مجلة شهرية - العدد (585)  | يونيو 2025 م- ذو الحجة 1446 هـ

كتب وقراءات


الكتاب:  دور الأمم المتحدة في مواجهة التحديات العالمية.. جائحة فيروس كورونا أنموذجاً
المؤلف: إيلاف راجح هادي
الناشـــر: دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر، بغداد، 2024.

يرصد الكتاب إشكاليتين رئيستين: تكمن الأولى في طبيعة الموضوع وحداثته النسبية، ذلك أنَّ الإجراءات التي تتخذها الأمم المتحدة مازالت عبارة عن ردود أفعال لمواكبة التطورات المتلاحقة، وتُعنى الثانية بالتعقيد الذي يعاني منه عمل المنظمة، من حيث العدد الكبير من الجهات والمؤسسات التابعة لها والمسؤولة عن مواجهة هذه التحديات، فضلاً عن أنَّ عمل المنظمة ما يزال تنسيقياً بين الدول الأعضاء في أغلب جوانبه، وأنَّ الدول هي التي تتحمَّل المسؤولية الأكبر من حيث تفعيل أداء المنظمة من جهة، أو تبني السياسات الضرورية لمواجهة الأزمات.


الكتاب: جغرافيات مختلفة: كرسي الإسكندرية والتابعون والاغتراب الحداثي
المؤلف: جوشواتي. جورجي
المترجم: جرجس يوسف
الناشـــــر: المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2024.

هذا الكتاب عن التكوين الكنسي الأرثوذكسي للكرسي البابوي السكندري المناهض لمجمع خلقدونيا وتوابعه، وذلك على امتداد قرنين من الزمان، هما القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر. ذلك التكوين الذي مثل جغرافيا متميزة، سواء في مصر أو في الحبشة، على صعيد العلاقات التي قامت بين الأقباط المصريين والأثيوبيين الأحباش الأرثوذكس، وكذلك العلاقات المتعددة التي قامت بين المسيحيين والمسلمين، أو بين الرهبان والبدو في هذا النطاق الواسع.


الكتـاب: نظرية الأدب: الأسس
المؤلف: هانس بارتنس
المترجم: خميسي بوغرارة
الناشـــــر: إسكرايب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2024.

يطرح هذا الكتاب أحدث النظريات الأدبية التي ما فتئ يتداولها النقد الأدبي راهناً في العالم الغربي على مستوى ‏الجامعات، وفي الحلقات الدراسية الطلابية، وعلى صعيد ممارسة النقد التطبيقي؛ من أجل فك شفرات مختلف ‏السرديات، بما في ذلك الرواية والقصة القصيرة والشعر والمسرح ونقد النقد أيضاً.‏
ويدرس بارتنس قضايا النقد العملي والنقد الجديد والشكلانية والبنيوية الأولى، ‏والبنيوية الفرنسية 1950 - 1975م، والطبقة والجنس والعرق، والثورة مابعد البنيوية وتفكيكية جاك دريدا، وما بعد بنيوية ميشال فوكو، وجاك لاكان، وكذا أفكار التيار النسوي الفرنسي، ونظرية مابعد الحداثية. لقد تضمن كتاب هانس بارتنس أيضاً استعراضاً تحليلياً رصيناً لتخصص الدراسات الثقافية، والتاريخانية ‏الجديدة والمادية الثقافية والنظرية مابعد الكولونيالية، ومابعد الإنسانوية، والنقد الإيكولوجي.. وغيرها من ‏الموضوعات التي ينشغل بها حالياً مشهد النقد الأدبي في الغرب بشكل خاص وفي العالم بشكل عام.


