مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

(العرب) والآخر

لا يسكن المرء بلاداً بل يسكن لغة، فاليوناني حين يلتقي بأبناء جلدته فإنهم لا يقولون إنهم من اليونان بل من هيلاس، كما أن البولندي هو بولسكي، والسويدي سفنسكي، والكوري الجنوبي هنقوك، والياباني من نيهون، والهندي من بهارات، والمجري من هنغاريا، والألماني من بلاد الدويتشه، والفنلندي سوميني، والكرواتي هارفاتي. ولكل بلد ما يراه أهله وما يراه الآخرون فيه.أُطلِق على العرب عددٌ من الأسماء، تشي بتصوّر المجتمعات لهم. ولتلك الأسماء دلالات دينية أو جغرافية أو عرقية.
عُرفوا بـ(الهاجَرِيين)، إشارة إلى أن العرب أبناء إسماعيل وَلَد هاجر أَمَة إبراهيم. وفي بداية احتكاك الغرب بالإسلام عن طريق عرب الحجاز، أطلقت عليهم أسماء كثيرة باللغات السريانية واليونانية والأرمنية، تصف العرب الفاتحين لبلاد ما بين النهرين وسوريا ومصر بهذا الاسم.كما عرف العرب ب (السَّراسِنة). وأتى هذا الاسم من اليونانية القديمة. وأُطلق قبل مجيء الإسلام بقرون على قبائل عربية أقامت في بادية الشام وفي طور سيناء. وبقي شائعاً حتى القرن السادس بعد الميلاد حين بات يدل على العرب عامة.
وعُرف المسلمون بـ(الأتراك) في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي في شطر من أوروبا عن طريق العثمانيين. ثم أُطلِق الوصفُ على سائر المسلمين سواء أكانوا أتراكاً أم غير ذلك، وتبدد هذا الاسم قبل قرنين تقريباً.
وعرفوا بـ(المُحمَّديين) ودلالة هذا الاسم دينية بخلاف الأسماء الأخرى التي تدل على عرق أو موطن. وهو مشابه للفظ (المسيحيين) نسبة إلى المسيح و(البوذيين) نسبة إلى بوذا. وفي الأدب الغربي الشعبي، ورد اسم (المحمّديون) في الكتابات الفكرية، وأبرزها كتابات الألماني مارتن لوثر في القرن السادس عشر، ومفكري تلك الحقبة.
وعرفوا بـ(المُور)، وهو اسم قديم أطلقه الرومان على سكّان الساحل الأفريقي الشمالي، وموطنهم (موريتانيا). وينتمي هؤلاء إلى مجموعة أوسع هم البربر. وفي الأندلس، أُطلق (البربر) على المسلمين الفاتحين من العرب والبربر. والأخير مصطلحٌ جغرافي يصف القادمين من شمال غرب أفريقيا. وبقي يُعرف به المسلمون الذين اختاروا البقاء في إسبانيا حتى بعد سقوط غرناطة عام 1492م.
وفيما يتعلق بأصل مفردة «عرب» ومعناها، فقد اختلف علماء اللغة على تفسيرات معنى الكلمة ومصادر اشتقاقها. فقد وجدوا أن معنى (عرب) في التوراة هو البداوة وعيش البادية. وحملت كلمات (عرب) و(عربيم) و(عربئيم) في التلمود نفس المعنى الذي ورد في أسفار التوراة. كما أصبحت لفظة (عربي) مرادفة أحياناً لكلمة (إسماعيلي) نسبة إلى سيدنا إسماعيل، جد العرب، والأخ الأكبر لإسحاق، والد يعقوب أو إسرائيل، جد اليهود.
وكان الإغريق، في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، يتحدثون عن العرب في كتاباتهم، ويعنون بها أهل البادية وشبه جزيرة العرب الواقعة إلى الشرق من نهر النيل. ثم عمد (هيرودوت) إلى إدخال سيناء وكل الأقسام الشرقية من مصر، بين سواحل البحر الأحمر ونهر النيل، ضمن بلاد العرب.
وعُرفت كلمة (عرب) في الحضارات الشرقية القديمة على اختلافها. وأولها الآشورية التي تضمّنت لغتها أقدم لفظ لكلمة عرب التي وردت في أحد نصوصها في عهد الملك شلمنصر. وتعني بالآشورية، كما الآرامية، (بداوة) أو (إمارة)، وفي الحضارة البابلية، تعني كلمة (عرب) أهل البادية، وفق كتابات بابلية وردت فيها عبارة Matu Araabaai، أي أرض العرب.
وحول اللغة العربية ثقافة وانتشاراً، فإنها تُعد من أهم اللغات في العالم وأغناها، ترسخت جذورها قبل الإسلام وشاعت مع انتشاره. وشكلت حافزاً لإنتاج المعرفة وبثّها، وساعدت على نقل العلوم والفلسفة اليونانية والرومانية إلى آسيا والفلسفة الصينية والهندية إلى أوروبا. وأتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.
وحسب إحصائيات الأمم المتحدة، يُقدر عدد متحدثي اللغة العربية بنحو 310 ملايين ناطق كلغة أم، ويصل إجمالي عدد متكلميها، بما في ذلك الناطقون باللهجات المحلية، إلى أكثر من 420 مليون شخص. وهي ثاني أكثر الأبجديات انتشاراً في العالم. وتستعمل أحرفها لكتابة لغات أخرى، كالفارسية والأفغانية والكردية.
وصل عدد مفردات اللغة العربية إلى ما يزيد على 12 مليون كلمة فريدة، أي 20 ضعف عدد مفردات اللغة الإنجليزية (600 ألف).
ويرجع أهل الاختصاص أصل كلمة (عرب) إلى الإبانة والإفصاح لكونهم أهل الفصاحة والبلاغة. فلا عجب أن تظل هذه اللغة حية ومفعمة بالجمال رغم التقصير الواضح من أهلها إزاءها.

ذو صلة