مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

الاقتصاد البنفسجي الأرجواني وصناعة الثقافة والإبداع

الاقتصاد البنفسجي أو ما يسمى الأرجواني هو مجال اقتصادي يولي اهتماماً خاصاً للثقافة والإبداع والاستدامة كعوامل رئيسية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فهو يمثل الاقتصاد الناشئ عن الفنون والصناعات والخدمات الثقافية التي تعبر عن هوية المجتمعات وتحمي تراثها وتروج له على المستوى العالمي، مما يسهم في تعزيز القيم الأخلاقية والبيئية والإنسانية في مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة وتداخل الهويات والثقافات.
والاقتصاد البنفسجي مفهوم جديد نسبياً في العلوم الاقتصادية، إذ يرتبط هذا الاقتصاد بالتقاطع بين الإبداع والفنون والتقنية والابتكار، ويهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي من خلال دعم الفنون والصناعات الإبداعية والابتكارات التقنية. وقد ظهر مصطلح (الاقتصاد البنفسجي) لأول مرة في عام 2010م على لسان جون هاوكينز، المدير التنفيذي لشركة هاوكينز براون، فقد اختار هذا المصطلح للإشارة إلى المزج بين اللون الأحمر (الذي يشير إلى الإبداع) والأزرق (الذي يشير إلى التقنية)، مما يؤدي إلى لون بنفسجي يرمز إلى الخيال والابتكار والثقافة.
ويستند هذا الاقتصاد البنفسجي على قدرة الأفراد والمؤسسات على إيجاد قيمة جديدة من خلال تطوير حلول مبتكرة للمشكلات الموجودة أو المحتملة، بما يجعل هذا النوع من الاقتصاد متسماً بأنه مرن وديناميكي وقادر على التأقلم مع التغيرات المستمرة في البيئة والسوق.
ويمكن إيراد بعض أمثلة القطاعات التي تشكل جزءاً من الاقتصاد البنفسجي، ومنها: الصناعات الثقافية والإبداعية، مثل الفن والموسيقى والأدب والسينما والتصميم والألعاب، حيث تستخدم هذه الصناعات المهارات والخبرات والتراث والأفكار لإنتاج أعمال فنية وثقافية تحمل قيمة جمالية وتعبيرية وتواصلية. كما تشمل هذه الصناعات أيضاً الإعلام والنشر والإعلان والتسويق، والسياحة الثقافية، والصناعات التقنية والرقمية، مثل البرمجة والذكاء الاصطناعي والإنترنت والاتصالات، حيث تؤدي هذه الصناعات التقنية والرقمية إلى إنشاء منتجات وخدمات تحسن من جودة الحياة وتزيد من الكفاءة والإنتاجية. ويدخل في هذه الصناعات أيضاً التجارة الإلكترونية والخدمات المالية والصحية والتعليمية عبر الإنترنت، والصناعات المعرفية والبحثية، مثل البحث والتطوير والابتكار والتعلم المستمر، إذ يتحقق عن المعرفة والمعلومات ابتكار حلول جديدة للمشكلات الموجودة أو المستقبلية، ويدخل فيها أيضاً التعليم الأكاديمي والمهني والحياتي.
ومن الخصائص المميزة للاقتصاد البنفسجي التركيز على الصناعات الإبداعية، مثل الفنون والتصميم والموسيقى والتقنية، التي ربما لم تكن سابقاً داخلة في مفهوم الاقتصاد التقليدي، إذ إن هذه الصناعات تعد مصدراً للقيمة المضافة والتنوع والابتكار، وإيجاد حلول جديدة للاحتياجات الحياتية والتطلعات باستخدام التقنية والرقمية. ومن الخصائص أيضاً لهذا النوع من الاقتصاد إيجاد فرص جديدة للتعاون بين القطاعين العام والخاص لإنشاء فرص العمل والنمو الاقتصادي، حيث يحث هذا الاقتصاد على بناء شراكات بين مختلف المؤسسات في مجالات مثل التعليم، والبحث، والثقافة، والبيئة، بهدف تعزيز التنمية المستدامة من خلال استخدام الموارد الإبداعية، بما يحقق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية للنمو، والتطور، ويؤدي إلى وجود فرص عمل ومصادر دخل لعدد من الفئات المجتمعية التي لم تكن تتوافر لها فرص اقتصادية من قبل.
