مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

محمد القبانجي.. سيرة مختصرة وإبداع

مطرب المقام الأول في العراق في القرن الماضي، عاش ما بين 1904 و1989. اسمه محمد عبدالرزاق الطائي، لقب بالقبانجي وهو لقب يطلق على من يمتهن وزن المحاصيل الزراعية بالقبان أي الميزان، والتي كانت مهنة والده ومهنته في صباه، أجاد غناء الموشحات والمقامات والبستات (نوع من الغناء البغدادي) وهو بعمر 12 سنة، وجدد حسب ما ذكره بعض العارفين في المقامات العراقية ذلك اللحن من الموسيقى العراقية التراثية.
لقب بمطرب العراق الأول في المؤتمر الثاني للموسيقى الشرقية في القاهرة سنة 1932م بحضور الملك فؤاد ملك مصر. وقد تنافس مع الفنانة أم كلثوم والفنان محمد عبدالوهاب.
مارس محمد القبانجي في أيام شبابه التمثيل المسرحي في فرقة حقي الشبلي عام 1927. أصر أن يكون فيما بعد تاجراً في الحبوب لئلا يعتمد في معيشته على الغناء ولأجل أن يحافظ على موقعه الاجتماعي والاكتفاء المادي.
تحدث حمودي الوردي عن نسبه ومولده قائلاً: «هو أبو القاسم محمد بن عبدالرزاق بن عبدالفتاح يرقى نسبه إلى قبيلة (طي) وقد انسجم الاسم الجليل (محمد) مع شخصيته حيث أصبح فيما بعد في عداد الفنانين العظام، أما جده فهو عبدالفتاح من سكنة مدينة الموصل.
ولد محمد القبانجي في الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني سنة 1907 في جانب الرصافة من بغداد (وقد اختلفت الآراء في تاريخ ميلاده، ما بين 1897 إلى تاريخ 1907 ولكن الاعتقاد الأرجح أن الميلاد الدقيق هو 1901).
تزوج بابنة عمه عبدالجبار الذي شمله برعايته وتوجيهاته الحكيمة وقد رزقه الله منها ولدين هما (قاسم وصبحي) وعدداً من البنات»، أما عن كنيته وملامحه فقال: «كنيته (أبو قاسم) نسبة إلى ابنه الكبير، أما لقبه فهو (القبانجي- الكبنجي) وهو لقب عائلته إذ كان معظم رجالها يزاولون التجارة وحرفة كيل الطعام بالقبان (الكبان ويلفظ بالكاف الأعجمية المضخمة)، وهو طويل القامة ولونه أبيض مصحوب باحمرار، ذو محيا بشوش وثغر لا تفارقه الابتسامة وله مظهر وقور يبعث في نفوس الناظرين إليه الغبطة والانشراح والمهابة والاحترام، وله صوت موسيقي النبرات وبوسعه أن يرفعه فيصدح صداح البلبل، أو أن يخفضه فيبدو غليظاً رصيناً، وقد أحرز بصوته الفريد قصب السبق في جميع مجالات الغناء في العراق وانتشر له صيت بعيد، وهذه الصفات الحميدة والمواهب الفريدة جعلته يعيش سعيداً مرفهاً، وكان فضل الله عليه عظيماً، ولم تكن له إقامة في مكان واحد ففي بادئ الأمر كان مقيماً مع عائلته في محلة شعبية تدعى (سوق الغزل) بجانب الرصافة من بغداد، ثم انتقل منها إلى محلة (حمام المالح) وبعد فترة قصيرة عاد إلى محلته الأولى ومنها إلى محلة (صبابيغ الآل) وهناك توفي والده وتوفيت شقيقته (صبيحة) فتألم كثيراً وباع هذه الدار بثمن زهيد وشد الرحال إلى محلة (السنك) ومنها إلى كرادة مريم، ولكنه ألقى عصا الترحال بداره الجديدة في حي (الحارثية) بجانب الكرخ من بغداد بالقرب من مسجده الذي شيده على نفقته الخاصة».
