مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

من أجل بناء جامعات عربية داخل التصنيف

تكمن أهمية تصنيفات الجامعات والكليات عالمياً في كونها تعطي صورة تقريبية لمستوى أي جامعة وتطورها مقارنة مع نظيراتها، وعليه فهي تساعد الطلاب الجامعيين في اتخاذ قرار المفاضلة بين الجامعات، لانتقاء البرامج الأكثر تميزاً من جهة، والحصول على الوظيفة المستقبلية بشكل سهل من جهة أخرى.

كما تسعى هذه التصنيفات أيضاً في إحدى أبعادها العملية إلى رفع مستوى التنافسية العلمية فيما بين الجامعات عالمياً، كما أنها مؤشر حقيقي على جودة التعليم، ومن خلالها يمكننا التعرف على منزلة الجامعات، ودورها في بلوغ الأهداف التي تسطرها الدول والحكومات عموماً، انطلاقاً من إستراتيجياتها التنموية العامة، غير المنفصلة عما هو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي.
لذا نجد أن المؤشر العالمي الذي يعد الأرفع عالمياً ضمن تصنيف الجامعات يعتمد على معايير -تم وضعها من قبل استشاريين وأساتذة كبار من حول العالم، وقاموا بتشكيل لجنة مهمتها هي تصنيف الجامعات العالمية- ومن أبرزها جودة البحث العلمي، والتميز في النشر الدولي، وارتفاع معدلات الاستشهاد المرجعي بالأبحاث المنشورة، والمنسوبة للجامعات في المجلات العالمية، ذات التأثير العالي من قبيل (ساينس) و(فيتشر) وغيرها، إضافة إلى البيئة التعليمية التي تتضمن الدخل من المجالات الصناعية، ونسبة الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس.
في تقديرنا، يمكن أن يتحقق مستقبلاً التصنيف العربي للجامعات، -مثل تصنيف (شنغهاي رانكينغ كونسالتنسي) و(كواكواريلي سيموندس QS) و(التايمز)- سيما في ظل الحاجة إلى تصنيفات الجامعات، وهذا يتطلب تحديد المنظمات القادرة على هذا الإنجاز محلياً، ووضع معايير وشروط يتم تحديدها بموضوعية علمية، والأساليب المتخذة في اتخاذ القرارات، لتحقيق منهجية للتقييم، وهو أمر ليس بالسهل لأن ثمة عوامل عدة، وجهات مختلفة تتعلق بشؤون التصنيفات.
لم يعد سراً أن العدد الأكبر من الجامعات والكليات، سواء منها ما هو حكومي أو خاص في العالم العربي-الإسلامي خارج المنافسة العالمية، وهذه حقيقة يمكن التوصل إليها من خلال آخر تحديث للتصنيف الذي تصدره مؤسسة (شنغهاي رانكينغ كونسالتنسي) منذ 2003م، فلم يتضمن تصنيف شنغهاي لأفضل 1000 جامعة في العالم أي جامعة من دول المغرب العربي، بينما تصدرت جامعة هارفارد الأمريكية للمرة الـ20 على التوالي تصنيف شنغهاي للعام 2022، واحتلت الجامعات الأمريكية 17 مرتبة بين المراتب الـ25 الأولى في التصنيف.
وإذا غابت الجامعات المغاربية عن التصنيف، فإننا نسجل في الوقت نفسه حضوراً عربياً لـ7 جامعات من السعودية، بينها جامعتا الملك عبدالعزيز والملك سعود التي صنفت بين أفضل 150 جامعة في العالم. كما مثلت مصر في تصنيف شنغهاي بـ7 جامعات أيضاً، والأردن ولبنان وقطر والإمارات بجامعة واحدة لكل بلد.
