مجلة شهرية - العدد (587)  | أغسطس 2025 م- صفر 1447 هـ

كتب وقراءات


الكتاب: قوة التفكير
المؤلف: هنري توماس هامبلين
المترجمة: سهير صبري
الناشر: دار العين للنشر، القاهرة، 2025.
ينتمي الكاتب (هنري توماس هامبلين) إلى حركة (الفكر الجديد) التي ظهرت في الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر، وشهدت نمواً مستمراً طيلة القرن العشرين. ويعتقد مؤيدوها بأن عقل الإنسان يمكنه التفوق على كل الأوضاع والظروف المادية. وأن الإنسان، بحكم اتصاله باللَّه، يتمتع بقدرة خلاقة يستطيع من خلالها أن يحل أية مشكلة باستخدام القوى العقلية بصورة سليمة. كان لحركة الفكر الجديد دور، بوصفها مقدمة لعلم النفس الشعبي وحركة المساعدة الذاتية. يرى (هامبلين) أننا نملك واحدة من أعظم القوى في الكون، وهي قوة التفكير.


الكتاب: من فيينا إلى الأهرامات
المؤلفة: أيدا لورا فايفر
المترجم: أحمد زكي
الناشر: دار إشراقة، القاهرة، 2025.
رحلة عبر الزمان والمكان، من فيينا إلى الأهرامات، هي مغامرة تاريخية بعيون الرحالة النمساوية أيدا فايفر التي زارت: مصر، والقدس، والقسطنطينية في القرن التاسع عشر الميلادي. هل تريد أن تعيش تفاصيل الرحلة، وتستمتع بروح المغامرة في كتاب حيوي سيأخذك إلى عوالم مختلفة؟


الكتاب: شبكة المعنى
المؤلف: جيرمي لنت
المترجم: مأمون الزائدي
الناشر: دار نينوى، دمشق، 2025.
يضع هذا الكتاب أساساً مختلفاً تماماً لحضارة يمكن أن تقودنا على نحو مستدام إبان ‏هذا ‏القرن وما بعده. فهو يكشف العيوب المخفية في النظرة العالمية الحالية، ويبين ‏كيف أصبحت ‏بعض الأفكار الخطأ راسخة في التفكير السائد، حتى أنها صارت ‏ببساطة أمراً مفروغاً منه، ‏وكيف أدى ذلك إلى مأزقنا الحالي. والأمر الأكثر أهمية ‏هو أنه يوضح كيف للرؤى المألوفة بين ‏المعرفة المتوارثة والتفكير العلمي الحديث أن ‏توفر أساساً متيناً ومتكاملاً لرؤية عالمية أخرى؛ ‏رؤية قادرة على إعادة توجيه ‏الحضارة الإنسانية إلى مسار مختلف تماماً، وتقدّم لأجيال المستقبل ‏عالماً مزدهراً ‏تزكو فيه.


الكتاب: مدائح تائهة
المؤلف: رائد العيد
الناشر: دار (دوِّن) في القاهرة الطبعة العربية الأولى
أطلقت دار (دوِّن) في القاهرة الطبعة العربية الأولى من كتاب (مدائح تائهة) للكاتب السعودي رائد العيد، مسجِّلةً بذلك رابع إصدار في مسيرة المؤلِّف بعد ثلاثة كتب نقدية وثقافية سبق أن رسَّخت اسمه في مشهد الكتابة العربية المعاصرة.
يلتقط الكتاب تفصيلات الحياة اليومية ويصقلها بضوءٍ فلسفيٍّ رشيق، من الخشبة القديمة في سقف بيت سوريٍّ طفولي، إلى لوحات المتاحف، إلى (اللايك) في زمن السوشيال ميديا. بهذا يمزج العيد سردية المكان بسردية الفكرة، ليقدِّم نصوصاً مفتوحة بين المقال الشخصي والبحث الثقافي، فيه طزاجة الملاحظة وسلاسة لغةٍ لا تتورّع عن طرح أسئلة وجودية مباشرة من قبيل: (أيمكن للإنسان أن يعيش بلا سقفٍ يقي ذاكرته من فيضان الماضي؟)
يقع العمل في نحو 160 صفحة توزَّعت على تسعة فصول تحمل عناوين كثيفة الدلالة: (المديح)، (البدايات)، (الإطار)، (السقف)، (اللامكان)، (اللعب)، (النظر من الأعلى)، (اللوز)، (الهامش). يختبر العيد في كل فصل فكرة كبرى عبر تأملات ولحظات سيرة شخصية، موزِّعاً نظره بين التجربة الفردية وأسئلة الوجود الجمعي. ينطلق من أطروحة بسيطة: المديح ليس مجاملة زائدة، بل فعل اكتشافٍ للجمال واعترافٍ به، ومن هنا يشرع في تحليل علاقة البشر، والأشياء، وحتى الأماكن، بحاجةٍ فطريةٍ إلى أن تُمتدَح أو تُؤطَّر.
(مدائح تائهة) لا يَعِدُ القارئ بخريطةٍ جاهزة، بل برحلة تنقض يقيناته حول المدح، والبداية، والإطار الذي يحدِّد رؤيته للعالم. ومع أن العيد يصرُّ في الإهداء على أن الكتاب موجَّهٌ (إلى من تاهت عنهم المدائح)، فإنه في النهاية يُحسن إرجاع المديح إلى موضعه الطبيعي: قيمة أخلاقية تعيد ترتيب علاقتنا بأنفسنا وبالآخر.