كان منذ طفولته يستمع إلى الأرقام والأسعار في التجارة والقبانة. وفي نفس الوقت يستمع إلى الألحان والأغاني في عالم الفن والطرب، وأخذ أصول المقام من والده المرحوم عبدالرزاق القبانجي الذي كان يهوى المقام ويقرؤه لنفسه وللمقربين منه، وحرص الصبي محمد القبانجي في سنوات طفولته ثم صباه على أن يرافق والده في الموالد، وتطورت هوايته فبدأ يحفظ الأغاني والأناشيد ويرددها. ثم عشق الشعر فحفظ منه الكثير برغم صغر سنه، وبعد فترة قادته هوايته إلى الأماكن الشعبية والمقاهي الكبيرة التي كان يغني فيها كبار الفنانين وفي هذه الأماكن استمع إلى كل ألوان الغناء السائد وقتئذ في بغداد، وبدأ يتابع الفرق والمطربين محاولاً صقل موهبته الفنية.
يروي لنا الأستاذ (ثامر العامري في صفحة 16 - 21) في كتابه -شخصيات عراقية- محمد القبانجي، الذي صدر عن دائرة الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة والإعلام- سنة 1987- بغداد... حيث يقول:
وفي مقهى قدوري العيشة طُلبَ ذات يوم من الشاب محمد القبانجي أن يغني شيئاً مما حفظه من المقامات وكان السائل هو المطرب سيد ولي وقال بالحرف الواحد: «يا محمد أنت لك خمس سنوات متابعة في هذه المقهى ماذا تعرف عن المقام نريد أن نسمعك».
فلبى الطلب وغنى، وبعد الانتهاء قيل له إنك احتفظت بالجوهر ولكن لماذا لم تتبع طريقتنا في الأداء؟ فرد عليهم (قدوري العيشة) إنه أحسن منا، دعوه يغني حسب طريقته الجديدة، وجميل أن يحتفظ بجوهر الغناء.
ومن محاسن الصدف، ففي سنة 1925 وصلت إلى بغداد بعثة من شركة (هز ماسترز فويس) البريطانية، كان هدفها تسجيل بعض أغاني مشاهير الفنانين في العراق، واستمع خبراء الشركة إلى الكثيرين الذين كانوا يكبرون محمد القبانجي سناً ومقاماً وشهرة، ولكنهم توقفوا مبهورين وهم يسمعون صوت الشاب محمد القبانجي.. وكان في أواسط العشرينات من عمره، فسجلت له الشركة مجموعة من الأسطوانات تفوق عدد ما سجلته للمطربين الآخرين ويبدو أن هذه الأسطوانات لاقت رواجاً كثيراً خلال السنوات الثلاث التالية فقد فوجئ محمد القبانجي بدعوة من شركة بيضافون في عام 1928 لتسجيل جميع المقامات العراقية والأغاني التي تسمى بستات في أكثر من سبعين أسطوانة بصوته فقط دوناً عن غيره من المطربين وكان في السابعة والعشرين من عمره، وكانت هذه الفرصة مكافأة له على إخلاصه لأسرته ووفائه لأهله فقد انتهت مشاكله المادية وعادت الأسرة لتعيش في مستوى كريم، ونجح نجاحاً كبيراً رغم أنه لم يدرس الموسيقى والغناء في معهد متخصص أو في أي مدرسة وكان هذا الحدث حدثاً مهماً ليس في تاريخ محمد القبانجي وإنما في تاريخ الموسيقى العربية عامة والعراقية بشكل خاص.
