مجلة شهرية - العدد (591)  | ديسمبر 2025 م- جمادى الثانية 1447 هـ

الذكاء الاصطناعي.. هل يتمتع بالوعي؟

(ماذا نقصد بالوعي Consciousness)؟ لفهم المعنى المقصود بهذه الصفة، لعلنا نستعين بمُتحدث الذكاء الاصطناعي الأكثر شهرة حالياً، (تشات-جيبيتي ChatGPT). يُشير هذا المُتحدث الآلي، ضمن إجابة مطولة عن هذا التساؤل، إلى أن صفة الوعي مُعقدة، ومُتعددة الأوجه، وأنها تشمل الصحو، والإحساس، والمشاعر، والنيات الشخصية، والدوافع الذاتية، والقدرة على التفكير، والتصور، والإدراك، والفهم، وبناء الخبرة الموضوعية، وما يرتبط بذلك من قدرات. وبالطبع تتوفر هذه الصفة، بأوجهها المُتعددة، في الإنسان، ربما بدرجات مُختلفة، تبعاً للاختلافات القائمة بين البشر.
يبرز، بعدما تقدم، تساؤل آخر يقول: (هل يتمتع الذكاء الاصطناعي بصفة الوعي هذه أيضاً)؟ ولعلنا نطرح هذا التساؤل أيضاً على مُتحدث الذكاء الاصطناعي لنرى ماذا يقول عن نفسه في هذا المجال.
يرى (تشات-جيبيتي)، في إجابته عن هذا التساؤل أن الذكاء الاصطناعي لا يتمتع، حتى الآن، بصفة الوعي. ويُقدم لذلك ستة أسباب رئيسة تتضمن عدم قدرة هذا الذكاء على بناء الخبرة الموضوعية، وغياب النيات الشخصية لديه، وكذلك الدوافع الذاتية، والأحاسيس والمشاعر، فضلاً عن اعتماده الشامل على ما يتلقى من الإنسان. ويبدو من هذه الإجابة، وبالذات من التعبير (حتى الآن)، أن العمل في تطوير الذكاء الاصطناعي يحمل طموحاً يتطلع إلى بناء صفة الوعي، بأوجهها المُتعددة، وبدرجة ما، في هذا الذكاء. لكن الآراء تنقسم في مسألة التمكن من هذا البناء، وكذلك في التداعيات المُحتملة، فيما لو تم ذلك.
ولعل من المُفيد، قبل الاستطراد في هذا الموضوع، الإشارة إلى أن الآراء أقرب إلى أن تكون واحدة لا تنقسم، في إطار مدى الأهمية المُستقبلية للذكاء الاصطناعي التقنية التي تستطيع مُساعدة الإنسان في التعامل مع المعلومات، وفي أداء الأعمال المُختلفة التي تستند إليها بفاعلية أكبر، وكفاءة أجدى، ورشاقة مشهودة. فقد أثبت هذا الذكاء، مع التقدم في مجالات تعلم الآلة، وربط ذلك بالأنظمة التقنية الرقمية والميكانيكية؛ أنه قادر على التعامل مع كميات هائلة من المعلومات، وعلى التعلم منها، ومن مضامينها، ومن توجيهات أصحابها، وبسرعة أقرب إلى الخيال. كما أثبت أنه قادر أيضاً على تنفيذ مهمات مُختلفة ترتبط بها كما يفعل (تشات-جيبيتي)، وكما تفعل نشاطات حاسوبية أخرى، فضلاً عما تفعل (الروبوتات) الميكانيكية في المجالات المُختلفة.
ونعود إلى مسألة بناء الوعي في الذكاء الاصطناعي، حيث هُناك إجابتان مُختلفتان عن تساؤلين مهمين. يقول التساؤل الأول: (هل بالإمكان فعلاً بناء الوعي في الذكاء الاصطناعي)؟ أصحاب الإجابة (بنعم)، عن هذا التساؤل، يستندون إلى ما حققه هذا الذكاء من تقدم حتى الآن من جهة، وإلى الإنفاق الكبير على البحث العلمي في مجالات هذا الذكاء، الذي يشهده العالم حالياً، خصوصاً من قبل الشركات العملاقة، والدول القادرة، من جهة أخرى. أما أصحاب الإجابة (بلا) فيرون أن الوعي، بأوجهه المُختلفة، صفة خاصة منحها الله تعالى للإنسان، وربما جزئياً لبعض مخلوقاته الأخرى، ولا يُمكن بناؤها في تقنية من مواد صماء.
يستند التساؤل الثاني إلى فرضية التمكن من بناء قدر كبير من الوعي في الذكاء الاصطناعي، ويقول: (هل ستنتهي حقبة تميز الإنسان في الحياة لصالح هذا الذكاء، وتبرز حقبة جديدة يخضع الإنسان فيها لحكم الآلة)؟ أصحاب الإجابة (بنعم) عن هذا التساؤل، وهم أصحاب (نعم)، في التساؤل السابق، ينعون مُستقبل الإنسانية، ويرون أن الحياة كما نعرفها تسير نحو الهاوية. أما أصحاب الإجابة (بلا)، وهم أصحاب (لا) في التساؤل السابق أيضاً، فيرون أن الغلبة ستكون دائماً للإنسان، وأن التقنية ستبقى تحت حكم الإنسان، وأن لا مجال (لنعي الإنسانية) في هذا المجال.
لا شك أن هُناك، بين الرأيين في التساؤلين السابقين؛ رأياً ثالثاً يرى إمكانية بناء بعض الوعي في الذكاء الاصطناعي، وأن دور الذكاء الاصطناعي يزداد تأثيراً في حياة الإنسان. ولعل النظرة الموضوعية في هذا المجال تستبعد وصول وعي الآلة إلى مستوى وعي الإنسان. ولعل الحقيقة تقول بأن الآلة مهما تطورت، فهي تتطور على يد الإنسان وفكره، وأنها كانت، وسوف تبقى، مُساعدة له في حياته، وليست مُتحكمة به.

ذو صلة