مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

اثنا عشر يتيماً عظيماً.. دراما صعود فريق كرة قدم أمريكي

يقول الكاتب والشاعر الفرنسي (دي موسيه) (1810 - 1857): (لا شيء يجعلنا عظماء غير معاناة كبيرة عظيمة). ولا توجد معاناة توازي ألم طفل خرج إلى الحياة ليواجه مصاب فقد أحد أبويه أو كليهما، فيجد نفسه وحيداً محروماً من حنانهما ورعايتهما، ومن ثم يواجه العالم منكسراً متألماً؛ لكنّ منهم من يتسامى، ويحيل ذلك ليصبح عظيماً. وهذا هو حال اثني عشر يتيماً أمريكياً، سرد قصتهم الكاتب الصحفي (جيم دنت) (Jim Dent)‏ - (ولد في 1953)، تحت عنوان: (اثنا عشر يتيماً عظيماً: Mighty Orphans 12، القصة الحقيقية الملهمة للعث الأقوياء Mites Mighty الذين حكموا وسيطروا على كرة القدم في تكساس). وحكى هذا الكتاب المنشور عام 2007 مجريات الأحداث اليومية لهؤلاء الأيتام في مدرستهم الخاصة ودارهم الواقعة على قمة تل يطل على (فورت وورث) بولاية (تكساس) الأمريكية. وبهذا العمل القصصي (القوي، والشجاع، والمُحفز، والمُلهم) عاد المؤلف (جيم دنت) للصدارة، مُستعيداً مكانته كواحد من أفضل الكُتاب الرياضيين في أمريكا. وهو أيضاً مؤلف كتاب (أولاد التقاطع) The Junction Boys الأكثر بيعاً في صحيفة (نيويورك تايمز).
وتحولت هذه القصة إلى فيلم سينمائي رياضي صدر في 11 يونيو 2021 بعنوان: (اثنا عشر يتيماً عظيماً) (Mighty Orphans 12). وهذا العمل من إخراج (تاي روبرتس)، وسيناريو وحوار: (كيفن ماير)، و(لين غاريسون)، ومن بطولة: (لوك ويلسون) في دور (رستي راسل)، و(فينيسا شو)، في دور (خوانيتا راسل)، و(مارتن شين) في دور الدكتور (أي. بي. هال)، و(واين نايت) في دور (فرانك وين)، و(روبرت دوفال) في دور (ميسون هوك)، و(جيك أوستن ووكر) في دور (هاردي براون)، و(جاكوب لوفلاند) في دور (سنوغز).. وغيرهم. وتم التصوير الرئيس لمدة سبعة أسابيع (7 أكتوبر - 25 نوفمبر 2019) في (ويذرفورد، كليبورن، فورت وورث، تكساس). كما تم تطوير الطريقة المُعتادة التي يتم بها تصوير مدربي كرة القدم. وحصلت شركة Sony Pictures Classics على حقوق التوزيع العالمية للفيلم في يناير 2021، أي بعد خمسة أشهر من الإصدار الرسمي. وطرح الفيلم في دور العرض بالمملكة المتحدة بعد ثلاثة أشهر (17 سبتمبر 2021).
حبكة الفيلم
إن تحويل قصة أو رواية حقيقية إلى عمل سينمائي لا يعني بالضرورة أن (الصورة القصصية المكتوبة) ستصنع (صورة مرئية سينمائية) جذابة. ورغم أن العلاقة متجذرة بين (الصورتين)، لكن يبقى للسرد القصصي/الروائي آلياته وفنياته وبلاغته، وللفن السابع حبكته ووسائله وإبداعاته للجذب والتشويق والإمتاع. وفي كثير من الحالات يتم تطويع الصورة الأولى لتواكب فنيات الصورة الثانية. فاعتماد الشريط السينمائي على عمل أدبي لا يحجر خيال المخرج ورؤيته، وحرية إبداعه أيضاً. ونادراً ما يوافق المخرج السينمائي (صاحب الرؤية الثاقبة) على الاستسلام أمام النص، مهما كانت (عظمته).
