مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

ج.م. كوتزي: هذا السؤال ليس له معنى يذكر

هل من الضروري أن يكون الكاتب لطيفاً؟ لا زلت أتذكر جلسة فظيعة مع توني موريسون. كما لم أتواصل بشكل جيد مع ديريك والكوت (شاعر سانت- لوسيا الحائز على جائزة نوبل في الآداب). وأيضاً زادي سميث التي لم تبذل الكثير من الجهد، على الرغم من دعمي اللا مشروط وزيارتي إلى لندن (كانت قد نسيت موعدي معها). لكن مقابلتي مع ف.س. نايبول، المشهور لدى جميع زملاء المهنة، في فرنسا وفي الخارج، باعتباره الأسوأ على الإطلاق، كانت مرضية إلى حد ما.. لقد حدث في مرات عديدة أن طرد صحفيين، حتى لو جاؤوا من مكان بعيد، لسبب كون أسئلتهم غير متوافقة مع ذوقه. حدث ذلك في فندق لوتيسيا، قبل وفاته بفترة قصيرة، والمشهد لا يزال حاضراً في ذهني. كان نايبول جالساً على أريكة الحانة. وجلست زوجته بجانبه. وكان ينظر إلي بلطف لا يخلو من تكبر. وفي الغالب كانت زوجته ترد نيابة عنه.

