مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

مسلسل شارع الأعشى.. مقارنة بين المكتوب والمرئي

ماذا كرس مسلسل شارع الأعشى من أفكار موجودة في رواية (غراميات شارع الأعشى) للروائية بدرية البشر، ونقل أفكارها من الأصل إلى الشاشة؟ وماذا أضافت رؤية المخرج إلى الشاشة من أفكار فنية؟ بكل بساطة الفكرة الأساسية في موضوع الرواية هي استكشاف طبيعة الإنسان النجدي البسيط في فترة السبعينات وبداية الثمانينات ووضع المرأة الاجتماعي وبروز دور العائلة والحارة والجيران، وأضف إلى ذلك مشاكل الناس البسطاء في حي من أحياء نجد واهتمامات الناس العاديين وطريقة اجتماعاتهم. ورصدت الكاميرا بشكل ذكي تحولات المجتمع السعودي المتأثر بـ(جيل الصحوة) اجتماعياً واقتصادياً. أما الرؤية الإخراجية فهي من كرست اهتمامها في انتشار اللهجة النجدية بشكل إعلامي عربي واسع، وهذا الموضوع لم يكن في موضوع الرواية الأدبية بتاتاً، وهي سلطة فنية إبداعية جداً في انتشار اللهجة النجدية والبدوية معاً.
ففي القصة الأساسية تتناول الكاتبة مشاكل عزلة المرأة وعلاقتها بالأب والعنف ضدها وضربها بالعصا، وتحريم استخدامها الهاتف، وأثر التحريم بعد حادثة الحرم وطغيان التشدد الديني، بينما في المسلسل ظهرت قضايا التعلق والحب والزواج بين الجيران، وكذلك تعلق الشباب بالأفلام والمسلسلات والأغاني، وفي الرؤية الإخراجية نقلت لنا الشاشة قضايا كثيرة عن المجتمع وأساليب حياته مثل (لبس العباءة، الملابس، الذهب، طريقة اجتماع العائلة على الأكل، وطريقة تجمعهم على مشاهدة المسلسلات والأفلام.. وكتابة المذكرات، ومساعدة الجيران، والصبر على الظلم..) ودون عناء رسم لنا المسلسل الترابط العائلي والأسري وحياة الجيران وطريقة الاستعدادات للأفراح واهتمامات البنات في تلك الفترة، ولمن لم تعجبه نهاية المسلسل فهي نهاية رؤية مخرج تركي يريد إثارة الحماس في الدراما، وكذلك طلق النيران وطعن السكاكين وتكرار المشاهد الدموية فهي طبيعية حيث يظهر تأثير الدراما التركية على الدراما السعودية، ولكن نبدأ بسؤال: هل قدّم مسلسل الأعشى صورة درامية تشبهنا؟ نعم، وبقوة وأجمل ما في المسلسل اللهجة النجدية واللهجة البدوية التي تعكس صورة أجدادنا، وهي لهجة أصبحت غير مسموعة في حياتنا، حيث طغت اللهجة البيضاء في حياتنا، ولكن مسلسل شارع الأعشى أسمعنا لهجات شبه معدومة في حياتنا المهنية والاجتماعية.
وكذلك يعكس مسلسل الأعشى صور الأم السعودية بطريقة مذهلة، والأب بصورة جميلة جداً، وتشاهد علاقات العائلة وعلاقات الجيران في ذاك الزمن الماضي الجميل، بطريقة جميلة جداً جداً.
وعلى الجانب الفني منذ أغنية التتر هيض المسلسل مشاعر المشاهد، وقدم صورة تقريبية عن حياة بعض الأسر السعودية ولبس العباءة للمرأة السعودية في تلك الفترة ببراعة، أما عن إشارات الحب والغراميات فهي طريقة فنية ساعدت في رفع المشاهدة بأسلوب لطيف وغير خادش، وفي ظني من أهم أسباب نجاح المسلسل (اللهجة) النجدية وصورة المرأة السعودية المحتشمة وطريقة غنجها وجمالها وطريقة تزينها بالذهب الذي أصبح (ترند)، فكثير من الشابات الصغيرات أصبحن يقلدن شابات مسلسل شارع الأعشى بطريقة اللبس وتسريح الشعر والذهب، فما هي الأزمة التي بني عليها المسلسل؟ لا مشكلة في المجتمع ببساطته، ولكن على خلفية الناس البسطاء أزمة (محتلي الحرم) ليستعرض المسلسل مشكلة فكرية دون أن يركز عليها بشكلها السوداوي، وهي أزمة متكررة في السبعينات والثمانينات. والمعاناة المرتبطة بالمجتمع في تلك الفترة لم تؤثر على الأسر السعودية وأثبتت تماسكها وثقافتها وتدينها الوسطي الجميل.

ذو صلة