الكتـاب: حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون
المؤلف: أحمد الدمنهوري
المحقق: عيسى علي العاكوب

حِلْيَةُ اللُّبِّ ال‍مَصُونِ الذي بَيْنَ يَدَيْكَ هَدِيّةٌ مِنِّي لِعَقْلِكَ الذي يُهِمُّني كثيراً أَنْ يَنْشَغِلَ بِتعلُّمِ أسرارِ البلاغةِ العربيّةِ ودَلائلِ الإعجازِ البَيانيِّ في القُرآنِ الكريم، وتَعْليمِها لِأَجْيالِ الأمّةِ، لكي تكونَ -إن شاءَ اللهُ- مِن الصَّفْوةِ التي قالَ عنهُمُ الحبيبُ المُصْطَفَى: (خَيْرُكُمْ مَنْ تعلّمَ القُرْآنَ وعَلّمَهُ).
فلَمْ يَكُنْ أَهْلُ الحِجازِ الأُوَلُ مُعلِّمينَ رائعينَ لِلْبَشَريّةِ المُستقيمةِ إِلّا لِأنّهُمْ أساتِذَةٌ مُبْدِعُونَ في بَلاغةِ العربيّةِ وأَدِلَّةِ الإعجازِ البَيانيِّ في الكتابِ العزيز، فَلِيكُنْ طَريقُهمْ في ذلك طَريقاً لَنا.
ومِنْهُ سُبْحانَهُ الإصابةُ في القَوْلِ والعَمَل.


محمد سعيد المسلم (1922 – 1994م)

خليج يا نغماً من أرغن الضاد
ومشرقاً لحضارات وأمجاد
يا منبت الدرّ يا من كان مفخرة
محاره لأكاليل وأجياد
يا من غدا هدفاً للطامعين على
مرّ العصور ومرتاداً لقصّاد
هذه أبيات من قصيدة (سيمفونية خليجية) للشاعر المسلم.
ومن قصيدة (فاتحة):
عندما تشرق شمس الغد
في الروض الأغنّ
والفراشات تجوب الحقل
من غصن لغصن
حيث ترعى الشاة والذئب
بـلا  حقد  وضغن
حيث إنسانية الإنسان
تمجد كل لون
حيــث لا ظلـــم ولا خـــوف
سوى عدل وأمن
عندها أستلهم الأوتار
عن أعذب لحن
سأغني الأرض أمجادي
وأهدي الشمس فني
جعله بروزه بين أقرانه، وطموحه يعقد صداقات حميمة مع أساتذته ويلازمهم حتى وفاتهم، أمثال الأستاذ الشيخ ميرزا حسين البريكي، والعلامة الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي الذي لازمه في مسجده، ومجالسه حتى أنَّ الشيخ قد اقترح مراراً على أبيه -لما لمس فيه من الفطنة والذكاء المتوقِّد- أن يرسله إلى النجف في العراق ليتبحَّر في علوم الدين فيكون عالماً دينياً إلا أنَّ فجيعة والده بفقد كلِّ بنيه من زوجته الأولى جعله يتشبث به، لعدم قدرته على فراقه حسب والدته.