وانطلاقاً من هذا، تبدأ أحداث الشريط السينمائي بتصوير طرق وصول الأيتام إلى هذه الدار في (فورت وورث) وفقدانهم والديهم الذين تركوهم عمداً. ويُطلعنا الفيلم على الظروف القاتمة في دار الأيتام، حيث يتم تشغيل الأطفال حتى الإرهاق في مهام وضيعة من قبل المشرف الذي يلعب دوره (واين نايت). وهو الذي ينظر إليهم كمورد مالي ربحي يمكن استغلاله. ومن ثم يتعرضون للتوبيخ والإهانة والشتم، بل الضرب أحياناً، عند التقصير أو المخالفة. وفي هذه الأجواء الحالكة يتم توظيف (رستي راسل) يلعب دوره (لوك ويلسون)، الذي تقمص الشخصية عبر متابعة شرائط عنه، واجتماعه مع أحفاده كمُعلم ومدرب رياضي في هذه المدرسة الثانوية. وتقيم معه زوجته وأولاده، ومطارداً بماضيه (الغامض)، وتخليه عن منصب متميز حتى يتمكن (راسل) من التدريس والتدريب في هذه الدار للأيتام.
وشكل من الأيتام الذين ربطتهم المشقة والمعاناة فريق كرة قدم (Masonic Home Mighty Mites). لقد بدؤوا بلا شيء، فلعبوا دون أحذية، أو ملابس (حمائية) خاصة بكرة القدم الأمريكية، أو حتى كرة قدم إلا ما صنعوه بأيديهم عبر حشو جوربين معاً، مدركاً أن لاعبيه (الهزيلين) لا يستطيعون التغلب على الفرق الأخرى بقوة عضلية. لقد كان الأيتام يعانون من نقص الوزن وسوء التغذية، ولا يمكنهم مجاراة منافسيهم جسدياً. لذلك، كان لا بد من تدريبهم بطريقة فريدة لجعلهم فريقاً فائزاً. لذا طور (راسل) إستراتيجيات مبتكرة من شأنها أن تحدد كرة القدم الأمريكية الحديثة. ويشرح الفيلم كيف استخدم راسل تشكيل الجناح، مع وضع لاعب الوسط مباشرة خلف الوسط. أصبح هذا أمراً شائعاً الآن في اتحاد كرة القدم الأمريكي اليوم.
وفي غضون سنوات قليلة، انتقل (راسل) بهذا الفريق، متواضع الإمكانات، عالي الهامات، خلال فترة الكساد الكبير (1929-1939)؛ إلى اللعب في أعلى مستوى لكرة القدم في ولاية (تكساس) . فهزموا خصوماً أكبر وأقوى وأفضل تجهيزاً. وعلى مدار موسم فوزهم، أصبح هؤلاء الأيتام وروحهم المرنة مصدر إلهام لمدينتهم وولايتهم وأمتهم التي كانت في أمس الحاجة إلى آمال جديدة، وأحلام كبيرة، ورفع الروح المعنوية الأمريكية. حتى أنهم استحوذوا على انتباه الرئيس الأمريكي (فرانكلين دي روزفلت) (Franklin Roosevelt)‏ (30 يناير 1882 - 12 أبريل 1945).
