مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

الموت.. الحقيقة والمجاز

الموت اسم يقترن بالغياب والفناء والذَّوبان والتَّلاشي، وهذا الاقتران ينتقل بين الحقيقة والمجاز، وفيما بينهما يكمن رعبٌ يلفُ هذا الاسم من كل ناحية، حتى يفرّ كل شيء من أمامه، ويتمنى دوماً أن يكون خلفه، ليرى فعله في غيره دون أن يُطْبِقَ عليه. ولهذا كان شغف أبينا آدم عليه السلام بالخلود حتى لا يُلاقيه الموت، فأكل من الشجرة، ظناً منه أن من أكلَ من ثمرها يَهَبُ الله لهُ الخلود في الدنيا. وقد نال إبليس اللعين الخلود دون أن يذوق من الشجرة! وهو الذي وسوس لآدم بوَصْفة الخلود الخادعة.
إن مذاق الموت لا يمكن أن يوصف إلا بأنه غير لذيذ، وغير مرحب به. وقديماً قال ضَابئُ البَرْجَمِيُّ:
لكُلِّ جَدِيدٍ لَذَّةٌ غَيْرَ أَنَّنِي
رَأيْتُ جَدِيدَ المَوْتِ غَيْرَ لَذِيذِ
ومثله قال الشاعرُ القديم:
مَا لِجَديدِ المَوْتِ يا بِشْرُ لَذَّةٌ
وكُلُّ جَديدٍ تُسْتَلَذُّ طَرَائِقُهْ
الموت يُخْرج الروحَ من الجسد، حتى يعود جثة هامدة، لا تعي ولا تتحرك. بل تصبح بعد أن كانت فاعلة فيما حولها مفعولاً بها ممن حولها، سواء من البشر أو غيرهم. هي حقيقة لا مراء فيها. بل إن الموت وانتظاره جزء من الحياة، وهو من أعمال النفوس والأرواح أيّاً كانت تلك النفوس والأرواح، كما قال أحمد شوقي:
النَفْسُ حَرْبُ المَوْتِ إلَّا أنَّها
أَتَتِ الحَياةَ وشُغْلُهَا مِن بَابِهِ
ويقول أحمد مطر:
هِيَ باختصارِ الاختصارْ:
غَدُها انتظارُ الاندثارِ
وأَمسُها مَوتٌ
وَحاضِرُها احتِضارْ
كان الموت، في رهبته والفرار منه؛ مُلهماً للقدماء، كما أصبح مجال بحث للمعاصرين كي يبحثوا عن سبيل الخلود. فبذل العلماء منذ قديم الزمن جهوداً متصلة للوصول لإكسير الحياة أو الخلود، ولايزال العلماء يبذلون جهوداً مضنية للوصول لهذا الإكسير، أو على الأقل تأخير الموت وتأجيل الشيخوخة وديمومة الشباب.
إننا نرى الموت حقيقة ماثلة بين أظهرنا، يخطف الأرواح، ويجندل الأجساد. يُبِيدُ من الحياة مَن يعيش فيها بجسمه وروحه وصوته وأثره وتأثيره المباشر، لكنه لا يستطيع أن يبيد صورته ورَسْمه من الأوراق والأذهان. يبيد الموت أثره المتمثل في تراثه الذي يبقى بين شفهي، يذوي شيئاً فشيئاً حتى لا يكاد يذكر، بعد زمن يقصر أو يطول؛ وبين مكتوب يبقى خالداً كالجبال والبحار والسماء والأرض، يتداوله الناس جيلاً بعد جيل، ويحيا قرناً بعد قرن. إن هذا الموت موت حقيقي، لأنه يخفي الإنسان من وجه البسيطة ليكون في جوفها نهباً للدود والطفيليات تقتات عليه حتى تكمل موته، فهو بعد خروج الروح يبقى طُعْمة لها، لا يملك دفعاً ولا منعاً، ولا يملك من أمره شيئاً فكيف بأمر غيره!
