مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

تأثر وتأثير ورؤية حول أدب الطفل.. نماذج من شعر شوقي للأطفال

يعد الأدب مرآة تعكس هوية وانتماء الوطن وعاداته بالإضافة إلى أن ميدان الأدب يجمع الكثير من الفنون والأجناس الأدبية والأساليب البلاغية مثل: الشعر والمسرح والرواية والأقصوصة، فهو قادر على احتواء الإنسان بأفكاره وتاريخه وحضارته وتحولاته التاريخية والاجتماعية، فالأدب يجسد عالماً من المعاني والألفاظ التي تصور الحدث وتصف المشهد وتظهر حقيقة المشاعر الإنسانية.
أما المعنى المختص بأدب الطفل حيث وإن اختلفت التعاريف حوله إلا أن أقربها إلى أدب الطفل هو (التعليم) واشتق منه بهذا المعنى (المؤدبون) الذين كانوا يلقنون أولاد الخلفاء الشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام. فهي كل المعارف التي ترقى بالإنسان اجتماعياً وثقافياً على مبدأ التأثير والتأثر فيقول شوقي في قصيدة (أنا المدرسة اجعلني):
أَنا المَدرَسَةُ اِجعَلني
كَأُمٍّ لا تَمِل عَنّي
وَلا تَفزَع كَمَأخوذٍ
مِنَ البَيتِ إِلى السِجنِ
كَأَنّي وَجهُ صَيّادٍ
وَأَنتَ الطَيرُ في الغُصنِ
وَلا بُدَّ لَكَ اليَومَ
وَإِلّا فَغَـــــداً مِنّـــــــي
أَوِ اِستَغنِ عَنِ العَقلِ
إِذَن عَنِّيَ تَستَغني
فلا حياة بلا تأثر ولاوجود بلا تأثير وبهما تحدث النهضة الفكرية والسلوكية لدى الطفل، فكل نص لابد أن يترك أثره السلوكي والنفسي والفكري. ولذا لابد من استخدام اللغة التعبيرية في التعبير عن أدب الطفل لكونها الركيزة التي تقوم بإيصال كل (ما يختلج في النفس من أهواء، وآراء، وعواطف وانفعالات، كما أنها ترمي إلى تمثيل الأشياء) فهي تصور انفعالات الفنان والأديب والمنشد والمؤرخ حقيقة وخيالاً كتابةً ونطقاً.
ولأن مبدأ التأثر والتأثير باستخدام اللغة المعبرة، ركيزة مهمة، فالأدب الموجه للطفل، لا بد أن يقوم على ركيزة دينية أخلاقية تهذيبية تقوم بعملية زراعة الوعي الثقافي والديني والسلوكي، مستخدمة أسلوب الحكمة والتسلية، لكي يكون لدينا أدب خاص بالطفل له أنواعه ومجالاته وأهدافه لكونه جزءاً من المجتمع فهم عنصر مهم لتحقيق رؤية المستقبل.
فاللغة الموجهة للطفل تحمل خصوصية مهمة يجب أن تتناسب مع قاموس الطفل اللغوي والإدراكي وأن يتجانس اللفظ مع المعنى، فيكون اللفظ رقيقاً في موقف الرقة، وقوياً جزلاً في مواطن الشدة، مع العناية الشديدة بموسيقى الشعر وإيقاعه الداخلي والخارجي. ولخصوصية اللغة يحاول عالم اللغة إيجاد وصف للغة معينة من حيث صعوبتها وتراكيبها والمعجم والتاريخ، وكيفية كتابتها فهو يهتم بالإدراك وكيف يختلف الناس والأطفال في إدراكهم للكلمات، ولأن شوقي بحكم تكوينه الخلقي والخُلقي يتصف بشخصية رقيقة بالغة الرقة، أقرب ما تكون في جوهرها النقي إلى عالم الطفولة جياشة بالبراءة والجمال، كان يُعبر باللغة واصفاً ملائكية الطفل:
أحب الطفل وإن لم يكن لك
إنما الطفل على الأرض ملاك
ولذلك فالكاتب الذي يحمل رؤية أدبية نابعة من أثر خبرات الواقع، يربط بين تجربة الشاعر والطفل، ويربط بين عواطف الأطفال وأفكارهم، وأن يثير فيهم ما يتضمنه من صور شعرية وانطباعات فنية واستجابات عاطفية، لأن شعر الطفل لا يختلف عن شعر الكبار إلا في المضمون والمحتوى، لذلك يجب على هذا الأدب أن ينال إعجاب الأطفال مباشرة، وأن يكون موضوعه ذا هدف للأطفال، لذا لا بد من ضوابط موضوعية في أدب الطفل، فلا مكان في شعر الأطفال للمثيرات الحادة مثل: الرثاء، وشعر المرارة، والهجاء، والكراهية، والقسوة الشديدة، أما المجازات والكنايات والإشارات الضمنية في شعر الأطفال يجب أن تكون محدودة وقليلة ومتعلقة بالموضوعات التي تدخل في نطاق تجارب الصغار.
ولقد تأثر شوقي بكتابات (لافونتين) في حكاياته على لسان الحيوان، متأثراً بها موضوعياً وفنياً، ولهذا بلغ شوقي بهذا النوع الأدبي مكانة عالية في تاريخ الأدب العربي، وهنا كانت البداية إلى ضرورة توجيه الأدب للطفل بالتعاون مع الأدباء لقيام جنس أدبي للطفل.