وُلد المسلم في حي السدرة من قلعة القطيف ضحى يوم الجمعة 12 صفر، 1341هـ الموافق 15 أكتوبر، 1922م لأسرة ميسورة الحال، ذات عراقة في التجارة، وأملاك في النخيل. وقد ذُكرت أسرة آل مسلم في مؤلف دليل الخليج العربي للوريمر 1908م بين إحدى عشرة أسرةً ذات وجاهة، وثراء، وعراقة، في جزيرة البحرين.
درس على يد علماء مبرِّزين أجلاء ذكَرَهم في ترجمته وأحاديثه عن نفسه أمثال الشيخ منصور البيات، والشيخ عبدالكريم الخنيزي، والشيخ محمد حسين بن عبدالجبار، والشيخ فرج العمران، وبعد اشتداد عوده، وتمكُّنه من هذه العلوم بدأ يكرِّس وقته أكثر في التحصيل العلمي فقسمه بين الدرس على يد كبار العلماء، والتدريس.
أثناء إقامته بالعراق قام بدراسة المحاسبة، والأعمال البنكية، واللغة الإنجليزية في كلٍّ من معهد الثقافة، والمعهد البريطاني ببغداد عام 1958م، وقد أتاح له ذلك فرصة لتقلُّد أول عمل وظيفي في حياته بعد هبوط مدخولات النخيل، وهجرة بعض الفلاحين للعمل الزراعي، وانخفاض عملية تصدير التمور ومنتجاته في القطيف، مما اضطره للعمل في بنك الرياض بالدمام بعد عودته إلى القطيف عام 1960م، حيث سكن في مدينة الدمام لسنوات عديدة، وكان كذلك له الدور الريادي في إنشاء فرع بنك الرياض بالقطيف، وهو أول بنك يفتح أبوابه في المدينة، ثم انتهى به المطاف مديراً لفرع البنك في تاروت حيث أشرف كذلك على إنشائه هناك، ومكث فيه حتى تقاعده منه عام 1409هـ الموافق 1989م. توفي المسلم في 21 ذي القعدة، 1414هـ الموافق 2 مايو، 1994م في القطيف ودفن فيها بمقبرة الخباقة.
الدواوين: شفق الأحلام (ديوان شعر)، عندما تشرق الشمس (ديوان شعر).
الكتابات التاريخية: ساحل الذهب الأسود (دراسة تاريخية)، القطيف واحة على ضفاف الخليج (دراسة تاريخية).


