مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

قبلة الوداع

في شتاء قارس، كان عنوانه قصة حب بئيسة، لم يكتب للحبيبين زواج طويل، سنوات الحب والعشق ها هنا اندثرت، أيام نُسِجت من الهوى وكأنها لم تكن يوماً موجودة، أفواه وصلت إلى مبتغاها، فصلوا الحب عن الحب.
عمر وسلمى، جمعتهما قصة حب عظيمة، قصة رجل أوفى بوعده، وامرأة ناضلت من أجل من تحب، لم تكثرت يوماً لما قيل لها من كلام يُدمي القلب؛
انتظري عمر حتى يغزو الشيب شبابك. ستظلين عانساً في انتظار حبيبك العاطل عن العمل. الحب للمسلسلات فقط لا وجود له في الواقع.
فالحب يا سادة لا يعرف للعنوسة ولا للفقر عنواناً، يكفي فقط وعد صادق من قلب استوطنه الحب ليصبح الانتظار طقساً من طقوسه. انتظرته حتى أتم دراسته وارتقى إلى مراتب عليا في العمل. أنهى جميع مواصفات الزوج المثالي لكل فتاة، تقدم لخطبتها، انتشر الخبر واشتد حقد أصحاب النفوس الخبيثة حاولوا بشتى الطرق تفرقتهما ولم يفلحوا، فالحب لا يعرف بين فصوله القيل والقال، يؤمن بما تراه عين الفؤاد لا عين الحقاد. جهزا عش الزوجية معاً، منزل الأحلام المفروش بالهوى لا بالأثات.
ذات مرة سألها مستغرباً:
حبيبتي سلمى من قال إن الحب في زمننا صعب المنال؟
ردت بنظرة خجولة:
اسألني عن لهفة اللقاء لأخبرك أن الانتظار من أشد فصول الحب قسوة.
ابتسم قائلاً:
لولا قساوته لما كرستُ وقتي للدراسة والعمل، وها نحن ذا نجني ثمار ما حصدنا. كم أخبرونا أن أسماءنا لم تخلق لبعض! وأن الحب في زمننا منعدم.
عانقته قائلة:
إن اجتمع صدق رجل ووفاء أنثى فلك مني من الحب أحلى كلام.
وفي يوم زفافهما، تعالت الأهازيج والزغاريد، فالحبيبان سعادتهما لا تقاس بمال الدنيا، كأن الحب خُلِق لهما معاً فقط، وكأن الزمن توقف ها هنا ليدشن زفافهما معاً، ضمها إلى صدره بقوة تختلف عن باقي الأيام كأنه يودعها، شيء بداخله يجبره على التمسك بها، انزلقت من عينه دمعة الوداع:
سلمى حبيبتي.. يا أجمل عروس رأتها عيوني.. ستظلين ملكة تربعت على عرش فؤادي إلى الأبد.
قبَّلته قائلة:
اليوم زفافنا، اذهب لارتداء ملابس العريس يا أحلى عريس. لا تتأخر فقلبي ببعدك لا يقوى على النبض.
المسكينة لا تدري أن قصتهما على وشك الانتهاء. ولكي لا يتأخر على عروسته أقله ابن عمته، ويا ليته ما أقله، ليبقى للقدر بصمته الكبرى. عمر لا يدري أن ابن عمته يقود سيارته تحث تأثير الكحول، وحينما استفسره عن ذلك أجابه:
احتفلت بزفافك مع أصدقائي، شربت جرعة واحدة، سنعود إلى حفل زفافك بسرعة لا عليك.
شاءت الأقدار أن يكون فرحهما قصيراً، سنوات من الإعجاب والحب اختتمت بموت الحبيب، كيف وقع الحادث متى وأين لا أحد يتذكر؟ لم يشأ أن يغادرها فقد كانت هي الاسم الثاني للحياة بل هي الحياة في حد ذاتها، توفي عمر وبقي ابن عمته يصارع الموت. تلطخ فستانها الأبيض بدم حبيبها، ودعته ببحر من الدموع.
رياح موسمية اشتدت واشتد معها رنين الألم، حتى وإن بدت الحبيبة أنها ستقاوم ألمها فإنها في صراع مع قلبها رفض موت من ينبض كل ثانية باسمه، تقف بذكريات مليئة بحبهما لهنيهات، ما إن تتذكر موته تنهار من جديد. حبيبها مستلق أمامها لكنه لا يكلمها، لا ينظر في بؤرتي عينيها، لا يمسك يدها، لا ولن يقبلها مجدداً، لن يقول لها كلامه المعتاد، لن ينظم أبيات الهوى، لم تعد لكلماته وجود كما لم يعد له وجود، غدره صديق باسم الصداقة وقريب باسم القرابة، قنينة كحول فتكت بروحه البريئة وهو ملك على عرشه يدشن حفل زفافهما بقبلاته الحميمة لها، لم يكن يدري أن أول قبلة في حد ذاتها هي آخر قبلة يلتقطها فمها المعسول، أراد لحبيبته أن تصبح زوجته، أراد لحبهما أن يختتم بذرية صالحة، لكن القدر لم يكن في صفهما، خانه الكل ولم تخنه حبيبته.

ذو صلة