عبدالجليل الوزاني التهامي: أحاول تقديم زوايا جديدة لفهم الواقع والمشاعر البشرية
حوار/ هشام أزكيض: الإمارات
عبدالجليل الوزاني التهامي، من مواليد مدينة شفشاون عام 1961م، درس بمدرسة (سيدي علي بركة) الابتدائية بتطوان، ثم بثانوية القاضي عياض بتطوان، وقد حصل على الإجازة في الآداب العربية، من كلية الآداب بتطوان بجامعة سيدي محمد بن عبدالله (جامعة عبدالمالك السعدي حالياً). وقد تخرج في المدرسة العليا للأساتذة بمرتيل تطوان عام 1988، وعمل أستاذاً بالتعليم الثانوي بمدينة سيدي قاسم (1988 - 2004)، ثم شغل مديراً بثانوية الأندلس الإعدادية بتطوان (2004 - 2010)، كما شغل منصب رئيس مكتب منسقية التفيش بالمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بتطوان. وهو أيضاً عضو اتحاد كتاب المغرب، وعضو مؤسس لمنتدى تطوان للسرد الأدبي، وعضو مؤسس لرابطة أدباء الشمال.
لو رجعنا إلى إنجازاتك الأدبية والإبداعية، لقلنا إن الفضل في ظهور باكورتها، التي أصدرت روايتك عام 2003م، بعنوان (الضفاف المتجددة - تيكيساس). تلك الذكرى لا يمكن أن تُنسى في تاريخك. ما موقع إبداعاتك آنذاك مقارنة مع ما كان سائداً في المغرب؟ وكيف لاقت إعجاب المتتبعين؟
- بالفعل، كانت انطلاقتي مع رواية الضفاف المتجددة، الصادرة سنة 2003، رغم أنني كنت قد كتبتها قبل ذلك بسنوات. بالطبع، لم تكن الساحة الأدبية بالمملكة المغربية خالية، بل كانت تزخر بنشاط إبداعي واسع في مختلف المجالات، خصوصاً في الرواية. ومع ذلك، يُعد هذا العمل، إلى جانب رواية (المصري) للراحل محمد أنقار، من بين باكورة الأعمال الروائية في مدينتي تطوان، قبل أن تتوالى الإصدارات الروائية التي جعلت من تطوان مركزاً روائياً بامتياز في المملكة المغربية.
وبعيداً عن أي مزايدة أو تباه، لاقت جميع إصداراتي الروائية قبولاً جيداً من طرف القراء، والمتابعين، والمهتمين، والدارسين، سواء داخل المملكة أو خارجها. كما حظيت روايتي الأولى (الضفاف المتجددة) بجائزة الحسن الثاني للبيئة، بينما نالت رواية (امرأة في الظل) جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الأولى.
من هم أهم المبدعين في عالم السرديات الذين تأثرت بهم سواء داخل المغرب أو خارجه؟ وكيف تنظر إلى الحراك الروائي المغربي المعاصر؟
- تأثرت بعدد من الأدباء العرب والعالميين الذين شكلوا مصدر إلهام لي. فقد بدأت قراءاتي بأعمال نجيب محفوظ وعبدالحليم عبدالله، كما تأثرت بكتّاب مثل عبدالرحمن منيف، حنا مينه، وجبرا إبراهيم جبرا. من المغرب، تأثرت بشكل كبير بأعمال عبدالمجيد بنجلون وعبدالكريم غلاب. كما أنني تأثرت بالأدب الروسي من خلال أعمال دوستويفسكي وتولستوي، بالإضافة إلى الأدب الإنجليزي والأمريكي.
الحراك الروائي المغربي المعاصر يشهد تطوراً في الكم والكيف، مع تنوع في الموضوعات السردية مثل الاجتماعي والسياسي والتاريخي والنفسي. كما أن أساليب السرد في تطور مستمر، مع تبني تقنيات حداثية تؤثر على النصوص الروائية. الجوائز الأدبية تلعب دوراً مهماً في تحفيز الإبداع المغربي، رغم أن التحدي يبقى في تعزيز العلاقة بين القارئ المغربي والرواية المحلية. لكن الحراك الروائي المغربي يبقى واعداً وقادراً على المنافسة والابتكار.
نصوصك النثرية داخل البناء الروائي تقوم على خصوصيات، سواء من حيث اللغة أو الفكر أو الرؤية، فما الذي دفعك إلى نهج هذا السبيل؟
- تجربتي الروائية على رؤية خاصة للبناء السردي، حيث أعتبر النص النثري جزءاً أساسياً من الروح الإبداعية للعمل. اللغة في كتاباتي ليست مجرد أداة للتعبير، بل هي مكون جوهري يعكس الحالة النفسية للشخصيات وأبعاد المواقف. على المستوى الفكري، أستلهم من القضايا الإنسانية والاجتماعية، كما أحاول تقديم زوايا جديدة لفهم الواقع والمشاعر البشرية.
