مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

كتب وقراءات

الكتاب: ذاكرة الرحيل
المؤلف: عبدالرزاق قرنح
المترجم: عبير عبدالواحد
الناشر: دار أثر، الدمام، 2022.

اصطدام أسرار الماضي مع آمال المستقبل، ومزيجُ الخوف والإحباط، والجمال والوحشيّة، تَخلُقُ كلها مجتمعة حكايةً عنيفةً ومريرة ترتكزُ على قُدراتٍ إبداعيّة لا سبيلَ إلى إنكارها. إنّ نقطة التحوّل في حياة حَسّان عُمر، ترمزُ إلى قضيّة أكبر في النهاية، ذلك أن مَطامِح البطل ومعضلاته تعكسُ كفاحَ العالم الثالث في أفريقيا للتخلّص مِن جِلده الاستعماريّ، وما لحِقَ بهِ طويلاً من فَقرٍ وحِرمان وقَمع، والسّعي إلى تأسيسِ هويّته الجديدة.
عبدالرزاق قرنح، من مواليد زنجبار (1948). روائي وأكاديميّ تَنزانيّ من أصول يمنيّة، يُقيم في المملكة المتحدة ويحمل الجنسية البريطانية. يعملُ قرنح أستاذاً ومديراً للدراسات العليا في جامعة كِنت في قسم اللغة الإنجليزية. في رصيده عشر روايات والعديد من القصص القصيرة والمقالات. ترشحت أعماله لعدة جوائز مثل، البوكر، الكومنولث للكتّاب. وفي أكتوبر 2021 حازَ قرنح على جائزة نوبل في الأدب.



الكتاب: الكاتب ومجالسة الفكرة
التحرير: هيلين هول وإليزابيث جنوي
المترجمة: حصة العمران
الناشر: أثرى للترجمة، الرياض، 2022.

كتاب سلوى للكُتّاب الذين يمرّون بعقدة الكتابة، وما من شيء أصدق من خبرات المجربين. في الكتاب خُلاصة خبرات 40 كاتباً وكاتبة كتبوا في مختلف أنماط الكتابة وأساليبها، وهذه ميزة يتميز بها الكتاب ويطمئن إليها الكاتب والشاعر والروائي، خصوصاً وأنه يستعرض مراحل الكتابة كلها، ابتداء من التهيّؤ والاستعداد إلى الشروع فيها انتهاء بالمحررين والناشرين حتى وصول الكتاب إلى المكتبات والقرّاء.



الكتاب: المخفيون.. أمهات يكسرن الصمت
المؤلف: محمد صفا
الناشر: دار الفارابي، بيروت، 2022.

موسوعة المفقودين والمخفيين قسراً.. أُمهات يكسْرن الصمت، تندرج في إطار مشروع تاريخي (كي تبقى الذاكرة حية)، ليس لنتذكر الماضي ومآسيه وأهوال الخطف والقتل والتنكيل، بل لننطلق من هذه الصفحة السوداء في تاريخ لبنان والمنطقة والعالم لعدم تكرار هذه الانتهاكات المروّعة لحقوق الإنسان، لنبذِها واستئصالها، وصياغة تشريعات قانونية واجتماعية تُجرم الاختفاء القسري وتحاسب مرتكبيه وتنصف ضحاياه وجبر الضرر وردّ الاعتبار الفردي والجماعي لهم.
الاختفاء القسري جريمة بشعة، قذرة تجرد المفقود من إنسانيته، لا اسم ولا هوية لا حياة ولا موت ولا أثر. يصبح لغزاً، وهماً، جريمة متمادية لا تسقط بالتقادم ولا بالتجاهل.



الكتاب: عشق وراء الأسوار العالية
المؤلف: زينب حفني
الناشر: دار الساقي، بيروت، 2022.