عندما كان في برلين، ورده خبر كاذب عن وفاة والده الذي تركه طريح الفراش مما أثار لديه مشاعر حزينة جعلته يلوم نفسه كونه بعيداً عن والده واستمر في التسجيل وهنا ولد مقام اللامي فقد كان يؤدي أبياتاً من (الأبوذية) وهي شكل من أشكال الغناء مثل العتابة ومن مقام البيات وأثناء الغناء خرج القبانجي عن نغم البيات المعروف، وبعد إكمال الغناء والتسجيل، سألوه: «ما الذي غنيته؟» قال: «أبوذية» قالوا: «غنيته بنغم مختلف يا أستاذ» وعندما أعادوا التسجيل ودونوا النوتة الموسيقية وجدوا مقاماً جديداً أسماه مقام اللامي، وهذا المقام في الحقيقة مقام قديم لكنه كان متروكاً ولا يستخدمه المغنون.. ويعود الفضل إلى القبانجي في إظهاره وتنشيطه وتوسيعه، ونشره بين جمهور المستمعين، حيث أنشد فيه القبانجي يقول:
علام الدهر شتتنا وطرنا
عكب ذاك الطرب بالهم وطرنا
ألف يا حيف ما كضينه وطرنا
ليالي اللي مضت متعود ليه
وهي باللهجة البغدادية الدارجة، وتفسيرها:
(لماذا يا ترى فرقنا الزمن، كل في ناحية؟)
(بعد أن انتشينا بالغناء الذي لم يدم، غلبنا الهم)
(مع الأسف الشديد (ألف يا حيف)، لم نلحق ونحصل على ما كان يجب الحصول عليه)
(لن ترجع أيامنا الجميلة الماضية)
شارك الأستاذ محمد القبانجي في المؤتمر الأول للموسيقى العربية في القاهرة 1932
عندما قررت الحكومة العراقية قبول الدعوة للاشتراك في المؤتمر الأول للموسيقى العربية في القاهرة عام 1932 كان قرارها مشروطاً بأن يكون ما يقدمه الوفد العراقي خاصاً بالعراق وليس مشابهاً لما تقدمه وفود الدول العربية الأخرى، أي أن يكون ما يقدمه الوفد العراقي مقتصراً على المقام العراقي فقط. وقد وقع الاختيار على الأستاذ محمد القبانجي مشاركاً وحيداً في الغناء ليس فقط لإتقانه أداء المقام، بل لأنه خلافاً لغيره من قراء المقام لم يكن يخطئ في القواعد والنحو، فقد كان شاعراً وأديباً وعين رئيساً للوفد، وهذا دلالة على ثقة الدولة بهذا الفنان الكبير.
وبما أن الاختيار وقع على المقام العراقي فالتخت المرافق عادةً يتكون من الجالغي البغدادي التقليدي والذي يتكون من (الجوزة والسنطور والرق والطبلة والنقارة).
نقلاً عن مقال للأستاذ عبدالجبار العتابي، يقول الفنان يوسف العاني:
كانت زيارات المرحوم القبانجي لبلدان كثيرة قد أكسبته حسن المعاشرة وأعطته موقعاً متميزاً في العلاقات الاجتماعية والفنية، فهو محترم أينما حل وهو بحق سفير بلا سفارة كما أعبر أنا دائماً عن فنانينا الكبار، فحين التقى بأم كلثوم في القاهرة وخرج مع أحمد رامي يتمشيان على كوبري النيل سأل الأستاذ القبانجي أحمد رامي: أم كلثوم هذه الفنانة الرائعة هل تحب؟ نظر أحمد رامي إليه نظرة شاعر لفنان وقال: كيف يبقى خالياً من له عين وقلب؟ صاح القبانجي: «الله.. أكمل يا أحمد»، رد عليه أحمد رامي: لا أكمل إلا إذا أعطيتني وعداً أن تغنيها، قال القبانجي: أغنيها، وراح أحمد رامي يكتب ثم يقرأ للقبانجي هذه الأبيات:
غلب الشوق غلب والهوى شيء عجب
لائمي في حبها أي قلب ما أحب
أي طير لم ينح من حنين وطرب
أي غصن لم يمل إذ نسيم الفجر هب
كيف يبقى خالياً من له عين وقلب
وعلى كوبري النيل غنى القبانجي هذه الأبيات وظل يعيدها ويتجلى بها حتى اجتمع الناس وراحوا يصفقون له ويطلبون الإعادة، فكان حفلاً غنائياً بلا تذاكر، الشعر لأحمد رامي والصوت واللحن للقبانجي والمستمعون ناس اجتمعوا بلا موعد ليطربوا ويستمتعوا بفن عالٍ لا حدود له.
