مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

عينان حادتان وقلب صغير!

كانت تقف أمام المرآة لترسم ذلك الخط الأسود الكاحل فوق جفنيها بسهولة، بعد أن اعتادت رسمه لسنوات طويلة، ذلك الخط الأسود العريض كان بالنسبة لها هو الخط الفاصل بين حقيقة تحاول إخفاءها ومظهر حاد تسعى لإبرازه حتى تخفي خلفه قلباً صغيراً تخشى عليه من الألم، هي مؤمنة بقوة ذلك الخط فوق عينيها أكثر من إيمانها بقوتها الدفينة، صوت أنثوي انطلق من خلفها قائلاً:
- لكنني لم أفهم حتى الآن سبب رفضك لهذا العرض؟!
التفتت نحوها بعدما ألقت نظرة أخيرة لتتأكد من تطابق شكل الخطين في كلا الجفنين، هذا التطابق في غاية الأهمية والجدية بالنسبة لها! قالت:
- لأنني وبكل بساطة لا أعرف أيّ أحد منهم!
- ستتعرفين عليهم جميعاً في حال قبلتِ بالعرض!
- لا أريد التعرف على أحد!
- لماذا؟! إنكِ تضيعين على نفسك العديد من الفرص الحقيقية دون وجود سبب منطقي لذلك!
- لأنه لا طاقة لي بخوض معارك جديدة!
تأففت ونهضت من على الأريكة لتتوجه نحو الثلاجة أمامها باحثة عن زجاجة مياه باردة لترد قائلة:
- ما كل هذا التشاؤم! ما كل هذا الخوف! أستبقين محاصرة في مكان واحد وحالٍ واحدة للأبد؟! أتظنين أنكِ تحمين نفسك الآن؟!
ألقت نحوها بزجاجة مياه بعد أن أنهت جملتها مباشرة، لترد الأخرى بسرعة تجابه سرعة التقافها للزجاجة الطائرة:
- وهل يجب على الإنسان أن يعيش في دوامة جديدة وصراع جديد حتى يتقدم!
- نعم، تماماً هذا ما يجب حدوثه!
- ولمَ كل هذا التعب والقلق؟!
- هو ذلك فقط لمن لم يتعلم من الدوامة السابقة كيف يواجه الدوامة القادمة! ثقي بأنكِ ستواجهين ذات الدوامات مراراً وتكراراً حتى وإن وقفتِ في مكانك ذاته، طالما أنك لم تفهمي أين المشكلة الحقيقية وتتعلمي طريقة المواجهة!
- وكيف أفهم وأتعلم ذلك؟
- بالنظر إلى مخاوفك والتغلب عليها، فهي المشكلة الحقيقية وليس ذلك العالم من حولك!
- هذا ظلم!! كيف تكون المشكلة لدي أنا حينما يكون الأذى قادم من حولي! أنا لا أستطيع تغيير حقيقة الآخرين وجعلهم أفضل!
- لم تخلقي لتغيري من أحد، إنما لتحمي نفسك فقط! سدّي الثغرات التي تملأك بدلاً من تجاهلك لها والهرب منها!
- الحديث عن ذلك سهل جداً ولكن الصعوبة تكمن في تطبيقه!
- تماماً كرسمك لذلك الكحل فوق جفنيكِ! لا أظنه بهذه السهولة أبداً! إلا أنه وبعد صبرك ومحاولاتك العديدة، أصبح من السهل جداً عليكِ رسمه! أليس كذلك!
ابتسمت لها قائلة:
- فالحقيقة ما زلت أواجه بعض الصعوبات لإتقانه أحياناً!
- بالمناسبة، تبدين أكثر براءة بدونه!
- أعلم ذلك! ولهذا السبب أضعه دائماً، حتى أخفي هذه البراءة خلفه!
نظرت لها لثوانٍ قليلة لتخرج بعدها هاتفها من جيبها وتشغل معزوفة موسيقية حزينة قائلة:
- أتذكرين هذا اللحن؟ لطالما تأثرنا به وبكينا عليه!
ضحكت باستغراب قائلة:
- يا إلهي!! من أين جئت به الآن! لقد مضت عليه أعوام عديدة حتى أنني لا أذكر متى آخر مرة استمعت إليه!
- وكيف تشعرين الآن؟
رفعت أكتافها قائلة بلا اكتراث:
-لا شيء!!
- ولكن لماذا؟!
- لا أعلم! أعني أنني لم أفكر بالأمر من قبل!
- أتعلمين سر فقدان هذا اللحن لتأثيره عليكِ! لأن تلك الثغرة التي كانت تؤلمك عند سماعه ما عادت موجودة!
اقتربت نحوها وأمسكتها من الخلف لتوجهها نحو المرآة مجدداً، قائلة بهدوء:
- أترين هذه المرآة! بالرغم من أنكِ تنظرين إليها يومياً، إلا أنني أراهنك بأنكِ لم تري نفسكِ حقاً ولا لمرة واحدة بعد! فلتحمِ نفسك من الداخل أولاً يا صغيرتي! احمِ نفسكِ منكِ! من نفسكِ! فهي عدوكِ الأول وليس ذلك العالم من حولك!

ذو صلة