مجلة شهرية - العدد (586)  | يوليو 2025 م- محرم 1447 هـ

كتب وقراءات


الكتاب: العوالم الممكنة والتخييل
المؤلف: مجموعة مؤلفين
المترجم: د.عبدالعزيز شبيل
الناشر: زينب للنشر والتوزيع، تونس، 2025.

لقد استعملت نظرية العوالم الممكنة في مجال الدراسات الأدبية متصورات المنطق وطبقتها على العوالم التخييلية. فوفرت بذلك معجماً ثرياً وإطاراً تصورياً أسهما في وصف تلك العوالم. على ما يوجد من فرق شاسع بين عالم الأدب -وهو نمط مخصوص من العوالم الممكنة- وبين العوالم الممكنة أو المتعددة أو الموازية مثلما تهتم بها الفيزياء الكمية والمنطق. وقد سعينا. في هذا الكتاب. إلى جمع وتعريب بعض من الدراسات والمقالات القيمة المتعلقة بمسألة حضور هذا المبحث في مجال النقد الأدبي. راجين بذلك الإسهام في الكشف عن سبل بكر لمقاربة الأدب والتخييل وفق رؤى مستجدة تستكنه جوهرهما وتطمع إلى إلقاء بعض الضوء على زوايا معتمة فيهما. واكتشاف النزر مما يستبطنان من أسرار وخفايا.


الكتاب: الخنجر المرهون
المؤلف: د.سلطان بن محمد القاسمي
الناشر: منشورات سلطان القاسمي، الشارقة، 2025.

هذه الرواية القصيرة تؤكد على أن سبيل رقي الأمم إنما هو في تمسكها بالعلم والمعرفة، واحتفائها بالمكتبة والكتاب، والعلماء والكتّاب، فبذلك تتبوأ مكانها بين الحضارات، وتسمو بين الشعوب والثقافات.
يقول المؤلف في مقدمة الرواية: (أحببت الكتاب من حبّي لعمي الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، حيث كثيراً ما كنت أشاهده يقرأ الكتب، وأنظر إلى وجهه فأجده يظهر تعابير كثيرة، وهو سارح في عوالم المعرفة، فأقلده دون أن أفهم ما في الكتاب، لذلك أسرعت لتعلم القراءة والكتابة، وأخذت أتدرب على القراءة حتى أجدتها، وكنت أحلم أن تكون لي مكتبة مثل مكتبة عمي الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وأخيراً كانت لي تلك المكتبة).


الكتاب: (إيران بلا حدود: تحولات الأمة الإيرانية في حقبة ما بعد الكولونيالية)
المؤلف: حميد دباشي
المترجم: قيس قاسم العجرش
الناشر: دار سطور، بغداد، 2025.

يتناول التحولات التي مرت بها الأمة الإيرانية بعد الحقبة الاستعمارية. يقدم الكتاب تحليلاً عميقاً للهوية الإيرانية والتغييرات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي شهدتها إيران في سياق ما بعد الكولونيالية.


الكتاب: السينما فناً
المؤلف: رودولف أرنهايم
الناشر: مزيج للنشر والتوزيع، القاهرة، 2024.

نُشر الكتاب لأول مرة عام 1932، ويعد عملاً أساسياً في نظرية السينما وجمالياتها، حيث يرى أرنهايم أن الفيلم هو شكل مشروع من أشكال الفن، يختلف عن المسرح والأدب. ويؤكد أن القيمة الفنية للوسيلة تكمن في قدرتها على تحويل الواقع من خلال التقنيات البصرية مثل التأطير والمونتاج واستخدام النور والظل. كما يستكشف أرنهايم كيف تتلاعب هذه التقنيات بالمكان والزمان، مما يخلق لغة سينمائية فريدة تنقل المشاعر والأفكار بطرق لا تستطيع الأشكال الفنية الأخرى القيام بها. ويناقش أيضاً التأثيرات النفسية للفيلم على الجماهير وكيف يمكن لصانعي الأفلام استغلال هذه التأثيرات لتعزيز رواية القصص. من خلال تحليل العناصر الشكلية للسينما، يؤسس أرنهايم الفيلم كشكل فني له إمكاناته التعبيرية الخاصة، متحدياً فكرة أن الفيلم يجب أن يكرر الواقع فقط، وقد وضع عمله الأساس لنظرية الفيلم المستقبلية ويظل مؤثراً في دراسة الجماليات البصرية.


