رغم صعوبة الترجمات الأدبية ووجود بعض المآخذ عليها وبالذات فيما يخص عدم التزامها بحرفية النص ومطابقتها له، إلا أنها أصبحت في ازدياد في السنوات الأخيرة، تسبب هذا التكرار وتلك الزيادة بتخمة (ترجماتية)، إن صح التعبير، في سوق النشر والترجمة على وجه الخصوص ما جعل الكثيرين يطالبون بتنظيم (بيبليوغرافي) للأعمال المترجمة إلى العربية، ففي ظل عدم التنسيق وتشتت جهود الترجمة، أصبحت سوق الترجمة فوضوية بشكل لا يطاق، ومن هنا يتوجّب علينا، كما يقول الدكتور مجدي حاج إبراهيم، (تقنين ظاهرة إعادة الأعمال المترجمة لتلافي التكرار والإفراط المبالغ الذي يهدر الطاقة والجهد، خصوصاً أن العالم العربي في حاجة ماسة إلى تكثيف جهود المترجمين على اختلاف مواقعهم وتنظيم عملهم، والتنسيق فيما بينهم للإفادة من دور الترجمة الريادي في نهضة الأمة).
لكن هناك من يعزو هذا التكرار إلى أسباب يراها منطقية، كنفاد الطبعات القديمة أو وجود الترجمة الأولى ابتداءً عبر لغة وسيطة (بعض أعمال دوستويفسكي وفيكتور هيغو مثلاً)، أو بسبب اللغة وتغيّرها وتطوّرها المستمر، حيث يرى أستاذنا الدكتور علي القاسمي أن هناك (كلمات تشيخ، وكلمات تموت، وكلمات تولد)، كما قد تكون تلك الترجمة القديمة حافلة بالكلام المرصّع والمحسنات البديعية والبلاغية، فيرى البعض أنها لا تلائم روح عصر السرعة، لخلوّها من الكلمة الرشيقة، والعبارة القصيرة، والنقلة الخفيفة.
ويرى آخرون أن الإعادة في الترجمة حق مشروع حيث يقرر من خلالها القارئ اختيار الترجمة الأفضل، وإن حال دون ذلك وجود حقوق النشر والنقل، وبخاصة في الأعمال الجديدة وإبداعات فترة الكلاسيكية الحديثة، فالميدان برأيهم، يتسع للكل، و(كل ترجمة إخفاق)، بحسب رأي جاك دريدا، وبحيث يكون الأصل ثابتاً والعمل الترجمي متحوّلاً.
كذلك لا يجب إغفال المكسب التجاري الذي يسعى له البعض من دور النشر من وراء التكرار دون الاعتماد على قيمة العمل أو توافر (ترجمة جيدة) له في السابق، طالما أنه يدر مبالغ جيدة عليها. أتذكر هنا الانتشار الواسع جداً لترجمة رواية أورويل الديستوبية (1984) خصوصاً بعد اندلاع أحداث الربيع العربي، وفي مصر تحديداً، كونها، أي الرواية، تنبأت بثورة الاتصالات في العالم، والهيمنة الإعلامية الكبيرة وخطرها في التأثير على مشاعر وأفكار وأفعال الناس منذ ما يزيد على سبعين عاماً، فلا يعقل أن تترجم هذه الرواية لأكثر من ثلاثين مرة بعد عام 2011 فقط عن دور نشر عربية عديدة من المحيط إلى الخليج. أضف إلى ذلك ما يمكن تسميته بالاكتشاف المتأخر لبعض الكتّاب رغم إيجابياته من خلال قراءتنا بعض أعمالهم لأول مرة، إلا أنه توافق مع تكرار مخل في الكم الترجمي والتسابق فيه، كأعمال ستيفان تسفايغ، وغوستاف لوبون، وميشيل فوكو، وأنطونيو غرامشي، وإميل سيوران، وزيغمونت باومان، وإرفين يالوم، وغيرهم.
في كل الأحوال، فإن صناعة الترجمة الأدبية في الوطن العربي بحاجة ماسة إلى التنظيم والتنسيق، فانعدام الشفافية بين مؤسسات الترجمة ودور النشر يفوّت عليها الكثير من فرص التعاون وتبادل الخبرات، كما لا ننسى مشكلة غياب توحيد المصطلحات، بل وحتى التوافق على التسميات والمسميات الأعجمية (إنجليزي/ إنكليزي، غوغل/ جوجل/ قوقل، ...)، فضلاً عن التفاوت الكبير بشكل عام بين الترجمة المشرقية ونظيرتها المغاربية، وهذه لوحدها تحتاج إلى دراسة عاجلة.