قصّة مدينة (أهلها، أهل الرخا والشِدّة)، ضمّت أحلام حسّان ورضا، وقوّة عزيمة خديجة وتمسّكها ببيتها، وأماني هند، وانكسار جليلة، وهمس النسوة من وراء الرواشين حول خفايا البيوت المُغلقة، وضحكات الأطفال وهم يمرحون في الأزقّة. أحداث ممزوجة بالنكهات الحزينة والمُفرحة، وقصصٌ مليئة بالبحر والبحّارة والغوص واللؤلؤ وروايات حب غير مكتملة.
زينب حفني روائية وكاتبة سعودية. تزاول العمل الصحافي منذ عام 1987. لها مشاركات في عدد من المؤتمرات ومعارض الكتب العربية، إضافة إلى حوارات ولقاءات تلفزيونية.



عبد الرحمن المعمر.. من رجال الصحافة

يعد المعمر مثالاً للكتاب الذين خلقهم المشهد الثقافي متفاعلاً معه ومنخرطاً فيه، فقد بدأ تأليف أول كتبه من محاضرة (المضيفات والممرضات في الشعر العربي المعاصر) ألقاها في نادي الطائف الأدبي نهاية عام 1976، وقد نشرت المحاضرة في صحيفة الجزيرة بالرياض والمدينة بجدة، ونتيجة ردود الفعل أصدرها كتيباً، ثم أضاف إليه ما تفاعل به لتكون كتاباً.
فيذكر في مقدمته:
(جئت أسوق هذه الدراسة الأدبية، وأقدم بين يدي نجواها كلمة علها تسهم ولو بشيء يعين في ترجيح كفة الميزان ويريح أعصاب المكدود ونفسية الحيران.
فإن لم يجد بها كبير فائدة تذكر أو منفعة دخر فأحسبه لن يعدم فكاهة تروى أو طرفة تحكى أو شيئاً من فن قليل.
لقد أضحت الحياة المادية المعاصرة كروباً متتابعة ولغوباً وهموماً مترادفة وراجفة تتبعها الراجفة فيها أمان الخائفين.
لست مؤخراً لمعارك وبطولات أو حروب بلا رايات.
أنا كاتب اجتماعي ومتفنن إبداعي يتناول الأمور من أيسر جوانبها ويطرق الموضوعات من أسهر طرائقها.
إن الأفق الممتد الشاسع والكون الفسيح الواسع يتسعان ويستوعبان بلايين الطيور وبني الإنسان، وكل يحلق بجناحين ويصفق باتجاهين، فتبارك الله أحسن الخالقين.
أتوجه بحديثي لمن يحب الحياة ويتفاءل بها، لا لمن يعبس ويتجهم لها أو يمشي فوق الأرض بحسبان ليخرقها أو يغرقها:
تباً له من ثقيل دماً ونفساً وطيناً
لو كان من قوم نوح لما ركبت السفينا
أُبدعُ للجمال والملاحة لا للقبح والعاهة، أكتبُ للذين يصفّون العكر من الماء، لا الذين يعكرون النقي من الأجواء ليصطادوا فيها، أقصد أهل البيان والفصاحة لا ذوي العوج والفهامة، أخاطب أهل التسامح والأريحية لا أصحاب العقد النفسية وسوء القصد والنية).
ويعرف المعمر كتابه بأن أصله محاضرة، ويؤكد أنه ليس باحثاً أكاديمياً ولا ناقداً متخصصاً، بقوله:
(ليست هذه محاضرة، وإنما خواطر أدبية ووساوس شعرية، عنت لي وخطرت ببالي وأنا أقلب بعض ألوان من الشعر وشيئاً من نثر قليل. فقد رأيت تشابهاً كبيراً بين المستشفى والطائرة، وتوالفاً غير منكور بين المضيفة والممرضة. وشبه إجماع بين نزلاء المشافي وزوارهم ومرافقيهم وركاب الطائرات ومستقبليهم أو مودعيهم على تصرفات ونظرات ليست كلها بريئة).
يعد الأستاذ عبدالرحمن بن فيصل المعمر من كتاب الصحافة السعودية، واحتسب من أهل الطائف لمعيشته ومقامه، حيث ولد عام 1358هـ/ 1939م بسدوس في نجد، وتلقى تعليمه الأولي بها، ثم درس حتى الثانوية بدار التوحيد بالطائف. بدأ حياته العملية موظفاً حكوميّاً بديوان رئاسة مجلس الوزراء، كما عمل كبيراً للمراسلين في وكالة الأنباء السعودية (واس)، وتولى رئاسة تحرير صحيفة الجزيرة. أسس مجلة عالم الكتب مع الأديب الراحل عبدالعزيز الرفاعي، وتنقل بين السعودية وبريطانيا وسوريا وتونس.
يتمتع المعمر بعضوية مؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر، وجمعية الآثار بجامعة الملك سعود بالرياض. وخلال مسيرته شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية داخل المملكة وخارجها. ولم تقف جهوده عند العطاء العملي فقط، بل أثرى المكتبة العربية بمجموعة من الكتب والمؤلفات والدراسات.