هذه الرؤية تظهر في رواياتي مثل (ليالي الظمأ) و(احتراق في زمن الصقيع) و(صهوة السراب)، حيث تتناول أبعاداً نفسية واجتماعية معقدة وصراعات الهوية والانتماء. كما تعكس (أطياف السراب) تعقيدات السرد وتداخل الزمن والمكان، بينما تسلط (تطاون: أواصر وأشجان) الضوء على صراع الهوية والتغيرات الاجتماعية والسياسية بعد الاستقلال.
العمل الذي لاقى إقبالاً كبيراً من لدن المهتمين (صحفيين، أكاديميين..) بكتاباتك السردية هو روايتك (امرأة في الظل أو ما لم نعرف عن زينب)، وهي غير بعيدة عن تصوير واقع المرأة المغربية باحثة عن مأوى بعد مغادرتها قرية تارغة الشاطئية.. الرواية مليئة بما يمكن تصوره، وما لا يمكن تصوره، أريدك أن تخبرنا أولاً بقيمة هذا العمل الأدبي ضمن قائمة إنجازاتك الإبداعية، وما هي أبرز الدراسات والبحوث التي تناولتها؟
- رواية (امرأة في الظل) أو (ما لم نعرف عن زينب) تمثل نقطة تحول في مسيرتي الأدبية، حيث تجمع بين الدراما الإنسانية والرمزية الاجتماعية، وتتناول موضوعات حساسة تخص المرأة المغربية في مواجهة الواقع القاسي. تتابع الرواية قصة زينب، التي تغادر قرية تارغة باحثة عن مأوى، وتتناول قضايا التهميش والعزلة والصراع من أجل البقاء في مجتمع متغير. هي ليست مجرد رواية عن امرأة تبحث عن مأوى، بل استكشاف لأبعاد الوجود البشري في أقسى ظروفه.
الرواية تبرز قضية المرأة في المجتمع المغربي، والتحديات التي تواجهها لتحقيق استقلالها ووجودها. تحمل الرواية أبعاداً رمزية تعكس قضايا اجتماعية مثل الحرية والهوية والبحث عن الذات. لاقت الرواية اهتماماً من النقاد الأكاديميين، الذين تناولوا الرمزية في تصوير المرأة المغربية وتحليل الشخصيات وتفاعلاتها النفسية.
بدأت حياتك الأدبية شاعراً فهل بإمكانك أن تصف لنا شعورك، وأنت ترى القراء يتفاعلون مع شعرك؟
- بداياتي الأدبية كشاعر كانت مليئة بالشغف، حيث استخدمت الشعر كوسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار والتواصل مع القراء على مستوى عميق. كان التفاعل مع القراء يعطيني شعوراً مزدوجاً من الفخر والمسؤولية، حيث أصبحت القصائد ملكاً مشتركاً بيني وبينهم. هذا التفاعل حفزني للاستمرار في الكتابة، كما دفعني لاستكشاف السرد الروائي كأفق أوسع للتعبير الأدبي، حيث تتاح لي الفرصة لنقل تفاصيل أعمق وأوسع مما يسمح به الشعر.
نصوصك السردية، وإبداعاتك الأدبية المتنوعة، هيأت لك طريق الحصول على العديد من الجوائز، فقد نلت جائزة الحسن الثاني للبيئة عن رواية (الضفاف المتجددة تيكيساس) عام 2004، كما حازت روايتك المرأة في الظل أو ما لم نعرف عن زينب بجائزة كتارا للرواية العربية سنة 2015 فئة الروايات غير المنشورة، النسخة الأولى، فهل تسهم الجوائز في تشجيع إنتاجاتك الأدبية، وهل تكفي لرسم مستقبل الأدب العربي المعاصر؟
- الجوائز الأدبية تمثل محطة مهمة في مسيرة الكاتب، حيث تعكس اعتراف المؤسسات الثقافية بقيمة أعماله. فوزي بجائزة الحسن الثاني للبيئة في 2004 وجائزة كتارا للرواية العربية في 2015 كان مصدر فخر وتحفيز، ودفعني للسعي وراء التميز والتجديد في الكتابة. الجوائز تساهم في تشجيع الإنتاج الأدبي، وتفتح أمام الأعمال الأدبية فرصاً للوصول إلى قراء ونقاد أكثر. ومع ذلك، أرى أن الأدب بحاجة إلى بيئة ثقافية متكاملة تشمل النقد الجاد، تشجيع القراءة، ودعم نشر الأعمال. الجوائز خطوة مهمة، لكنها ليست الوجهة النهائية.