مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

قالوا في الشاعر الكبير عمر أبو ريشة

لم يحظ شاعر عربي معاصر بما حظي به الشاعر العربي الكبير عمر أبو ريشة الذي كان شعره يعلو في كل مناسبة قومية ووطنية تتلقفه الأسماع، وتحفظه الصدور، وتشدو به الجماهير، وتتنافس في نشره كبريات الصحف والمجلات العربية، ولأنه عربي خالص العروبة يمتلك كل مقوماتها ومزاياها استحق أن يحظى بالمكانة المرموقة، والتكريم الذي يليق بأمثاله المبدعين العظماء.
لقد قال الدكتور علي عقلة عرسان في يوم رحيله: أتراهُ ميتاً هذا الناسك في محراب الشعر والعروبة والجمال، أو يمكن أن يموت؟!. إنني أزعم أن ذلك لن يكون مادامت هناك عروبة، ومادام هناك شعر وجمال.
أما الدكتور عمر الدقاق، فقد قال: لم يكن أبو ريشة يوماً الشاعر الأليف الذي يتملق المشاعر والغرائز ليبعث في النفس ذلك الخدر اللذيذ. إنه شاعر العلقم لا شاعر البلسم، وهو جزء عزيز من ذاكرة العرب، ومعلم بارز في عالم الإبداع غنى لجيله آماله وآلامه، وواكب نكباته وأحداثه، فكان شاعر القضية، وشاعر الموقف حين كان شعبه مكبلاً بالسلاسل والقيود، ومثقلاً بالأحزان والهموم، وها هو الأديب الأستاذ فاضل السباعي يؤكد أن الله وهبه حنجرة صافية رائقة، فملأ الدنيا شجواً وتغريداً، وصاغت له جناحي إبداع، وكستهما بالقوادم والخوافي، فإذا هو يرود السماء تحويماً وتحليقاً، فلا عجب أن راح يردد مع الناقد مارون عبود: (عشت يا أبو الريش، فأنت أشعر جيلك في ديوانك الذي جمعت فيه طريف الأدب وتليده)، ويتناول الأستاذ محمود فاخوري (المدرس في كلية الآداب بجامعة حلب) مسيرة عمر الشعرية، وينوه فيها إلى أن شهرته الشعرية تقوم على مواقفه المشهودة الجريئة، ونقده اللاذع بشعره لكل من تهادن في قضايا الوطن والأمة، ووجد فيه الأستاذ رياض عبدالله حلاق صوتاً من أصوات الوطنية والقومية العربية، ورائداً مجلياً في هذا الميدان، فاستحق التمجيد والخلود في ضمير أمته التي أحبها وأحبته، وبادلته محبة بمحبة ووفاء بوفاء.
بقي أن نذكر أن عمر -رحمه الله- التزم تسميته (أبو ريشة) بالواو في جميع الحالات التي تقع فيها، وهو يمتد بنسبه إلى ربيعة (أمير عرب الشام في القرن السادس للهجرة)، وأن أسرته -كما قال البدوي الملثم يعقوب العودات، وأكد ذلك المؤرخ الكبير عيسى إسكندر المعلوف- هي في الأصل فرع من آل القادري المعروفين في البقاع اللبناني الذين أول من كُني منهم بهذه التسمية الشيخ علي القادري بعد أن خلع عليه أحد سلاطين بني عثمان عمامة تعلوها ريشة مذهبة، وقد درس عمر القرآن الكريم في صغره، وتعلم الإنجليزية في سن مبكرة، ومن ثم انتقل مع أسرته إلى حلب، ومن ثم توجه إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وأرسله والده إلى مدينة مانشستر في إنجلترا لدراسة الكيمياء، ولكن الشعر كان يسري في دمائه، فأحبه ونظم أولى قصائده عام (1926م)، وعمره آنذاك ستة عشر عاماً، ومن حسن حظ الأدب العربي انصرافه عن الهندسة إلى الشعر لأن الشاعرية متأصلة فيه، وفي أبيه شافع، وفي أخيه ظافر، وفي أخته زينب، أما والدته خيرة الله اليشرطية، فقد كانت مثالاً عالياً للتقوى والصلاح ومكارم الأخلاق.

ذو صلة