آني إرنو.. ترجمة النفس إلى نوبل

لم تتمكن الأكاديمية السويدية مانحة الجائزة من الوصول إلى إرنو لإبلاغها بالفوز، كما هو معتاد، لكن لاحقاً تمكن التلفزيون السويدي من الوصول إليها، وقالت إن الفوز بجائزة نوبل (شرف عظيم) و(مسؤولية كبيرة جداً).
حرصت الكاتبة آني إرنو، الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب للعام الحالي، في بدايتها الأدبية، على الابتعاد عن الخيال في كتابتها، وصبت جُل تركيزها على السيرة الذاتية.
نشأت الكاتبة الفرنسية آني إرنو، التي حصدت جائزة نوبل في الآداب اليوم، وترعرعت في يڤيتوت شمال فرنسا في منطقة نورماندي، وهي من عائلة من الطبقة العاملة، ولكن في نهاية المطاف امتلك والداها مقهى ومخزناً للبقالة.
درست إرنو في جامعة رون أولاً، ومن بعدها في جامعة بوريكس، وتأهلت كمُعلمة مدرسية بعدها، ونالت أعلى درجة في الأدب الحديث عام (1970)، كما عملت لفترة وجيزة في مشروع أطروحة غير المكتمل، ماريفكس.
وفي أوائل السبعينات، قامت بالتدريس في مدرسة بونفيل الثانوية، كما عملت في كلية إيفير في آنسي لوفيو، ومن ثم في بونتواز، قبل أن تنضم إلى المركز الوطني للتعليم عن بعد (المركز الوطني للدراسة عن بعد، CNED).
بدأت آني إرنو مسيرتها الأدبية عندما أطلقت كتاب (الخزائن الفارغة) في عام 1974، رواية من نوع السيرة الذاتية، وفي عام 1984، فازت بجائزة رينو لأعمالها الأدبية للسيرة الذاتية الأخرى المكان (مكان المرء)، قصة سردية سيرة ذاتية التي تُركز على علاقتها مع والدها وتجربتها في النشأة ضمن بلدة صغيرة في فرنسا، وتلاها الانتقال إلى مرحلة البلوغ والابتعاد عن موطن والديها الأصلي.
وفي بداية مسيرتها الأدبية، ابتعدت عن الخيال وصبت جُل تركيزها على السيرة الذاتية.
وقالت الأكاديمية السويدية عن هذا الكتاب (إنه أكثر مشاريعها طموحاً، والذي أكسبها شهرة دولية ومجموعة كبيرة من المتابعين وتلاميذ الأدب)، وإن (الكاتبة الفرنسية تميزت بشجاعة ودقة سريرية في اكتشاف الجذور والابتعاد عن القيود الجماعية للذاكرة الشخصية).
في عام 1984، فازت بجائزة (رينودو) عن عمل من أعمالها في السيرة الذاتية هو (المكان)، ويركز على علاقتها مع والدها وتجاربها التي نشأت في بلدة صغيرة في فرنسا، وعملية انتقالها اللاحقة إلى مرحلة البلوغ بعيداً عن موطن والديها الأصلي.
وترسم الكاتبةُ التقدم الاجتماعي لوالديها في عمليها: (المكان) و(العار)، وسنوات مراهقتها في كتابها: (ما يقولونه أو لا شيء)، وزواجها في (المرأة المجمدة)، كما تتحدث عن علاقتها العاطفية مع رجل من أوروبا الشرقية في (غواية بسيطة)، وتتحدث عن إجهاضها في كتابها (الحدث)، وعن مرض ألزهايمر في (لم أخرج من ليلتي)، وتحدثت عن وفاة والدتها في كتاب (امرأة)، وعن سرطان الثدي في كتابها (استخدام الصورة).
وكتبت إرنو أيضاً كتاب (حاد كالسكين) مع الأديب الفرنسي فريدريك إيف جانيت. توصف إرنو بأنها (المرشحة الدائمة لجائزة نوبل)، وهي أول كاتبة فرنسية تفوز بالجائزة بعد باتريك موديانو في عام 2014.



