مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

عقوق

كان يجلس وحيداً في الحديقة، رغم تكاثر المارين من حوله، تسمّر في مكانه وفي يده ألبوم صورٍ يطالع فيه، تارةً يبتسم وتارةً أخرى يبكي..!
كانت السماء على وشك أن تمطر، البرق يلمع بشدة، منعكساً على نوافذ المبنى، والرعد يزمجر بقوة، ما جعل الحركة تخفّ في الخارج، ولكنه كان في مكانه منهمكاً بدفن رأسه في ذلك الألبوم..!
بدأ يتحدث بكل أريحية غير آبهٍ بالطقس من حوله:
آهٍ إنه ولدي يحيى عندما انكسرت رجله، كان في الثامنة من عمره، فقد سقط أثناء لعبه في المدرسة، لقد أتعبني جداً، لم يصبر ليتعافي.
أشار إلى إحدى الصور:
هذه سُهى جميلتي عندما تخرجت من الثانوية، عزمت أصدقائي المقربين ليشاركونا فرحتنا بنجاحها.
استمر في التقليب واستعراض مخزون ذاكرته المثقوبة..!
ارتفع صوته قليلاً بينما أشار بإصبعه إلى صورة شبه ممزقة!:
في ليلة زفافنا بدت كجميلة أسطورية، تشبه أميرات ألف ليلة وليلة..!
أخذ استراحةً من الحديث وتنهّد بعمق قبل أن يكمل:
السرطان خطفها مني في تلك السنة المظلمة، ولكنني بقيت وفياً لها.
وتغرغرت عيناه بالدموع..
لم ينتبه أن المطر بدأ يجلد الأرض بقسوة، والريح تقتلع الأزهار الصغيرة بوحشيّة من جوار مقعده، وحبّات البرد تتساقط فتقبّل ألبومه تاركةً خلفها صوتاً يذَّكره بشيءٍ ما،
لا يعرف ما هو..!
اقترب منه شابٌ ذو ملامح مبتسمة وأخذ بيده قائلاً:
عم سالم إنها تُمطر، لندخل قبل أن تُصاب بنزلة برد، فكل نزلاء الدار أصبحوا في الداخل، وبعضهم يغطّ الآن في نومٍ عميق.

ذو صلة