مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

محمد بهجت البيطار

محمد بهجت البيطار.. دوره في تأسيس دار التوحيد
د.عبدالكريم إبراهيم السمك: الرياض

ولي العهد، الأمير سعود بن عبدالعزيز يستمع لحديث الشيخ بهجت البيطار في زيارته التاريخية لسوريا ولبنان 1953 والصورة في حفل السفارة السعودية بدمشق

المولد والنشأة
في مدينة دمشق الشام، وفي حي الميدان الدمشقي، كان مولد محمد بهجت البيطار رحمه الله، وذلك عام ( 1311هـ / 1894م)، وكانت وفاته بدمشق في (30 جمادى الأولى 1396هـ / 1976م)، وقد نعاه علماء العالم الإسلامي وفي مقدمتهم علماء السعودية، والكثير منهم من طلبته على الجميع رحمة الله. وهو سليل أسرة علمية كريمة وكبيرة، اختزنت ذاكرة التاريخ السوري أسماء الكثير منهم، وكان منهم ضيف الترجمة، وجده لأمه الشيخ عبدالرزاق البيطار، وترجع أسرته في أصولها إلى الجزائر، ومدينة (بليدة)، حيث كان جدهم الأعلى الشيخ أحمد بن البيطار المالكي، قد هاجر من الجزائر عام (944هـ / 1537م)، فنزل في الميدان في زاوية (الشيخ أبي بكر الموصلي)، وقد عرفت دمشق العديد من أبناء هذه الأسرة كعلماء، وكان منهم الشيخ محمد بهجت البيطار.
أما عن نشأته العلمية، فقد درس في مدرسة الريحانية المرحلة الابتدائية، والمتوسطة في المدرسة الكاملية -نسبة للشيخ كامل القصاب-، أما فيما يخص علومه الدينية وعلوم اللغة العربية، فقد درسها على يد والده وجده لأمه الشيخ عبدالرزاق البيطار، ومحدث بلاد الشام الشيخ بدر الدين الحسني، ومحمد الخضر حسين التونسي عندما نزل دمشق، والشيخ جمال الدين القاسمي كبير علماء دمشق، الذي كان ملازماً له، وكان ممن تأثر فيه الشيخ بهجت وبخاصة فكره السلفي، وقد حمل الشيخ فكره من بعده في دمشق.
مارس الشيخ التدريس والوعظ في جامع كريم الدين في الميدان، وقد تتلمذ على يديه الكثير من علماء دمشق، كان عضواً في المجمع العلمي العربي، ثم عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية في العراق، وقد درّس في مدارس دمشق، وفي جامعتها حيث حاضر في كلية الشريعة والحقوق، وكلية اللغة العربية، وترك عدداً غير قليل من آثاره العلمية المنشورة، منوعة في مواضيعها، وقد تجاوزت الخمسة عشر كتاباً منشوراً، ومنها (الرحلة النجدية الحجازية، حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، الإسلام والصحابة بين الشيعة والسنة، ويتوج هذه الأعمال كتاب جده الشيخ عبدالرزاق البيطار، وكتابه حلية البشر في أعيان القرن الثالث عشر في ثلاثة مجلدات).


محمد المكي الكتاني والشيخ بهجت البيطار والشيخ حسن حبنكة


الشيخ بهجت ومؤتمر مكة الإسلامي
بعد ضم الحجاز إلى حكم الملك عبدالعزيز، وجه الملك عبدالعزيز الدعوة لعلماء المسلمين في العالم الإسلامي للحضور إلى مكة في حج سنة (1345هـ / 1926م)، والوقوف على حال الحرمين في ظل إدارته لهما، من خلال مؤتمر إسلامي يعقد بعد الحج.
استجاب علماء المسلمين للدعوة، وكان لعلماء الشام النصيب الأكبر في الحضور، وكان منهم كل من الشيخ محمد بهجت البيطار، والشيخ كامل القصاب، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ محب الدين الخطيب، كما وصل الحجاز علماء من مصر وفلسطين والعراق، ومن الهند وفد ممثل لجماعة الخلافة الإسلامية. وبعد الحج حضر الجميع المؤتمر الذي عرف بمؤتمر مكة الإسلامي، فبعد الذي رآه هؤلاء العلماء عن حال الحجاز في ظل الإدارة السعودية، من سياسة أمينة ضمنت للحجيج حجهم حتى يعودوا لبلدانهم، وخدمات صحية، ووفرة في المياه وما يحتاجه الحجيج من خدمات تسهل عليهم حجهم، فقد أجمع جميع العلماء من خلال المؤتمر على سدانة الحرمين للملك عبدالعزيز، مع اعتراف بشرعية سياسته بتوحيد الحجاز بنجد، لتحمل الدولة اسمها الجديد مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وبعد انتهاء المؤتمر، تمسك الملك عبدالعزيز بالشيخ البيطار طالباً منه البقاء في الحجاز، وكان المؤتمر الإسلامي هذا بداية العلاقة الكريمة بين الملك والشيخ البيطار.