لوتشيانو فلوريدي.. سحر المعلومات ولعنتها

يخلص فلوريدي في كتابه (المعلومات) إلى ما يقول إنه تساعدنا تكنولوجيات المعلومات والاتصال في محاربة الدمار، والإفقار، والتخريب، وإهدار الموارد الطبيعية والبشرية، بما في ذلك الموارد التاريخية والثقافية. لذا، يمكن أن تصبح تكنولوجيات المعلومات والاتصال حليفاً قويّاً فيما أطلقت عليه في موضع آخر (البيئية الاصطناعية) أو (البيئية الإلكترونية). يجب أن نقاوم أي ميل معرفي إغريقي لاعتبار (العلم التطبيقي) سندريلا المعرفة، أو أي ميل ينحاز للمطلق بما يمنع القبول بوجود توازن أخلاقي بين شر حتمي وخيرية أكثر، أو أي إغراء حديث، متطرف، ميتافيزيقي لزرع الشقاق بين الطبيعية والبنائية، من خلال تفضيل الطبيعية باعتبارها البعد الحقيقي الوحيد في الحياة الإنسانية. يتمثل التحدي الأساسي في التوفيق بين أدوارنا ككائنات وعوامل معلوماتية فاعلة في الطبيعة وبين دورنا كحُماة الطبيعة. لعل الأنباء السارة هنا تتمثل في أن هذا التحدي نستطيع التغلُّب عليه.
ويطرح مجموعة من التساؤلات: من نحن، وكيف لنا أن ننتسب بعضنا إلى بعض؟ يدفع لوتشيانو فلوريدي، وهو من الشخصيات البارزة في الفلسفة المعاصرة، بأن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة الإنسانية الأساسية تتغير بفعل التطورات المتلاحقة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
نظراً إلى انهيار الحدود الفاصلة بين الحياة متصلاً بشبكة حاسوبية وغير متصل بها، وأيضاً لكوننا قد أصبحنا متصلين بعضنا ببعض بسلاسة تامة ومحاطين بكيانات ذكية ومتجاوبة، فنحن جميعاً مندمجون في (غلاف معلوماتي (إنفوسفير)). على سبيل المثال، الشخصيات التي نتخذها في وسائط التواصل الاجتماعي تصب في عالمنا (الحقيقي) إلى حد أننا نبدأ في أن نعيش حياة دائمة الاتصال أو حياة الإنترنت Online، كما يسميها فلوريدي. هذا التحول الميتافيزيقي يمثل شيئاً لا يقل عن ثورة رابعة تأتي بعد تلك الثورات التي قادها كوبرنيكوس وداروين وفرويد.
تحدد (الحياة دائمة الاتصال) وتصف طبيعة نشاطاتنا اليومية أكثر وأكثر، فهي تقرر طريقتنا في التسوق والعمل والتعلم ورعاية صحتنا والترفيه عن أنفسنا، كذلك تحدد طريقتنا في التفاعل مع عوالم القانون والتمويل والسياسة، بل وحتى الطريقة التي ندير بها الحرب. لقد أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تمثل القوى البيئية التي تكون وتحول واقعنا في مختلف مناحي الحياة. كيف نضمن أننا سنجني منافعها؟ ما مخاطرها المستترة؟ هل ستؤدي التقنيات الجديدة إلى مساعدتنا وزيادة مقدرتنا، أم أنها سوف تقيدنا؟ يزعم فلوريدي أننا يجب أن نتوسع في نهجنا البيئي والأخلاقي ليستوعب الحقائق، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، وإضافة لفظ (إلكترونياً) إلى المذهب البيئي الذي يستطيع التعامل بنجاح مع التحديات الجديدة التي تفرضها علينا التكنولوجيات الرقمية ومجتمع المعلومات.
لوتشانو فلوريدي: يشغل كرسي أستاذية الأبحاث في فلسفة المعلومات وكرسي أستاذية اليونسكو في المعلومات وأخلاقيات الكمبيوتر في جامعة هارتفوردشير، كما أنه زميل كلية سانت كروس بجامعة أكسفورد. ويُعد فلوريدي أحد أبرز المفكرين وأكثرهم تأثيراً في مجال فلسفة المعلومات والتكنولوجيا والأخلاقيات.
نقل له إلى العربية: مؤسسة هنداوي: المعلومات: مقدمة قصيرة جداً (ترجمة: محمد سعد طنطاوي، 2014م)، ومن المجلس الوطني الثورة الرابعة كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني (ترجمة: لؤي عبدالمجيد السيد، 2017م)، ودار المجلة العربية: أخلاقيات المعلومات (ترجمة: حافظ الموسى، 2019م)، منطق المعلومات: الفلسفة بصفتها تصميماً مفاهيمياً (ترجمة: حسناء بوحرفوش، 2024م).