عدنان السيد العوامي عيون القطيف

في أحد الحوارات تستل إجابة الأديب عدنان السيد العوامي بمثابة تعريف عن شخصيته:
حقيقة إذا قيل (كل ميسر لما خلق له)، نشأت في قرية أرقى المتعلمين فيها هو الذي يستطيع أن يكتب اسمه، ولم تسمح الظروف في ذلك الوقت بدخولي المدرسة؛ لأن الناس في تلك الحقبة كانوا متوجسين ومتخوفين من دخولها، ولم يسمح الوالد لي بدخولها، وبعد أن أكملت حفظ القرآن الكريم وجدت نفسي تائهاً، وأشار الأستاذ الدكتور عبدالمحسن القحطاني إلى أنني تعلمت من خلال الأوردو، وهذه فعلاً لافتة للنظر، كان شخص يعمل في السكة الحديد، وفي تلك الحقبة كانت هنالك مدرسة للباكستانيين الوافدين العاملين في السكة الحديد، فأحضر لي بعض الكتب التي كانوا يدرسونها وطريقة كتابتهم في تلك الفترة، وكانت شبيهة بطريقة التعلم عندنا بأن يكتب الأستاذ سطراً ويترك سطراً للتلميذ ليكتب عليه، وتعلمت بهذه الطريقة، واستطعت أن أكتب وأقرأ، ووجدت نفسي مولعاً بالقراءة، وكنت أشتري بعض الكتب القديمة لأنها طبعات رخيصة تباع في بسطات في الظهران في بداية السكنى في الظهران كقصص ألف ليلة وليلة، إلى أن انتقلت إلى المركز، وهنالك تفتحت لي الآفاق، ووجدت أن هناك عالماً آخر وهم يقرؤون للعقاد والمازني وغيرهما، وبحكم المخالطة بدأت أقلدهم في القراءة.
الجدير ذكره أن السيد عدنان محمد العوامي شاعر وباحث ومحقق. ولد في قرية التوبي من قرى القطيف عام 1357هـ، تعلَّم القراءة والكتابة في كتَّاب القرية، أنهى المرحلة الابتدائية عام 1384هـ، ثم واصل تثقيف نفسه ذاتياً.
بدأ حياته الأدبية بكتابة المقالة والقصة المسرحية، ثم تحول عنهما للشعر، ونشر إنتاجه في الصحف السعودية والعربية منذ عام 1383هـ، وشارك في مهرجان الشعر لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض عام 1408هـ، له مشاركات في الأمسيات الشعرية والندوات الأدبية في المنطقة الشرقية من المملكة. يعنى بالكتابة حول تراث وتاريخ المنطقة، وله سلسلة مقالات بعنوان (أخطاء وأوهام شائعة) في مجلة الواحة التي يدير تحريرها. ألقى قصائده من خلال إذاعة الرياض في برنامج (أوراق شاعر)، وألقيت قصائده أيضاً في أحد برامج إذاعة أبو ظبي.
كتبت عنه دراسات في الصحف والمجلات، منها ما كتبه نايف رشدان (الرياض 1992)، وغازي القصيبي (المجلة العربية 1992) ومهدي محمد السويدان (المنهل 1387هـ)، وسيد (الشرق 1398هـ)، وعبدالله بن علي بن ثقفان (اليوم 1414هـ)، كما كتبت عنه فصول في الكتب الآتية: شعراء القطيف للشيخ علي المرهون، شعراء العصر الحديث في جزيرة العرب لعبدالكريم الحقيل، القطيف وأضواء على شعرها المعاصر لعبدالعلي العلي السيف.. وغيرها.
الأعمال الشعرية: شاطئ اليباب (1992)، ينابيع الظمأ (2016).
الأعمال النثرية: رحلة يراع (2018)، قطوف وحروف (2018)، عيون القطيف.. الفردوس الموؤود (2017).
الأعمال الأخرى (التحقيق، الجمع، الترجمة): ديوان أبي البحر الخطي (2005)، أبو السعود.. زعيم في ذاكرة الوطن (2010)، يوميات رحلة عبر الجزيرة العربية.. من القطيف في الخليج إلى ينبع في البحر الأحمر خلال عام 1819م، جورج فوستر سادلير (2016)، الشيخ يوسف أبو ذئب وبقايا شعره (2018)، خالد الفرج.. شاعر الملك عبد العزيز في الخليج (2024).
يذكر عن تحقيقه لديوان أبي البحر الخطي: أردت من تحقيقي لديوان الشاعر أبي البحر الخطي، ليس للديوان في ذاته وإنما الحقبة التي عاشها الشاعر، هي حقبة ابتليت بالاستعمار البرتغالي والتنافس الأوروبي في الخليج، فوجدت أن هذا الشاعر الذي قيل إنه نشأ فقيراً معدماً، وجدته شخصية سياسية مشاركة في الحركة الوطنية والصراع ضد البرتغاليين.


