مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

الطائف.. بستان مكة تاريخ عريق وطبيعة خلابة

الطائف مدينة هادئة، ذات تاريخ عريق وطبيعة خلابة، تحبها لأول خطوة على أرضها، ولأول نظرة إلى أرجائها، هي إحدى أقدم مدن الحجاز، وملتقى طرق شبه الجزيرة العربية، تقع على جبل غَزْوان أحد جبال السَّرَوات الضخمة في غرب الجزيرة العربية، وهي البوابة الشرقية لمكة المكرمة، وتتبع إمارتها إداريّاً، وأشهر من سكنها من قبائل العرب ثقيف وهوازن، وحظيت على مر تاريخها بمكانة كبيرة ساهم في صنعها قربها من مكة، وهي إحدى القريتين اللتين أشارت إليهما الآية الكريمة (وقالوا لَولا نُزِّل هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتينِ عظيمٍ).

تاريخها
يذهب أغلب المؤرخين إلى أن تاريخ الطائف يعود إلى عصر العماليق، وأنهم أول من سكنوها على جانبي وادٍ كبير بها سُمي بـ(وادي وِجّ) نسبة إلى أحد زعمائهم هو (وِجُّ بن عبدالحي)، ثم أُطلق الاسم على القرية الناشئة، وتعاقبت عليها قبائل عديدة أشهرها إياد وعُدوان، إلى أن قدِمت إليها قبيلة ثقيف، فسادتها، وشيَّدت حولها حائطاً يُطوِّفها لحمايتها من غارات القبائل المجاورة حيث تكثر بها الآبار والمراعي، والأراضي الصالحة للزراعة، ومنذ ذلك الحين عُرفت باسم الطائف، نسبة إلى ذلك الحائط، وقد أشار إليه شاعرها أُميَّة بن أبي الصّلت في قوله:
نحن بَنَيْنا حائطاً حَصينا
يقارعُ الأبطالَ عن بَنِينا
وذكره أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
مَنعنا أرضنا من كل حيٍّ
كما امتنعتْ بطائفها ثقيفُ
مع ظهور الإسلام عادت الطائفُ النبيَّ وأصحابَه، وآذته في رحلته الشهيرة إليها، وحاربته في حُنين، إلا أنها بعد إسلامها صَدَقت وثَبتَتْ، ثم شاركت في حروب الردة، وحمل الكثير من أبنائها مشاعل الدعوة إلى الآفاق، وتشرفت أرضها باثنين من مواقيت الإحرام هما ميقات قَرْن المنازل (السيل الكبير)، وميقات وادي محرم.
في عام 631م دخلت الطائف في الإسلام، وولَّى النبيُّ عليها عثمانَ بن أبي العاص الثقفي، ثم حظيت بكثير من الاهتمام في عهد الخلفاء الراشدين والحكام الأمويين، لكنها أُهملت في العهد العباسي، وظلت تعاني التهميش حتى وَلِيَ الأشراف من نسل الحسن بن علي سنة 968م أمر منطقة الحجاز، ولأن الطائف جزء منها بدأت تزاحم في لعب دورها من جديد، وفي عام 1350م بسط المماليك سيطرتهم على الحجاز، ثم طردهم منه العثمانيون سنة 1517م، وأبقوا ولايته في يد الشريف بركات بن حسن بن عجلان، على أن يكون تابعاً لهم، إلى أن قامت الثورة العربية ضد العثمانيين سنة 1916م، فدخلت بعض قواتها الطائف بقيادة عبدالله بن الشريف حسين وطردت الحامية العثمانية منها، وحكمها الأشراف إلى أن ضمها الملك عبدالعزيز آل سعود سنة 1924م لحكمه في مسيرته لتوحيد المملكة، لتصبح مدينة سعودية، ومن ثم أخذت حظها من التطور والتنمية شأنها شأن جميع مدن المملكة، وهي اليوم عاصمة لمحافظة تحمل الاسم نفسه تضم أكثر من ثلاثين مركزاً إداريّاً، وتتبعها أكثر من ألْفَيْ قرية، وتعتبر الطائف رابع أكبر محافظات منطقة مكة المكرمة مساحةً، وثالثها سكاناً، ويربطها بالعاصمة المقدسة طريقان رئيسان هما طريق السيل التي تنحدر بسلاسة من الطائف إلى مكة، وطريق الهَدا التي تنحدر بشدة في منعطفات كثيرة ومتتالية في بدايتها من أعلى جبل الهَدا حتى تلتقي أسفل الجبل بطريق تؤدي مباشرة إلى مكة.
مناخها وزروعها
يعتدل مناخ الطائف أغلب أيام السنة، ويعد جوها أفضل أجواء مدن الحجاز، شتاؤها بارد تنخفض درجة الحرارة في بعض أيامه إلى ثلاث درجات مئوية، وفي بعض أيام الصيف تصل درجة الحرارة إلى 39 درجة مئوية، وفي حين تتساقط الأمطار على مدار الفصول الأربعة، إلا أنها تَغزُر في فصلَي الشتاء والربيع، وتمتاز أرضها بتنوع تضاريسي عجيب يضفي عليها وقاراً وبهجة ولُطفاً، ما بين جبال تحيط بها، ووديان، وسهول تنتشر بها مزارع العنب والرمان والتين والورود، مما أَهَّلَها لأنْ تصبح أَهم مقصد سياحي صيفي لسكان المملكة والكثير من سكان دول الخليج العربي، ومن ثم أصبحت تُعرف بمصيف المملكة وعروس المصايف، كما أصبحت من أهم مدن المملكة المستضيفة للمؤتمرات السياسية، والفعاليات الثقافية والرياضية، المحلية والإقليمية.
