في تجربة إبداعية جديدة وفريدة، وبعيداً عن التقليد والنمطية، أقام الفنان التشكيلي والنحّات السوري محمد س. حمود مشروعه الفني الأول من نوعه في هذا المجال، (لوحة ومنحوتة).
أي إن اللوحة والمنحوتة تحكيان قصة واحدة شكلاً ومضموناً.
الفنان حمود من مواليد المبعوجة (السلمية) عام 1951، ترعرع في ربوعها الجميلة، وفي حقولها وبين سنابل القمح والأزهار البرية نمت بذرة الإبداع لدى ذلك الطفل الصغير الحالم، فقد شدّته الطبيعة إليها، لتكون أولى رسوماته عنها، وهو لا يزال في الصف الأول الابتدائي.
وفي طرطوس التي انتقل إليها لاحقاً، شدّته صخورها الكلسية وأخشاب غاباتها، ليشكّل بيديه وبأدوات بسيطة أروع المنحوتات، كان يرى الجمال في كل ما حوله، فهو الفنان العاشق للأرض والطبيعة منذ الصغر.
تتنوع المدارس الفنية في لوحاته ما بين التجريدية والتعبيرية والواقعية، ولكن تبقى لمساته الخاصة الغالبة على جميع أعماله.
لم ينظر يوماً إلى اللوحة أو المنحوتة من منظور مادي، بل على العكس تماماً، كانت تزعجه فكرة عرض أعماله للبيع، لدرجة أنه في إحدى المرات، وأثناء افتتاحه لأول معرض له في طرطوس، سألته سيدة عن إمكانية شراء إحدى اللوحات، لكن جوابه لها كان صادماً، فقد قال لها:
يا سيدتي، وهل يمكن لأب أن يبيع أطفاله؟
فكل لوحة أو منحوتة هي بمثابة طفل جديد في عائلته.
علاقة النحت بالرسم
يقول حمود عن علاقة النحت بالرسم إنها علاقة انسجام وترابط وتزاوج، فالأفكار التي تطرق باب المخيلة تتوحد وتتبلور لتشكّل العمل النحتي، وكذلك في رسم اللوحة، فالفنان يجمع كل العناصر الحسية والبصرية ليشكّل منها لوحة فنية.
انتسب حمود إلى مركز الفنون التشكيلية في دمشق عام 1972، وتأثر ببعض الفنانين العالميين، منهم (فنسنت فان غوخ) والنحات رودان.
وعن أعماله، فقد أقام عدة معارض فنية في طرطوس والسلمية ودمشق، وكان أول معرض له عام 1969 في مدينة طرطوس. وفي دمشق أقام مؤخراً معرضه الفردي (لوحة ومنحوتة)، هذا المشروع الذي يُعد ظاهرة فريدة ولم يسبقه إليها أحد من الفنانين التشكيليين من قبل.
كُرِّم في عدة مهرجانات وملتقيات فنية، ونال العديد من شهادات التقدير نظراً لإسهامه في إغناء الحركة الفنية التشكيلية.
يرى حمود أن اللوحة هي عبارة عن فكرة أولاً، ثم موضوع وخطوط وألوان، ويقول إن تناغم الألوان وانسجامها مع بعضها لتشكّل معزوفة موسيقية أو قصيدة جميلة، أو ربما تنقلك إلى عالم فلسفي كثير الأبعاد والمحطات الوجدانية، هو أمر أساسي في اللوحة.
أما عن المرأة في لوحات حمود فهي ذلك المخلوق العظيم الذي يمنح الحياة رونقها وجمالها، هكذا يرى الفنان المخضرم المرأة، فهي في عينيه آلهة الخصب والجمال، وهي من أنجبت الحكماء والعظماء، وفي لوحاته كانت أيقونة ورمزاً للخلق.
أما عن النحت وأدواته، عمل الفنان حمود في النحت منذ ستينات القرن الماضي، واستخدم أدوات يدوية بسيطة (المطرقة والإزميل)، واستعمل العديد من الأخشاب في أعماله، منها أخشاب الزيتون والسنديان والأزدرخت. ويُذكر أنه أنجز في ملتقى النحت الذي أقيم في قرية النقيب منذ سنوات عملاً نحتياً بلغ ارتفاعه مع القاعدة 275 سم.
لحظة الإبداع وتشكل الصورة الأولية للوحة
يعتبر حمود أن الفنان هو شخص غير عادي، له طقوسه الخاصة، وهو الوحيد القادر على خلق البيئة التي تناسب عمله الإبداعي، ويعدّ الفن رسالة سامية تتوارثها الأجيال في خدمة قضايا الوطن. ويقول: كل عمل فني لا يحمل رسالة، هو عمل فاشل لا قيمة له. فالفن رسالة تنمّي الوعي والذوق، وتسهم في تطور المجتمع وتحضّره.
وعن واقع الفن التشكيلي في سوريا يقول: بشكل عام مقبول من حيث أنشطة الفنانين، إن كان في مجال الرسم أو النحت، بل هو مميز جداً من حيث إقامة المعارض الفنية، والأهم هو إقامة الملتقيات الفنية.
وبالنسبة لمحافظة طرطوس، كانت تقام في معظم النواحي والمدينة ملتقيات كثيرة، وقد شاركت في عدد منها، وبخاصة ملتقى النحت في قرية النقيب، وملتقى الرسم والنحت في مشفى طرطوس، ومنذ أشهر أقيم ملتقى للنحت في بورتو طرطوس، وهذا يدل على أن الفن ما يزال في حالة صحية جيدة، ولكن هناك إجحافاً من قبل الجهات الرسمية التي لا تقتني أعمالاً فنية، وهذا تقصير في حق الفن والفنانين بشكل عام.
وعن نظرته للفن التشكيلي في سوريا، فقد ربطه بالوضع والحالة العامة، فالفنان في رأيه هو من يعطي الأمل من خلال أعماله الفنية وتطلعاته، والسعي فكرياً وثقافياً من أجل خلق غدٍ مشرق.
محمد س. حمود، الفنان والإنسان المحب للحياة، العاشق المتيم بالجمال، مسيرة فنية حافلة تستحق الإضاءة عليها.