بيتر سلوتردايك.. ما بعد الإنسانية

اتهم المفكر الألماني بيتر سلوتردايك عقب نشر مقاله (قواعد الحديقة البشرية) (1999) بالنازية، إذ يعد الثقافات والحضارات (بيوتاً دفيئة بشرية المنشأ)، أي منشآت لتربية البشر، فكما أنشأنا محميات للحياة البرية لحماية أنواع معينة من الحيوانات، ينبغي علينا أيضاً تبني سياسات أكثر حرصاً لضمان بقاء سياسة أرسطو في التعامل مع الحيوانات.
فيأسف بقوله (لقد فشل ترويض الإنسان)، و(إن إمكانية الحضارة للبربرية آخذة في الازدياد، والمعاملة اليومية للإنسان كحيوان في ازدياد).
يبقى سلوتردايك، بأسلوب مشابه لأسلوب نيتشه؛ مقتنعاً بأن الفلاسفة المعاصرين يجب أن يفكروا بشكل جريء مخاطر، ويدَعوا أنفسهم (يُخطفون) من قبل (التعقيدات الفائقة) المعاصرة: يجب أن يتخلوا عن عالمنا الإنساني القومي المعاصر لأفق أوسع بيئي وعالمي في الوقت ذاته. يمثل أسلوب سلوتردايك توازناً بين الأكاديمية الرصينة للأستاذ الجامعي ونزعة معادية للأكاديمية (يشهد على ذلك اهتمامه المستمر بأفكار أوشو، والذي أصبح سلوتردايك تلميذاً له في أواخر السبعينات). متخذاً موقفاً اجتماعياً؛ يرى الفيلسوف الألماني المعاصر أندرياس دورشيل أن إبداع سلوتردايك الذي جاء في حينه في بداية القرن الحادي والعشرين قد أدخل مفاهيم الشهرة إلى الفلسفة. أما سلوتردايك بنفسه، والذي يرى في المبالغة وسيلة ضرورية لجذب الانتباه؛ يصف الطريقة التي يقدم بها أفكاره باسم (المغالاة).
يرفض سلوتردايك وجود الثنائيات مثل الجسد والروح أو الفاعل والمفعول به أو الثقافة والفطرة.. وذلك أن التفاعل بينها، و(مساحات الوجود المشترك)، والتطور التكنلوجي؛ أدت إلى خلق واقع مندمج، تغيب فيه الازدواجية. يُشار إلى أفكار سلوتردايك أحياناً على أنها تنتمي إلى فلسفة ما بعد الإنسانية، وتسعى لمزج عدة مكونات، كانت -حسب رأيه- تعتبر خطوطاً منفصلة عن بعضها البعض. نتيجة ذلك، يقترح إنشاء ما يدعوه بـ(الدستور الوجودي) الذي يجمع كافة الموجودات ضمنه، إذ يشمل البشر والحيوانات والنباتات والآلات.