يحرص البشر منذ الخليقة على أن يكون لهم عقب من الأبناء يحيون ذكرهم، فيعيشون حياة طويلة كامنين في أسماء أبنائهم وأحفادهم، وعلى جانب مُوازٍ؛ فهم حريصون كل الحرص على حياة أسمائهم بما يبقى لهم من ذكر. فالمؤلف ينظر لهذه الناحية وهو يؤلف كتابه، والسلطان يعنى بأن يحيي ذكره بمآثر مادية محسوسة كالأبنية والتشريعات وما يماثلها، فيبقى ذكره على الأرض وفي التاريخ حاضراً على تطاول الزمان. والشاعر حريص على بقاء ذكره بما يقول من شعر يكون نصيبه الخلود. ومن ذلك ما ذكره أحمد بن يحيى البلاذري، حيث قال له محمود الوراق: قلْ من الشعر ما يَبْقى لكَ ذِكْرُه، ويزول عنك إثمه، فقلتُ:
اسْتَعدِّي يا نَفْسُ للمَوْتِ وابْتَغِي
لنَجَاةٍ فالحَازمُ المُسْتَعِدُّ
قد تَبَيَّنْتُ أنَّه ليسَ للحَيٍّ خُلُوْ
دٌ ولا من الموتِ بُدُّ
إنَّما أنتِ مُسْتعِيْرَةُ ما سَوْ
فَ تَرُدِّينَ والعَوَارِي تُرَدُّ
أنتِ تَسْهِيْنَ والحوادثُ لا تَسْ
هُو وتَلْهِينَ والمَنَايا تَجِدُّ
أَيُّ مُلْكٍ في الأرض أو أيُّ حَظٍّ
لامْرِئٍ حَظُّهُ منَ الأرضِ لَحْدُ
كيفَ يَهْوى امْرُؤٌ لذَاذَةَ أيَّا
مٍ عَليْهِ الأنْفَاسُ فِيْها تُعَدُّ
إن هذا الموت الذي نعرفه بل نخاف منه أيما خوف، يماثله موت يُخاف منه، بل يكاد يكون الخوف منه أشد من الخوف من الموت الحقيقي؛ إنه الموت المجازي. هذا الموت الذي يطوي كثيراً من المعاني الجميلة التي تصدر من إنسان هذه الأرض. إننا نلمسه في كثير من مناحي الحياة المادية والمعنوية. بل إن العقلاء يشفقون من هجومه عليهم بعد أن يصبحوا تحت الثرى، فلا يستطيعون له تغييراً. إن هذا الموت المجازي ظاهر في كثير من مناحي حياة الإنسان مهما تغير الزمان والمكان، وعلى أنه متشعب وكثير الصور إلا أنه يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، فنذكر بعض تلك الصور:
موت القلب
القلب الميت قلب بعيد من الله. لا يعرفه ولا يعبده، بل هو قلب يتبع شهواته، ويبحث عن لذائذه. فإذا استحكمت تلك الصفات أصبح القلب ميتاً.
سأل مالك بن دينار الحسن البصري: ما عقوبة العَالِم؟ قال: موت القلب. فقال مالك: وما موت القلب؟ قال الحسن: طلبُ الدنيا بعمل الآخرة. وما أكثر هؤلاء في زماننا الذين يطلبون الدنيا بعمل الآخرة.
وقال أبو حامد الغزالي: (وكل حي بالبدن ميت بالقلب، فهو عند الله من الموتى، وإن كان عند الجهال من الأحياء. ولذلك كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فرحين، وإن كانوا موتى بالأبدان).
وقد يكون موت القلب من دلائل البلادة وقلة المبالاة، وهذا من أسباب ارتكاب المعاصي، أو تضييع مصالح الفرد والأسرة.
ومن الكنايات العامية أن يوصف أحدهم بأنه (ميت القلب)، يوصف بذلك من لا يبالي بالمخاطر التي قد تحيق به جراء فعل من أفعاله، سواء أكان هذا الفعل خيراً أم شراً.