عبدالله علي الزامل (1918 - 1987)

قدم الأستاذ خالد المالك محاضرة بعنوان (في صحبة مؤرّخ وشاعر وفنان من عنيزة) (2007)، وذكر عن الزامل الآتي:
(وكانت ثقافته خليطاً من العلوم التي وإن أبعدته عن التخصص في واحدة منها، إلا أنه كان قريباً من الإجادة في جوانب كثيرة منها، مع أنه لم يلتحق دارساً في إحدى الجامعات فيتعرف إلى أساليب البحث وقنوات التواصل مع المراجع والمصادر العلمية كما تعلمها الجامعات لطلابها، غير أنه اختط لنفسه طريقاً عززه ونماه بالقراءة عوضاً عن الدراسة المنتظمة في إحدى الجامعات، فأجاد وتفوق وأبدع، وهو بعض ما سيكون حديثنا عنه في هذه المشاركة المتواضعة.
كان عبدالله العلي الزامل موهوباً بحق، فقد طرق باب الرسم وأبدع فيه، مثلما أن له لوحات جميلة في فن التصوير، وكان هذا الرجل أرشيفاً متنقلاً يحمل مخزوناً كبيراً لمختلف أنواع الثقافات، دون أن يتخصص في فن واحد منها، أو أن يكون خريج جامعة في أي من هذه التخصصات، إذ إنه توقف عن مواصلة الدراسة بحصوله على شهادة المعهد العلمي وبعض الدورات العلمية المتخصصة في مكة المكرمة كما أشرت إلى ذلك من قبل).
الزامل إعلامي وشاعر ومؤرخ ورسام سعودي، من أوائل المشاركين في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية الشعبية، وأحد مؤسسي الصفحات المعنية بالفنون الشعبية في الصحافة السعودية، وكان مشرفاً على لجنة الأدب الشعبي في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، ومارس الفن التشكيلي والرسم الساخر (الكاريكاتير) فهو من أوائل رساميه في الصحف السعودية.
ولد في عام 1338 بعنيزة وقد سافر والده -يرحمه الله- إلى الهند وهو طفل، وفي عام 1343هـ عاد إلى مكة المكرمة، وفي عام 1344هـ طلب حضوره إليها. وصلها والتحق بالمدرسة التحضيرية ثم الابتدائية، وكانت في ذلك الحين بالمسعى، ثم التحق بالمعهد العلمي السعودي وتخرج فيه، ثم دخل مدرسة اللاسلكي وبعد تخرجه فيها التحق بالأعمال اللاسلكية حتى عام 1357هـ، ثم انتقل إلى مصلحة اللوازم العمومية حتى عام 1362هـ، ومنها التحق بقرار من الحكومة في جدة ثم في الأشغال العامة في جدة، وفي عام 1375هـ عاد للعمل بوزارة المواصلات.
فقد أشرف على الصفحات التي كانت تعنى بالأدب الشعبي في كل من صحيفة (البلاد) وصحيفة (الجزيرة) خلال المدة ما بين عامي 1381هـ و1389هـ. كما قدم في إذاعتي جدة والرياض برامج لمستمعيها ابتداء من عام 1380هـ بأسماء مختلفة، من بينها إن لم تخني الذاكرة: (صور من الحياة)، و(الفنون الشعبية)، و(من البادية). كما كان متعاوناً مع إذاعة جدة منذ العام 1375هـ، وبخاصة مع الشيخ إبراهيم الشورى رحمه الله.
وبعد دخول التلفاز إلى المملكة كان عبدالله العلي الزامل من الأوائل الذين تعاونوا مع التلفاز، فقدم برامج عديدة، أهمها: (مساكم الله بالخير)، و(لوحة من بلادي)، و(من حياتنا الشعبية)، إضافة إلى عمله مستشاراً غير متفرغ لكثير من الأعمال التلفزيونية والإذاعية ومرجعاً في اختصاصه.
الأعمال النقدية: أضواء على الأدب الشعبي: الشعر العربي الفصيح والشعر النبطي المليح (1963)، أصدق البنود في تاريخ عبدالعزيز آل سعود (1972)، من الأدب الشعبي (1978)، الملحمة الشعبية في تأسيس الملك عبدالعزيز للمملكة العربية السعودية (1979). ما بعد وفاته حقق وأعد فائز بن موسى الحربي ديوانين: ديوان فقيد التراث الشعبي: عبدالله العلي المنصور الزامل (1990)، أشجان شاعر (1992)، ولمحات وذكريات (2005).


