مجلة شهرية - العدد (590)  | نوفمبر 2025 م- جمادى الأولى 1447 هـ

العالم المبتكر للفنانين أدريان وكلير.. مزيج رائع من الفن والتكنولوجيا

أدريان موندوت وكلير باردين، فنانان فرنسيان شابان، أسرا العالم بعروضهما الفنية المذهلة التي تعتمد على الدمج بطريقة استثنائية بين الفن والتكنولوجيا. تجاوز الفنانان حدود الإبداع من خلال نهجهما المبتكر، وقدما معاً تجارب رائعة تدعو إلى الدهشة والإعجاب، منذ أن بدأت رحلتهما سوية بعد النجاح الذي حققه الفنان أدريان في بداية مشواره الفني.
بدأت هذه الرحلة عندما أطلق أدريان موندوت، وهو فنان متعدد المواهب ومتخصص في تكنولوجيا المعلومات وعلم الحركة، شركة خاصة في عام 2004، تركز على الدمج بين الفنون الرقمية والموسيقى والحركة، في الوقت الذي كان يعمل فيه شخصياً على استكشاف الروابط بين الابتكار التكنولوجي والإبداع الفني.
استقطب الفنان الشاب في مرحلة مبكرة اهتمام النقاد والجمهور، حيث فاز بعدة جوائز على الصعيد المحلي، من بينها جائزة مسابقة المواهب الشابة في عام 2004، والجائزة الكبرى للمسابقة الدولية (الرقص والتكنولوجيات الجديدة)، عن مبادرة (سينماتيك)، على هامش مهرجان باينس للفنون الرقمية في عام 2009.
في عام 2010، التقى أدريان بالفنانة كلير باردين، وهي فنانة ومصممة جرافيك، ومصورة سينوجراف حاصلة على شهادة علمية من (كلية استيان) الفرنسية ومدرسة (ديكو للفنون) في باريس. كان بحثها يتركز على العلاقة بين الرموز، والصور، والفضاء، واستكشاف التحولات بين العالمين الخيالي والحقيقي. في عام 2011، انضمت كلير باردين إلى أدريان موندوت في إعادة هيكلة الشركة سوية، وأطلقا عليها اسم (أدريان وكلير).
اليوم، يقود الفنانان أدريان وكلير فريق عمل رائع ومتكامل يتألف من 30 فرداً، ضمن هذه الشركة التي يقع مقرها في مدينة ليون الفرنسية. ومن بين أهم الأمور التي ينصب عليها اهتمام هذا الثنائي: الإنسان وجسده، وهما محور أكثر الأعمال التي يقدمانها، وذلك من خلال استخدام الأدوات المعاصرة والتكنولوجيا الرقمية إلى جانب العروض الأدائية وتسخيرها جميعاً في خدمة القصائد الشعرية الخالدة، وتطوير واستخدام لغة بصرية تعتمد على الحركة والمتعة لتحفيز الخيال.
يمزج أدريان وكلير ببراعة بين الفن والتكنولوجيا في كافة أعمالهما وعروضهما الفنية التي نجحت حتى الآن في طمس الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال. وغالباً ما تجمع هذه الأعمال بين الإسقاطات الرقمية والعناصر التفاعلية والمؤثرات البصرية المذهلة لنقل المشاهدين إلى عالم خيالي مختلف. ومن خلال الدمج بين التكنولوجيا والفن، تمكن الثنائي وفريق العمل المرافق لهما من تقديم أعمال مذهلة بصرياً وجذابة عاطفياً، كما أنها تتحدى تصورنا للواقع وتدعونا للتشكيك في حدود الفن.
مزيج رائع بين الفن والتكنولوجيا
يعمل أدريان وكلير باستمرار على دفع حدود ما هو ممكن باستخدام التكنولوجيا في الفن. وللوصول إلى هذه الغاية؛ طور الثنائي برنامجاً خاصاً، أطلقا عليه اسم (eMotion)، يسمح لهما بمعالجة الصور الرقمية وتحويلها إلى عروض تفاعلية بالاستفادة من تقنية (الوقت الفعلي). يعد هذا البرنامج بمثابة العمود الفقري للعديد من أعمالهما الفنية، حيث يمكن من خلال البرنامج إنشاء صور مرئية سريعة الاستجابة تتكيف مع حركات فناني الأداء أو الجمهور.