بيتر سلوتردايك ولد في 26 يونيو عام 1947، فيلسوف وباحث ألماني. وهو يعمل أستاذاً للفلسفة ونظرية الإعلام في جامعة كارلسروه للفنون والتصميم. شارك في استضافة وتقديم البرنامج التلفزيوني الألماني: في البيت الزجاجي: الرباعي الفلسفي بين عامي 2002 و2012.
كان والد سلوتردايك هولندياً وأمه ألمانية. درس الفلسفة والدراسات الألمانية والتاريخ في جامعة ميونخ وجامعة هامبورغ بين عامي 1968 و1974. في عام 1975 نال شهادة الدكتوراه من جامعة هامبورغ. في ثمانينات القرن العشرين عمل كاتباً مستقلاً، ونشر كتابه نقد المنطق المتشائم عام 1983. نشر منذ ذلك الوقت عدداً من الأعمال الفلسفية التي حازت على تقدير في ألمانيا.
في عام 2001، عُين عميداً لجامعة كارلسروه للفنون والتصميم، وهي جزء من مركز الفن والإعلام في كارلسروه. أشهر تلاميذه في كارلسروه هو مساعده السابق مارك يونغن الذي أصبح عضواً في المجلس التشريعي الاتحادي (البرلمان الألماني). في عام 2002، بدأ سلوتردايك بالمشاركة في تقديم برنامج في البيت الزجاجي: الرباعي الفلسفي، وهو برنامج مخصص لمناقشة أهم القضايا المعاصرة بشكل معمق، وعُرض على التلفزيون الألماني الثاني.
نُقل في السنوات الأخيرة عدد من كتبه إلى العربية:
الإنجيل الخامس لنيتشه (2012)، ترجمة علي مصباح. نقد العقل الكلبي، المجلد الأول (2019)، ونقد العقل الكلبي، المجلد الثاني (2022)؛ ترجمة نادي العونلي. أمزجة فلسفية من أفلاطون إلى فوكو (2022)، ترجمة جميلة حنيفي. وآخرها: ذرية الحداثة المرعبون (2025)، ترجمة: ناجي العونلي.