النهضة التعليمية والملك عبدالعزيز
جاء الاهتمام بالتعليم عند الملك عبدالعزيز في طليعة القضايا التي بنى سياسته عليها في بناء الدولة للإقليمين، فعلى واقع مؤتمر مكة السالف ذكره، وجد الملك في كل من الشيخ القصاب والشيخ البيطار، حاجته في غرضه هذا، فتمسك بهما، حيث نهض القصاب بالتعليم الابتدائي، وترتب على نجاح الشيخ القصاب في رسالته التعليمية، الاهتمام بالتعليم.
وكان قد صدر أمر من الديوان السلطاني في (1 رمضان 1344هـ)، بتأسيس مديرية للمعارف، وأردفه الديوان بكتاب جديد بتشكيل أول مجلس للمعارف، وذلك بتاريخ (27/1/1346هـ)، وجاء الأمران ليبرهنا على صلة وتواصل واهتمام الملك عبدالعزيز في مسيرة التعليم لصلته المباشرة في مستقبل البلاد.

رسالة اعتذار بخط الشيخ بهجت البيطار عن عدم حضوره حفل تكريم أمين سعيد بمناسبة نشره لكتاب الثورة العربية الكبرى وكتاب ملوك المسلمين المعاصرين ودولهم

المعهد العلمي السعودي ونشأته
لمس الملك عبدالعزيز الحاجة إلى معلمين وعلماء وقضاة من أبناء البلاد، فجاء افتتاح المعهد العلمي السعودي كضرورة لذلك، وجاء افتتاحه في بلاغ أم القرى بتاريخ (1 شعبان 1345هـ)، ليكون أول مدرسة ثانوية في البلاد، وقد أناط الملك بالشيخ البيطار إدارة المعهد، وقد استقدم له مدرسين من سوريا ومن مصر، فمن سوريا كان سعدي ياسين للأدب العربي والمحفوظات، والأستاذ محمود الحمصي للرياضة والدروس الاجتماعية، والأستاذ حسن زكريا للغة العربية، والأستاذ سليمان أباظة الأزهري من مصر لعلوم الدين.
وعلى إثر الرعاية المباشرة من الملك ونائبه والقائمين، فقد شهد المعهد تخرج ثلاثة وعشرين طالباً أنهوا دراستهم فيه، وذلك سنة (1349هـ / 1930م)، وفي يوم (7 صفر1350هـ)، قصد الشيخ البيطار وأعضاء هيئة التدريس ومعهم الطلبة قصر الملك عبدالعزيز في المعابدة، للقائه والسلام عليه، وقد غمرت البهجة والفرحة الملك بنجاح الطلبة عندما التقى بهم، وألقى أمام الجميع كلمة هنأ فيها الطلبة، مقدماً التوصيات والنصائح، كما شكر أعضاء هيئة التدريس على جهودهم الكريمة في نجاح رسالة المعهد التعليمية، ولعل الشيخ البيطار رغب في العودة إلى سوريا، بعد عمله طيلة السنوات الست في التدريس بالحرم المكي وفي القضاء، وتوج أعماله في معية الملك عبدالعزيز، في إدارة المعهد، فاستقال من العمل وسلم الإدارة من بعده للشيخ إبراهيم الشورى (1350هـ)، وذلك بعد أن تحقق للمعهد نجاحه أمام الملك، ولم يكن يظن أنه على موعد مستقبلي للعودة للمملكة بطلب من الملك ثانية، ليدير دار التوحيد، التي جاءت إقامتها بتوصية مباشرة من الملك يرحمه الله على أن يديرها الشيخ البيطار بنفسه.