الكتاب: عبيد لسيد واحد
المؤلف: ماثيو هوبر
المترجمان: عمر إبراهيم - عين جودة
الناشر: دار خطوط وظلال، عمان، 2022.

تعد تجارة الرقيق وأسواق النخاسة من صلب اقتصاد الحوض الآسيوي - الأفريقي الجغرافي، وإذا درج تنافس بين تلك الأسواق، سواء في شرق الجزيرة أو غربها، فإنها مندرجة ضمن الاقتصاد الخارجي، فلعبة الاستيراد والتصدير تضع من بين بضائعها أولئك العبيد.
إن من الملفت أن تكون القارة الأفريقية في أجزائها الشرقية والوسطى مصدر تجارة الرقيق. على أن مفاهيم الاستعباد تسيح في مجالات أسرى الحروب، واستعباد العمال في صناعات مختلفة، غير أن مسألة الرقيق إحدى عناصر تجارة شبه الجزيرة العربية الأساسية.
يأتي هذا الكتاب الذي يدرس المرحلة الانتقالية بين القرنين التاسع عشر والعشرين، ليضع عبر فصوله تلك العلاقة بين التجارة والاستعمار، وتداخل عناصر التجارة الأخرى.
1 - تجارة الرقيق في شرق أفريقيا وصنع الشتات الأفريقي في شبه الجزيرة العربية.
2 - العبودية والتمور والعولمة.
3 - اللآلئ والعبيد والأزياء.
4 - العبودية والحياة الأفريقية في شبه الجزيرة العربية.
5 - مكافحة العبودية والإمبراطورية: مفارقات التحرير في غرب المحيط الهندي.
6 - العولمة ونهاية تجارة الرقيق في شرق أفريقيا.
الخلاصة: الإسكات والنسيان
إذ يتناول هذا التاريخ للشتات الأفريقي والعبودية في شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الموضوعات المترابطة للاستعباد والعولمة والإمبراطورية والتحديات التي كانت تعقد سابقاً الاتفاقيات المتعلقة بالرق في الشرق الأوسط والإمبريالية البريطانية. في حين أن التأريخ التقليدي يعتبر تجارة الرقيق في المحيط الهندي مختلفة اختلافاً جوهرياً عن نظيرتها في المحيط الأطلسي، تجادل هذه الدراسة بأن كلا النظامين تأثرا بالقوى الاقتصادية العالمية. يخالف الكتاب رواية الانتصار المناهضة للعبودية التي تنسب نهاية تجارة الرقيق بين شرق أفريقيا والخليج العربي إلى جهود البحرية الملكية البريطانية، بحجة أن بريطانيا العظمى سمحت باستمرار هذه الممارسة اللاإنسانية لأنها كانت حيوية لاقتصاد الخليج. وبالتالي حيوية للمصالح البريطانية في المنطقة. يربط عبيد السيد واحد القصص الشخصية للأفارقة المستعبدين بسلاسل السلع العالمية غير الشخصية التي أتاحها عملهم، مما يوضح كيف أن الطلب المتزايد على العمال الناتج عن الطلب العالمي على منتجات الخليج الفارسي أجبر هؤلاء الأشخاص على استعبادهم ونقلهم إلى شرق الجزيرة العربية.
في هذا التاريخ الواسع النطاق للشتات الأفريقي والعبودية في شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يفحص ماثيو إس هوبر الموضوعات المترابطة للاستعباد والعولمة والإمبراطورية والتحديات التي عقدت سابقاً فيما يتعلق بالعبودية في الشرق الأوسط والإمبريالية البريطانية. في حين أن التأريخ التقليدي يعتبر تجارة الرقيق في المحيط الهندي مختلفة اختلافاً جوهرياً عن نظيرتها في المحيط الأطلسي، فإن دراسة هوبر تجادل بأن كلا النظامين تأثرا بالقوى الاقتصادية العالمية. يمضي المؤلف في مناقشة رواية الانتصار المناهضة للعبودية التي تنسب نهاية تجارة الرقيق بين شرق أفريقيا والخليج العربي إلى جهود البحرية الملكية البريطانية، بحجة أن بريطانيا العظمى سمحت باستمرار هذه الممارسة اللاإنسانية لأنها كانت ضرورية للاقتصاد الخليجي وبالتالي حيوية للمصالح البريطانية في المنطقة.