الكتـاب: فلسطين والشرق الأوسط بين الكتاب المقدس وعلم الآثار
المؤلف: هانس فوروهاجن
المترجم: سمير طاهر
الناشــــر: الكتب خان للنشر، القاهرة، 2024م.

تزايد الاهتمام بعلم الآثار في فلسطين خلال السنوات الأخيرة على المستويين الأكاديمي والرسمي. على الرغم من تأخر ظهوره، فتأسست برامج لتدريس الآثار في الجامعات الفلسطينية. كان أولها معهد الآثار في جامعة بيرزيت عام 1976م. تلاها المعهد العالي للآثار في جامعة القدس/ أبو ديس، ثم في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، والجامعة الإسلامية في غزة وجامعة الخليل. أما على الصعيد الرسمي، فقد تأسست وزارة السياحة والآثار الفلسطينية عام 1994م بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
وأسهم باحثون أوروبيون في النصيب الأساسي، ويذكر السويدي هانس فوروهاجن مبرراته:
«لقد قرأنا وحللنا التاريخ اليوناني والروماني ولكننا لم نحقق أبداً في التوراة كمصدر لعلم التاريخ – تركنا ذلك للاهوتيين. وهذه هي الهوة في علم الآثار الكلاسيكي التي أحاول الآن أن أسدّها. غير أني أتمنى أن يوسع كتابي هذا من معرفة أولئك الذين كانوا يتوقعون (موت الدين) والذين هم الآن يكتشفون، مندهشين، (عودة الدين) لدى كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء».
استغرقه هذا العمل الذي بين أيدينا أكثر من خمس سنوات وصدر باللغة السويدية في 2010م.
قليلة هي الكتب التي توصف بأنها (دراسات تأريخية) في المكتبة العربية، من هنا تأتي أهمية ترجمة هذا الكتاب وتقديمه إلى المثقف العربي وضرورة قراءته، ليس فقط لأهمية وحداثة المعلومات التي يتضمنها وإنما للمثال الذي يقدمه في البحث العلمي في التاريخ. فهي دراسة قيمة تعتمد أولاً: على نتائج البحث العلمي المباشر بالدرجة الأولى وثانياً: على خلاصة الاستعانة بعلوم عديدة: أركيولوجي، أنثربولوجي، جيولوجي، تشريح وعلوم طبية.
من المهم الإشارة إلى أن المحور الأصلي للكتاب هو (التضاد بين الإيمان والمعرفة، بين حكايات الكتاب المقدس ومكتشفات علماء الآثار) كما يكتب المؤلف في مقدمته، فهو بحث في القصص الدينية في ضوء نقد المصادر، وعنوانه الأصلي هو (الكتاب المقدس وعلماء الآثار)، لكن بما أن الشرق الأوسط هو المسرح الذي دارت فيه تلك القصص فقد تطلب الأمر التنقيب في ماضي هذه المنطقة وتتبّع دور الدين في السياسة وفي المجتمعات التي مرت بالمنطقة، الأمر الذي جعل من هذا العمل -بالاضافة إلى تخصصه الأصلي- كتاباً في تأريخ المنطقة، منطقة الشرق الأوسط. ومن الفصول التي يتضمنها الكتاب:
الكتاب المقدس، العهد القديم، رواد علم الآثار، أرض الميعاد، الإسرائيليون، الفلستيون، داود وسليمان، منظور أوسع، هيكل أورشليم، حائط المبكى، لفائف البحر الميت، حركة يسوع، معركة أورشليم.
هانس فوروهاجن، باحث في التاريخ من السويد ومتخصص في التاريخ القديم. ولد في 1930م وحصل على ليسانس في الثقافات والمجتمعات القديمة من جامعة (أوبسالا)، ثم عمل مدرساً في معهد الثقافات القديمة في 1960م، وعمل في الإذاعة السويدية في 1963م وتولى منذ 1967 القسم الثقافي في الإذاعة، ثم أصبح مديراً للبرامج في القناة الثانية للتليفزيون السويدي في الفترة من 1969 – 1974م. أنتج الكثير من البرامج العلمية حول تاريخ الحضارات والأديان، وأصدر 12 كتاباً في التاريخ القديم. حصل على الدكتوراه الفخرية في 1985م ومنحته الحكومة السويدية لقب (أستاذ) في 2009م تقديراً لجهوده التثقيفية وكتاباته حول الثقافات والحضارات القديمة.
سمير طاهر، كاتب ومترجم وشاعر عراقي يعيش في ستوكهولم – السويد منذ 1999م. درس في قسم اللغة العربية بجامعة بغداد. وصدر له (إن كان للفأر هواجس) - قصص، و(أعطني ذلك الطفل.. أعطني رائحة قديمة) – ديوان شعر.


الكتاب: ديمقراطية النحل.. الحياة في المستعمرة
المؤلف: توماس د. سيلي
المترجم: أحمد العطية – محمد العطية
الناشــــر: دار سطور، بغداد، 2024.

