذا الرمز الثقافي المهم.
وتعد المملكة العربية السعودية من أكثر الدول التي تولي اهتماماً خاصاً بالإبل، إيماناً بأهميتها في ثقافة المملكة وتاريخها، وتمثل نموذجاً فريداً في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي العريق، حيث تقام العديد من الفعاليات والمهرجانات التي تُعنى بالإبل، أبرزها مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، وهو مهرجان سنوي تسهم فعالياته في إبراز جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان (المشرف العام على نادي الإبل) في ترسيخ الثقافة والتراث الوطني، وعملية التفاعل بين القيادة والشعب، وتعزيز الانتماء الوطني، وتنمية روح المواطنة لدى أفراد المجتمع، والتقدم الحضاري للمملكة مع التمسك بالتراث الشعبي.
ويهدف المهرجان إلى تأصيل الاهتمام بالإبل بوصفها موروثاً أصيلاً في الثقافة السعودية والعربية والإسلامية وتعريف الأجيال بتراثهم وعراقتهم، وتعريف العالم بهذا المكون التاريخي المهم الذي أصبح ثروة ثقافية وتراثية واقتصادية.

ذو صلة