الكتاب: تجربة في النقد
المؤلف: سي إس لويس
المترجم: حسين الضو
الناشر: دار معنى، الرياض، 2022.


تواصل دار معنى الناشئة توسعة مجالات ترجمتها ضمن دائرة العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويتأمل أن تتمكن الطاقات الشبابية من الإفادة من عامل الخطأ والصواب.
لماذا نقرأ الأدب وكيف نحكم عليه؟ تنبع فكرة كتاب سي إس لويس الكلاسيكي (تجربة في النقد) من الاقتناع بأن الأدب موجود لإسعاد القارئ وأنه يجب الحكم على الكتب من خلال نوع القراءة التي تدعو إليها. يجادل بأن (القراءة الجيدة)، مثل العمل الأخلاقي أو التجربة الدينية، تتضمن الاستسلام للعمل الذي تقوم به وعملية الدخول الكامل في آراء الآخرين: (في قراءة الأدب العظيم أصبح ألف رجل ومع ذلك أظل أنا نفسي). من الأمور الحاسمة لمفهومه عن الحكم على الأدب الالتزام بتنحية التوقعات والقيم الخارجة عن العمل، من أجل التعامل معها بعقل متفتح. وسط هذا الاضطراب المعقد للنظريات النقدية الحالية، تعتبر حكمة سي إس لويس واقعية، ومحفزة الأسئلة التي تثيرها حول تجربة القراءة.
تجربة في النقد كتاب من تأليف سي إس لويس عام 1961، يقترح فيه أن جودة الكتب لا يجب أن تقاس بكيفية كتابتها، بل بكيفية قراءتها. للقيام بذلك، يصف المؤلف نوعين من القراء. الأول هو ما يسميه (غير الأدبي)، والآخر (الأدبي). يشرع في تحديد بعض الاختلافات بين هذين النوعين من القراء. على سبيل المثال، أحد خصائص القارئ غير الأدبي هو أن الحجة (لقد قرأتها من قبل) هي سبب قاطع لعدم قراءة كتاب. في المقابل، أعاد قراء الأدب قراءة الكتب عدة مرات، وتذوقوا فقرات معينة، وحاولوا الحصول على المزيد من القراءات اللاحقة.
جادل لويس أيضاً بأن الحكم على الكتب من خلال كونها (متدنية المستوى) أو (رفيعة المستوى) ليس بالضرورة مثمراً، العديد من الكتب (المنخفضة المستوى) تثبت أنها ذات قيمة للقارئ الأدبي الراغب في الاقتراب منها دون أحكام مسبقة. وأشار إلى أن الكتب المصنفة على أنها (منخفضة المستوى)، مثل الخيال العلمي، قادرة أيضاً على تحفيز الشغف لإعادة القراءة ونقل الخبرة التي تغير نظرة القارئ إلى العالم. يقترح لويس أن الكتب القادرة على القيام بذلك قد تثبت أنها تتمتع بميزة دائمة بغض النظر عن نوع أصلها. وأشار إلى أن محاولة الحكم على الجدارة الأدبية للكتب على أساس المعايير التقليدية قد لا تكون مثمرة.
وهكذا يقترح لويس أن (الكتاب الجيد) يمكن تعريفه على أنه شخص ما -أي شخص- سيعيد قراءته. سيحكم القراء (المتمرسون) على بعض هذه الكتب على أنها ذات جودة رديئة، هذا الرأي قاصر لأنه فشل في تقدير تلك الصفات التي تستحق إعادة القراءة.
يعد كلايف ستابلز أو سي إس لويس (1898 - 1963) عالماً أدبياً وروائياً بريطانياً. كان زميلاً في كلية مجدلين، وهي كلية مرموقة في جامعة أكسفورد. أثرت خلفيته الدينية القوية على كتب مثل (مشكلة الألم) و(رسائل برغي). اشتهر بثلاثية الخيال العلمي للبالغين: (Out of a Silent Planet) و(Perelandra) و(That Hideous Strength). تأثرت هذه السلسلة بشدة بالفكر المسيحي واستلهمت من صداقته وارتباطه بزملائه الكتاب جي.آر. تولكين وسي إس ويليامز. ولكن ربما تنتمي أفضل قصصه المعروفة إلى سلسلة من كتب الأطفال المعروفة باسم سجلات نارنيا والتي تبدأ بقصص (الأسد والساحرة وخزانة الملابس). المسلسل مليء بالرموز المسيحية والأخلاق والمعدلات من بين أهم كتابات للأطفال في القرن العشرين.



