مجلة شهرية - العدد (587)  | أغسطس 2025 م- صفر 1447 هـ

مُعتقد (الطفل المبَدَّل) في حكايتين سعوديتين

ترد في مدوناتنا الشعبية السعودية إشارات عديدة لمعتقد (الطفل المبدَّل)، من بينها إشارة الشيخ محمد بن ناصر العبودي في مادة (ع د ل) من معجم (كلمات قضت)، فقد شرح المقصود بالمعَدَّل عند المزارعين، وهو (مبتدأ سير السانية في المنحاة، ويكون عادةً مرتفعاً)، وذكر بأنّ من الأسجاع الشعبية المشهورة على طريقة السؤال والجواب قولهم: (وش بالمعَدّل؟ ولد مْبَدَّل!)، وكتب بأن المبَدَّل هو (الذي أخذه الجن وأبدلوه بولد من أولادهم). كما ذكر في مادة (ب د ل) بأنهم يطلقون وصف (طفل مْبَدَّل) على مَن يتفوق في ذكائه على أقرانه، لاسيما إذا (كان لم يرافق نموَّ عقله نموٌّ زائد في جسمه)، وأضاف في شرح المقصود بالطفل المبدَّل: (يريدون أنه قد أبدله الجن بطفل من عندهم لذلك هو ذكي، اعتقاداً منهم بأن الجن صغار الأجسام، أذكياء العقول).
وكذلك أورد الشيخ عبدالكريم الجهيمان في كتابه (الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب) المثل الشعبي: (من يبدِّل ولده بجنِّي؟)، وذكر أنّه يُضرب لبعض (الأمور المستحيلة التي لا يستبدل فيها المرء ما هو أعلى وأغلى بما هو أرخص وأنحس). وما ذكره العبودي في شرحه يُشير بدقّة إلى معتقد الطفل المبدَّل الذي يشيع عند شعوب العالم العربي بأسماء مُتشابهة، وقد تحدّث الأستاذ حسين محمد حسين، في سلسلة مقالات مطوَّلة عن هذا المعتقد، وقال بأنّ المعتقد يُعرف في البحرين والخليج العربي بأسماء (إمْبَدَل) و(لمْبَدَل) والجمع (إمْبَدَلين)، وفي فلسطين المُبدَّل والمبدول، وفي مصر يسمى المبدول وبَدَل، وفي السودان يُسمى الطفل البدلي أو المُبدَّل، وفي المغرب العربي مبدول ومبدل، وأضاف بأن المعتقد ينتشر في (غالبية، أو كل، مناطق قارة أوروبا)، كما يُعرف في مالطا الأوروبية بالاسم العربي: المِبدول.
ووردت في موسوعة (الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية) إشارةٌ إلى عادةٍ من العادات الشعبية المندثرة كانت الأم تفعلها بقصد حماية طفلها من الجن في الأربعين يوماً الأولى من ولادته، وهي عادة شبيهة بطقس وقائي شائع في عدد من دول الخليج العربي توضع فيه (قطعة حديد أو سكين أو خلافه تحت وسادة الطفل أو أن يلبس الطفل حجلاً من الحديد)، لمنع أذى الجن أو استبدالهم له. وجاء في الموسوعة أن الأم بعد الولادة كانت تصطحب معها في أي مكان في المنزل، خصوصاً في الحمام، أداة مصنوعة من الحديد كالمفاتيح الحديدية الكبيرة (أو ملقاط جمر أو الأداة التي تحمص بها القهوة، أو سكين أو محش... وتحمل الأم، عادة، هذه الأداة باليد اليمنى، وعندما تعود لمضجعها فإنها تضعها بجانبها. وتستمر هذه الأداة مصاحبة لها مدة أربعين يوماً. والاعتقاد السائد لحمل هذه الأداة الحديدية هو أنها تطرد الشياطين أو الجن أو الأرواح الشريرة).