لطالما لاحظ مربو النحل، وندبوا، ميل خلاياهم إلى التزاوج في أواخر الربيع وأوائل الصيف، وعندما يحدث هذا، تطير غالبية أعضاء المستعمرة - حشد من حوالي عشرة آلاف نحلة عاملة - مع الملكة القديمة لإنتاج مستعمرة ابنة، بينما تبقى البقية في المنزل وتربي ملكة جديدة لإدامة المستعمرة الأبوية. تستقر النحلات المهاجرة على فرع شجرة في مجموعة تشبه اللحية، ثم تظل هناك معاً لعدة ساعات أو بضعة أيام.
تتخذ نحلات العسل القرارات بشكل جماعي وديمقراطي. ففي كل عام، تواجه نحلات العسل مشكلة الحياة أو الموت المتمثلة في اختيار منزل جديد والسفر إليه، وتراهن بكل شيء على عملية تتضمن البحث الجماعي عن الحقائق، والنقاش القوي، وبناء الإجماع. وفي الواقع، وكما يكشف عالِم سلوك الحيوان الشهير عالمياً توماس سيلي؛ فإن هذه الحشرات المذهلة لديها الكثير لتعلمنا إياه عندما يتعلق الأمر بالحكمة الجماعية واتخاذ القرارات الفعّالة. يجمع كتاب (ديمقراطية نحل العسل)، وهو سرد رائع وغني بالرسوم التوضيحية للاكتشاف العلمي؛ لأول مرة عقوداً من أبحاث سيلي الرائدة لسرد القصة المذهلة للبحث عن منزل والنقاش الديمقراطي بين نحل العسل.
في أواخر الربيع وأوائل الصيف، عندما تصبح مستعمرة النحل مكتظة، يبقى ثلث الخلية ويربي ملكة جديدة، بينما يغادر سرب من الآلاف مع الملكة القديمة لإنتاج مستعمرة ابنة. يصف سيلي كيف تقوم هذه النحلات بتقييم مواقع العش المحتملة، والإعلان عن اكتشافاتها لبعضها البعض، والانخراط في مداولات مفتوحة، واختيار موقع نهائي، والتنقل معاً -كسحابة دوامة من النحل- إلى منزلها الجديد. يبحث سيلي في كيفية صقل التطور لأساليب صنع القرار لدى نحل العسل على مدى ملايين السنين، وينظر في أوجه التشابه بين الطرق التي تعالج بها أسراب النحل وأدمغة الرئيسات المعلومات. ويخلص إلى أن ما ينجح مع النحل يمكن أن ينجح أيضاً مع البشر: يجب أن تتكون أي مجموعة صنع قرار من أفراد لديهم اهتمامات مشتركة واحترام متبادل، ويجب تقليل تأثير القائد، ويجب الاعتماد على المناقشة، ويجب البحث عن حلول متنوعة، ويجب الاعتماد على الأغلبية في التوصل إلى حل يمكن الاعتماد عليه.
يذكر في أحد الفصول: عندما تختار سرب النحل الكشافة منزلها المستقبلي، فإنها تمارس شكلاً من أشكال الديمقراطية يُعرف باسم الديمقراطية المباشرة، حيث يختار الأفراد داخل المجتمع الذين يختارون المشاركة في صنع القرار القيام بذلك شخصياً، وليس من خلال ممثلين. وبالتالي فإن صنع القرار الجماعي لسرب النحل يشبه اجتماع بلدة نيو إنجلاند، حيث يجتمع الناخبون المسجلون المهتمون بالشؤون المحلية في جمعيات وجهاً لوجه، عادةً مرة واحدة في السنة، لمناقشة قضايا الحكم الذاتي والتصويت عليها، مما يجعل القرارات ملزمة لمجتمعهم.
ويختم كتابه بدعوة للتفكير في الدروس التي يمكن أن نتعلمها نحن البشر من النحل، حول كيفية هيكلة مجموعة صنع القرار، بحيث يتم حشد المعرفة والقوة العقلية لأعضائها بشكل فعال لإنتاج خيارات جماعية جيدة. هذا موضوع مهم، لأن المجتمع البشري يعتمد على المجموعات لتكون أكثر موثوقية من الأفراد عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات ذات وزن.
يُظهر كتاب ديمقراطية نحل العسل، وهو استكشاف مثير للإعجاب لسلوك الحيوان؛ أن مجموعات صنع القرار، سواء كانت نحل العسل أو البشر، يمكن أن تكون أكثر ذكاءً من أذكى الأفراد فيها.
توماس د. سيلي أستاذ علم الأحياء في جامعة كورنيل ومربي نحل متحمس. وهو مؤلف كتاب (حكمة الخلية) (2009) و(بيئة نحل العسل) (2014)، (تتبع النحل البري) (2019)، (حياة النحل) (2019).