فقد كان شوقي يتمتع بمواهب ولدت عنده، فقد كان صاحب ذاكرة قوية ساعدته على تخزين ما يقرأ، فهو صاحب خيال واسع استطاع من خلاله الابتكار والإنشاء، فقد كانت نفسه تطمح إلى مجاراة كبار الشعراء على اختلاف أزمانهم وتباين ثقافاتهم وتنوع فنونهم وأغراضهم، ولأنه متقن للغة الفرنسية والتركية، واطلع على الآداب الغربية، فتشبه بموسيه في صراحته، وفيكتور هوجو بشاعريته، فقد كان سريع النظم. وقد كان للأطفال نصيب من براعته الشعرية، ففي شعر أحمد شوقي جوانب متعددة، ومحاور رئيسة فليس للطفل مثل مقطوعاته الشعرية المتنوعة في رعاية الأطفال وخصوصياته لأولاده وتهاني المواليد، والمناسبات عن الأطفال. فقد كانت بعض مقطوعاته الشعرية مناسبة لمراحل محددة حيث إن من الأدباء لا يدرك الفرق بين المراحل الطفولية فهناك ثلاث مراحل هي: المرحلة المبكرة، المرحلة المتوسطة، المرحلة المتأخرة، حيث يجب على كل أديب أن يحدد المرحلة التي يناسبها هذا العمل الأدبي: قصة، شعر، مسرحية، على غلاف الكتاب حتى يسهل على الآباء اختيار الكتاب المناسب لكي لا يقع الأب في خطأ عندما يقرأ طفله كتاباً لا يناسب مرحلته العمرية. فيقول شوقي في قصيدته (الحيوان خلق):
الحَيوانُ خَلقُ
لَهُ عَلَيكَ حَقُّ
سَخَّرَهُ اللَهُ لَكا
وَلِلعِبادِ قبلاك
حَمولَةُ الأَثقالِ
وَمُرضِعُ الأَطفالِ
وَمُطعِمُ الجماعة
وَخادِمُ الزراعة
حيث إن الرفق بالحيوان من المنظومات المناسبة لمرحلة الطفولة المبكرة وهي من (3-6) سنوات، فهنا شوقي يستخدم أسلوب التشويق لكي يثير ويشد انتباه الطفل لمواصلة الاستمتاع والقراءة حيث تقوم هذه المنظومة على أساس تصور الشاعر لعلاقة الإنسان بالحيوان، وهي علاقة تقوم على الأخذ والعطاء، ولأن الحيوان يقدم العطاء للإنسان، أصبح له الحق أن يأخذ كما أعطى. وقد وظف أحمد شوقي لمسة قرآنية في دعم جانبي الأخذ والعطاء بينهما إذ يستثمر تركيبات قرآنية في صياغة القصيدة كقوله: (حمولة الأثقال) من قوله تعالى (وتحمل أثقالكم).
ويقول في قصيدة (النيل العذب هو الكوثر):
النيلُ العَذبُ هُوَ الكَوثَر
وَالجَنَّةُ شاطِئُهُ الأَخضَر
رَيّانُ الصَفحَةِ وَالمَنظَر
ما أَبهى الخُلدَ وَما أَنضَر
البَحرُ الفَيّاضُ القُدسُ
الساقي الناسَ وَما غَرَسوا
وَهوَ المِنوالُ لِما لَبِسوا
وَالمُنعِمُ بِالقُطنِ الأَنوَر
تعد قصيدة النيل من المنظومات التي تناسب الفئة العمرية (12- 9) سنة، ونشيد النيل من أكثر الأناشيد التي لقيت ذيوعاً وتقديراً من جمهور الأطفال والكبار، وقد تغنى بالنشيد أطفال المدارس في مناسباتهم واحتفالاتهم، حيث يعمق الشاعر مكانة النيل في حياة المصريين، فكان الأسلوب أقرب إلى البساطة بعيداً عن التعقيد اللغوي والفني.
فالوصف تقنية مستخدمه في شعر شوقي القصصي، لكون الوصف يؤدي في النص وظائف من أهمها: الوظيفة التعليمية، والتمثيلية، والتعبيرية والسردية والإبداعية. إلى جانب الوصف هناك الرمزية حيث إن الرمز يكسب اللغة العربية تعابير جديدة، وصوراً رمزية مختلفة مستحدثه حيث يمكن رفع مستوى الواقع إلى مكانة أرفع بالقيم الأخلاقية والسلوكية لدى الطفل عن طريق رمزية القصيدة من خلال سردها وإنشادها على لسان الحيوان، فالرموز تشكل أسّ التفاعلات الاجتماعية للأفراد والجماعات، فالمجتمع كما يقول ليفي ستراس: (يعبر عن حركيته بصورة رمزية أكثر منها مادية، وذلك عن طريق العادات والطقوس فالمجتمع بناء على هذا الفهم هو كل رمزي أو نظام رمزي تشتغل فيه الرموز على مستويات عدة وبصيغ متباينة من اللغة إلى اللباس. فالصور والألوان ومختلف التفاعلات مما يجعل من الرمز خطاباً وممارسة متجسداً في أبنية المجتمع فالاجتماعي لا يوجد خارج الرمز بل داخله فهو يحتمل القراءة والقراءة المضادة ويفتح الباب أمام احتمالات التأويل نظراً لكونه علامة البدء).
فتلك لمحة عن أسلوب شوقي في شعره القصصي الذي يحمل رموز دلالية وصفية سلوكية للإشادة بقيمة الطبيعة والخلق الحسن مع الإنسان والرفق على الحيوان.

ذو صلة