الكتاب: قصة الورق.. تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة.
المؤلف: جوناثان بلوم.
المترجم: د. أحمد العدوي.
الناشر: دار أدب للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية.

طايع الديب: مصر
في كتابه الممتع (قصة الورق.. تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة)، يُبرز الأكاديمي الأميركي جوناثان بلوم أهمية توصل البشرية إلى هذا الاختراع الفارق في تاريخ الحضارة، على أيدي الصينيين القدامى الذين احتفظوا بطريقة صناعته زمناً، واعتبروها سراً من (أسرار الدولة).
ويرصد (بلوم)، وهو أستاذ مادة الفن والعمارة الإسلامية في جامعة بوسطن الأميركية، كيف اختُرع الورق في الصين قبل قرن من ميلاد المسيح. ومع ذلك، فقد انقضى ما يقرب من ألف عام قبل أن يستخدمه الأوروبيون للمرة الأولى، بل لم يصنعوه بأنفسهم إلاّ بعد اتصالهم مع العرب في القرن الحادي عشر الميلادي.
تعلّم الأوروبيون، وفق المؤلف، صناعة الورق من مسلمي الأندلس الذين حكموا إسبانيا، وأسسوا هناك أول مصانع لصناعة الورق في أوروبا قاطبة، حيث قام صُناع الورق المسلمون بتحويل خِرق الكتان وألياف النفايات الأخرى إلى مادة قوية ومرنة صالحة للكتابة، عن طريق خفق الألياف أولاً، باستخدام المطارق الثقيلة التي تعمل بقوة دفع تيار الماء، ثم جمع اللُّب الرطب الناتج عن عملية الخفق، ونشره على الألواح يدوياً، ثم تجفيفه ليصبح ورقاً في النهاية.
ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون: (ظل الأوروبيون في القرون الوسطى زمناً طويلاً لا يكتبون إلاّ على رقوق مصنوعة من جلود الحيوانات، كان ثمنها المرتفع يقف عائقاً أمام انتشار المؤلفات المكتوبة. وسرعان ما أصبحت هذه الرقوق نادرة الوجود، حتى لقد اعتاد الرهبان على محو مؤلفات اليونان والرومان، ليستبدلوا بها مواعظهم الدينية، ولولا العرب لضاعت معظم المؤلفات الكلاسيكية، التي ادعى الرهبان أنهم حفظوها بعناية داخل الأديرة).
ويوضح المترجم د.أحمد العدوي، في مقدمته، أن (الكتاب يُعنى بدراسة الآثار التي ترتبت على انتشار الورق وشيوعه، بدءاً من التغيير الجذري في طرق التفكير ونظم التدوين، ولا سيّما في علوم الرياضيات والجغرافيا وغيرها، إلى التغييرات التي طرأت على الفنون والعمارة الإسلامية نتيجة استخدام الورق وسيطاً في نقل التصميمات والمخططات قبل تنفيذها. وكيف أدى استخدام الورق بمرور الوقت، إلى فصم عُرى التوحد التاريخي بين الحِرَفيّ المنفِّذ والفنان المُصمم).
ظاهرة (انفجار الكتب)