موت الشِّعْر
موت يخشاه الشعراء فوق خشيتهم للموت الحقيقي. ويعمل كل شاعر على بقاء شعره حيّاً على الألسن وعلى صفحات الكتب، فلا يموت ذكره بموت شعره. قال دِعْبل الخُزَاعي:
يقُوْلُونَ إنْ ذَاقَ الرَّدَى ماتَ شِعْرُهُ
وهَيْهَاتَ عُمْرُ الشِّعْرِ طَالَتْ طَوائِلُهْ
سَأَقْضِي ببَيْتٍ يَحْمَدُ الناسُ أمْرَهُ
ويَكْثُرُ مِن أهلِ الرِّوَايَةِ حَامِلُهْ
يمُوْتُ رَدِيءُ الشِّعْرِ مِن قَبْلِ أَهْلِهِ
وجَيِّدُهُ يَبْقَى وإنْ مَاتَ قَائِلُهْ
وأعاد دعبل معناه في بيت آخر لم يكتب له السيرورة:
إني إذا قلتُ بَيْتاً ماتَ قائلُهُ
ومَن يُقالُ لهُ والبيتُ لم يَمُتِ
إن امرئ القيس، بيننا وبينه قرون طوال؛ لايزال حيّاً بشعره لا بتاريخه. وهذا المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس، يحيا بشعره بيننا وعلى ألسنتنا، بل إن شعره أحيا عُصْبة ممّن كانوا أرفع منه منزلة في ذلك الزمان.
ويماثل موت الشعر في النقد الحديث مصطلح (موت النص).
موت المؤلف
موت الشعر شبيه في المعنى المباشر بموت المؤلف؛ لكنه مباعد له أشد المباعدة في التطبيق. ذلك أن موت المؤلف في مذهب النقد الأدبي الحديث مصطلح ابتدعه الناقد الفرنسي رولان بارت (1980م). ويعني به إزاحة المبدع تماماً عند دراسة نصه الإبداعي. رداً على مناهج النقد التي تنظر في سياق النص ومؤثراته، وتربطه بالقارئ دون المؤلف. وكان ظهور هذا المصطلح وتطبيقاته استجابة لمناهج نقدية كالشكلانية والبنيوية، التي سارت على عكس المناهج التي سبقتها وسيطرت على ساحة الدراسات النصية كالمنهج النفسي والتاريخي.
إن القول بموت المؤلف رهين بإعمال الأدوات النقدية في نصه الإبداعي، إلّا أنه في الحقيقة حياة للمبدع؛ فإن الناقد إذا درس هذا النص فهو شهادة بحياة المؤلف الذي وصل نصه إليه، وليس دليلاً على موته كما قال دعبل. وليس معنى موت المؤلف بتر نسبة النص له، وإنما إبعاد أي مؤثرات خارجية عن النص، حتى وأن كانت مؤثرات المبدع له.
موت الأرض
قال تعالى: (وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) قال الطبري: و(موت الأرض)، خرابها، ودُثور عمارتها، وانقطاعُ نباتها، الذي هو للعباد أقواتٌ، وللأنام أرزاقٌ. إن موت الأرض مثل موت الإنسان، فإن أثرها ينقطع، وتأثيرها يزول، فلا تعود تذكر إلا بما مضى من عمارتها وما زرع فيها، ومَن تملكها.
موت الذِّكْر
يموت ذكر الإنسان إذا لم يكن له ما يخلد ذكره من الأفعال الحميدة. وموت الذكر موت الاسم حتى لا يكاد يُعرف. وكم من نقش حجري خلد كاتبه، وقصيدة أبقت اسم قائلها، وفعل حميد بقي يذكر على مر الزمان. إن الذكر الذي يبقى بعد موت الإنسان حياة أخرى له.
