مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

زماننا.. ووصمة الجحود

عندما قال الشاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا
    وما لزماننا عيب سوانا
نجد أن المشكلات التي نعيشها في هذا الزمان أو العصر كثر، ولكن أهمها وأخوفها (الجحود)، فهو بحق زمن الجحود، وهي صفة تنسحب على كل عصر ولكنها درجات متفاوتة خاصة بعد اختلاط الأمم وكثرة العارفين والواهمين والحاقدين والفاسدين و.. و.. إلخ ذلك.
معضلة طغت على الناس ثم تعدت للدول، كنا من قبل نعاني من جحود محدّد بحدود العائلة والعشيرة والقبيلة، ولكنها الآن الدول بعضها مع بعض.
إن هذا الواقع يذكرني بما قاله (الحريري) في موسوعة الأخلاق، بما معناه:
لقد تعامل أهل القرن الأول فيما بينهم (بالدين) حتى رقَّ،
وتعامل أهل القرن الثاني فيما بينهم (بالوفاء) حتى ذهب،
وتعامل أهل القرن الثالث فيما بينهم (بالمروءة) حتى ذهبت،
ثم تعامل أهل القرن الرابع فيما بينهم (بالحياء) حتى ذهب،
ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة..
والرغبة والرهبة تلزمان الإنسان التَّكيف مع زمانه وهو بهذا لا يضيّع ما يربطه بمن حوله، فيتكيّف مع حالتهم، ويمضي مع رؤاهم.. وهذا الواقع يختلف من قرن لقرن، أو من زمن لزمن.
ففي زماننا هذا زادت الشحناء والبغضاء والحروب والصراعات وسفك الدماء، فانتفت الحقوق، وضاع الوفاء، وكثر الجحود، وهذه صفات لا يقرها شرع ولا دين، إن من جحد فقد نسي قوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن - الآية: 60، ومن جحد: فقد نسي عهد الوفاء والأخوة والمحبة بين الناس خاصة من ينتمي لهذا الدين القويم، قال تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ العهد كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء الآية 34.
نحن في عصر قد انشغلنا بل نسينا معظم أمور ديننا وما يحث عليه:
فالطالب يجحد دور أستاذه في تعليمه،
والولد يزج بوالديه أو أحدهما في مراكز الرعاية،
والزميل يناكف زميله،
والقريب يكيد لقريبه،
والدول تسعى لمضرة الدول..
أمور حصلت بسبب انشغالنا بالدنيا، ومن أحبَّ الدنيا (جعل الله الفقر بين عينيه)، وفي دعاء المسلم: (ربنا لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا غاية مقصدنا ولا إلى النار مصيرنا..). إن الناس في حاجة للوفاء في زمن فشا فيه الجحود والنكران، فلا الجميل عندهم يذكر، ولا المعروف لديهم يحفظ.
واقعنا مؤلم، فقد أصبح القلب الأبيض فيه مستحيلاً من المستحيلات:
قلوبنا متغيرة،
وخطواتنا متعثرة،
وأمورنا مبعثرة،
أصبح الجحود عنواناً لنا،
والوفاء صفة نادرة من نوادرنا..
قالت العرب: من أسوأ الناس خلقاً من إذا غضب منك نسي فضلك، وأفشى سرك، ونسي عشرتك، وقال عنك ما ليس فيك..
وقال أبو تمام:
رأيت الحرَّ يجتنب المخازي
ويحميه عن الغدر والوفاء
اللهم سَلِّم سَلِّم، واحفظنا بحفظك واكفنا شر الحاسدين والحاقدين والجاحدين.. آمين يا رب العالمين..

ذو صلة