إذا قسنا مدى استحقاق الكاتب لحب الناس بمقياس من 1 إلى 10، فمن المحتمل أن يحصل ج. م. كوتزي، البالغ من العمر 84 عاماً، على درجة 3. فالكاتب الأسترالي من أصل جنوب أفريقي، والحائز مرتين على جائزة بوكر سنة 1983 عن (مايكل ك، حياته وزمانه)، وسنة 1999 عن رواية (خزي)، وعلى جائزة نوبل للآداب عام 2003، لا يجري مقابلات صحفية إلا من خلال البريد الإلكتروني، علماً أنه يرفض المقابلات في أغلب الأحيان، وعندما يحالف الحظ صحفياً ما، يكتفي الكاتب بالإجابة بنعم أو بلا على أسئلته. ذلك أنه يحتقر الصحافة، التي تقوم في نظره بنشر كل بلاهة البشر. يمكن الاتفاق معه إلى حد ما. بيد أن كوتزي بارد بكل الكيفيات. ورواياته باردة كذلك. بل إنه شرس ويتمتع بذكاء مرهف وسخرية مدمرة.
كوتزي المضاد للعاطفة. ها هو يثبت ذلك مرة أخرى بروايته (البولندي)، التي يمكن اعتبارها تحفة في الاقتصاد الأدبي. إنها قصة (فيتولد)، عازف مسن للبيانو من أصل بولندي الذي يعزف موسيقى شوبان كما لو كان باخ. خلال حفل موسيقي في برشلونة، وقع في غرام سيدة من رعاة المناسبة، بياتريس، وهي امرأة إسبانية جذابة ومتزوجة تبلغ من العمر خمسين عاماً. (فيتولد) مستعد لأي ثمن من أجل قضاء ليلة مع بياتريس، التي ترفض، ثم تقبل في الأخير، لكن بينما كان أمل عازف البيانو معلقاً على انفتاح حقبة جديدة من السعادة أمامه، تقوم بياتريس بإغلاق باب حياته في وجهه بكيفية لطيفة. نستحضر دانتي (إذ الإشارة إلى بياتريس واضحة في الكتاب)، وزفايج أيضاً، الذي كان بمقدوره أن يكتب مع كوتزي، حكايته الجنائزية الأخيرة.
وأخيراً، تلطف ج. م. كوتزي بما فيه الكفاية ليقدم إجابات على الأسئلة التي طرحتها عليه بخصوص كتابه. إليكم الأسئلة.
في روايتك الأخيرة، تحمل كل فقرة رقماً، ما السبب؟
- سبق أن جربت هذه الممارسة في (في قلب هذا البلد) (1977) لتحديد كتل النص التي كانت أطول من الفقرة وفي الوقت ذاته أقصر من الفصل. بدا أن هذا نجح في ذلك الحين، ولذلك طبقت الطريقة ذاتها في رواية (البولندي).
قبل سنوات مضت، تحدثت عن باخ وعن التأثير الذي تركته موسيقاه فيك في الماضي. ومع ذلك، فإن ما نسمع في روايتك الحالية، هي موسيقى شوبان. هل يعني ذلك أن أذواقك الموسيقية قد تغيرت خلال هذه المدة؟
- لا، أذواقي الموسيقية ظلت كما هي. كان شوبان يقدس باخ. وقد أخذ معه مقطوعة (الكلافان المعدل جيداً) خلال رحلته إلى مايوركا.
هل هناك شيء ما يجمع بين الموسيقى والكتابة؟
- ليس لهذا السؤال معنى يذكر.
لو كنت عازف بيانو، هل ستعزف موسيقى شوبان مثلما يفعل (فيتولد) في الكتاب؟
- لا أعرف. سيكون السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو ما إذا كنت سأختار عزف شوبان على بيانو ستاينواي أو على بيانو بلييل المفضل عند شوبان (وعند ديبوسي من بعده) بسبب صوته الأكثر نعومة والأقل قرعاً.
هل كان عنوان الرواية حاضراً منذ البداية؟ هل تعثر بسهولة على العناوين؟
- لم تعترضني صعوبة ما في العثور على العنوان المناسب.
كل شيء متحكم فيه بشدة في كتابتك. ولكن، ألا توجد لحظات متعة خلال مدة الكتابة؟
- مسيرتي المهنية كروائي، والتي بدأت في أوائل السبعينات، انتهت بـ(البولندي)، وليس بوسعي القول إن لدي سبباً للشكوى.
عندما تبدأ في كتابة رواية، هل تكون القصة بأكملها حاضرة في ذهنك، من البداية إلى النهاية؟
- لا.
هل هناك أوقات خلال النهار مناسبة أكثر للكتابة بالنسبة لك؟
- (دون إجابة)
هل تعود لقراءة كتبك القديمة، وما الكتاب الذي تفتخر به أكثر من غيره؟
- لا، أنا لا أعيد قراءة كتبي. ومع ذلك، فأنا أتذكر كل واحد منهم بحنان.
روايتك قاتمة جداً، هل هي انعكاس لحالتك النفسية؟ هل تعتقد أن العالم مهدد بالزوال؟
- لا أرى بتاتاً بأن العالم مهدد بالفناء. ذلك أن الحياة، بالمعنى البيولوجي للكلمة، مقاومة إلى أبعد الحدود. ستنجو الحياة من درجتين من الاحتباس الحراري، بل وستنجو من 5 درجات. وطبعاً فإنها ستأخذ أشكالاً جديدة.
لقد نشرتَ هذه الرواية بداية باللغة الإسبانية. وتحدثت مجلة (نيو يوركر) عن حرب على اللغة والأدب الإنجليزيين. هل يمكنك تقديم المزيد من التوضيحات؟
- كلمة (حرب) غير مناسبة على الإطلاق. لكن ليس لدي أي دافع شخصي للوفاء للغة الإنجليزية، ولا أعتبر كتبي، إذا نشرت باللغة الإنجليزية، (في بيتها) أكثر من لو أنها نشرت بأي لغة أخرى تُترجم إليها. وأضيف إن لدي تحفظات جدية بشأن انتشار اللغة الإنجليزية كلغة للتعليم والتجارة والشؤون العامة في البلدان التي لا تتمتع فيها بجذور ثقافية عميقة وجنوب أفريقيا تشكل مثالاً جيداً بهذا الخصوص.
كان بول أوستر أحد أصدقائك، وقمت بنشر كتاب تضمّن رسائلكما. كان كاتباً محترماً جداً في فرنسا، كما كان لفرنسا أهمية خاصة لديه. كصديق وككاتب، ما الذي جمع بينكما؟
- لقد كان لفرنسا وللحضارة الفرنسية بالفعل أهمية كبيرة بالنسبة لبول، الذي كانت ترجماته للشعر الفرنسي في القرن العشرين من أكثر الترجمات إرهافاً التي أتيحت لي فرصة قراءتها. يعود سبب إعجابي ببول إلى معرفته الواسعة بالعالم، بما في ذلك عالم الأدب، ولأنه نجح في البقاء بعيداً عن التدريس الجامعي.


* المصدر: المجلة الفرنسية (لو نوفيل أوبس)
عدد 3138
من 14 إلى 20 نوفمبر 2024

ذو صلة