الكتــاب: الموضة والإيمان والخيال في فيزياء الكون الجديدة
المؤلف: روجرز بنروز
ترجمـــة: موريس معربس
الناشــــر: منشورات المجلة العربية- مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، 2024.

ناقشت الفصول الثلاثة الأولى ثلاث نظريات مهمة تتميز بالموضة والإيمان والخيال على التوالي. وهي نظرية الأوتار (الموضة)، وميكانيكا الكم (الإيمان)، ونظرية علم الكونيات الحالية (الخيال). في الفصل الرابع، قدم بنروز نظريته الخاصة، بما في ذلك علم الكونيات الدوري المطابق المثير للجدل. الكتاب موجه للقراء العاديين، وليس المتخصصين.
يطرح بنروز تساؤلاته في هذا الكتاب: ما علاقة الأفكار العصرية، أو الإيمان الأعمى، أو الخيال المحض في السعي العلمي لفهم الكون؟ من المؤكد أن علماء الفيزياء النظرية محصنون ضد الاتجاهات المجردة، أو المعتقدات العقائدية، أو نزوات الخيال؟ في واقع الأمر، يزعم الفيزيائي الشهير والمؤلف الأكثر مبيعاً روجر بنروز أن الباحثين الذين يعملون على الحدود القصوى للفيزياء هم عرضة لهذه القوى مثل أي شخص آخر. وفي هذا الكتاب الاستفزازي، يزعم أن الموضة والإيمان والخيال، في حين أنها منتجة في بعض الأحيان وحتى ضرورية في الفيزياء؛ قد تقود الباحثين اليوم إلى الضلال في ثلاثة من أهم مجالات هذا المجال نظرية الأوتار، وميكانيكا الكم، وعلم الكون. ويزعم بنروز أن نظرية الأوتار انحرفت عن الواقع المادي من خلال طرح ستة أبعاد مخفية إضافية، ويحذر من أن الطبيعة العصرية للنظرية يمكن أن تعكر صفو حكمنا على معقوليتها.
في حالة ميكانيكا الكم، أدى نجاحها المذهل في تفسير الكون الذري إلى إيمان غير نقدي بأنه يجب أن ينطبق أيضاً على الأجسام الضخمة بشكل معقول، ويرد بنروز باقتراح تغييرات محتملة في نظرية الكم. بالانتقال إلى علم الكون، يزعم أن معظم الأفكار الخيالية الحالية حول أصول الكون لا يمكن أن تكون صحيحة، ولكن قد تكمن وراءها حقيقة أكثر جنوناً. أخيراً، يصف بنروز كيف ساهمت الموضة والإيمان والخيال بشكل ساخر في تشكيل عمله الخاص أيضاً، من نظرية تويستور، وهي بديل محتمل لنظرية الأوتار التي بدأت تكتسب مكانة عصرية، إلى (علم الكونيات الدوري المطابق)، وهي فكرة خيالية لدرجة أنه يمكن أن نطلق عليها (علم الكونيات المطابق المجنون). والنتيجة هي نقد مهم لبعض أهم التطورات في الفيزياء اليوم من قبل أحد أبرز شخصياتها.
صرح أحد المراجعين في مجلة Publishers Weekly (يصل بنروز إلى قلب مشكلة الفيزياء الحديثة مع الذاتية في هذا العنوان العلمي الشعبي الثاقب والمثير)، وعلق جراهام فارميلو من صحيفة الجارديان (يبدو من الإيمان والموضة والخيال أن بنروز لم يشعر بالراحة مع أي من الأفكار الجديدة الجذرية في الفيزياء الأساسية التي تم طرحها في السنوات الأربعين الماضية).
روجر بنروز، أحد أبرز علماء الفيزياء النظرية في العالم، فاز بالعديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة نوبل 2020 وميدالية ألبرت أينشتاين، لمساهماته الأساسية في النسبية العامة وعلم الكون. وهو المؤلف الأكثر مبيعاً، مع ستيفن هوكينج، لكتاب طبيعة المكان والزمان (برينستون). تشمل كتب بنروز الأخرى دورات الزمن: نظرة جديدة غير عادية للكون والطريق إلى الواقع: دليل كامل لقوانين الكون (كلاهما من طبعة قديمة). وهو أستاذ فخري في الرياضيات بجامعة أكسفورد ويعيش في أكسفورد بإنجلترا.


الكتاب: تاريخ الدولة العثمانية وتركيا الحديثة
المؤلف: ستانفورد شو
المترجم: أحمد سالم سالم
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2025.

