مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

بثينة مكي: قصصي القصيرة تحمل نفس الرواية

حوار/ عِذاب الركابي: مصر


الكاتبة بثينة مكي والكتابة اللاقواعد واللامعاييير، نزف وتجل وإيحاءات روح في دفء ياقوتي، مصدرها البوح الحلمي الشفيف، ومن كل فنون الكتابة تنحاز إلى السرد الروائي، فهو الأقرب إلى خلجات الروح.. في اللاوقت داهمتها الكلمات السحرية، واستعذبت عطر سحرها، وكانت المقالة في البدء، وهي من مهد الطريق وأضاءه إلى دروب القصة القصيرة والرواية، وفنون الكتابة الأخرى.
المبدعة بثينة مكي الذات هي الكاتبة، تكتب وتنكتب في آن، والنص يصنع قواعده الخاصة بنفسه لا رقيب عليه إلا تأملات الذات، إذ لا أطر ولا معايير ولا أصفاد للنص- المخلوق السحري.. بوح الذات وهي تؤكد ذاتها تحت وابل مطر ربيعي من الكلمات.. وهي مع الكتابة حياة مخملية أخرى، بكل ما فيها من نزف وحزن وألم وفرح.. والكلمات لا تموت!!

تعددت فنون الكتابة لدى المبدعة بثينة مكي.. قصص قصيرة، رواية، أدب الطفل، دراسات فكرية ونقدية.. فسيفساء إبداعية رقيقة الإيقاع عبقة الظلال.. من الأقرب إلى رؤاك؟ بل من الذي يجيب أكثر عن أسئلتك الإنسانية؟
- يعجبني تعبير فسيسفاء إبداعية فأنا أعشق النصوص الإبداعية، أجد فيها نوعاً من البوح الشفيف الموارب.. فيه أكتب مايدور في خلجات نفسي من أحاسيس وعاطفة وشجون، قد لا أتمكن كامرأة تحكمها عادات وتقاليد ومعايير اجتماعية رصينة من الصعب تخطيها أو التجاوز عنها من إشهارها، لذلك في النصوص الإبداعية سواء كان التعبير بـ(الأنا) أو بـ(الآخر) يكون المجال للفضفضة أو التنفس متاحاً بقوة مما يخرج المكبوت في داخل النفس على شكل دخان من الحروف قبل أن يحترق القلب والنفس والإنسان الجامح الذي يكمن بالداخل. لكن كتابة الرواية هي الأقرب إلى نفسي لما فيها من مجالات واسعة للشرح والخلق والإبداع وطرح الرؤي الفكرية والاجتماعية دون تبيان من خلف الخيال أو الاختباء والتخفي داخل شخصيات الرواية.
كاتبة برصيد سردي هائل: سبع مجموعات قصصية، ابتداءً بـ(النخلة والمعنى) 1993، وليس انتهاءً بـ(صحوة قلب) 2019، وخمس روايات مثيرة من (أغنية النار) 1998، وليس انتهاءً بـ(حصار الأمكنة ) 2019 كانت البداية بالقصة القصيرة، ويرى أغلب الكتاب السرديين أنها الأصعب لماذا؟ يراها (ماركيز) كالسهم في الهدف، أما الرواية فهي (كوضع قوالب الطوب في البناية).. ما الفرق لديك بين القصة القصيرة والرواية؟
- القصة القصيرة هي ومضة اشتعال وانفعال مؤقت مثل القصيدة وموقف تصعب كتابته في تكثيف قوي. وهي إضاءة سريعة لمشوار محدود رصداً ومتابعة، ينتهي بنهاية القصة أنا بدأت مسيرتي الإبداعية بعد المقالات والنصوص بكتابة القصة القصيرة، ودائماً تأتي قصصي طويلة، ويقول عنها النقاد إنها قصة تحمل نفس الرواية، لكن كتابتي للرواية جاءت متأخرة وأنا أعتقد أن كتابة الرواية أصعب كثيراً من كتابة القصة القصيرة لما فيها من تشعبات في السرد وشخوص وحكايات تتطلب المزيد من الجهد في الشبكة واللغة، لتكون الرواية حاملة كل جماليات الأدب وفنيات الكتابة السردية حتى تجذب القارئ خصوصاً في ظل المنافسات القوية لجذب القراء والمتابعين نحو هذه السيول الجارفة من الروايات العربية المنشورة.