ويرى الناظر في دليل (الدراسة العلمية للمعتقدات الشعبية) للدكتور محمد الجوهري بأنه تضمّن أسئلةً متنوّعة ترتبط بمعتقد استبدال الجن طفلاً من الإنس بطفلٍ جني، ومن الأسئلة التي اقترح الدليل على جامعي التراث الشعبي طرحها على الإخباريين: ما هي الأسباب التي تجعل الجن يستبدلون طفلاً بطفلٍ آخر؟ ما هي الأعراض التي تظهر على الطفل المبدول وتنبئ أهله بحدوث هذا البدل؟ ما هي الممارسات التي تستهدف توقي حدوث هذا الإبدال؟ هل يحدث أن تأخذ الجن أطفالاً بشريين؟ هل يشترط أن يكونوا مواليد جدداً؟ لماذا يأخذونهم؟ هل يردونهم ثانية؟ في أي وقت؟
وأود هنا استعراض حكايتين شعبيتين سعوديتين تناولتا مُعتقد الطفل المبدَّل تناولاً صريحاً، وربما ساعدنا تأمل ما ورد فيهما من أحداث على العثور على إجابات لبعض الأسئلة السابقة المتصلة بهذا المعتقد في حدود المناطق السعودية التي تنتمي لها الحكايتان. وما يرد فيهما قد يُعبِّر عن رؤية الراوي الشعبي الشخصية للمعتقد، وربما تكون الحكاية صياغة لاعتقاد الجماعة في قالب حكائي عجيب.
حكاية (التليسية)
الحكاية الأولى هي حكاية (التليسية) المدونة في كتاب (قالت حامدة.. حكايات حجازية) للأستاذ عبده خال، الذي بيّن أن التليسية نوعٌ من الزواحف تسكن بين القمائم والجحور وشقوق البيوت، وتُعرف بأسماء منها: (أم صالح) في جدة ومكة، و(برمية) في جنوب السعودية. وفي الحكاية تجلس الداية (القابلة) التي اشتهرت بتوليد نساء القرية والقرى المجاورة مع زوجة ابنها في فناء البيت، فتمر أمامهما تليسية مُنتفخة البطن، فتقول الداية ضاحكةً تخاطب زوجة ولدها: (كأن هذه التليسية حامل وإن شاء الله أولّدها معك). وبعد أشهر ولّدت الداية زوجة ابنها ثم لفّت حفيدها في منشفة زرقاء خصّصتها له، فحملته الأم ووضعته بجوارها (وانقلبت على الشق الثاني من جنبها)، ثم سمعت الداية طرقاً، وعندما فتحت الباب وجدت رجلاً غريباً يطلب منها مساعدته في توليد زوجته، ثم اصطحبها معه إلى مكان بعيد في الخلاء، ورفع صخرةً دخلا من تحتها، فأدركت الداية بأنّه من الجن وليس إنسياً.
وعندما دخلت الداية تحت الأرض رأت التليسية في حالة مخاض، فبادرت الأخيرة بالتعريف بنفسها: (لا تخافي أنا التليسية اللي مرّت من قدامك... وقلت لزوجة ابنك أولّدها معاك). وعقب ولادتها مباشرةً كان مولودها الجني (يصيح صياحاً قوياً أزعج أبويه)، فأمرت التليسية زوجها: (شيل هذا الولد ودور عن أنسية معطية ولدها ظهرها وحطّ مكانه ولدنا)!
إلى هذه النقطة من الحكاية يمكن استنتاج سببين واضحين من أسباب الاعتقاد باستبدال الجن طفلاً إنسياً بطفلهم، السبب الأول مرتبطٌ بأم الطفل الإنسي التي يتوجّب عليها مراقبته مُراقبةً دقيقةً ومُستمرّة، وألا تتهاون بتركه وراء ظهرها كما فعلت الأم في حكايتنا، وقد أكّدت التليسية في طلبها من الزوج بأنّ أكثر أطفال الإنس استهدافاً هم أولئك الذين لا تمنحهم أمهاتهم عنايةً فائقةً تتناسب مع ضعفهم الشديد ومع حاجتهم لها. وقد أشار حسين محمد حسين في بحثه إلى وجود اتفاق بين المراجع الأجنبية على أنّ (أحد أهم أسباب حدوث تبديل الطفل هو ترك الطفل لوحده)، وإلى أن الاعتقاد الشائع في الدول العربية أيضاً أن هذا السبب هو أهم أسباب حدوث التبديل، إضافة لأسباب أخرى منها عدم ذِكر القابلة لاسم الله عند توليد الطفل.