لم يقتصر هذا الكتاب على السرد التاريخي الذي امتد على نطاق زماني ومكاني واسع بل تشعبت مواضيعه لتشمل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والإدارية والأدبية والفنية والعمرانية وكانت مصطلحاته كذلك أيضاً. فضلاً عن هذا فقد تبحر المؤلف في نقاط شديدة التعقيد لدى استعراضه مثلاً لتطور نظام الحكم والأنظمة الإدارية والمالية واللوائح التنظيمية خصوصاً منذ بداية التحديث في عهد سليم الثالث ثم عصر التنظيمات وما تلاه.
من ناحية أخرى كانت صورة (التركي المريع) قد ترسخت في الغرب بشكل عام خلال قرون العصر الحديث يصاحبها روايات ملفقة عن مدى الوحشية التي تشهدها الشعوب المسيحية الخاضعة لهؤلاء، تأثراً بالروح الصليبية التي ظلت تأجج العداء بين عالمي الإسلام والغرب منذ العصور الوسطى. وبطبيعة الحال كان كل هذا العداء يمثل ضغطاً كبيراً من شتى النواحي على من أراد التأريخ لهذه الدولة ممن ينتمي لهذا الغرب. وهذا ما جعل أكثر هذه الأعمال إنصافاً وصولاً إلى القرن العشرين يشوبه الأساطير والروايات المتأثرة بالروح السائدة. لكن بعد أن صارت الدولة العثمانية في ذمة التاريخ كان هناك مجال أوسع لانطلاق الدراسات الموضوعية عن هذه الحقبة فشهدت الدراسات العثمانية والتركية تطوراً في الولايات المتحدة أولاً بدأ على إثره ظهور دراسات غربية جادة منذ النصف الثاني من القرن العشرين.
لقد تحلى هذا الكتاب بالدقة وتوثيق المعلومات بعناية واضحة ومحاولة تحري الحقيقة حتى وإن أخذ عليه إهماله بعض النقاط بشكل متعمد أو تجنبها كالمسألة الصهيونية مثلاً رغم أنه اعترف بفضل الدولة على اليهود، كذلك يمكن أن يؤخذ على المؤلف ظهور رؤيته القومية بشكل واضح لدى استعراضه أواخر عهد الدولة والعهد الجمهوري إلا أن ذلك لم يخل بموضوعيته في الجوانب الأخرى ويشهد على ذلك كم الوثائق والأرقام والجداول التي أوردها.
هذا وقد أشار بعض المؤرخين إلى أن تغطيته للمئة عام الأخيرة كانت تعاني من انحياز للقومية التركية مثل عالم التركيات إريك زورشر لكنه مع ذلك وصف المجلد الثاني بأنه منجم للمعلومات، وسلط الضوء على تناول عهدي سليم الثالث وعبدالحميد الثاني ووصفهما بأنهما أقوى أجزاء الكتاب. وهنا تجدر الإشارة إلى الضجة التي أثارها المجلد الثاني عند صدوره بما تناوله من وجهة نظر مغايرة، خصوصاً في مسألة الأقليات، فلأول مرة نجد عملاً غربياً ينسب ارتكاب مذابح المدنيين للأرمن وليس للأتراك، ويدعم وجهة نظره بالأدلة الوثائقية التي لا تقبل الشك. ويقر أن ذلك كان متعمداً للفت انتباه الغرب للقضية الأمنية. وكذلك فعل في المسألتين اليونانية البلغارية وكشف عن مدى تأثير المنظمات الإرهابية السرية التابعة لليونانيين والبلغار، وعن الجرائم التي ارتكبوها بحق المدنيين العزل في سبيل إحداث قلاقل في الأراضي العثمانية الأوروبية ثم الترويج بأنها اضطهاد يمارسه العثمانيون على الأقليات المسيحية في الدولة، وبهذا يستميلون الرأي العام الغربي ويدفعون الحكومات الغربية للتدخل المباشر.
ولذا أثار المجلد الثاني فور صدوره ضجة كبيرة خصوصاً بين الطلاب الأرمن الملتحقين بجامعة كاليفورنيا والمجتمع الأمني في لوس أنجلوس بوجه عام، فما لبث النشطاء الأرمن أن أطلقوا الدعاية المناهضة وحاولوا بشتى الطرق النيل من مكانة الكتاب ومصداقيته وسمعة مؤلفه، ووصلت الأمور إلى ذروتها في ليلة 3 أكتوبر 1977 عندما انفجرت قنبلة وضعها مجهولون على عتبة منزل شو نحو الساعة الثالثة صباحا رغم عدم إصابة أحد.. ووصل الأمر بإرسال تهديدات صريحة لمطبعة كامبردج طالبت بسحب الكتاب.


الكتاب: دليل المسافر إلى النجوم
المؤلف: ليز جونسون
المترجمة: رولا عبدالله
الناشر: منشورات المجلة العربية، الرياض، 2024.