دار التوحيد
هي مشروع تعليمي تبلور في فكر الملك عبدالعزيز وعمل على إنجازه، لاسيما وأن فترة ما قبل إنشاء الدار، كانت النهضة التعليمية قائمة في الحجاز، وقد حققت النهضة التعليمية غرضها في إقليم الحجاز، ورغبة من الملك في دفع أبناء نجد للالتحاق بالدراسة، وكانوا من الممتنعين عنها، مكتفين بالدراسة في الكتاتيب والمساجد، ففي سنة (1364هـ / 1934م)، تم افتتاح دار التوحيد، والملك هو من اعتنى بها بنفسه، وجعل اسمها دار التوحيد، وربطها رسمياً بالشعبة السياسية في ديوانه، بقصد متابعة أخبارها مباشرة منه بنفسه، وقد جاء اهتمامه فيها بقصد دفع أولياء أمور الطلبة لإرسال أبنائهم للدراسة فيها، حيث كان أولياء الطلبة هؤلاء يخافون من المدارس النظامية في أن تكون سعياً لتغيير عقائد أبنائهم، وكانوا قد أبرقوا للملك برقيات في هذا الجانب يطلبون إعفاء أبنائهم ، فأجابهم الملك أجوبة من باب الإلزام في إرسالهم، على أن رغبة الملك في الأبناء هؤلاء أن يكونوا علماء أفاضل ينيرون السبيل بعد تزويدهم بالعلم النافع لهم ولبلدهم، ولا سبيل للإعفاء، وستصلهم سيارات تنقلهم من موطنهم إلى مكان دراستهم.

دار التوحيد بالطائف


نشأة دار التوحيد
أشار الأستاذ عاصم بهجت البيطار عن دار التوحيد في حكاية نشأتها، فيقول إن فكرة الدار كانت كمشروع عند الملك عبدالعزيز من سنة (1360هـ)، وربما قبل ذلك ، ففي سنة (1361هـ)، اتصل الملك عبدالعزيز بوالده طالباً منه الحضور من أجل افتتاح الدار، لكن ظروف الشيخ حالت دون السفر في ذلك العام، وفي سنة (1363هـ) جاءت للوالد رسالة ثانية من الملك عبدالعزيز، وفيها يطلب منه القدوم للحج في هذا العام، فيؤدي الحج وبعد الحج تجري المذاكرة حول المدرسة، فقصد الشيخ البيطار المملكة براً عبر العراق مروراً بالبصرة ومنها إلى الزبير ثم الكويت ومنها إلى الرياض، وحال وصوله ولقائه بالملك عبدالعزيز، قال له الملك أريد منك البقاء لدينا لتأسيس المدرسة دار التوحيد-، وأرسل الملك على الفور إلى شكري القوتلي يطلب منه حفظ حقوقه في وظائفه التي يعمل فيها حتى تنتهي مهمته لدينا، وكان ابنه عاصم مرافقاً لأبيه في السفر إلى المملكة، وقد استبقاه والده معه، وتم تعيينه مدرساً في الدار، حيث كان يدرس فيها اللغة العربية والعلوم الحديثة كالجبر والهندسة.
صدر الأمر الملكي بافتتاح الدار، وتم اختيار منطقة (قروى) في الطائف لتكون مكان المعهد، وكلف الملك الشيخ محمد بن لادن، ببناء دار للدراسة فيها ومهجع يتسع لمئة سرير، وتم تنفيذ المطلوب، وتم افتتاح الدار وأتوا بالطلبة من مناطق نجد للدراسة في الدار، وجاء اختيار الطائف مكاناً للدار لتوسطها فيما بين الحجاز ونجد، وقد كلف الملك الشيخ يوسف ياسين أن يكون أحد أعضاء الإدارة في الدار، والمدير كان الشيخ البيطار، فكان أول مدير لها، وجاء افتتاحها سنة (1364هـ / 1944م)، وفي سنة (1366هـ / 1946م)، ارتبطت رسمياً بمديرية المعارف بأمر ملكي، وكان مديرها الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع.
ومع تسلم الشيخ ابن مانع إدارة دار التوحيد، تكون مهام الشيخ البيطار قد انتهت، حيث كان عنده في دمشق التزامات ومهام تعليمية ووظيفية، ويشير ابنه عاصم إلى أن الدار من باب اهتمام الملك فيها، فقد أناط صاحب السمو الملكي الأمير منصور وزير الدفاع أن يلبي طلبات الدار كلها، حيث كان مركز إدارته في الطائف، وإذا وصل الطائف نائب الملك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل كان هو المسؤول المباشر، وقد أمر الملك عبدالعزيز بتزويد الشيخ بهجت بشيفرة سرية خاصة ليتصل به حين حصول أي تقصير، لكن لم يحصل أي تقصير ولم يستخدم الشيخ الشيفرة، حتى إذا كانت نهاية سنة (1365هـ)، التمس الشيخ البيطار من الملك أن يعفيه من العمل ليعود إلى أسرته في دمشق بعد سنواته التي قضاها في إعداد الدار، خصوصاً أن الدار قد استقام أمرها وسارت ماضية بثقة وثبات في رسالتها، وكان الخريج منها يلتحق بكلية الشريعة في مكة.