بالإضافة إلى هذا البرنامج، يستخدم أدريان وكلير أيضاً مجموعة متنوعة من التقانات المتطورة، من قبيل أجهزة استشعار العمق وأجهزة العرض الاستثنائية والكاميرات الدقيقة، لالتقاط ومعالجة المساحة المادية التي يتم عرض الأعمال فيها. ومن خلال الاستخدام الذكي لهذه التقانات، تمكن الثنائي من تقديم مجموعة رائعة من الأعمال الفنية والتجارب غير التقليدية التي استطاعت نقل المشاهدين إلى بعد آخر، ودفعهم في كثير من الأحيان للانغماس في العمل والسفر عبر الزمان والمكان إلى العالم الافتراضي الغريب الذي تجري أحداث العمل فيه.
بالإضافة إلى ذلك، تعاون أدريان وكلير مع مجموعة واسعة من الفنانين والموسيقيين وفناني الأداء، لتنفيذ عدة أعمال وعروض فنية، انطلاقاً من قناعة الثنائي بأهمية التعاون لإثراء رؤيتهما الفنية، وإضفاء الحيوية على أعمالهما الاستثنائية.
ومن بين أهم الأعمال التي اعتمدت على التعاون الكامل مع فنانين آخرين معروفين كان العرض الفني المعروف باسم (بياض الثلج)، وهو عرض باليه معاصر للقصة الألمانية الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه، يدمج الإسقاطات الرقمية بسلاسة في الأداء. قدم أدريان وكلير هذا العمل بالتعاون مع مصممة الرقصات الشهيرة أنجيلين بريلجوكاج، وتلقى العمل إشادة كبيرة من النقاد، وعزز سمعة الثنائي في ريادة مجال الفن والتكنولوجيا.
مشاريع وأعمال فنية مدهشة
تتضمن مجموعة أعمال أدريان وكلير العديد من العروض الفنية الممتعة التي نالت استحسان النقاد والجمهور، ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل على الصعيد العالمي أيضاً. وأحد أبرز هذه الأعمال هو العرض الفني المعروف باسم (بيكسيل)، وهو عمل أدائي يتفاعل فيه الراقصون مع العروض الرقمية ضمن تقنية (الوقت الفعلي). ومن خلال استخدام تقنية تتبع الحركة، يصبح الراقصون جزءاً من الصور المعروضة، مما يطمس الحدود بين العالمين المادي والافتراضي. ويصف الثنائي هذا العمل بالقول استخدمنا الصور بشكل خدعة فنية، فنحن نريد تشويه الإدراك، وطمس الخطوط الفاصلة بين ما هو حقيقي وما هو كاذب، وتجاوز الحدود اليومية للواقع، وكشف الأشياء غير (الممكنة).
من الأعمال الفنية المهمة الأخرى العرض الفني المعروف باسم (هاكناي)، الذي يستوحي اسمه من الكلمة اليابانية (هاكناي)، وتعني الشيء الهش أو غير الثابت أو مرحلة الانتقال بين الحلم والواقع، وهذا ما حاول الثنائي استكشافه وتجسيده في هذا العمل، إذ تأخذ هذه التجربة الغامرة شكل عرض رقص منفرد في مساحة على شكل مكعب، ويتم التقاط حركات الراقصة بواسطة أجهزة الاستشعار، مما يؤدي إلى تفاعل مذهل بين الراقصة، من خلال جسدها وحواسها، مع التأثيرات المرئية المرافقة.
أما عرض (اللحظة الأخيرة)، فهو تجربة رمزية، تدور حول مفهوم الدقيقة، أو كما يقول الثنائي (أي دقيقة، كالدقيقة التي تسبق عبور العتبة، أو الدقيقة التي تسبق الموت أو التي تسبق الولادة). ويضع الفنانان الحضور أمام هذا المفهوم البسيط والعميق على مدار 30 دقيقة، ضمن عمل تركيبي في مساحة مليئة بالصور والمؤثرات الرقمية والموسيقى، ما يتيح للجمهور الانخراط بشكل جماعي في تجربة محورية لما قبل اللحظة وما بعدها.
ويتكرر المشهد في العمل الفني الذي يسمى بـ(النواة)، وهو عبارة عن عمل تركيبي مدته خمس دقائق يجمع بين الفيديو والموسيقى، ويؤدى على مساحة كاملة بزاوية 360 درجة، ويتناول مفهوم النواة برؤية فنية جديدة. ويصف الفنانان هذه الرؤية بالقول: «مثل الإشعاع المتناهي الصغر لنجم في الكون، النواة عبارة عن إيقاع، تدفق، القلب النابض لنبضاته، الملخص السيمفوني لهذا العالم».