في مفهوم (ديكتاتورية الكتابة) الذي بدأه (رولان بارت) في كتابه (الكتابة في درجة الصفر) عام 1953 ليست هناك قواعد للكتابة، وأن كل نص يخلق قواعده الخاصة به، ما رأيك؟ هل تقع نصوصك ضمن هذا المفهوم؟
- عندما أكتب.. أترك نفسي للقلم وفيضانات الكلام والحكي التي تقودني أحياناً إلى مسارات لم تكن في مخطط الرواية حين بدأت في كتابتها، في العادة أكثف من كمية القراءة في مجالات مختلفة.. فكر، فلسفة، شعر، روايات وقصص عربية كانت أو مترجمة أو إنجليزية قبل الابتداء في الكتابة وحينها تكون فكرة الرواية قد اختمرت في ذهني.. وأنا لا أستعجل الكتابة، وقد تظل الرواية عندي لسنوات حتى تكتمل.. وعلى الإطلاق لا أضع معايير نقدية أو إطار حديدي أمام كتابتي.. أترك لنفسي العنان لتروي وتقول ما تريد من داخل موروثها وخبراتها وأحلامها وأخيلتها وتاريخها وتجاربها وتجارب الغير التي سمعت بها، وبعد ذلك أترك للقراء والنقاد الحكم عليها بعد أن تكون قد خرجت من إطار وصايتي عليه.
لا نكتب شيئاً خارج الذات.. وباولو كويلهو يقول: (لا يمكن للكاتب إلا أن يكتب عن حياته الخاصة).. وأنت موجودة في أعمالك، من منها يشكل غرفة عقلك السرية؟
- الكتابة الإبداعية لا تخرج عن أنها خلق ذاتي فيها من روح المؤلف الكثير بعد أن يضيف إلى ذلك تجربته وخلفيته الثقافية وتخيلاته وأيضاً أحلامه التي لم تتحقق وكل مؤلف موجود -ولو جزئياً- في نصوصه الإبداعية يحرك خيوطها من خلف الكواليس.
شاعت في الرواية كتابة السيرة الذاتية، وهنري ميللر يرى أن المستقبل للرواية الأوتوبوغرافية - السيرة الذاتية ما رأيك؟ وهناك من النقاد من يخرج السيرة الذاتية من السرد الروائي، ويراها مذكرات! أليس الكاتب هو نصه؟ ماذا تقولين؟
- رواية السيرة انتشرت مؤخراً -على استحياء- في العالم العربي خصوصاً عند الكاتبات، لأن مسألة قول كل شيء عن النفس يكون صعباً ومحسوباً على المؤلف، لكني قرأت روايات سيرة ذاتية لبعض الكاتبات تعد في منتهى الصراحة والشجاعه الأدبية.
كتبت قصصاً للأطفال.. والكتابة للأطفال لها تقنيتها وطقوسها وخصوصيتها.. ما دور هذا النوع من الأدب؟ ولماذا قل كتابه، والمتميزون فيه قليلون جداً! أي كيمياء لغة مطلوبة لهذا الفن الجميل؟
- بعد اشتغالي بتدريس اللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية في السودان لمدة ست سنوات، انتقلت إلى العمل بدار النشر التربوي، وهو قسم تابع لوزارة التعليم وإصدار الكتب والمجلات التربوية الموجهة للأطفال والشباب وأيضاً للمعلمين.. وكانت تلك أجمل سنوات عملي، نقلت إليها كمترجمة ولكني عملت في الكتابة والتحرير في كل المجلات التي كانت تصدر فيها، كنت أستعين بمكتبات المركز البريطاني والمركز الأمريكي في الخرطوم للحصول على الكتب التي تجمع قصص الأطفال، وأقوم بترجمتها إلى العربية ونشرها بعد تنقيحها تربوياً في مجلات الأطفال، أيضاً أتاحت لي فرصة الدراسات العليا بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم الحصول على الكثير من قصص التراث السوداني والحكايات الشعبية، وقمت بالاقتباس منها وإعدادها ونشرها للأطفال.. للأسف أصبح الاهتمام بكتابة الرواية والشعر للناضجين أكثر للشهرة وللكسب والحوافز المالية المصاحبة.

ذو صلة