يحتوي الكتاب على الفصول التالية: المقدمة، 1 الكون ينتظر، 2 أسلاف بين النجوم، 3 وضع السفر بين النجوم في سياقه، 4 إرسال الروبوتات أو البشر أو كليهما؟، 5 الوصول إلى هناك بالصواريخ، 6 الوصول إلى هناك بالضوء، 7 تصميم سفن الفضاء بين النجوم، 8 التكهنات العلمية والخيال العلمي، الخاتمة.
يفتتح المؤلف الكتاب: (الحياة رحلة، وأحياناً يكون الكتاب كذلك. بدأت رحلة هذا الكتاب عندما طلب مني قيادة مشروع أبحاث نظام الدفع بين النجوم التابع لوكالة ناسا عام 1999. وباشرت في قراءة كتاب تقني حول موضوع السفر إلى الكواكب الخارجية بنهم. كنت بالفعل مستعداً إلى حد ما للمهمة. وكوني فيزيائياً أدركت أنه يمكنني فهم الأساسيات وفك رموز الرياضيات التي تكمن وراء تقنيات الدفع المختلفة. إذاً، مع وجود آلاف الكواكب الخارجية المعروفة الآن ومبادرات مثل التي تعزز فكرة السفر بين النجوم، قد يصبح الحلم القديم بالمغامرة في الكون وربما حتى استعمار العوالم البعيدة؛ حقيقة واقعة في يوم من الأيام. يكشف دليل المسافر إلى النجوم كيف).
يأخذك ليز جونسون في جولة مثيرة حول الفيزياء والتكنولوجيا التي قد تمكننا من الوصول إلى النجوم. يناقش أحدث اكتشافات الكواكب الخارجية، والبعثات بين النجوم الواعدة في الأفق غير البعيد، والتطورات الجديدة المثيرة في الدفع الفضائي، والطاقة، والروبوتات، والاتصالات، والمزيد. لكن السفر بين النجوم لن يكون سهلاً، وهو ليس للضعفاء. يصف جونسون المساحة القاسية والمرعبة للفضاء التي تنتظرنا، ويتناول التحديات الهائلة - البشرية والتكنولوجية - التي سنحتاج إلى التغلب عليها من أجل تحقيق إمكانيات الغد.
دليل المسافر إلى النجوم هو جواز سفرك إلى الحدود العظيمة القادمة للاكتشاف البشري، حيث يوفر نظرة داخلية نادرة على الاختراقات الرائعة في العلوم والتكنولوجيا التي ستساعد مسافري الفضاء في المستقبل على رسم مسار للنجوم.
ليز جونسون فيزيائي ومؤلف وخبير تقني في وكالة ناسا. وهو عضو منتخب في الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية، وزميل في الجمعية البريطانية للكواكب، وعضو في رابطة كتاب الخيال العلمي والخيال في أمريكا، والجمعية الوطنية للفضاء، وجمعية منسا.
في وظيفته اليومية، يعمل ليز كبير خبراء التكنولوجيا في مركز جورج سي مارشال لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا في هانتسفيل، ألاباما. خلال مسيرته المهنية في وكالة ناسا، شغل ليز منصب مدير مكتب برامج ومشاريع علوم الفضاء، ومشروع تكنولوجيا الدفع في الفضاء، ومشروع أبحاث الدفع بين النجوم. إذاً، فهو عالم مستقبلي ومؤلف وخبير تقني في وكالة ناسا. وقد أشار ناشرون أسبوعيون إلى أن (روح آرثر سي كلارك ومعاصريه لا تزال حية وبصحة جيدة...) عند وصف روايته (مهمة إلى ميثون). وقد نُشرت أحدث رواياته (حرب الفضاء والزمن) و(إنقاذ بروكسيما) مع المؤلف المشارك ترافيس إس تايلور في عام 2021. وفي وظيفته اليومية في وكالة ناسا، يشغل ليز منصب كبير خبراء التكنولوجيا في مركز مارشال لرحلات الفضاء، حيث يقود تطوير المركز لتقنيات الفضاء من الجيل التالي - بما في ذلك الأشرعة الشمسية، والتي يعتقد أنها ستأخذنا في النهاية إلى النجوم. 


الكتــاب: هشاشة العالم: الكتابة عن زمن لا استقرار فيه
المؤلـف: جوان كارلس ملك
المترجم: حسني مليطات
الناشـــــر: دار أدب، الظهران، 2024.