منذ القدم كان لهواء الطائف وزروعها وعيونها سمعة طيبة ذائعة الصيت في الجزيرة العربية وخارجها، تذخر بتفاصيلها كتب الرحالة والمستشرقين والمؤرخين، فقد وصفها المستشرق الفرنسي لويس سِيديو بأنها (المصيف الأول لأهل مكة)، وقال عنها ياقوت الحموي في معجمه: (مدينة ذات مزارع ونخل وأعناب وموز وسائر الفواكه، وبها مياه جارية وأودية، وفي أكنافها كروم على جوانب ذلك الجبل، وفيها من العنب العذب ما لا يوجد مثله في بلد من البلدان، وأما زبيبها فيضرب بحسنه المثل، وهي طيبة الهواء شمالية، ربما جمُد فيها الماء في الشتاء، وفواكه أهل مكة منها)، ووصفها المؤرخ المصري الدكتور حسن إبراهيم في كتابه (تاريخ الإسلام) بأنها (بستانٌ ونزهة لأهل مكة).
معالمها التاريخية والطبيعية
تنتشر بالطائف العديد من المواقع والمعالم التاريخية التي ساهمت في صنع تاريخها، وتشكيل ملامحها الثقافية، قبل الإسلام وبعده، أهمها:
-سوق عُكاظ التاريخية: أشهر أسواق العرب في الجاهلية، وملتقى الشعراء الجاهليين، ويقام فيه الآن مهرجان سنوي تتخلله أنشطة ثقافية وفنية، ولأهمية سوق عكاظ التاريخية عامة، والشعرية خاصة، فقد قررت أكاديمية الشعر العربي (ومقرها جامعة الطائف) أن تكون الطائف أول عاصمة للشعر العربي في عام 2022م.
-وادي وِجّ: أشهر وديان الطائف الذي يخترقها من جنوبها الغربي إلى شمالها الشرقي مُقسِّماً المدينة إلى نصفين وإليه تنحدر الكثير من الأودية والروافد فتصب مياهها فيه، وباسمه عُرفت المدينة قبل أن تعرف بالطائف.
-ديار بني سعد: جنوبي الطائف، وهي موطن حليمة السعدية مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها كانت حادثة شق صدره.
-قبر ومسجد عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ابن عم النبي وحبر الأمة الذي هاجر إلى الطائف أواخر حياته، فعاش بها حتى مات ودفن بها سنة 687م.
-سد سِيسِيد: شُيد سنة 678م في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، ليعترض مجرى وادي سِيسِيد شرق الطائف، ويبلغ طول السد 58 متراً، وعرضه أربعة أمتار تقريباً، وارتفاعه ثمانية أمتار ونصف المتر.
-بيت الكاتب: أحد القصور التاريخية في المدينة، شيده صاحبه محمد علي عبدالواحد، كاتب الشريف عون في العهد العثماني سنة 1898م، وقد استأجره الملك فيصل بن عبدالعزيز -ومن بعده أبناؤه- للإقامة به صيفاً، ثم خصصته دارة الملك عبدالعزيز ليكون مقرّاً لمركز تاريخ الطائف.
-قصر شُبرا: بناه الشريف علي عبدالله بن محمد بن عبدالمعين بن عون باشا سنة 1904م في العهد العثماني، ثم حولته السلطات السعودية إلى متحف جمعت به آلاف القطع الأثرية، وقد وصفه خير الدين الزركلي في رحلته إلى الطائف سنة 1920م بأنه (أفخم بناء في الطائف والديار الحجازية).
-منطقة الهَدا: نسبة لجبل الهَدا، وهي إحدى المنتجعات الطبيعية في المملكة، تقع على الحافة الغربية لمرتفعات جبال الحجاز، وتطل مباشرة على سهول تهامة، وترتفع عن سطح البحر بحوالي أَلفَي مترٍ، وهي مزار سياحي يُقصَد للاستمتاع بمشاهدة قمم الجبال.
-مسجد عدّاس: نسبة إلى عدّاس مَولى عتبة بن ربيعة، وقد بُني في المكان الذي استراح فيه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته الشهيرة إلى الطائف.
-قلعة باب الرِّيع: تقع غربي المدينة على هضبة مرتفعة، وهي من المعالم التي تم هدمها ليقام مكانها منشآت حكومية، وكانت قلعة مربعة الشكل بها أربعة أبراج، وكان تحتها نفق يصل بينها وبين ثكنة عسكرية بالقرب منها يطلق عليها القشلة.
-منطقة سوق البلد المركزية: أكبر أسواق المدينة، وتضم مئات المحلات والدكاكين التجارية، وتمثل المباني التراثية ذات المشربيات الخشبية أكثر من 60% من مبانيها، ولها ثلاث بوابات ضخمة في مداخلها الرئيسة هي الرِّيع والحزم والعباس.
-برج قلب الطائف، فندق سياحي يتوسط المدينة وتلتقي عنده روافد أغلب طرقها، افتتح سنة 2006م، وهو أعلى مباني الطائف إذ يبلغ ارتفاعه 150 متراً، ويضم ثلاثين طابقاً، يستمتع رواده بإطلالة رائعة على أحياء المدينة وأظهر معالمها.
-بساتين الورود: حيث تنتشر بالطائف ما يقرب من ألف مزرعة للورود، أغلبها في منطقتي الشَّفا والهَدا، تقوم عليها صناعة العطور التي يُصدَّر الكثير منها إلى الخارج، كما تضم الطائف الكثير من الحدائق والمتنزهات ذات المساحات الكبيرة كمتنزه الرُّدَّف الذي تبلغ مساحته حوالي نصف مليون متر مربع، ويضم حديقة للحيوانات.

ذو صلة