إذا عدنا إلى النسخة التاسعة عشرة من تصنيفات الجامعة الدولية الصادرة عن شركة كواكواريلي سيموندس QS -وهذا التصنيف أحد أدوات الحكم على الجامعات، ومدى جودة الخدمات التعليمية بها- فإننا نجد أن تصنيف هذا العام يشير إلى أن السعودية شهدت تغييراً إيجابياً ملحوظاً، مما جعلها تستحوذ على أفضل جامعات المنطقة العربية، بحكم استقطابها لعدد استثنائي من أعضاء هيئة التدريس الدوليين، وحصولها على مراتب مهمة، من حيث السمعة الأكاديمية، والسمعة لدى أصحاب العمل (جامعة الملك عبدالعزيز)، أما (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن) فهي تعد من أفضل جامعات البلاد في مجال البحث، وفقاً للاقتباسات البحثية لكل كلية لاسيما في مجالي الهندسة والتكنولوجيا.
حتى لا يخرج العالم العربي-الإسلامي عن دائرة التاريخ إن صح هذا التوصيف، بحكم خروج معظم جامعاته وكلياته من التصنيفات العالمية، فإن هذا الوضع يتطلب أولاً وجود إرادة حقيقية لإحداث الإصلاحات المطلوبة، وبدونها من الصعب الحديث عن التغيير المنشود.
لذا يتوجب محاربة الفساد، بشتى أشكاله وأنواعه داخل الجامعات والكليات، لكي تتخذ عملية الإصلاح بعدها العملي، لتحقيق النزاهة والشفافية والحكامة، ومن ثم الاعتراف بالكفاءات، والحد ما أمكن من ظاهرة (هجرة الكفاءات) أو (هجرة الأدمغة) التي أخذت بعداً عالمياً منذ عام 1967، ولا خلاف فمن التحديات التي تواجهها الجامعات في العالم العربي-الإسلامي ضعف الإنفاق المالي على البحث العلمي والتطوير، لذا لابد من الرفع من ميزانية البحث العلمي بكل تخصصاته وفروعه.
وتتحقق جودة التعليم، بجامعات العالم العربي-الإسلامي انطلاقاً من الاستجابة للاحتياجات الوطنية من القدرات البشرية، واحتياجات المجتمعات، وتلبية احتياجات سوق العمل، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تعزيز مجالات التعاون البحثية الدولية، والاستثمار في قطاع التعليم، ودعم مقوماته التنافسية. وكيفما كان الوضع فإننا لا يمكن أن نغفل الجهود التي تقوم بها بعض الجامعات العربية-الإسلامية من أجل ذلك، والجهود المشتركة بين دول العالم العربي-الإسلامي، فقد تم إنشاء وزراء التعليم العرب بالتعاون مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير عام 2012 مبادرة (البرنامج العربي لتحسين جودة التعليم) برعاية (المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة)، حيث تتم الاختبارات الدولية للطلاب، بمقتضى مؤشرات للجودة، ومن شأن هذه المبادرة الارتقاء بجودة التعليم، دون أن ننسى الجهود التي تقوم بها دول العالم العربي-الإسلامي من خلال سياساتها التعليمية والتربوية.
رغم ما قلناه سابقاً، عن مخارج حقيقية تروم حصول العديد من الجامعات في العالم العربي-الإسلامي على تصنيفات عالية، فالملاحظ أن معظم دول العالم العربي-الإسلامي ربما اليوم مشغول بشؤون أخرى غير بعيدة عن الاستقرار السياسي في المقام الأول، وبلا خلاف فغياب هذا الأخير -الاستقرار السياسي- يعرقل عملية الإنجاز البحثي بالجامعات، ويحد من قدرتها على التنافسية العالمية في مجال البحث العلمي والمعرفي. ولهذا يجب على صانعي السياسات في دول العالم العربي-الإسلامي العمل على خلق قيم السلم والعدالة والديمقراطية، وترسيخها داخل مجتمعاتهم أولاً، قبل الانتقال إلى إصلاح الجامعات والمؤسسات عموماً، ومن دون ذلك يستحيل الحديث عن أي نقلة نوعية تعليمية أو حضارية-تنموية.

ذو صلة