أشيل مبيمبي.. أفريقيا ما بعد الاستعمار

وُلد مبيمبي بالقرب من أوتيلي (Otélé) في الكاميرون الفرنسية سنة 1957. وهو حالياً عضو في فريق معهد Wits للبحوث الاجتماعية والاقتصادية (WISER) بجامعة ويتواترسراند في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا. تتنوع اهتماماته بين التاريخ الأفريقي والسياسة الأفريقية والعلوم الاجتماعية.
درس مبيمبي في جامعة السوربون في باريس، وحصل على درجة الدكتوراه في التاريخ عام 1989، ثم عمل في العديد من الجامعات. ويعد أستاذاً في مؤسسة الابتكار الجديدة من أجل الديمقراطية، كما حصل على شهادة D.E. ودكتوراه في العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية (باريس). وفي الفترة من (1988 - 1991) عمل مبيبمي أستاذاً مساعداً للتاريخ في جامعة كولومبيا بنيويورك، وفي الفترة من (1991 - 1992) زميل أبحاث أقدم في معهد بروكينغز في واشنطن، ثم أستاذاً مشاركاً للتاريخ في جامعة بنسلفانيا (1992-1996).
كما تولى منصب الأمين التنفيذي لمجلس تنمية بحوث العلوم الاجتماعية في أفريقيا (CODESRIA) في داكار بالسنغال في الفترة من (1996 - 2000)، ثم أستاذًا زائراً في جامعة كاليفورنيا، بيركلي في (2001)، وفي جامعة ييل (2003)، وفي جامعة كاليفورنيا في إيرفاين (2004 - 2005)، وفي جامعة ديوك وجامعة هارفارد (2006 - 2011).
حصل المفكر الكاميروني على الدكتوراه الفخرية من جامعة باريس الثامنة بفرنسا، ودبلوم الدراسات المتعمقة من معهد الدراسات السياسية في باريس والجامعة الكاثوليكية في لوفان (بلجيكا)، وشغل أيضاً كرسي ألبرت الأكبر في جامعة كولن (2019)، وكان أستاذاً فخرياً في مركز جاكوب فوجر-زينتروم بجامعة أوغسبورغ الألمانية.
يعد مبيمبي أحد مؤسسي وشخصية رئيسة في ظهور موجة جديدة من النظرية النقدية الفرنسية، خلال فترة وجوده في فرنسا. وكان لجان مارك إيلا وجان ليكا وجان فرانسوا بايارت تأثير عميق عليه.
كتب على نطاق واسع عن السياسة والفلسفة المعاصرة، بما في ذلك مرحلة ما بعد الاستعمار (مطبعة جامعة كاليفورنيا، 2001)، ونقد العقل الأسود (مطبعة جامعة ديوك، 2016)، والسياسة الميتة (مطبعة جامعة ديوك، 2019) وخارج الليل المظلم، بالإضافة إلى مقالات عن إنهاء الاستعمار (مطبعة جامعة كولومبيا، 2020). كتب في الأصل باللغة الفرنسية، وتُرجمت إلى 13 لغة (الإنجليزية، الألمانية، الإسبانية، البرتغالية، الإيطالية، الهولندية، البولندية، السلوفينية، الدانماركية، السويدية، الرومانية، العربية، الصينية). كتابه الأخير هو مجتمع الأرض (طبعات La Decouverte، باريس، 2023).
حصل على تصنيف A1 من المؤسسة الوطنية للبحوث بجنوب أفريقيا، وهو عضو في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.
وقد حصل المفكر الكاميروني على عدة جوائز، منها في 2015 جائزة الإخوة شول، عن كتابه (نقد العقل الزنجي)، والذي ينتقد فيه توسع الرأسمالية العالمية اعتماداً على تجارة العبيد، مؤكداً أن الفكر العنصري لم يختف بعد من العقل الغربي. وفي 2018 حصل على جائزة إرنست بلوخ، وتعتبر هذه الجائزة من أهم الجوائز الثقافية في ألمانيا. كذلك جائزة Gerda Henkel لعام 2018.
