مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

إكسبو دبي 2020 .. إكسبو الرياض 2030

بدت سلمى ذات التسع سنوات مسرورة وهي تقلب بين يديها صفحات الجواز (الأصفر)، وبصوت مرتفع تحاول أن تُسمع والديها أن صفحاته لم تنته بعد، وتحتاج إلى ختمها من بقية الأجنحة بإكسبو الذي ما زال في أسابيعه الأولى: (متى أذهب إلى المعرض؟) تسأل سلمى أمها.
ومن سلمى إلى جموع الزوار، فاليوم كل مهتم بهذا الحدث/الظاهرة ويتحدث عنه في منزله ومكتبه والمقهى الذي يرتاده، ويرسل أخباره وصوره إلى من استطاع الوصول إليهم عبر هاتفه، داخل الإمارات وخارجها.
وإكسبو دبي الدولي 2020 بنسخته الإماراتية الذي افتتح بداية أكتوبر الماضي وشهد الناس جانباً من عروضه الباهرة، وكانت المشاعر قد خامرت قلوب الناس بين أمل ويأس، فحلول الجائحة ضيفة ثقيلة الظل على العالم بأسره لمدى سنتين (سبتمبر 2019)، وما خلفته من اضطرابات بأكثر من اتجاه ومستوى على كوكب الأرض، جعل الأمر صعباً ويحتاج إلى قرار حاسم واستثنائي بكل المقاييس. وهذا ما كان وحدث، إذ كان لابد للإرادة أن تنتصر، وللرؤية من أن تتحقق، فكانت التظاهرة وفقاً للخطة عرساً عالمياً فاق المعايير وبمشاركة عالمية كانت أكبر من المتوقع، أقبلت فيها الدول على دبي تحمل أفكارها وابتكاراتها التقنية وثقافتها وموروثها وتاريخها الحديث. جاءت بمحمولات الزمن الراهن، وبذور خصبة لتربة المستقبل، لغدِ الإنسان الذي سوف يكون مختلفاً عنّا بأكثر من معنى وطريقة، إنسان له تفكيره ونمط عيشه، وله عالمه وأحلامه وتحدياته كذلك. ولعل هذا ما نطق به الشعار (تواصل العقول وصنع المستقبل).
إن معرض إكسبو ليس عادياً كباقي المعارض التي ارتادها الناس وشهدها العالم من قبل، بل هو معرض المستقبل وللمستقبل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فمنذ تأسيسه في القرن التاسع عشر (1851م) هدف من إقامته إلى عرض ما بذل حتى الوقت الراهن من جهود في الموارد المتاحة للإنسان لتلبية حاجات الحضارة واحتياجات فروع النشاط البشري من أجل التقدم والوصول إلى آفاق مستقبلية. ولعل هذا التعريف الجامع هو الذي يلخص رسالية المعرض وغايته منذ انطلاقته. وعلى مدى التاريخ الطويل لتنظيم معارض إكسبو الدولية، لم يحدث أن تمت استضافته من قبل في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا سوى هذه المرة في دولة الإمارات العربية المتحدة بمدينة دبي، المدينة التي يعلم القاصي والداني أنها الأميز بين مدن العالم من حيث الإمكانيات اللوجستية الضخمة عالية المستوى، يدعمها عاملان: الأول موقعها الإستراتيجي، إذ بإمكان ثلثي سكان العالم الوصول إلى دبي خلال مدة لا تتجاوز الـ 8 ساعات جواً، والعامل الثاني البنية التحتية التي فاقت مستوى العديد من مدن العالم، وهذا العامل الأخير إضافة إلى معايير أخرى هو ما شكل الأساس الذي ارتكز عليه ملف الاستضافة.
إن جاهزية دبي لتنظيمها إكسبو، أكبر المعارض في العالم، ونجاحها في جعله الأميز كما ثبت من التقارير الخاصة في مجال تنظيم المعارض والمهرجانات والمؤتمرات، شحذ همم من يعشقون التميز ويمتلكون روح المغامرة التي ما أن يتوقف الإقدام عليها إلا وتوقفت الحياة في جانبها الحيوي والابتكاري، ولا أدل على ذلك من طلب المملكة العربية السعودية في غمرة توثبها الجديد، استضافة إكسبو للعام 2030م، لما تملكه من معطيات على الأرض تقول كلها بأن المملكة سوف تنجح وتتميز في هذا الحدث العالمي، خصوصاً أن كامل ملف التجربة التنظيمية هو الآن قريب في الجوار، في دبي، المدينة التي انفتحت أول ما انفتحت بتجاربها الحداثية كلها على العرب، وكان ثمة مكانة خاصة لذوي القربى في دول الجوار الخليجي على رأسهم المملكة العربية السعودية. لقد كانت الرسالة التي أرسلها الشيخ محمد بن راشد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي، عبر كلمته لمناسبة طلب السعودية استضافة إكسبو 2025م، واضحة جداً ترحيباً وفرحاً ومساندة تصل إلى حد الشراكة الإستراتيجية، والحث على الإقدام من دون تردد، وفي هذا من التشجيع والثقة بقدرات المملكة الشيء الكثير. ولعل هذا ما يقتضي زيارة إكسبو دبي 2020 أكثر من مرة للتعرف على أسرار تنظيمه الآسر والجذاب.
باختصار شديد: إن (مدينة) إكسبو في دبي، ثقافياً تقول: إن مدن المستقبل يجب أن يكون مواطنوها على قدر من الثقافة والمعرفة، ولديهم أدبيات التقنية الحديثة، إذا ما أرادوا أن يمارسوا حياتهم في شوارعها وأروقتها بسهولة ويسر من دون أي نوع من المعوقات. إن إكسبو الإمارات هو في حقيقته مجموعة رسائل إلى أمم الأرض وشعوبها.

ذو صلة