مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

النقد الأدبي والمجتمع

سألني أخي هل من يمارس النقد الأدبي عرضة لأن يصبح ناقداً لما يجري في المجتمع بسلبية؟
قلت: هذا سؤال مغلق ومركب، أما كونه مغلق فلأن جوابه بنعم أو لا، وأما كونه مركب، فوصفه بالسلبية يفترض جواباً مفصلاً، والحقيقة أنني لا أريد الإغلاق في الجواب ولا التفصيل إزاء هذا التركيب، ولكنني أذهب أبعد من هذا فلا ريب أن من طاول النصوص الأدبية بالنقد والتمحيص سيؤثر ذلك عليه غالباً في استماعه لحكايات المجتمع وأحداثه، وسينصب نفسه حكماً على العالمين، وأما السلبية فليست بالضرورة صنوة النقد، فالنقد كما هو معلوم ولا يخفى على أحد هو التمييز بين الجيد والرديء كما يصنع الصيارفة، ومن ذلك سمي النقد نقداً لأن الصيرفي يطرح العملة المزيفة ويشيل الحقيقية، وهكذا الناقد يصف ويصدر أحكاماً منوعة، بل ويسلط المناهج النقدية القديم منها والحديث على النصوص، ومن هنا نعلم أنه بحسب الإطار الفكري والمزاج النفسي الذي يحكم الناقد يكون نوع التوصيف أو إطلاق الأحكام على المجتمع وحكاياته وأحداثه، فالناقد الحزين سيصبغ نظراته للمجتمع بانتظار التفكك والتراجع الأخلاقي، والناقد السعيد سيلون نظراته للمجتمع بالفأل الحسن والتقدم الأخلاقي.
إن التداخل بين النقد الأدبي والاجتماعي معقول وملاحظ، فما هي النصوص أصلاً.. أليست سجل أيام الناس وأحداثها؟!، أليست أداة ينقل من خلالها الأديب شعوره وفهمه للدنيا والناس وهم يجدون فيه المعبر عن همومهم وخيالاتهم؟!، أليست الصور الشعرية حقائق ذهنية يشتاق إليها الناس ويهوون اكتشافها في النصوص والنفوس؟!
إن المزاوجة الواعية بين النقد الأدبي والاجتماعي يورثنا علماً نافعاً ألا وهو النقد الثقافي، فنبحر حينها في معاني الأقوال وأثرها على الأفعال، ونخرج المعنى من بطن الشاعر لهدير الشارع، بلا خوف على هذا الطفل الرضيع فهذا مكانه الطبيعي حيث سيعتاد الضجيج ويرتضع تقاليد البيئات وعادات المجتمعات.
وهنا استطراد لا يفت في عضد المعنى العام ألا وهو: من المستحسن إن أردت تعبير رؤياك أن تتلوها على المعبر المعتدل المزاج لا المعبر سيئ المزاج، وهل لممارسة النقد الأدبي أثر في إحياء معان بعيدة في نفس معبر الرؤى؟، أقول بكل اطمئنان نعم، وهل لممارسة النقد الأدبي أثر في استشفاف مقاصد الشريعة لكامل العدة؟، أقول بكل اطمئنان نعم، إذن تعلم المناهج النقدية والتعاطي طويل المدد مع النصوص الأدبية الخالدة يصنع في داخل الناقد مهارات جديدة، ويحيي مواهب مدفونة بشرط إتقان العلوم الآلية والاعتدال في النظر كي لا يؤدي ذلك لشطحات تفسد العلوم من حيث أرادت التجديد والإصلاح.

ذو صلة