أما السبب الثاني، الذي نستنتجه من الحكاية، فيتعلق بسلوك مولود الجن الذي يُعتقد بأنه مصدر إزعاج يصعب تحمّله حتى من أقرب الجن إليه وهم والديه، لذلك يسارعون إلى التخلص منه باستبداله بمولود هادئ من عالم الإنس. ومن أبرز الصفات السلوكية للمبدل عند الشعوب المؤمنة بهذا المعتقد أنّه (كثير البكاء، لا يسكت ليلاً ونهاراً)، ويأكل أي شيء خلال الأربعين يوماً الأولى من ولادته، وله صفات جسدية منها شَبَهُه بالطفل المستبدل، ولكنه (يبدو أقبح في الشكل من الإنسي)، وقد يكون ضعيف البُنية أو مريضاً بمرض معين كالعجز عن الحبو أو الجلوس، وربما ولد برأسٍ كبير، أو بأسنان، خلافاً للطفل الطبيعي الذي يخلو فمه من أي سن. ونلاحظ بأن العبودي أشار إلى صفة من الصفات السلبية الشائعة للمبدَّل وهي أنّه ذو جسم ضئيل مقارنةً بعمره، ولكنه تفرّد في المقابل بالإشارة لصفة إيجابية لا تذكرها حكاية التليسية ولا حكايتنا الثانية، وهي أن المبدَّل يتسم بالذكاء العالي.
وفي تكملة الحكاية استجاب زوج التليسية الجني لطلبها فوراً، فحمل ولده، وفي لحظات أحضر مولوداً إنسياً أدركت الداية أنه حفيدها بمجرد النظر إلى لون المنشفة التي لفّتها حول جسده، فاحتالت عليهما بالقول: (هذا أحسن من ولدكما، هادئ، خلّوني أشوفه)، وعندما أمسكت به سارعت في غفلةٍ منهما إلى أخذ مشبك كانت تضعه على صدرها وغرسته في قدم حفيدها، فصرخ من الألم ولم يتوقف عن الصراخ. فأخبرتهما بأنّه أكثر إزعاجاً من ابنهما الأصلي، فطلبت التليسية من زوجها إرجاعه وإحضار ولدها الجنّي، ثم كافأت الداية بمنحها (صرة مليئة بالذهب) تقديراً لمساعدتها في الولادة. وعندما رجعت الداية إلى بيتها وأخبرت زوجة ولدها بما حدث لم تصدّقها، فأخرجت المشبك من رجل الطفل الذي ما زال يصرخ بقوّة لتؤكد لها صحة قصة استبدال ولدها بولد التليسية.
إذن ساهمت فطنة وشجاعة الجدة (الداية) في استدراك ما نتج عن غفلة الأم وتقصيرها، ونقلُ خيال الراوي الجدّة إلى العالم السفلي (عالم الجن) هو مساهمةٌ منه في تعريفنا -معشر البشر- بشيءٍ من أسباب استبدال الجن أولاد الإنس بأولادهم، ومن جهة ثانية هو تحذيرٌ للأمهات من الوقوع في الأسباب المؤدية إلى هذا الأمر.
حكاية (المرأة وطفلها المبدل)
الحكاية الثانية هي حكاية (المرأة وطفلها المبدل) المدوّنة في كتاب (قصص وأساطير شعبية من منطقة المدينة المنورة بدر ووادي الصفراء)، للأستاذ مفرج بن فراج السيد، وهي حكاية موجزة يُشير عنوانها بوضوح إلى المعتقد الشعبي، وستساعدنا الملاحظات الواعية التي كتبها الأستاذ محمد السيد تعليقاً على الحكاية، التي دوّنها والده المؤلِّف، في معرفة مزيدٍ من المسائل المتصلة بمعتقد الولد المبدّل في تراث منطقة المدينة المنورة وما جاورها.