قال الإمام الشافعي:
قد ماتَ قَوْمٌ وما مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ
وعاشَ قَوْمٌ وهُمْ في الناسِ أمْوَاتُ
وقال علي بن الجهم:
ولا خَيْرَ في عَيْشِ امْرئٍ وهوَ خَامِلٌ
وذِكْرُ الفَتَى بالخَيْرِ عُمْرٌ مُجَدَّدُ
وتبعه المتنبي فقال:
ذِكْرُ الفتى عُمْرُهُ الثّاني وَحاجَتُهُ
مَا فاتَهُ وَفُضُولُ العَيشِ أشغَالُ
أخذه المتنبي من قول العرب: (ذكر الفتى عمره الثاني). وقبله قال ابن دريد في مقصورته:
وإنَّما المَرْءُ حَدِيثُ دَهْرِهِ
فكُنْ حَدِيثاً حَسَناً لمَنْ وَعَى
موت العقل
إذا مات العقل من الإنسان أصبح يرى الحق باطلاً والباطل حقاً. وهو عين ما وصف به الله الكفار، فقال تعالى: (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (أي وضَّحْتَ الحججَ يا محمد، لكنهم لإلفهم تقليد الأسلاف في الكفر ماتت عقولهم، وعميت بصائرهم، فلا يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم).
الموت الرَّحِيم
موت كالانتحار، وأي موت يكون رحيماً! الموت الرحيم ينطبق عليه المثل العربي (بيدي لا بيدي عمرو)، حيث يختار الإنسان أن يموت بيد طرف آخر بعد أن تستفحل معاناته مع المرض الذي لا شفاء منه. كأن يحقن بمادة تسبب الوفاة مباشرة، أو توقف الأدوية التي تساعده على الحياة. وهذه التسمية أصلها ترجمة من المسمى الإنجليزي (Euthanasia) وهو مأخوذ من اللغة اليونانية، ومعناه فيها (الموت الجيد).
وكان الفيلسوف ابن سينا ممن اختار القتل الرحيم. فعندما أصابه المرض عالج نفسه بنفسه حتى يئس من فاعلية العلاج، فتركه واستسلم للموت وهو يقول: (المُدَبِّرُ الذي يُدَبِّرُ بدني عَجِزَ عن التَّدبير. والآن لا تنفع المعالجة). ولم يلبث إلا أياماً حتى مات سنة (428هـ).
موت السِّرِّ
لم تزل الناس تمدح بعضها بعضاً بحفظ السر، وحفظ السر موته في صدر متلقيه، وحياة السر نشره وإذاعته. وقد أطنبت العرب قديماً وحديثاً في مدح مميت السر.
قال الأحوص:
كريمٌ يُمِيتُ السِّرَّ حتَّى كأنّهُ
عَمٍ بنوَاحِي أمْرِهَا وهوَ خَابِرُ
قال شرف الدين القَيْسَراني:
ولم يَدَعْ لِي مَوْتُ السِّرِ من جسدِي
عِرْقاً إذا جَسَّهُ آسِي الهَوَى نَبَضَا
موت اللَّهْو
موت اللهو علامة على نهاية اللهو في حضرة من تهوى. قال أبو تمام:
لا أَنَّ خَلْفَكِ لِلَّذَّاتِ مُطَّلَعاً
لكنَّ دُوْنكِ مَوْتَ اللَّهْوِ والطَّرَبِ
فإن هذه الغانية هي منتهى اللهو واللذات، فإذا كان الشاعر بحضرتها فإن كل نوازع اللهو والطرب مع غيرها تموت وتصبح نسياً منسياً.
موت الخُمُوْل
الخمول على عكس الذِّكْر. فعندما يهجم الموت على الخمول فإن معنى ذلك حياة الذِّكْر. وهو عَيْن ما قال ابن الرومي يهجو رجلاً:
نَشرَتْكَ مِن مَوْتِ الخُمُولِ بقُدْرةٍ
لِمَا هُو أدْهَى لو عَلِمْتَ وأنْكَرُ
وأبدع ابن الرومي في هذا المعنى حين جعل من شعره ما سيحيي هذا الخامل، لكنها حياة الخزي بهجائه الممض.