يشير (بلوم) إلى أن ثقافة الجزيرة العربية قبل الإسلام كانت مؤسسة، بالدرجة الأولى، على السماع والحفظ والمشافهة. ورغم أن العرب عرفوا الكتابة، إلاّ أنها لعبت دوراً هامشياً في تلك الحقبة من التاريخ، حيث مثلّت القصيدة الشكل الأسمى للكلمة المسموعة في الثقافة العربية قبل ظهور الإسلام. ولم تُكتب المعلقات وقصائد الشعر الجاهلي إلاّ بعد بضعة قرون من نظمها. بيد أن العرب عرفوا الكتابة قبل الإسلام، فقد عثر الآثاريون في اليمن على نقوش عربية جنوبية تعود إلى تاريخ موغل في القدم قبل الميلاد.
بمرور الأيام، وفي عام 751م، اصطدم جيش القائد العباسي أبو مسلم الخراساني بجيش صيني، على مقربة من نهر (طلاس) الواقع بين دولتي كازاخستان وقرغيزستان حالياً. وأسر المحاربون المسلمون خلال تلك المعركة صُناع ورق صينيين مهرة، جرى نقلهم فيما بعد إلى بغداد، وكشفوا للعامة عن أسرار صناعة الورق.
وخلال العصور الإسلامية المتعاقبة، شجع الحكام مؤلفي الكتب على التصنيف في إدارة شؤون الدولة من منظور شرعي، كما دفعهم الفضول العام أيضاً إلى وضع مصنفات في الشعر والفلسفة والجغرافيا والملاحة والرياضيات والعلوم التطبيقية، فضلاً عن علوم الفلك والتنجيم والطب والكيمياء. وفي نفس الوقت، شهدت تلك الحقبة إقبالاً عظيماً على تجميع مجموعات من القصص وغيرها من أساطير الأقدمين باللغة العربية. ومن هنا أصبح الورق هو (الوسيط الرئيس للذاكرة)، بدلاً من المشافهة القديمة. وبذلك، فتح العالم الإسلامي باباً من أرفع أبوب الحضارة الإنسانية.
ويعزو المؤلف سبب ضخامة المكتبات العربية في العصور الوسطى، مقارنةً بنظيراتها في أوروبا، إلى ظاهرة (إجازة النسخ) من المؤلفين العرب والمسلمين، موضحاً أنه لم يكن من الممكن اعتبار نسخة من الكتاب أصلية ونفيسةً، ما لم يكن صاحبها مُجازاً ومُرخصاً له من قِبل المؤلف نفسه.
وكما استندت صحة الحديث النبوي الشريف إلى سلسلة متصلة من الرواة الثقات، فإن صحة نسخة الكتاب استندت إلى سلسلة من الإجازات كانت تعود في النهاية إلى المُصنِف (المؤلف) رأساً. وأدى هذا النظام في العالم الإسلامي إلى (ظاهرة انفجار الكتب).
وعلى النقيض من الوضع في العالم الأوروبي، حيث قام مُصنِف واحد بنسخ نسخة واحدة من كتابه على مخطوطة من الرَّق، يضعها غالباً على المنضدة أمامه، كان يسع نظيرُه في العالم الإسلامي أن يستخرج عشرات النسخ المدونة على الورق في قراءة واحدة فحسب، وكل واحدة من تلك النسخ المجازة، يمكن أن تولّد عشرات النسخ الأخرى في جلسة قراءة واحدة أيضاً. وفي خلال جيلين من القراءة، يمكن أن يتجاوز عدد النسخ مئة نسخة من الكتاب، أو تزيد. وكان هذا النظام العبقري فعّالاً على نحو استثنائي في زيادة تداول الكتب، بل إنه يشرح لنا كيف أمكن للمكتبات الإسلامية في القرون الوسطى أن تحتوي على عدد هائل من الكتب، في مجتمع لم يعرف الطباعة.
ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه على المؤرخين هو: لماذا تتجاهل الأدبيات الأوروبية الدور الكبير الذي لعبه العرب في تاريخ صناعة الورق؟