جاء في مُستهل الحكاية أن امرأة (كان لها ولد مشوه الخلقة كثير النواح، فقال لها أخوها: إن هذا الطفل مُبَدَّل من الجن وليس ابنك الأصلي فارميه، ولكن ضنت بذلك). فاقترح الأخ على أخته للخلاص من المبدّل، الذي وصفه بالمسخ، أن تنتقل معه إلى بيت آخر وتتركه وحيداً، وأن يختبئا قبل الرحيل في مكان قريب يمكّنهما من مشاهدة ردّة فعل الطفل عقب انصرافهما عنه.
في هذه الجزئية من الحكاية ذِكرٌ لعَرضَين من الأعراض التي يمكن أن يُستدلَّ بها على الطفل المبدّل بحسب الاعتقاد الشعبي، العَرَضُ الأول يتعلق بالصفات الجسدية: (مشوه الخلقة)، والجماعات الشعبية في العديد من الثقافات تعتقد بأن (الجن يحب الأطفال الجميلين فيقوم بخطفهم أو استبدالهم بأطفال قبيحين). أمّا العَرَضُ الثاني فله صِلةٌ بصفة سلوكية وردت في حكايتنا الأولى التليسية: فالطفل المشوه (كثير النواح)، أي كثير البكاء.
وما اقترحه الأخ يمثَّل طريقةً من طريقتين أساسيتين ذكر حسين محمد حسين أنهما أكثر الطرائق شيوعاً لخداع المبدَّل بحسب ما تُشير دراسة أجرتها إحدى الباحثات وحلّلت فيها خمساً وعشرين قصة للمبدل من دول أوروبية مختلفة، والطريقة هي (جعل الطفل لوحده ومراقبته خلسة، حينها ربما يقوم المبدل بحركة تكشفه من مثل الكلام أو الحركة والمشي أو حتى المشي على الجدار).
ترك الطفل المبدل وحيداً قد يكون طقساً علاجياً يأمل الأهل من خلاله استرجاع طفلهم الحقيقي والخلاص من المبدَّل، وتتفق الجماعات الشعبية في جميع الثقافات بأن (ترك الطفل وحيداً من جديد سيؤدي لعملية تبديله مرة أخرى)، لكن الأخ في هذه الحكاية واثقٌ من أن مَن تحتضنه أخته جني مبدَّل لا يمكن اكتشاف حقيقته إلا بالحيلة، لذلك مارس معه طريقةً من طرق الخداع تُذكِّرنا بما فعلته الدَّاية مع التليسية وزوجها الجنّي في حكايتنا الأولى.
وقد وافقت الأخت على اقتراح أخيها بالتخلِّي عن الطفل بعد مجهودٍ عظيم بذله في إقناعها، فتظاهرا أولاً بالرحيل ثم اِختبآ خلف شجرة بحيث يريانه ولا يراهما، وقد استمر في الصراخ إلى أن اطمأنَّ لخلو المكان حوله، فقام (وجلس وإذا به شائب طويل اللحية قصير القامة ثم هتف يقول: واحسرتي على ورك الصبية وصقارق العشية، ثم ولى هارباً).
تنتهي الحكاية بنجاح الطريقة المقترحة من الأخ لخداع المبدَّل المتخفّي، وكانت المفاجأة أنّ مَن توهمت الأخت أنه طفلها كان شيخاً كبيراً من الجن، وقد عبّر قبل هربه عن حسرته على حضنها الدافئ الذي سيُحرم منه، وعلى انقطاع الشراب: (صقارق العشية)، والصقارق إناء يوضع فيه اللبن ويُسقى به الطفل الرضيع. والاعتقاد أن المبدَّل قد يكون رجلاً كبيراً في السِّن اعتقادٌ وجد عند شعوب عربية كالشعب الفلسطيني، كما يشيع في أوروبا أيضاً (أن الطفل المبدل أي ابن الجان ليس صغيراً في السن بل هو كبير في السن لكنه في هيئة طفل فهو قادر على الكلام وقادر على المشي وحتى المشي فوق الجدار).