الكتاب: رحلات الأعلام إلى البلد الحرام
المؤلف: محمد عبدالشافي القوصي
الناشــر: الهيئة المصرية العامة للكتاب

منير عتيبة: مصر
قد يشعر القارئ بالتناقض بين عنوان الكتاب التراثي المسجوع وبين صور الأعلام المنشورة على الغلاف وكلهم ينتمون برحلاتهم إلى القرن العشرين، لكن هذا التناقض الشكلي هو أهم ما يميز هذا الكتاب في رأيي. إذ اعتاد القراء عند الحديث عن الأمور التي تخص الدين من فقه أو تصوف أو حج أو غيره أن يعودوا عشرات القرون إلى الوراء لضرب المثل أو اتخاذ القدوة، وكأن الدين وما يخصه انتهى في تلك العصور القديمة، وليس هو الدين كما في جوهره الصالح لكل زمان ومكان، لذلك فإن تناول الكتاب لرحلات الحج والعمرة التي قام بها أعلام مشهورون، عرب وأجانب، خلال القرن العشرين لهو في حد ذاته رسالة مهمة.
يتناول كتاب (رحلات الأعلام إلى البلد الحرام) للكاتب محمد عبدالشافي القوصي (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2014م) سبع عشرة رحلة حج وعمرة قام بها رجال ونساء ملأوا الآفاق بكتاباتهم وأفكارهم في مجالات مختلفة، وهذه ميزة أخرى في الكتاب، لأنه لم يكتف بمن يمثلون الدين بشكل مباشر، في رسالة إلى أن دين الإسلام هو دين الجميع وليس رجال الدين فقط، بل وليس للرجال فقط، هو دين كل من يؤمن به ويتفكر فيه أياً كان مجاله، فنجد المفكر والصحفي والكاتبة والأديب والشاعر والرحالة والمتخصص في علوم الدين وغيرهم.
وهذا الاختلاف في المشارب الفكرية والعملية والبلدان والفترات التاريخية التي ينتمي إليها من قاموا بهذه الرحلات يعد رسالة أخرى يبثها الكتاب بين سطوره، عالمية الإسلام وقدرته على أن يكون الدين القادر على تلبية الاحتياجات الروحية للجميع، والقادر على الإجابة عن الأسئلة العميقة التي يسألها السائلون أياً كان مصدر هذه الأسئلة، لذلك نجد أمامنا محبة عميقة للإسلام وللكعبة، وتأثر روحاني برحلة الحج والعمرة، يشترك في تبيانهما الجميع، واختلاف فيما تفيضه الرحلة من معانٍ على كل شخص حسب خلفيته الثقافية والروحية وتوجهه الفكري، إذ إننا نرى رحلات قام بها: شكيب أرسلان- محمد حسين هيكل- إبراهيم عبدالقادر المازني- عباس محمود العقاد- طه حسين- محمد كامل حته- د.عائشة عبدالرحمن- محمد متولي الشعراوي- محمد الغزالي- وحيد الدين خان- علي الطنطاوي- يوسف إدريس- محمد رجب البيومي- أحمد بهجت- عبدالوهاب مطاوع- روجيه جارودي- مراد هوفمان.
