مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

رواية (ماتريكس) للأمريكية لورين جروف..

العنوان الأصلي للمقال: Matrix by Lauren Groff – a brilliant nun’s tale
قائدة صاحبة بصيرة، عاشقة غريبة الأطوار، كاتبة من القرن الثاني عشر. كتابة تنتصر وتعيد تصور حياة ماري دو فرانس في رواية حديثة بحزم حول طموح المرأة وإبداعها.
نالت مؤلف رواية (الأقدار والغضب) Fates and Furies استحساناً كبيراً، وبخاصة في الولايات المتحدة، بسبب كتاباتها الذكية والحيوية حول الزواج المعاصر، والأبوة، والتنافس الجنسي والتهديدات التي تكمن في خضم الروتين اليومي. الآن، في خطوة جذابة غير متوقعة، حولت لورين جروف انتباهها إلى الراهبات الإنجليزيات في القرن الثاني عشر. وكانت النتيجة رواية مميزة للغاية تتسم بالحيوية والجرأة. من الرؤى الصوفية التي قد تكون مقدسة أو لا تكون، إلى الحركات العنيفة لخنازير الدير والأمراض ودفاتر الحسابات، تقوم جروف Groff بكل ذلك بعزم ومهارة.

رواية جريئة وحيوية
نلتقي بطلة الرواية ماري الخارجة من الغابة على ظهر الحصان، مثل فارس هائم على وجهه في بداية قصة حب من القرون الوسطى إلا أنها امرأة شابة، إنه يوم ممطر من مارس و(العالم يتحمل التعب من الصوم الكبير). تم طردها من البلاط من قبل الملكة إليانور ملكة آكيتاين: (ألقيت للكلاب)، أو على الأقل تم طردها لتكون رئيسة دير ملكي بعيد. فُزِعت من الاحتمالات التي تنتظرها، وتألمت بتركها محبوبتها المخلصة إليانور وراءها، وذهبت إلى هلاكها. (فرسها المحارب القديم يندفع بقوة).
(ماتريكس) خيال حر جامح لحياة ماري دو فرانس. لا يُعرف أي شيء تقريباً عن هذه الشاعرة الرائدة باستثناء ما تخبرنا به، مع دافع ذاتي غير معتاد بالنسبة لوقتها وجنسها، في مجموعتها من Breton lais*، أو ما ورد في أدب الرومانس من لمحات من سيرتها، وترجمات خرافات إيسوب. ربما كانت تكتب في إنجلترا، رغم أنها جاءت من شمال فرنسا. لا يعطي شِعرها أي إشارة إلى أنها تنتمي إلى عائلة متدينة، على الرغم من ارتباطها مبدئياً بمريم، رئيسة دير شافتسبري. تستفيد جروف من التلميحات القليلة التي وردت عن سيرتها، وتملأ الفراغات الهائلة عن حياتها، وتشكل حياة لماري- حياة طويلة وكاملة كقائدة ذات رؤية، ومحببة للأقليات الجنسية، وكاتبة وأم، أو (ماتريكس)، لمجتمع مزدهر من النساء.
لا يبدو المستقبل مبشراً بالنسبة لماري بطلة جروف عندما تصل إلى دير وتجد أخوات نصف جائعات في (ركن كريه الرائحة مليء بالطين في أنجليتير). أي مكان في إنجلترا سيئ بما فيه الكفاية، ولكن (حتى بالنسبة لإنجلترا هذا أمر مثير للشفقة). سيسلي، خادمتها وعشيقتها في بلاط الملك، رفضت العيش بين الراهبات اللواتي يصلّين كثيراً (صعوداً وهبوطاً طوال اليوم، مثل القوارض). بدت ماري غاضبة، وحيدة، ولديها حساسية مفرطة ورغبة في تحسين الكثير من الأمور في مجتمعها الجديد. على مدى العقود الخمسة التالية، وضعت لنفسها أولوية كرئيسة دير، لتضع خطتها الحيوية لإقامة مدينة فاضلة أنثوية.
كما هو الحال في روايات جروف السابقة، فنحن نتوقع قوة أسلوبها، ونلحظ قوة ذكائها الذي يتيح للكوميديا والتعقيد العاطفي العمل معاً.