الحكيم الترمذي (ت 318هـ أو 320هـ) من أبرز أعلام التصوف في أواخر القرن الثالث الهجري والخمس الأول من القرن الرابع. كان مجال تحركه بين ترمذ وبلخ من مدن خراسان التي كانت تزدهر بالعلوم والعلماء والأنشطة الثقافية وتعج في الوقت نفسه بالعقائد والفرق الدينية والتيارات السياسية والحزبية آنذاك.
اختارته المستعربة الفرنسية (جنيفييف غوبيو)، المتخصصة بالتصوف في القرون الأربعة الأولى للهجرة؛ موضوعاً لبحث يعد حتى الآن من أوسع البحوث التي تناولته بالدراسة وتتبعت حياته وأعماله وسيرته الفكرية التي كوّن فيها تصوراً للإنسان والطبيعة والكون، وبين الصلة التي تربط الخالق عز وجل بآدم المخلوق الوحيد الذي خلقه بيديه خلافاً لكل مخلوقاته الأخرى التي خلقها بكلمة واحدة هي (كن)، وكرمه وكرم ذريته ولا يزال يكرمهم وسيظل يكرمهم إلى يوم يبعثون، على الرغم من الجحود الغالب على هذه الذرية، لأن أكثر الناس لا يعلمون.
كان الحكيم الترمذي من أغزر المتصوفة إنتاجاً، وقد تتبعت الباحثة في هذا الكتاب كل ما نسب إليه من أعمال كبيرة ورسائل حتى الوريقات، وتتبعت ما نشر منها وما لم ينشر؛ لأنه بقي في مخطوطات موزعة على مكتبات العالم العربي والأوروبي عموماً، ورصدت ما كتب عنه من دراسات وبحوث ومقالات باللغة العربية وسائر اللغات الأجنبية.
وقد وقفت الباحثة على فلسفة الحكيم الترمذي في التصوف، فرأت أنه لم يبعد عن الكتاب والسنة، ولم تكن عنده شطحات أو تعقيدات في الأفكار والصور والمصطلحات كما آل إليه الأمر عند المتصوفة المتأخرين. ومحور هذه الفلسفة هو (حب الله تعالى لعباده وحب العباد لله تعالى).
وتذكر المؤلفة ما عانى من مصاعب وما تعرض له من ضغوط وملاحقات في حياته، وكيفية تجاوزه لها كلها، وكيفية تعرض أعماله في القرون الثلاثة التالية للتجاهل والتعتيم، حتى تصدى المتصوف الكبير ابن عربي (ت 638هـ) لآثاره فوقف عليها وأعاد إليها الروح وجذب إليها الانتباه من خلال إبراز أفكاره وموافقته له في كثير منها. ثم عاد بعد ذلك غبار الزمن ليغطي أعماله بحكم الظروف التي مرت بها البلدان العربية والعالم الإسلامي خلال ما يقارب عشرة قرون في أقل تقدير. كان أول عمل كبير نشر للحكيم الترمذي كتابه (نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول) الذي نشر سنة 1876 في إسطنبول في مطلع خلافة السلطان عبدالحميد الثاني، ثم التفت الباحثون والمحققون إلى الحكيم وتراثه منذ مطلع خمسينات القرن العشرين، وأخذت أعماله في الظهور تباعاً، وكثر نشرها منذ ذلك الحين إلى اليوم، ومجمل هذه الأعمال يزيد على 120 عملاً تقريباً.
ومن كتبه الكبيرة والمهمة التي نشرت: (ختم الأولياء، 1965)، و(علم الأولياء، 1983)، و(غور الأمور، 1991)، و(الفروق ومنع الترادف، 1998). ومن أبرز من عمل على نشر أعماله أو دراستها: خالد زهري، وعثمان إسماعيل يحيى، ومحمد إبراهيم الجيوشي، وأحمد عبدالرحيم السايح، ووجيه أحمد عبدالله، وعلي محمد البجاوي، وحسني نصر زيدان، وسامي نصر، وبولس نويا، وآربري، وحامد طاهر، وبيرند راتكه.
وقد ترك الحكيم الترمذي ما يزيد على ستين مؤلفاً يسمى كل منها كتاباً وأكثر من مئتي رسالة تختلف أحجامها بين الطول والقصر، وأغلب هذه المؤلفات لم يقدّر له أن يطبع بعد. والموجود من هذه المؤلفات موزع على مكتبات العالم المختلفة بين الشرق والغرب. وتندرج مؤلفاته حسب موضوعها تحت هذه الفروع: التفسير، والحديث، والفقه، وفلسفة التشريع، وعلم الكلام، وتاريخ الصوفية، ومبادئ التصوف ومناهجه.