لهذا السبب اعتمد عدد من الدول الاقتصاد البنفسجي/الأرجواني، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، وسنغافورة، من خلال الاستثمار في البنية التحتية الإبداعية، وتقديم حوافز للشركات الإبداعية، ودعم البحث والتطوير. ومن النماذج العالمية الناجحة في هذا النوع من الاقتصاد:
- ديزني: شركة وسائط وترفيه تنتج أفلاماً، وبرامج تلفزيونية، وحدائق، وملاهي، ومنتجات استهلاكية.
- أبل: شركة تقنية تنتج أجهزة حاسب آلي، وهواتف ذكية، وأجهزة لوحية، وبرمجيات.
- جوجل: شركة تقنية متخصصة في محركات البحث، والإعلانات، والبيانات الضخمة، والتقنية السحابية.
- أمازون: شركة تجارة إلكترونية تبيع مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات على مستوى العالم.
- نيتفليكس: شركة بث تنتج وتوزع أفلاماً وبرامج تلفزيونية.
- إيباي: منصة تجارة إلكترونية تتيح للمستخدمين شراء وبيع السلع والخدمات.
- إيربنب: منصة مشاركة المنازل التي تتيح للمستخدمين استئجار وحجز الإقامة والسكن في معظم مدن العالم.
- أوبر: شركة نقل تتيح للمستخدمين حجز سيارات أجرة من خلال تطبيق أوبر.
- تيك توك: منصة التواصل الاجتماعي المعتمدة على مقاطع الفيديو القصيرة.
وهذه أمثلة قليلة فقط من النماذج العالمية الناجحة في الاقتصاد البنفسجي/الأرجواني لتميز هذه الشركات بتركيزها على الإبداع والابتكار والتقنية، مما سمح لها بالنمو والنجاح في الاقتصاد العالمي.
وللحكومات دور مهم في تعزيز الاقتصاد البنفسجي من خلال توفير التمويل الضروري لدعم الصناعات الإبداعية، وحماية الملكية الفكرية، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية، ودعم البحث والتطوير، ووضع سياسات وأنظمة تشجع على الإبداع والابتكار. وكذلك أرى للقطاع الخاص أيضاً دوراً كبيراً في دعم الاقتصاد البنفسجي/الأرجواني من خلال الاستثمار في الصناعات الإبداعية، وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة، والتعاون مع المؤسسات الأكاديمية لدعم البحث والتطوير، وتوفير فرص تدريب وتعليم في المجالات الإبداعية والتقنية.
وأخيراً، يتوقع للاقتصاد البنفسجي/الأرجواني مستقبل واعد حيث من المتوقع أن يستمر في النمو في السنوات القادمة، بدفع من التطورات التقنية المتزايدة والطلب المتزايد على المنتجات والخدمات الإبداعية. ومن المتوقع أن تؤدي الحكومات والقطاع الخاص دوراً أكثر أهمية في دعم وتعزيز الاقتصاد البنفسجي. ومع ذلك، يواجه هذا النوع من الاقتصاد تحديات في بعض البلدان، وأهمها نقص التمويل الكافي لدعم الصناعات الإبداعية، وحماية الملكية الفكرية، وعقبات التحول الرقمي، ونقص المهارات في المجالات الإبداعية والتقنية، والمعضلة الكبرى عدم معرفة الإمكانات المعرفية والتراثية والإبداعية، مما يمكن تسويقه ويلبي احتياجات الآخرين وتطلعاتهم.

ذو صلة