ويمكن حصر ما حققه القبانجي في مجالين أولهما: توسيع حجم التخت البغدادي والجالغي البغدادي وجعله فرقة موسيقية تحوي آلات متنوعة، وأبرز ما أضافه هو العود والقانون والناي والجلو والكمان، أما ثانيهما فهو نقل طقوس أداء المقام من المقاهي إلى قاعات كبيرة يرتادها محبو المقام والموسيقى وذلك منذ نهاية الأربعينات، كما أنه أسهم إسهاماً فعالاً في إحياء حفلات المقام العراقي في الإذاعة العراقية منذ تأسيسها.
حصل الأستاذ محمد القبانجي على العديد من الجوائز خلال رحلته الفنية:
- ففي عام 1932 نال المرتبة الأولى في المؤتمر الأول للموسيقى العربية في القاهرة.
- وفي عام 1953 حصل على وسام الرافدين.
- وفي عام 1967 نال وسام الكومندور الفرنسي الذي حصل عليه تقديراً للجهود الفنية ولابتكاره نغماً جديداً وهو مقام اللامي والذي أقر سنة 1964 في المؤتمر الثاني للموسيقى العربية في بغداد.
- وفي عام 1976 حصل على الميدالية التكريمية لرواد الفن، وفي نفس العام حصل على وسام المجلس الدولي للموسيقى وهو وسام رفيع لا يمنح إلا لكبار الفنانين.
- وفي عام 1978 خصصت وزارة الثقافة والإعلام جائزة أطلقت عليها (جائزة القبانجي) لقراء المقام للشباب المتفوقين وهو أول مطرب عراقي يطلق اسمه على جائزة.
- وفي عام 1980 نال وسام اليونسكو، وعُد أعظم فنان في آسيا.
كُتب الكثير عن محمد القبانجي، ففي مقالة لكاتبها سمير الخالدي نقتطف منها: كان كريماً بصمته كريماً بيده حتى أن الشاعر معروف الرصافي قال له: «يا كريم اللسان يا كريم اليد فما أشد إعجابي بك»، وقيل للمؤرخ الأستاذ عبدالرزاق الحسني كيف تؤرخ فناناً من جيلك فرد على السائل: «الأستاذ محمد القبانجي ربيب نفسه عصير دماغه أبدع في قراءة المقام العراقي إبداعاً كبيراً واعتمد على نبوغه في تكييف ما ينشده اعتماداً مشهوداً، هو لم يقلد أحداً ولم يأخذ عمن سبقه في هذا الضرب، كثيراً ما أطرب سامعيه بصوته الرخيم وهيج المشاعر بفنه العظيم، فإن المقام العراقي يدين للأستاذ القبانجي بما حفظه من فن المقام»، أما الأديب المصري الدكتور زكي مبارك فيقول في كتابه الموسوم (ليلى المريضة في العراق): حضرت سهرة أقامها السيد عبدالأمير فوق سطح فندق العالم العربي على نهر دجلة غنى فيها القبانجي مقامات عراقية حتى أهاج ما في دجلة من سمكات.
وفي سنة 1929، ومع استقدام الأجانب للعمل في وظائف عديدة في العراق، وأثناء السيطرة والهيمنة البريطانية على العراق، أنشد (عبيد للأجانب هم ولكن على أبناء جلدتهم أسود) للشاعر الكبير معروف الرصافي، اقتبسها وأضاف إليها كلمات من الشعر الشعبي الزهيري، وقد أعاد صياغتها الأستاذ والشاعر عبدالكريم العلاف، وهي في الأصل شعر للشاعر معروف الرصافي في قصيدته المشهورة (علمٌ ودستور ومجلس أمة... كل عن المعنى الصحيح محرف) والتي يقول فيها: (كلاب للأجانب هم ولكن على أبناء جلدتهم أسود)!! وعندما سمع الرصافي بتأليف عبدالكريم العلاف وإبدال كلمة كلاب للأجانب.. بعبيد للأجانب قال له: حسناً فعلت.