الكتاب: أصول الكون - الخلفية الكونية الموجية والبحث عن الجاذبية الكمية
المؤلف: كيث كوبر
المترجم: علي العتّابي
الناشر: دار الوراق، لندن، 2024.
سعيُ الإنسان لكشف أسرار الكون؛ قد أسر فضوله لقرون، مشجعاً على استكشاف لا هوادة فيه لأصل وجودنا، عبر ألغاز عميقة تحيط بجوهر الكون من بداياته الغامضة إلى تفاصيل تطوره. بين طيات هذا اللغز الكوني المذهل والغامض؛ تكمن أصول الكون نفسه. رحلتنا نحو فهم الطبيعة الأساسية للكون؛ تتضمن استكشافاً متعدد الأوجه، يمتد من الفضاء الشاسع إلى العوالم الدقيقة في علم الكم. أحد الأدلة الرئيسة المحورية في استكشافنا لأصول الكون هو الخلفية الكونية الموجية الدقيقة (Cosmic Microwave Background CMB). هذا الوميض الخافت للإشعاع، الذي يتغلغل في الفضاء الكوني الواسع، والذي يهمس لنا بقصص الكون في بدايته. هذا الإشعاع القديم، بقايا للانفجار الكبير؛ يُعد كبسولة زمنية فضائية، تكشف عن الظروف والأحداث التي صارت سبباً في نسج الكون إلى ما هو عليه اليوم.
لحظة تصوير للكون الوليد في مهده، كاشفة عن معلومات حيوية حول فترة ولادته.
ومع استكشاف تفاصيل الخلفية الكونية الموجية؛ يسعى العلماء لفك رموزه الدقيقة والاستفادة من رؤى حول الظروف التي سادت في لحظات الطفولة الكونية.
جنباً إلى جنب مع دراسة الخلفية الكونية الموجية؛ يتشارك المجتمع العلمي في مسعى طموح للبحث عن نظرية توحيد تجمع بين القوى الأساسية التي تحكم الحجم الكوني الضخم وعالم الكم الدقيق. ويهدف هذا السعي، المعروف بالبحث عن الجاذبية الكمومية، إلى التوفيق بين نظريات النسبية العامة وعلم الكم، جاهداً في سبيل تقديم منظور شامل لفهم سلوك الكون، على المستويات فائقة الضخامة والمستويات الدقيقة المتناهية الصغر على حدٍّ سواء.
وبينما نتأمل في دور المادة المظلمة والمادة المضادة والثقوب السوداء البوابات المحتملة بين نقاط في الأكوان المتعددة وإمكانية وجودها؛ نجد أنفسنا في تقاطع الفيزياء النظرية والدهشة الكونية. هل يمكن أن تحمل هذه الظواهر الغامضة مفتاح فهم عملية خلق الكون الأوحد أو وجود الأكوان المتعدد؟ وما علاقة كل هذا بتطور الأنظمة البيولوجية؟ لنصل أخيراً إلى التساؤل عما إذا كانت العمليات التي تحكم الحياة على الأرض هي صدى لتطور كوني هائل يتجاوز حدود فهمنا.
في هذا البحث، يتعامل العلماء مع أسئلة عميقة تتجاوز حدود الفيزياء التقليدية. كيف نشأ الكون من نقطة الانفجار التفردية؟ ما الذي يحكم نسيج الزمان والمكان على المستوى الكمومي؟
إن تقاطع علم الكونيات وفيزياء الكم هو الأفق المجهول الذي يسعى الباحثون إلى فك طلاسمه، باذلين مجهوداً جماعياً لإنشاء فهم موحد لسجل الكون.
وفيما نبدأ في هذه الرحلة الفكرية، تعتبر أصول الكون، ولغز الخلفية الكونية الموجية، والبحث عن الجاذبية الكمومية؛ فصولاً مترابطة في ملحمة الخلق الكوني. فالسعي للمعرفة في هذه المجالات لا يتحدى فقط فهمنا العلمي، ولكنه يحثنا أيضاً على التأمل في الطبيعة العميقة للكون ومكانتنا فيه.
إن رحلة استكشاف أصول الكون وتطورها تتيح لنا فهماً أعمق للسياق الزمني والعمليات الديناميكية التي شكلت مسار التطور الكوني. عملية التطور تمثل اللحظة التالية في الحكاية الكونية، حيث ينمو الكون ويتشكل مع مرور الوقت. تربط هذه العملية بشكل وثيق بين تكوين الكون نفسه وتكوين الهياكل والكائنات المعقدة فيه.
ربما تكون النظرية الأكثر اعتماداً نظرية الانفجار العظيم، حيث تقترح أن الكون نشأ من نقطة صغيرة جداً وساخنة وكثيفة للغاية. قبل نحو 13.8 مليار سنة، خضعت هذه التفردية لانفجار توسعي هائل، مما أدى إلى ظهور الكون الهائل والمتوسع الذي نراه اليوم. تظل أصداء هذا الحدث الهائل باقية في خلفية الميكرويف الكونية، تاركة بصمة كونية تدعم هذه النظرية.