وإذا كان الكاتب قدم فصلاً عن كل رحلة، فإنه يصعب أن يتوقف عرض للكتاب عند كل رحلة من الرحلات التي تستحق كل منها كتاباً مستقلاً. ولكن نشير هنا إشارات سريعة إلى ما قدمه الكاتب فكتابه يحتوي فعلياً على كتابين، الكتاب الأول هو عرض لرحلات هؤلاء الأعلام، والكتاب الثاني هو فواصل قصيرة بين كل رحلة وأخرى يقدم فيها معلومات عن الكعبة وتاريخها، يمكن للقارئ أن يقرأ هذه الفواصل بين الفصول وكأنها استراحة وتهيئة للرحلة المقبلة، ويمكن أن يقرأها متتابعة فيخلص بفكرة عامة معقولة عن الكعبة. وقبل عرضه للرحلات كتب مؤلف الكتاب مقدمة عن الرحلات الحجازية الإيمانية، وسبب كتابته لهذا الكتاب، ومشاعره وهو يعمل في إعداده. ثم فصلاً بعنوان (الحج إلى الكعبة في التوراة والزبور والإنجيل والقرآن) يؤصل به لتجذر الحج في الكتب السماوية. وفي نهاية الكتاب يقدم قصة قصيرة بعنوان (مقام إبراهيم) لم يذكر اسم كاتبها، ثم فصلاً بعنوان (في عالم الجمال) يقدم فيه لبعض الشعراء الحجاج من العصر الحديث الذين أثرت عليهم تجربة الحج والعمرة بقصائد روحانية يوردها المؤلف في هذا الفصل، وكأنه يريد أن يشير إلى تأثير هذه الرحلة المقدسة في الإبداع بكل أشكاله الروحاني والفكري والسردي والشعري.
وفي عرضه لكل رحلة التزم الكاتب بتقديم فكرة عامة عن الشخصية القائمة بالرحلة وظروف هذه الرحلة، ثم عرض لأهم الأفكار والمشاعر التي أفاضها لقاء الكعبة وقبر الرسول والقيام بالمناسك على هذه الشخصية، باستخدم مقتبسات مستفيضة مما كتب القائم بالرحلة، مع معرفة كبيرة من المؤلف بتاريخ وأفكار الحاج أو المعتمر الذي يتناول رحلته.
نلاحظ من خلال الرحلات مدى اهتمام المسؤولين السعوديين بحجيج بيت الله، فنجد من هؤلاء الحجيج من التقاه الملك عبدالعزيز، ومنهم من قابل الملك سعود، وكيف وفر بعض الأمراء السعوديين تكاليف الرحلة لبعض الكتاب، ونلاحظ من خلال التسلسل الزمني للرحلات التطور العمراني بمكة والمدينة والسعودية عموماً من خلال ما يذكره الرحالة من ملاحظات ميدانية يرونها بأنفسهم.
ويبدو الاهتمام الأصلي لكل كاتب واضحاً في حديثه عن رحلته، فرحلة شكيب أرسلان فيها من الروحانية مثلما فيها من حديث العالم الجغرافي والسياسي المناضل، ورحلة محمد كامل حته فيها من التاريخ مثلما فيها من الحاضر، ورحلة روجيه جارودي فيها من الفيوضات الروحية مثلما فيها من التفكر في التحولات الفكرية العميقة، وكذلك رحلة مراد هوفمان، ورحلة محمد عبدالقادر المازني فيها من الملاحظات الاجتماعية والسياسية الكثير أيضاً، وهكذا نعيش من خلال هذا الكتاب رحلات روحانية وفكرية، وحياة شخصية بها الكثير من التحولات، لعدد من الشخصيات التي أثرت الحياة الفكرية والأدبية والسياسية في القرن العشرين وأثرت فيها بعمق، فنعود إلى الرسالة الأهم التي لا يقولها الكاتب مباشرة لكن الكتاب من غلافه حتى متنه يؤكدها، عالمية الإسلام وانفتاحه ليقبل المختلفين، لا يصهرهم ليكونوا قوالب متشابهة، بل يمنحهم الفرصة ليكونوا هؤلاء الأفراد المتمايزين الذين يكتشفون أعمق ما في أرواحهم وعقولهم، ليعودوا بهذه الاكتشافات الثمينة بحرص على تغيير العالم والإنسان المعاصر ليكون أفضل مما هو عليه، وليصل إلى ما يؤهله له الإسلام إن هو أمسك بجوهره.

ذو صلة