وكان الدكتور (أي. بي. هال) طبيباً ريفياً خدم الأيتام لأكثر من 30 عاماً دون الحصول على أي راتب. كما كان مسؤولاً عن إحضار (راسل) إلى الدار، وأصبح مساعده في تدريب الفريق. ويبقى مهندس نجاح هؤلاء الأيتام هو (راسل) نفسه. وقليلون يعرفون سره: فهو أيضاً كان يتيماً، وتعهد بتكريس حياته للأطفال، و(ما يعنيه حقاً أن تكون يتيماً)، عندما نجا بصعوبة من الإصابة بالعمى بعد هجوم بغاز الخردل خلال الحرب العالمية الأولى. وكان اهتمامه الأساس هو ضمان عدم وقوع الأيتام في متاعب مجتمعية، خصوصاً الموهوبين رياضياً. فكان (راسل) حلو الكلام، ولطيف المعشر، لين العريكة، كثير التشجيع، نحيل الجسم، يرتدي نظارة طبية، ويطلق عليه أولاده الصغار لقب (السيد) بدلاً من (المدرب). وبالمقابل، كان المدرب المنافس في مدرسة (بوليتكنيك الثانوية) يلعب دوره كاتب السيناريو المشارك ومواطن دالاس (لين غاريسون) يبدو كأنه (شرير النظرات والكلمات)، يمضغ سيجاراً بحجم ضخم.
لذا سعى (راسل) بهذه الشخصية غير العادية بين مدربي كرة القدم في (تكساس) لاستنهاض همم الشباب، وأعاد إليهم ثقتهم بأنفسهم، ليتغلبوا على الصعاب والمشقة. كما زرع فيهم الإصرار، والصبر، والعزيمة، والمثابرة، وروح الفريق، والاندماج، والتعاون لتحقيق هدف مشترك. وذلك بعد أن كانوا (جزراً منعزلة) يعيش كل واحد منهم في أسر همومه الذاتية الخاصة. وكان حريصاً على أن يعرفوا أن هناك من يهتم بهم. فأنبتت نفوسهم ثمار الصداقة والألفة بدلاً من الكره ومعاداة الآخرين. وبعد أن كانوا أطفالاً هزيلين من دار أيتام صغيرة يرتدون خوذات ممزقة، وقمصاناً باهتة غير متطابقة، أطفال يدربهم رجل مخلص يعيش على الفول السوداني ويقودهم في شاحنة قديمة ينفثها الدخان. لقد حولهم إلى لاعبين صناديد تركوا خصومهم في حيرة من أمرهم، وأصبحوا من أقوى فرق كرة القدم في (تكساس). حتى أن أحدهم فضل البقاء مع زملائه عن العودة مع أمه التي عادت له بعد سنين لتأخذه من الدار التي تم إغلاقها عام 2005، لكن هيكلها القديم لا يزال قائماً، ومع تجديدها عام 2006 جعلها مكاناً أقل مشابهة لدار الأيتام في عصر الكساد.
في الختام
لقد أخذت السينما العالمية من الأدب روائعه التي تحولت لمصدر لا ينضب من الإلهام. بالمقابل منحت السينما هذا الإبداع الأدبي والصحافي مدى من الانتشار الجماهيري الواسع. تم (تخليد النص)، وقد كان حبيس أغلفة الكتب، وأرفف المكتبات. وغالباً ما تُظهر الحبكة السينمائية وفنياتها الإبداعية للمشاهدين ما لم يره القراء في الأصل الأدبي. وهو ما قد يجعل كثيرين في غنى عن الأصل، أو قد يدفعهم شريط الفن السابع للعودة إلى أصل القصة مجدداً. لذا فأعلى نسبة مبيعات الإبداع الأدبي والصحافي هو ما جرى (حبكه).. سينمائياً. ورغم البؤس الذي جسدته أحداث يوميات الأيتام، إلا أنها ألقت ضوءاً ملهماً ورائعاً على كيفية الخروج من الأوقات والظروف الصعبة إلى طريق مفعم بالأمل، تتحقق في نهايته الإنجازات بعد كد وجهد وألم وصبر ومثابرة وتضحيات. إنها سنوات بارزة في تاريخ الرياضة الأمريكية الطويل، وقصة واقعية رائدة لكيفية تحقيق النجاحات، وعظيم الإنجازات.

ذو صلة