مكتبات الطائف كما رُويت في كتاب (سيرة من رأى)
علي فايع الألمعي: أبها

لفت انتباهي، وأنا أطوي الصفحة الأخيرة من كتاب الدكتور عثمان الصيني (سيرة من رأى)، الصادر حديثاً عن جمعية أدبي الطائف؛ الدور الكبير الذي لعبته المكتبات العامة والخاصة في الستينات والسبعينات الميلادية في مدينة الطائف، إذ شكّلت هذه المكتبات وعي الصيني والجيل الذي نشأ فيه.

باب الريع
وكما قال الصيني، فقد تفتّحت قراءات ومتابعات جيله على باعة الصحف والمجلات في المنطقة المركزية أو ما يسمّى بالسوق الكبير والمنطقة المجاورة لها.
كان باعة الصحف والمجلات ينطلقون من مكتبة الثقافة في أسفل باب الريع، يحمل كلّ بائع حصته من المطبوعات، يصيحون بين رواد السوق: (ندوة - بلاد - مدينة - عكاظ)، ومعهم أعداد المجلات التي تضم باقة المجلات المصرية مثل: صباح الخير وروز اليوسف وآخر ساعة والمصور والهلال.. وغيرها. واللبنانية مثل : الجمهور والأسبوع العربي والجديد. فيشتري المقتدرون الأعداد الجديدة، ويبحث الآخرون عن عدد الأسبوع الماضي (الرجيع)، «ويشترونها بأربعة قروش بعد اقتطاع الترويسة» التي تضم شعار المجلة ورقم العدد والتاريخ من الجزء الأعلى من الغلاف، فيما يبلغ سعرها الأصلي ريالين.
كان الباعة يفرشون هذه المجلات في بسطات على جوانب مسجد الهادي وسط السوق، والأطفال ورواد السوق يقلّبون المجلات ويتصفحونها على طريقة الفَرْشات الموجودة في ميدان طلعت حرب وشارع فؤاد وعدلي في مصر، وشارع المتنبي في بغداد، فيما كان الدور الثاني في مسجد الهادي ترتاده طبقة أخرى، فيها حسن بابصيل وأحمد عبدالغفور عطار يتجاذبان حديثاً عن كتب العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي والشيخ محمد بن إبراهيم، إضافة إلى أدباء وعلماء آخرين من مكة يأتون في الصيف، ويحتد النقاش بينهم حول الوهابية والحنابلة والأحناف والشوافع والزيدية، وبخاصة في موضوع الإسبال ورفع اليدين في الصلاة ورفع السبابة في التشهد، ويحضر هذا النقاش أحياناً بعض علماء اليمن، ولا يخلو النقاش من مداعبات وتعليقات على بعض المصلين من الزيدية الذين يخلعون سراويلهم قبل الصلاة زيادة في الحرص على التطهر، ويغلب على المكتبة كتب التفسير والعقائد والحديث ومصطلحه والفقه الحنفي والمالكي والشافعي والزيدي واللغة والأدب والتصوف، إلى جانب عدد كبير من المخطوطات.
لم تكن مكتبة مسجد الهادي المكتبة الوحيدة التي يدور فيها النقاش حول الدين والأدب، ففي خان الأوقاف تجد منصور الأشموني في دكانه وعنده الشاعر محمود عارف وأبو تراب الظاهري يناقشهما في النحو، حيث كان منصور -كما قال الصيني- نحوياً بارعاً، يذكّرك بجده الأعلى علي بن محمد بن عيسى الأشموني صاحب الشرح على ألفية ابن مالك المسماة منهج السالك، وبوالده محمد علي أشموني، ولديه مكتبة نادرة في تلك الفترة تحوي ثلاثة آلاف كتاب!