أما العمل الأجمل الذي قدمه الثنائي من وجهة نظري، وسنحت لي الفرصة لزيارته، فهو معرض (سراب ومعجزات)، ويتضمن مجموعة من الأعمال التركيبية المشبعة بالروحانية الرقمية. تتراوح هذه المجموعة من أعمال صغيرة محدودة الحجم إلى أعمال كبيرة نسبياً، وتوفر تطابقاً دقيقاً بين العالمين المادي والافتراضي باستخدام الرسومات المعززة، والأوهام المجسمة، وسماعات الواقع الافتراضي، والإسقاطات واسعة النطاق.
يقدم هذا المعرض مجموعة فريدة من السيناريوهات غير المحتملة التي تدور حول مفهومي السراب والمعجزة، وتتلاعب بالحدود بين الحقيقة والخيال، والحيوية والجماد، والأصيل والمخادع، والسحري والعجيب، والموصوف وغير الموصوف. ويمكن القول إن هذا المعرض يختلف كثيراً عن الأعمال الأخرى التي قدمها الثنائي والتي كانت تعتمد في معظمها على التفاعل الحي بين الفنان الذي يؤدي العرض الفني أو الجمهور الحاضر مع المؤثرات الرقمية المرافقة.
في الواقع، ما إن وضعت قدمي في قاعة هذا المعرض حتى لمست هذه الحقيقة وشعرت بروعة الأعمال المعروضة، وأدركت بأنني أمام تجربة استثنائية لا تشبه أي تجربة فنية سابقة عرفتها أو سمعت بها من قبل، فالأعمال المعروضة ليست نمطية، ولا يمكن توقع حركتها والحدود التي يمكن أن تقف عندها، فهي تجمع بين الواقع والخيال، وتتجاوز ببساطة حدود الزمان والمكان، وقيود الجاذبية والفضاء، وتتحرك بانسياب في عالمها الخاص الذي لا يخضع لأي من قوانيننا الأرضية المقيدة، بل العالم الذي يتخيله الفنانان وفريق العمل المرافق لهما.
تأثير عميق على عالم الفن
يرى كثير من النقاد أن الأعمال التي قدمها الثنائي أدريان وكلير والتي اعتمدت بشكل أساسي على الدمج المبتكر بين الفن والتكنولوجيا؛ كان لها تأثير عميق على عالم الفن. فقد تحدّت أعمالهما، وفقاً لرؤية البعض، «المفاهيم التقليدية لما يمكن أن يكون عليه الفن، وفتحت إمكانيات جديدة للتعبير الإبداعي». ومن خلال تبني التكنولوجيا أداةً للاستكشاف الفني؛ فقد ألهم هذا الثنائي جيلاً جديداً من الفنانين للعمل بجهد لدفع حدود ممارساتهم الفنية الخاصة.
وقد عُرضت الأعمال والعروض الفنية التي صممها الثنائي أدريان وكلير في العديد من المعارض الفنية والمتاحف المرموقة في جميع أنحاء العالم، ما اجتذب جمهوراً متنوعاً يضم عشاق الفن والتكنولوجيا على حد سواء. ونجح أدريان وكلير في سد الفجوة بين هذين العالمين، ما يدل على أن الفن والتكنولوجيا يمكن أن يتشاركا بانسجام ويوّلدا تجارب فنية حقيقية.
يمكن القول بالمحصلة إن أدريان وكلير هما رائدان حقيقيان في عالم الفن والتكنولوجيا، فمن خلال رؤيتهما الفنية الاستثنائية واستخدامهما المبتكر للتكنولوجيا، تمكن هذا الثنائي من ابتكار تجارب غامرة وتحويلية تتحدى تصورنا للفن. ومع استمرار التكنولوجيا في التقدم بوتيرة سريعة، من الواقع الافتراضي إلى الذكاء الاصطناعي؛ فإن إمكانيات الدمج بين الفن والتكنولوجيا لدى أدريان وكلير لا يمكن توقع حدود لها، فهما يقومان باستمرار بتجربة تقنيات جديدة واستكشاف الإمكانات الناشئة لدفع حدود أعمالهما إلى مناطق جديدة أبعد كثيراً مما هي عليه اليوم.
ذو صلة