هنا نقل الأستاذ محمد القبانجي بأدائه العالي المصحوب بالتوجع والمرارة أحاسيس ومشاعر الناس من وجود الأجنبي ومزاحمته لأبناء الوطن حيث يقول الشعر:
بلد يزاحمني الغريب بوسطه
والأهلُ أهلي والبلاد بلادي
سعيد اللي أضه عمره بلا داي (أي قضى عمره بلا مرض- داي)
وعايش دون خلك الله يا دليلي (أي عاش وحيداً، ولكن مرتاح الفكر)
الغريب أصبح يزاحمني إبلادي
والأهل أهلي وبلادي إتعز عليّ
عبيد للأجانب هُم ولكن على
أبناء جِلدتهم أسود يا ويلي
النوايب مرتهب منها ولكن (أي من الممكن الهرب من مصاعب الدهر)
قومي لا ذرى بحيهم ويلاه (ولكن أنا من تركت أهلي ومكان سكني؟)
عبيد للأجانب هُم ولكن على
إخوتهم أسود بكل قضية ويلاه
وطلب أحمد شوقي من (القبانجي) عند زيارته لمصر أن يتلو عليه بعضاً من الشعر البغدادي العامي فقرأ له (المجرشة):
وهي شكوى مريرة تعكس لسان حال أحد المضطهدين الذين لا يكادون يجدون قوت يومهم إلا بالكد والتعب المجهد طوال اليوم حتى طفح به الكيل وصار يلعن صاحب العمل، ويكاد يكسر الماكنة (المجرشة) التي يعمل عليها، ويبلغ به التعب والغضب أن يشك بوجود الآخرة (والعياذ بالله) التي سينال كل ذي حق حقه فيها. وهذا ما انتبه إليه الشاعر أحمد شوقي فعاتب محمد القبانجي (بلطف) بشأنه. تقول القصيدة:
ذبيت روحي عالجرش وأدري الجرش ياذيها - (المجرشة هي نوع من مطحنة الحبوب تدار بالقوة العضلية المجهدة).
ساعة وأكسر المجرشة وأنعل أبو راعي الجرش -أي سيبلغ بي التعب والغضب أني سأكسر المجرشة وألعن صاحبها-.
وأقعدت يا دادة البخت خلخالهه يدوي ويدش -أي من أين لي الحظ أن أكون كغيري مستريحاً في داري بلا عمل خارجه-.
وآني أستادي لو زعل يمعش شعر راسي معش -أي إذا تقاعست أو كسلت سيمسك صاحب الطاحونة شعر رأسي ويشده-.
هم هاي دنية وتنكظي وحسابك وتاليها -ما لحظي العاثر! هل هذه عيشة أعيشها ويوجد حساب في آخرتها-؟
فقال أحمد شوقي: «ده عتاب شريف مع الرب يا محمد».
أعلن القبانجي اعتزاله الفن وهو في قمة عطائه في يوم 28/5/69 وكان الأستاذ القبانجي قد عقد العزم لبناء بيت له ولعائلته (أو قيل لبناء عمارة تجارية) على أرض يملكها في منطقة الحارثية في جانب الكرخ من بغداد، إلا أنه غير رأيه وقرر أن يبني جامعاً بعد رؤيا أتته في المنام بهذا الشأن. بلغت المساحة الكلية للمسجد 1010م2 ويستوعب لحوالي 450 مصلٍ، وقد خط الأستاذ وليد الأعظمي كافة الآيات في الجامع، وفي يوم افتتاح الجامع سنه 1977م كان القبانجي أول من أذن وخطب فيه.
وفي مستشفى ابن البيطار مساء يوم الأحد الثاني من نيسان عام 1989 انطفأت تلك الشمعة المتوقدة بعد أن خدم المقام أكثر من نصف قرن عن عمر يناهز الثامنة والثمانين عاماً تاركاً خلفه تراثاً موسيقياً لا مثيل له وضعه بلا نقاش على عرش المقام العراقي سيداً دون منازع، ودفن في جامعهِ (جامع القبانجي) في منطقة الحارثية -شارع دمشق- جانب الكرخ من بغداد والذي بناه من ماله الخاص. ورغم أن الأجيال الشابة لا تعرفه جيداً إلا أن المتخصصين والدارسين منهم يدركون عظمة موقعه وأهميته، فهو ركيزة من ركائز البيت الثقافي ولون بارز من ألوان الشخصية الوطنية العراقية.

ذو صلة