متى استمعتَ لطاحونِ الملاحمِ إذْ
تدورُ فينا رحى فَكَّيْهِ؟ -قلتُ له-
ولمْ تَقِفْ عندَهُ تُحصي مناجِلَهُ؟
فقالَ: تنحتُ فينا البيدُ خيبتَنا
كما تُريدُ، فإنْ فَتَّشتَ فيكَ تجدْ
سفينةً عَلِقَتْ وسطَ النفودِ على
أطرافِ هاويةٍ تُفضي لِهاويةٍ،
وربما راية صاحتْ مُهلهلَةً،
حمراءُ تَخفقُ في ميدانِ معركةٍ
والريحُ تنسجُ في بُطءٍ حكايتَنا:
وجوهَ من رحلوا، ذابتْ ملامِحُهم
فينا، وما عادَ يُجدينا تذكُّرُها.
صوتُ الوداعِ وقد أنَّتْ ركائِبُهُ
على غروبٍ غَضى الأيّامِ يُشعلُهُ.
والبيدُ ملحُ حكاياتٍ ونايُ صَبا،
جرى فُتاتَ عرارٍ من حوافِرَ لا
تُرى، شقائقُ نُعمانٍ مُجفَّفةٌ،
ومخلبٌ يَختفي في كُمِّ مخمَلِهِ
فقلتُ: ما ضجَّ من بينِ الجوانحِ من
صليلِ أفئدةٍ محنيّةٍ، ومُدى
تجولُ، في داخلٍ يصطكُّ ملتحماً،
وخارجٍ سابحٍ ينسلُّ منسرحا،
هلْ كانَ ثمّةَ شيءٌ لا نُحِسُّ بهِ؟
صمتٌ تقنَّع بالأثلِ العجوزِ وقدْ
رأى قوافلَ منْ مرّوا، وقدْ حملتْ
ظهورُها قصصَ الناجينَ حيثُ نجَوا،
والهالكينَ على حدِّ الهوامشِ. منْ
أينَ الهروبُ على أرضِ السماءِ؟ ترى
وجوهَ مَنْ قُتِلوا، في الجوِّ سابحةً،
تجولُ ليلاً على هذي السَباسبِ. قدْ
تُعدُّ مَصيدةً للقاتلينَ على
تلكَ التخومِ التي شابتْ تُلاحقُهم،
فمنْ يُعدُّ لنا أسماءَهم صُحفاً
صُفراً نُعلِّقُها فوقَ المنائرِ أو
على الجبالِ التي تلتفُّ سلسلةً
تعضُّها غابةٌ دهماءُ شائكةٌ؟
والصامتونَ الذينَ استسلموا وجرَوا
معَ القطيعِ، متى تُبنى مدائنُهم
على سواحلَ بيضٍ نصفُ نائيةٍ؟
والقاتلونَ، متى تعلو بيارِقُهم
فينا، وقد مالتِ الدنيا بكفّتِها؟