رواية سيلفيا تاونسند وارنر الصادرة عام 1948 بعنوان (الركن الذي يحتجزهم) هي عمل يصعب تقليده عندما يتعلق الأمر بالمشاهد الحديثة لمجتمع الدير في العصور الوسطى. تشترك جروف في العديد من الصفات مع تاونسند وارنر -الذكاء اللامع، والفطنة السياسية، والبهجة التي تميز أسلوبيهما- فيشعر المرء بنوع من التماثل بين الكاتبتين مع اختلاف زمنيهما.
غالباً ما تتمثل طريقة جروف في التعامل مع التاريخ بهدف مراجعته.
خصصت ماري سرديتها (إلى ملك نبيل)، يفترض أنه هنري الثاني، يكتب بطل ماري المتخيل قصائد إليانور، ويرسل المجموعة (كسهم مشتعل) تجاهها. أعيد نشر الأعراف الأدبية عن الحب اللطيف بذكاء بحيث بدلاً من الفارس المصاب بالحب لامرأة لا يمكن الوصول إليها وتحميها حراسة مشددة، لدينا ماري الشجاعة والوحشية وغير المهزومة وهي تقدم روحها للملكة.
تقوم مجموعة ماري دي فرانس الأدبية الباقية على صور سجن النساء، تخترع شخصية ماري التي ابتكرتها جروف قيوداً بينما تتبنى أيضاً أشكالاً من الانضباط الجماعي. لن تكون محاصرة مثل هؤلاء السيدات في البلاط الملكي اللواتي لم يفكرن أبداً في (الركض عبر الحقول... ولا السباحة عاريات في النهر). هذه المرأة المحاربة التي شمرت عن أكمامها وبدأت العمل الشاق لم تكن محاصرة بالجدار ولكنها مسؤولة عن بناء الجدار.
قالت جروف في تعليقها على الرواية: «أردت الابتعاد قدر الإمكان عن أمريكا ترامب». لكن هذا ليس خيالاً تاريخياً كطريق للهروب من الحاضر. إنها رواية حديثة بشكل قاطع عن القيادة والطموح والمشاريع، وعن الحياة الجماعية للأفراد.
هل ماري محقة في تحصيل الإيجارات من المستأجرين الفقراء؟ لماذا لم تقاوم الراهبات هيمنة ماري على الدير؟
(لأنها حقيقة عميقة وإنسانية).
أخبرنا الراوي الذي هو ماري جزئياً، أن معظم الناس يريدون أن يشعروا (بالأمان في أيدٍ قوية أقوى بكثير من أنفسهم). ترفض جروف الانتصارات النسوية السهلة: ماري تتولى دور الكاهن ولكن بدون استحقاق أن تستمع إلى اعترافات أتباعها.
يعد التركيز على حياة المرأة العملية (وهذا أمر نادر في كتابات الرومانس في العصور الوسطى) من بين الجوانب الأكثر لفتاً للانتباه في الرواية. الراهبات المتخصصات ينسجن ويخبزن، جودا Goda تدير المزرعة، غيث Gytha المجنونة ترسم مشاهد برية في هوامش المخطوطات. الأخت الويلزية الجميلة، نيست Nest، تم قطع عملها في المستشفى، التي كانت أيضاً صيدلية، ومكاناً لجراحة طب أسنان، ومنزلاً لكبار السن. لا يوجد نقص هنا في النساء اللواتي يسعين إلى وظائف في مجال الهندسة أو مشاريع البناء.
هناك القليل من المواعظ الأخلاقية في رواية (ماتريكس)، لكن ذلك لن يخبرنا ما إذا كانت يوتوبيا ماري هي انتصار للإبداع والحب، أو مؤسسة جشعة لها رئيس تنفيذي يتمتع بجاذبية خاصة بها، أو حالة استبداد مطلق، أو ربما ليست أكثر من (دير إنجليزي صغير غريب يختبئ وراء متاهة). قد تكون كل هذه الأشياء جميعاً، لكن لا يزال بإمكاننا أن نتفق مع ماري عندما تشرح أن (هناك مكاناً هنا لكل شيء حتى للجنون والمنبوذين والمعقدين نفسياً). أولئك الذين يحبون ماري يصفون (عظمة الروح الهائلة التي تجعلك تحبس الأنفاس). بالفعل هناك روح عظيمة أيضاً في هذه الرواية تجعلك تحبس الأنفاس.


 *Breton lais الأدب الرومانسي في العصور الوسطى، وهو سرد بأسلوب بسيط ومقفى عن الحب والشهامة.

ذو صلة