يجيب (بلوم): قد يعود تجاهل الغرب للدور الإسلامي في تاريخ الورق جزئياً، إلى ميل غير علمي خبيث، يرمي إلى تجاهل الإسهامات الرئيسة للحضارة الإسلامية، ولا سيما في حالتنا هذه، بوصف أن هذه الحضارة كانت مجرد (وسيط) لنقل الأفكار، حيث يفضل أصحاب هذا الميل البحث عن أصول صناعة الورق في مكان آخر. غير أنه للحقيقة والتاريخ، فإن التطويرات العربية الإسلامية لصناعة الورق، هي التي أسهمت في جعل اختراع يوهان غوتنبرغ للطباعة ذا جدوى.
لماذا تأخرت الطباعة؟
انتشرت (صناعة الوِراقة) على نطاق واسع في العالم الإسلامي بحلول نهاية القرن الثاني الهجري، وانقسمت بعد ذلك إلى عدة فروع، شملت النسخ والتصحيح والتجليد وبيع الورق والقراطيس. وصارت للورّاقين خلال القرون التالية أسواق خاصة بهم، كانت مصدراً من مصادر إثراء مكتبات الدولة في تلك الفترة، مثل (بيت الحكمة) في بغداد، و(دار العلم) في القاهرة.
ويقول المؤرخ الدانماركي يوهانز بيدرسن: صحيح أن الورق اختُرع في الصين وليس في بلاد الإسلام، ولكن المسلمين استخدموا مواد جديدة سهلت تصنيعه على نطاق واسع، وابتكروا في ذلك أساليب تُعد حديثة بمقاييس العصر. وبفعل ذلك، حقق المسلمون مأثرة ذات مغزى حاسم وأهمية كبرى، ليس لتاريخ الكتب الإسلامية فحسب، بل لعالم الكتب كله.
وبدأ كتبة دواوين الحكم في استخدم الورق لتدوين المعاملات الحكومية والدعوى القضائية، وغيرها، بأمر من الفضل بن يحيى البرمكي، وزير الخليفة هارون الرشيد، الذي تحمس بشدة لصناعة الورق واستخدامه بشكل رسمي. لهذا، تأسس خلال عهد الرشيد أول مصنع للورق في بغداد عام 178هـ/ 794م، وتولى إنشاءه الفضل بن يحيى، فانتشرت صناعة الورق بسرعة فائقة في كل أنحاء العالم الإسلامي.
ويلفت المؤلف إلى أن سبب انحياز كُتاب الدواوين إلى الورق، على حساب وسائط الكتابة الأخرى مثل الرَّق والبردي، هو أن الورق كان يمتص المِداد بكفاءة، فيصعب بذلك محو الكتابة المدوّنة على سطحه، من دون أن يترك ذلك المحو أثراً ملحوظاً. ولذلك كانت الوثائق المدونة على الورق أقل عرضة للتزوير من تلك المكتوبة على البردي والرَّق.
وأسهمت صناعة الورق في تعزيز اقتصادات البلدان الإسلامية، وظهور أشكال جديدة من التعاملات المالية لم تكن معروفة من قبل: (باتت معظم تجارة الجملة، بل والتجزئة أيضاً، تتم على نحو أساسي من خلال الائتمان بالدين المسجل على وثائق من الورق. وكانت العمليات التي تنطوي على السداد نقداً نادرة).
من جهة ثانية، استفاد الخطاطون العرب الأوائل من مزايا توافر الورق على نطاق واسع، ورخص ثمنه، في كتابة ورسم الخط العربي، فأدخلوا عليه المزيد من الزخارف وطرق التزيين والتجليد والتذهيب، وهي العوامل التي يرى المؤلف أنها تضافرت بمجملها لإنتاج المخطوطات العربية والإسلامية المميزة، والتي مازالت تُدرس في كبريات الجامعات العالمية حتى الآن.

ذو صلة