الشيخ بهجت البيطار في زيارته للوزير فارس الخوري وهو راقد في المستشفى قبل وفاته

أسماء المدرسين والطاقم الإداري لدار التوحيد

- الشيخ عبدالله الصالح الخليفي مدرس الفقه.
- الشيخ عبدالله المسعري مدرس التوحيد.
- الشيخ محمد بن سياد الفرائضي مدرس الفرائض والخط.
- ومن مصر الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ محمد الذهبي، والشيخ متولي الشعراوي، والشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالمنعم نمر، والشيخ محمد الطيب النجار، والأستاذ زكي سرحان.
- إضافة إلى الأستاذ عاصم بهجت البيطار وأخيه يسار بهجت البيطار، وهو الابن الأكبر للشيخ وكان مديراً للدار، وكان حازماً يهابه الطلاب.
- نسيب المجذوب مساعد مدير الدار، وكان يقوم كذلك بالتدريس.
- الأستاذ عصام بهجت البيطار، وكان مراقباً ومشرفاً طلابياً، وهو الابن الثالث للشيخ بهجت، وعبدالمالك الطرابلسي المعاون الثاني في الإدارة.
- منصور بن سفرة محاسب الدار للشؤون المالية.
- عثمان حجاج، مراقب ثم أصبح فيما بعد محاسباً للشؤون المالية.
- محمد سعيد الشهراني مشرف على الإعاشة.
- إضافة إلى مراقبين آخرين وعاملين في الدار.

النظام العام لدار التوحيد
ارتبط النظام العام في دار التوحيد، بواقع الرعاية والتطور المادي والمعرفي الذي اتخذته المملكة بتوجيه مباشر من الملك عبدالعزيز، وحتى تنهض رسالة التعليم في المملكة، فقد أخذ حيزاً كبيراً عند الملك، من خلال الاهتمام بالجانب الثاني من سياسة التعليم، والخاص بالطلبة، فقد ارتبط نظام الدار من خلال وضع شروط للطالب عند القبول كشروط أولية، فلعدم وجود مدارس يومها، فقد اشترطوا القراءة والكتابة، ومن خلال مسيرة الدار كان التطوير التعليمي يمضي متسارعاً مع النهضة العامة في البلاد، وبخاصة مع افتتاح كلية الشريعة في مكة، فقد تم تطوير المناهج، إضافة لتحديد سنوات الدراسة، التي تقرر أن تكون خمس سنوات، وذلك سنة (1369هـ).
وفي سنة (1372هـ)، تم منح خريجي السنة الثالثة شهادة الكفاءة، وفي عام (1374هـ)، أضيف لمناهج التعليم في دار التوحيد، مواد الخط والحساب والجغرافيا واللغة الإنجليزية، وفي سنة (1398هـ)، تم توحيد مناهج دار التوحيد مع مناهج الثانوية العامة في مديرية المعارف، أما عن نظام الامتحانات في دار التوحيد، فقد كانت على غرار الامتحانات في المدارس العامة في المملكة.

أسماء بعض خريجي دار التوحيد
من خريجي عام (1368هـ): عثمان الحقيل، عبدالله الجبير، حمد الشاوي، محمد بن جبير، عبدالله الشلاش.
ومن خريجي سنة (1369هـ): عبدالعزيز المسند، سعد أبو معطي، محمد المرشد، عبدالله الخزيم، عبدالرحمن الدخيل، صالح العلي الناصر، عثمان سيار، عبدالمحسن التويجري، عبدالله بن خميس، عبدالله الخزيم، صالح العذل.
ومن خريجي سنة (1370هـ): صالح الحصين، علي التويجري، عبدالعزيز التويجري، عبدالله البسام.
أصحاب هذه الأسماء هم غيض من فيض الخريجين من عطاء دار التوحيد، وقد لمعت أسماء الجميع في فضاء نهضة المملكة في العديد من الجوانب في الإدارات التي عملوا فيها، ويلاحظ أن أغلبية الطلبة كانوا من أبناء نجد، وهذا يتفق مع رغبة الملك عبدالعزيز في توجيه أبناء نجد للدراسة في مدارس نظامية، يبتعد فيها الطلبة عن الدراسات التقليدية التي كانت سائدة في نجد.

ذو صلة