رؤية أدبية لتعلم كيفية رؤية العالم والاستجابة لمفترق طرق الحاضر.
ربما حان الوقت للتوقف وتعلم رؤية العالم مرة أخرى. أو ما تبقى منه ومن واقع يذوب أمام أعيننا، حيث تسيطر علينا إمبراطورية التكنولوجيا، التواقون دائماً إلى الجديد، المعرضون لاندفاع مستمر، مليئون بالمعلومات ولكن يفتقرون إلى الحكمة... يقترح ميليش افتتاحية حل تعقيدات العالم وتناقضاته، وكذلك جوانبه المظلمة والمؤلمة. لأنه من الملح إنقاذ معنى هش وغير مستقر في مواجهة عجز طبيعتنا وعدائية الوقت الحاضر.
يستكشف هذا الكتاب، الذي فاز بفضله جوان كارليس ميليش بجائزة المقال الوطنية لعام 2022، الملامح الأكثر نسياناً للحالة الإنسانية، وبالتالي يضع نفسه في صحبة المؤلفين، مثل جوزيب ماريا إسكويرول أو لويس دوتش، الذين يسعون إلى قلب الأنثروبولوجيا. إنه تيار غزير الإنتاج وواسع المعرفة وحساس بشكل خاص لعدم انتظام ضربات القلب في ثقافة تتعارض مع الشخص.
الموضوع الرئيسي لهذا الكتاب هو ضعف البشر، مثل تلك المذكورة، يركز ميليش على السمات التي تجعل جنسنا البشري أقل ادعاءً. إن الألم والحنين واللامعنى والخسارة هي، في تفسيرها، حالات وجودية تحدد هويتنا، ونسيانها يجردنا من إنسانيتنا. وهكذا، يصورنا المؤلف كحيوانات تبحث، تتوق إلى الهروب من العدم ولكنها غير قادرة على الوصول إلى المعنى.
المشكلة هي أن الجو الذي نتنفسه غير ملائم لنا، بل الاندفاع والترفيه يلهينا. ألا يتخلل النثر نوعاً من الحنين والقلق ويثقل كاهله، كما يعتني به ميليش ورفاقه كالحديقة؟ وهناك من يشاركه الرأي، ويحثنا على البحث عن ومضات من الأمل: أضواء، أخيراً، بين الأنقاض. وبهذا المعنى، وبالمقارنة مع أولئك الذين يدافعون عن عدم تفويت قطار الزمن للتخلص من التشاؤم، يجب أن نحذر من أن السؤال ليس ما إذا كان ينبغي علينا التكيف مع الجديد، وما إذا كان من السيئ أن تحل موسيقى الريجيتون محل موسيقى البوب أو لوحة المفاتيح بدلاً من موسيقى البوب. استبدل القلم. ما يدور حوله هو التأكيد على أن الفن ليس في المقام الأول وسيلة -نبيلة أو مسكنة- لتمضية الوقت، كما أن التكنولوجيا ليست مجرد أداة. دون الحاجة إلى مشاركة العداء الذي ينبض في جميع أنحاء النص تجاه الميتافيزيقا، فإن اهتمامه بعجزنا والطريقة الجميلة في الإشادة بشكوكنا يحول هذا المقال إلى سجل مثالي ليكشف لنا عن البلورة الهشة التي تشكلنا.
بفضل ميليش، اكتشفنا خلال الرحلة مساهمة فلسفة ما بعد الحداثة، التي لا يؤثر عداءها على الكلاسيكيات بقدر ما يؤثر على التجريدات الحجرية المنحوتة بالعقلانية. لأنه، كما يقترح المفكر الكاتالوني، من الممكن اختراق أعماق الإنسانية من خلال الرموز والثقافة والكلمات. ومن ثم فإن أزمة المعنى هي حتماً أزمة القراءة، أزمة عدم القدرة على القراءة وقراءة أنفسنا. ومن ثم، فإن التشخيص والعلاج يسيران جنباً إلى جنب مع الأدب، لأنه على افتراض أننا سنكون دائماً غير متأكدين ومتلعثمين، فإننا سنفتح نصف لغز الشخص بتعويذة الرسالة المطبوعة.
على أية حال، فإن الدرس الرئيسي الذي يمكن استخلاصه من هذه الصفحات، التي تستخلص الكثير من الحكمة الأنثروبولوجية، هو أن تنمية الإنسان تتطلب الاعتراف بتبعيتنا وعدم توفر العالم الرائع. في مواجهة غطرسة الذات، يكشف لنا ميليش، مع الشاعر، أن كل شيء - سواء صدقنا ذلك أم لا - هو هبة غير مستحقة وأن تدنيسها سيكون تدنيساً لا يغتفر.

ذو صلة