وذكر الأستاذ محمد السيد في تعليقاته على الحكاية انتشار الاعتقاد عند العامة أن الطفل المبدل (الجني) يكون (قبيح المنظر ومريضاً، وأحياناً يكون المستبدل رجلاً عجوزاً من الجن على هيئة طفل). ونقل عن والده كلاماً يوضح سبباً لم تذكره هذه الحكاية لاستبدال الجن للطفل مع تأكيد الحكاية الأولى عليه. إذ ذكر مفرج السيد بأن (المرأة عندما تنام بجانب طفلها وتضعه وراء ظهرها، تقول لها أمها أو قريبتها: اسم الله عليك وعلى الطفل، أعطه وجهك، لأن الجن إذا أعطيته ظهرك يقولون إنها عايفته، بمعنى كارهته، فيبدلونه بجني).
في كلتا الحكايتين يُلاحظ بأن دور الأم دورٌ ثانوي إذا ما قورن بدور الشخصية المساعدة: (الداية في الحكاية الأولى)، و(الأخ في الحكاية الثانية)، فهي لا تنتبه أبداً لتبديل طفلها مع أن المتوقع هو أن يرُشدها إحساس الأم المرهف إلى أن ابنها في خطر، وأن مَن تحتضنه وترضعه من صدرها كائنٌ غريب عنها، وكأن الحكايات تُلمح إلى أنّ عملية الاستبدال لا يمكن أن تحدث إلا بتقصير الأم في دورها تجاه طفلها.
ورغم دهاء الجن وخفاء وسرعة عملية استبدال الطفل الإنسي بطفلهم إلا أن العملية لا يكتمل نجاحها دائماً، ففي الحكاية الأولى نجحت الداية في الاحتيال على الجن واستعادة الطفل وبالتالي إفشال عملية الاستبدال، أما في الثانية فاكتفى الأخ بخداع الجني المبدَّل وإثبات صحة كلامه لأخته، ولكن الراوي لم يخبرنا شيئاً عن مصير الطفل الإنسي المستبدل، ولا عن قيام أمه وخاله بأي طقوس لاستعادته.
لا يمكننا بتأمل أحداث الحكايتين التعرُّف على الطقوس الشعبية المستخدمة بهدف استرجاع الطفل المبدّل، ففي الحكاية الأولى كان للصدفة (ولادة التليسية) دورٌ أساسي في استعادته، وفي الثانية لم يكن اللجوء إلى ترك المبدل وحيداً في مكان مهجور طقساً علاجياً بقدر ما كان طريقة لخداعه وفضح هويته. وقد استخدمت الجماعات الشعبية العديد من الطقوس الغريبة لاستعادة المبدَّل، ولعل من أغربها طقس استرجاعه في فلسطين، فعندما يعتقد أهل الطفل أنه مبدَّل يأخذونه إلى المسجد يوم الجمعة، ويحضرون ميزاناً يوضع (المبدول) في كفّة، ثم يشرعون في وضع أحذية المصلين في الكفّة الثانية إلى أن ترجح، وهذه العملية حسب اعتقادهم (بمثابة إهانة للجن لا يستطيعون احتمالها، فيقومون بإرجاع الطفل الآدمي إلى ذويه، وأخذ ابنهم)!
وأختم هذه السطور بالإشارة إلى أن الأستاذ حسين محمد حسين، الذي أضاء لنا بحثه قراءة هاتين الحكايتين، قد ذهب بعيداً في تعليل الطقوس العلاجية الممارسة على الطفل المبدَّل، وذلك بالقول بأن الطقوس العنيفة التي مارستها بعض الجماعات الشعبية لعلاجه ما هي إلا طقوسٌ لتبرير العنف ضد الأطفال، وليس غريباً كما يقول (أن يقتل طفل بسبب أنه معوق أو مريض بحجة أنه مبدل). ورأى أن الطقوس العلاجية العنيفة للمبدَّل تُخرجها من دائرة طقوس (التأمين الرخيص) لتصبح أشبه ما تكون بطقوس التخلص من الأطفال وتقديمهم قرباناً. والمقصود بالتأمين الرخيص تلك الطقوس الخرافية التي لا يؤدي اللجوء إليها إلى إضرار بالطفل: كتعليق التعاويذ أو التمائم لدفع العين.

ذو صلة