موت العُلى والمَحَامِد
موت المعالي وما يحمد به الإنسان تعني أن الإنسان قد بلغ الغاية فيهما، فلا يأتي بعده من يدانيه فيهما. فكأنهما ماتا، لاستحالة أن يقوم بهما أحدٌ مثل ما قام بهما من مضى من الحياة.
قال ابن المعتز:
أَلستَ تَرَى موتَ العُلى والمَحَامدِ
وكيفَ دَفنَّا الخَلْقَ في قَبْرِ وَاحدِ
موت الدُّجّى
الدجى: الظُّلمة. وموت الدجى معناه انصرافُ الليل وظهور النهار في تباشير الفجر. قال ابن معتوق الموسوي:
بِرُوحِيَ مِنْهَا طَلْعَةٌ كُلَّمَا انْجَلَتْ
تَشَمَّتَ في مَوْتِ الدُّجَى هاتفُ القُمْرِي
موت النُّعْمَى
لا تموت النعمى إلا مع من تباعد عن المروءة وتقديم العون للناس، فتكون النعمى في عداد المفقود. قال ابن نباتة المصري:
لا يَخْتَشِي مَوْتَ نُعْمَى كَفِّهِ بَشَرٌ
كأنَّ أنْعُمَهُ للخَلْقِ أقْوَاتُ
موت الفَضْل والجُود
يموت الفضل والجود بموت أهله، الذين يحرصون على بذله ويتلمسون من يستحقه. قال عبدالغفار الأخرس:
وقدْ كَرِهْتُ حَياةً لا أرَاكَ بها
مُذْ كانَ مَوْتُكَ مَوْتُ الفَضْلِ والجُوْدِ
موت الشَّباب
يموت الشباب حينما يستبد اليأس بالشاب، ويستولي عليه الإحساس بأن الشباب لم يكن في موضعه الصحيح، فيرى شبابه يموت في روحه وقلبه، دون أن يهرم من الجسم، ولم يدركه السن الذي يخرجه من زمرة الشبان والشابات. قالت نازك الملائكة:
حياتي وآلامُ رُوحي الحَزِين
وأحلامي المُرَّةُ الذَّاوِيَهْ
وموكبُ أيَّامِي الذَّاهِباتِ
وأطيافُ أيَّامِي الآتِيَهْ
تَجَمَّعْنَ في باقةٍ من عَبيرٍ
ثَوتْ خَلْفها رُوحِيَ الفَانِيَهْ
هنالكَ حيثُ يَمُوتُ الشَّبابُ
وتَذْوِي أشِعَّتُهُ الغَارِبَهُ
موت الهَوْى
جعل جرير موت الهوى مقترناً بموت من تهواها في قوله:
لِمنْ الدِّيَارُ كأنَّها لم تُحْلَلِ
بينَ الكِنَاسِ وبينَ طَلْحِ الأعْزَلِ
ولقدْ أرَى بكِ والجَديدُ إلى بِلىً
موتَ الهوى وشفاءَ عينِ المجتلي
قال أبو عبيدة: (قوله (موت الهوى) يقول: كُنَّا بكِ يا دارُ مجتمعين متجاورين، فهوانا مَيِّتٌ، فلما افترقنا جاء التذكّر). وكأن الهوى لا يظهر ويعلو إلا بعد الفراق. لأن رؤية الحبيب تطفئ لوعة الهوى، وغيابه بدون شك يؤجج مشاعر الشوق والخوف من الفقد، فيزداد التعلق به.
موت المُرُوْءة
قال زياد بن أبيه يخاطب معاوية: (مهلاً يا أمير المؤمنين، فوالله ما حَلَلتُ للكلام حَبْوةً إلّا على بيعةِ الصِّدق ولم أكذب. وحياةُ الكَذبِ عندي موتُ المُروءةِ). والمروءة اكتمال صفات الرجولة في الشخص، ويرى زياد أن موت المروءة يكمن في الكذب. والكذب ما خالط فعال إنسان إلا أفسدها، لأنه يختلق ما لا وجود له من الأقوال والأفعال، فيكتوي بنار هذا الكذب أقرب الناس له قبل أباعدهم.

ذو صلة