مكتبة السيّد
في الشارع الضيّق المقابل للباب الشمالي لمسجد الهادي من جهة القبلة اشتهر السيد علي اليمني، دون أن يعرف الناس اسمه الكامل ولا اسمه الأول، كانوا ينادونه بـ(السيد)، ودكانه في زقاق البريد القديم. كان مركز تثقيف لمعظم المهتمين بالقراءة في ذلك الوقت من أبناء الطائف، أو القادمين إليها من نجد ومدن الحجاز والجنوب في فصل الصيف.
لم يكن دكان (السيّد) مجرد مكان للكتب المستعملة، بل كان واجهة تعكس الانفتاح الفكري والثقافي، تتجاور فيها المذاهب والتيارات الصاخبة في ذلك الوقت، وتكشف اهتمامات الناس وقراءاتهم في إطار تعددية ثقافية وفكرية حرة، كان الناس يذهبون ويجيئون ويجلسون على الصندوق الخشبي أو على حافة المنصة الخشبية المرتفعة التي تتناثر عليها الكتب بشكل فوضوي غير مرتب يشترون أو يتناقشون، كان رواد المكتبة يشترون كتباً يقرؤونها ثم يعيدون بيعها ويشترون بثمنها كتباً أخرى!
في هذه المكتبة -كما قال الصيني- دارت الكتب على معظم الأدباء وشداة الأدب، وتجدها حافلة بأصداء ما يدور بالساحة الثقافية والفكرية والسياسية في العالم، وقامت بدور لم تقم به المكتبات العامة في وقتنا الحاضر.

كتب بالدَّين
على الجانب الآخر من السوق من جهة حي السلامة تأتي مكتبة الثقافة في باب الريع المتفرعة من المكتبة الأم الشهيرة في مكة المكرمة بالقشاشية بشراكة بين صالح جمال وعبدالرزاق كمال ومحمد حسن كمال. كانت هذه المكتبة الممون الرئيس للمجلات والصحف، وفي أيام النتائج يجتمع كل الطلاب فيما يشبه التظاهرة لمعرفة أسماء الناجحين في الصحف اليومية الصادرة، كما يحجز المهتمون عندئذ أعداد مجلة العربي أيام أحمد زكي وبالذات العدد السنوي بهديته التي لا تتعدى خريطة العالم العربي والإسلامي، ويستكملون ما نقص من مجموعاتهم من الأعداد عند السيد!
كان الصيني -كما قال- يغتنم الوقت للنبش في الزوايا والأرفف عن كتب قديمة ونادرة يراها بين يدي مدير المكتبة آنذاك السيد حسين المحضار فيحجزها عنده، وعند خروجنا -كما قال- يهديها إليّ ويشترط عليّ قراءتها!
كان (أبو هاشم) تاجر البصل، الشخصية الأسطورية العجيبة يبيع الكتب النادرة الجديدة والمستعملة مثل السيد، غير أنّه كان أكثر تنظيماً، وأفضل عقلية تجارية، وكان يبيع الكتب بالدَّين للمثقفين في ذلك الوقت مثل: حمد المرزوقي ومطلق الثبيتي وسعد الحميدين وعبدالرحمن حمدان، وربما وصل حساب البعض لديه إلى نحو 150 ريالاً، وهو مبلغ كبير آنذاك، وإذا وصلت لديه عدة نسخ من كتاب معين لا يعرضها وإنما يحجزها مقدماً لزبائنه من الشباب المدينين له، ويفضّلها لهم عن زبائن الكاش، وكان يبيع كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني بمئة وعشرين ريالاً بأجزائه الـ15، واشتراها سعد الحميدين، ولم أتمكّن من شرائها منه، وانتظرت سنوات لأشتريها من مكتبة الجيل الجديد لحمدان بن حمود بمئة وخمسين ريالاً.

