مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

خديج

تبرق السماء، وقد ارتفعت هجمات رعدية مروعة، يضيء البرق المكان فيسفر عن صورة ظل لرجل يحمل امرأة تحمل جنيناً في بطنها، يتسلل أنينها مع زخات المطر التي تهطل في تلك الساعة المتأخرة من الليل، حملها إلى قسم الطوارئ، نزل الآخرون بقربها، ثم تركوهما، لتجهيز غرفة عمليات مستعجلة، كان باستطاعة الطبيب أن يشخص الحالة التي أمامه وهو يسمع أصوات الجهاز في أذنيه.
تمتم: (بسرعة هيا تحركن، ولادة مبكرة).
رددت الممرضات: (طفل خديج!).
سقط الطفل بين أيديهن، أسعفوه سريعاً ونقلوه إلى الحضانة في العناية المركزة.
قال الدكتور: (الأسبوع الثالث والعشرين من الحمل، ستة أشهر، قد يعيش هذا الطفل بمعجزة أو بعناية فائقة).
سجل الرجل معلوماته ومعلومات الأم في الاستعلامات على عجل، ورحل على وعد أن يعود غداً ليطمئن على المولود ووالدته.
رقدت الأم في غرفة خاصة تحت العناية، قضت ثلاثة أيام في صمت وهدوء، إلى أن غادرت المكان بلا عودة.
بقي الطفل لنحو ثلاثة أشهر بين أيدي الممرضات والأطباء يعتنون به، كانوا سعداء بتحسن حالته ونموه بشكل سليم، عندما أجروا له العمليات كانوا بحاجة إلى تخويل من ولي الأمر، ذلك الرجل لم يأتِ، لكنه وقع ورقة تركها في الاستعلامات بأنه موافق على كل ما هو في مصلحة (المولود).
حين فقد وعيه يوماً اتصلوا به حتى يعلم ما يحدث مع هذا الطفل ويتابع حالته، لكن لا جدوى من الاتصالات، الرجل غائب ولا يعلمون ما قصته، أدهشهم كيف لأب أن لا يسرع إلى ابنه هكذا، يوجد قليل من الأطفال المرضى، وكل الأهالي يعرفون بشأن حالة أطفالهم، إلا هذا الطفل الذي لم يعده أحد، لم يأت لزيارته لا أب ولا أم ولم يحصلا على شهادة ميلاد أيضاً.
شعروا كما لو أن هذا الطفل منبوذٌ، ماذا حدث لوالديه يا ترى؟!
كتبت إدارة المستشفى عدة خطابات إلى الأب.
لم يطلع عليها، هكذا ظنوا لأنهم لم يحصلوا منه على أي تجاوب، الكل مندهش هل تصله الرسائل أم لا..؟!
رتبتها الموظفة المسؤولة حسب التاريخ، وقرأها المدير كلها مباشرة، كانت جميعها عن المستشفى وما من رد مقابل عليها، يندهش كثيراً ثم يؤجل أمر المراسلة.
****
بعد ثلاثة أشهر من المتابعة، صرحت لجنة العلاج أن الطفل في حالة جيدة ويجب أن يغادر المستشفى.
اتفقوا بعد انتهاء المدة على مراسلة الأب من جديد، يجب عليه أن يأتي لاستلام الطفل، ولم يكن الرجل ليأتي ولا يتصل!
من المفهوم أنه لن يعود، ولن يرد طالما تأخر كل هذا الوقت، حينها اضطرت الإدارة أن تتصل برقم الأم المدون عندهم من الولادات السابقة.
ردت الزوجة قائلة بعد سماعهم: (لكن أنا لم أنجب حديثاً ولم أزر المستشفى مؤخراً).

ذو صلة