جيل مثقف
عبدالرحمن حمدان -كما قال الصيني- من جيل الشباب المثقف ممن ينظر لهم بانبهار بحكم أنهم أكبر منهم سناً، كنّا -كما قال الصيني- نستمع إليهم على استحياء، وكان عبدالرحمن حمدان يتميز باهتمامه الثقافي وقراءاته ولهجته الحضرية، مع أنه من اللهوب من بني سعد، ولديه مكتبة كبيرة تضم كتب والده أحمد الذي كان شافعياً وتوفي مبكراً، وضم إليها عبدالرحمن نوادر من الكتب ومخطوطات نقلها معه إلى الخرج عندما عمل في المصانع الحربية، ونتيجة للضغوط عليه في تلك الفترة من المتشددين جمع مكتبته في سيارة كبيرة وخرج بها إلى الصحراء وأحرقها جميعاً، كغيره ممن أحرق كتبه أو دفنها تحت الرمال أو خبأها عند الأصدقاء.
كان عبدالرحمن في الوقت نفسه مموناً للكتب الحديثة الصادرة في ذلك الوقت؛ لأنه كان يتعالج في ألمانيا، وله مراجعات وفحوصات في بيروت، وكلما سافر إلى بيروت أحضر معه عدداً من الكتب يتلقفها منه الشباب، وبخاصة سعد الحميدين، ولأن أسرته كانت ميسورة فكان يحضر الكتب التي تعتبر في ذلك الوقت كنزاً من حيث عناوينها وكميتها، فأسرته كانت تملك مبنى البريد القديم في مدخل الشارع الضيق أمام المكتبة السعودية في الزاوية التي فيها مكتبة مرزا، وكان يحضر الكتب الممنوعة آنذاك بعد أن يجلدها بأغلفة كتب عادية ويضع على وجه الكراتين كتباً تاريخية وشرعية حتى تدخل، وهو الأسلوب الذي كنا نفعله نحن وغيرنا فيما بعد، وبهذه الطريقة كتب القصيمي كاملة.

مكتبة المعارف والجيل الجديد
في غربي السوق تأتي مكتبة المعارف، حيث تجد فيها غالباً محمد سعيد كمال الذي يمثل نموذجاً للوراق الذكي الذي يعرف كتب التراث وطبعاتها وأماكن نشرها والمخطوطات ونسخها، وأينما تجده تلقه بائعاً لكتاب أو شارياً له أو مساوماً في مخطوط. ومكتبة الجيل الجديد لحمدان بن حمود المقابلة لمكتبات عديدة مصطفة على جدار المسجد الهادي كمكتبة السناري وغيره ممن يبيعون الكتب بخلاف تلك التي تبيع الأدوات المكتبية كالمكتبة السعودية ومرزا، وفي مكتبة حمدان تجد كل كتب التراث الشعبي مثل ألف ليلة وليلة طبعة بولاق في أربعة مجلدات التي نشرت بإشراف قطة العدوي، وتعد من أفضل طبعاتها، وكذلك سيرة عنترة بن شداد في أربعة أو خمسة مجلدات كنت أشتري المجلد بريالين ونصف ريال، وبعد قراءته أبيعه لهم بريالين لأشتري المجلد التالي، وتجد عندهم سيرة بني هلال والأميرة ذات الهمة والمياسة والمقداد والأسد والغواص.. وغيرها.

الحضراني وعلماء اليمن
في الجانب الشرقي من السوق توجد مكتبة السيد المؤيد الحسني في أول شارع ثقيف، وفيها توجد كتب شرعية تراثية في المقام الأول، تدخل إليها لتجد الشاعر أحمد الحضراني وعلماء من اليمن والحجاز يتحلقون حول مكتب السيد المؤيد يتناقشون في أمور مختلفة مثل كروية الأرض وجواز تقليد الغرب في لبس الشناقيط (البذلة الإفرنجية) وحرب اليمن والقبائل اليمنية التي جمهرت أو مَيْلَكَت (ناصرت النظام الجمهوري أو الملكي)، كما تجد أحياناً عدداً من أسرة حميد الدين في مجلسهم ذلك!
هذا التطواف في (سيرة من رأى) للدكتور عثمان الصيني لم يكن هدفه التعريف بالكتاب بوصفه سيرة ثقافية أو اجتماعيّة مهمّة ترصد التحولات التي شهدتها السعودية؛ لكنني قصدت من هذه الكتابة لفت الانتباه إلى مدينة الطائف التي كان للمكتبات العامة والخاصّة فيها دور كبير في تشكيل وعي الجيل الذي قدّم لنا سعد الحميدين وعبدالله باخشوين وسعد الثوعي الغامدي وعثمان الصيني.. وآخرين!

ذو صلة