تعد الحواس الخمس التي يمتلكها الإنسان بمثابة قناة بينه وبين العالم الخارجي، وهي: البصر، والسمع، والشم، والتذوق، واللمس. ويضيف بعضهم الحدث كحاسة سادسة، أي الإدراك الداخلي، وهو المسؤول عن التواصل الداخلي. ويرى بعضهم أن الإشارة إلى الساعة البيولوجية التي تنظم وظائف الجسم الحيوية تدخل ضمن الحواس، فهي قدرة العقل على إدراك ما يحدث داخل جسم الإنسان.
هذه الحواس قادرة على التحليل والتفسير لما يحدث من لحظة ظهور المثير وحتى الاستجابة له. وقد أصبح من المعروف اليوم أنه ليس بالضرورة أن تكون لكل مثير استجابة مباشرة، فهناك مراحل تمر بها عملية تجهيز المعلومات وعدم تحقق إحداها قد يمنع حدوث الاستجابة. وهذه المراحل هي: المثير، الإحساس بالمثير، إدراك المثير، البحث في الذاكرة، اختيار الاستجابة، ثم الاستجابة النهائية.
وللحواس ارتباط وثيق بالذاكرة، فهي تسترجع الذكريات، سواء كانت حزينة أو سعيدة، من خلال جزء في المخ يسمى اللوزة الدماغية، وهي تلعب دوراً كبيراً في تنظيم العواطف والمشاعر. فهي ترصد ما يصاحب الأحداث من مشاعر، وتعد عاملاً أساسياً في الإحساس بالقلق وتنظيم الخوف، ولذلك تلعب دوراً في تكوين الذكريات المرتبطة بالعواطف والأحداث.
وهناك حواس منسية لها دور مهم في تواصل الفرد مع الآخرين، ومنها:
حاسة المضغ
فقد وُجد أن هناك علاقة بين الصوت الذي يصدره الإنسان من خلال مضغ الطعام وكميات الطعام المستهلكة. إذ تشير الدراسات إلى أنه عندما يكون تناول الطعام مصحوباً بموسيقى صاخبة، فإن صوت المضغ يقلّ، ما يؤدي إلى الإفراط في الأكل دون وعي. أما إذا كان الجو هادئاً، فإن كمية الطعام تكون أقل نتيجة لسماع صوت المضغ بوضوح.
وقد أثبتت التجارب أن الاستماع إلى صوت المضغ يدفع الإنسان إلى التلذذ أكثر بما يأكله، ويُنمّي لديه خبرة غذائية أفضل. كما أن مضغ الطعام جيداً يساعد على تفتيته إلى جزيئات أصغر، مما يقلل الضغط على المعدة ويمنع الانتفاخ وعسر الهضم. والمضغ الجيد أيضاً يحفز إنتاج اللعاب الذي يسهل البلع ويمنح إحساساً أسرع بالشبع، ويحافظ على صحة الفم. ويجب أن ندرب الأطفال على تناول الطعام ببطء، لأنه قد يكون له أثر إيجابي في الوقاية من مشكلات السمنة وزيادة الوزن، والمضغ الجيد يساعد على عمليه الهضم ويضمن امتصاص المواد الغذائية عند وصولها للمعدة ويقلل من مشكلات الهضم مثل الانتفاخ والغازات والإمساك وارتفاع مستويات السكر. لذلك درب طفلك أن يحسب عدد المرات التي يمضغ فيها الطعام وأن يستغرق زمن الوجبة للطفل في العاشرة على زمن لا يقل عن 15 - 20 دقيقة.
ولذا يُنصح بتناول الطعام في مكان هادئ، خصوصاً لمن يخضعون لبرامج إنقاص الوزن أو يعانون من أمراض القلب والشرايين، نظراً لارتباط البيئة الهادئة بكمية الغذاء المتناولة.
حاسة الشم
على الرغم من أن حاسة الشم ليست بقوة أغلب الحيوانات لكننا قادرون على التمييز بين أكثر من عشرة آلاف جزيء رائحة!
وتعد حاسة الشم مثيراً مهماً للتواصل غير اللفظي. فقد وجدت الدراسات أنه كلما زادت كمية العطر المستخدمة، زادت الشكاوى من الصداع والتهاب الجيوب الأنفية. وتقع حاسة الشم في أعلى الممرات الأنفية، وتضم في الإنسان ما بين خمسة إلى ستة ملايين خلية من المستقبلات الشمية، بينما تمتلك الكلاب نحو 220 مليوناً من هذه الخلايا، وتستطيع تمييز أكثر من عشرة آلاف نوع من الروائح.
وقد زاد الاهتمام بحاسة الشم في مجالات مثل الإعلان عن مساحيق الغسيل، حيث يركز على الرائحة الزكية للمنتج أكثر من تركيزه على النظافة ذاتها، نظراً لتأثير الرائحة في سلوك الشراء. ومع ذلك، فإن بعض الحكومات بدأت تفرض غرامات على استخدام الروائح النفاذة الناتجة عن المواد الكيميائية المعطرة التي تقلل من نسبة الهواء النقي، إذ تتفاعل مع طبقة الأوزون مكونة مواد جديدة تؤثر في جودة الهواء، خصوصاً في الأماكن المغلقة.
ومن أهم ما يتعلق بحاسة الشم أنها قادرة على التعبير عن عواطفنا تجاه الآخرين، فمشاعر القلق أو الحب أو الخوف قد تنعكس على رائحة أجسامنا. ولهذا يُقال إن مشاعر الحب يمكن أن تبدأ من أول (شمّة).
وقد وُجد أن بعض الحيوانات، مثل الفئران، تفرز مواد كيميائية تُعرف باسم الفرميونات للإشارة أثناء التزاوج وجذب الشريك، وهي مواد تُفرز بناءً على إشارات هرمونية، ومن بينها هرمون الأوكسيتوسين المعروف باسم (هرمون الحب) عند الإنسان، وهو الذي يُفرز أيضاً في المساء.
في مرحلة التبويض، ونتيجة زيادة هرمون التستوستيرون، تنشأ رابطة شرطية بين حاسة الشم وبعض الذكريات أو المواقف. فقد تثير رائحة معينة ذكرى محددة في الذاكرة، مثل عطر تهتم به المرأة، لا لشكله الخارجي أو اسمه التجاري، بل لما يحمله من ارتباطات وجدانية وتجارب سابقة.
حاسة الإنصات
الإنصات، أو الاستماع الواعي، يعد من أهم الحواس المنسية. فهو لا يقتصر على مجرد سماع الأصوات، بل يشمل الوعي، والتركيز، والانتباه. وتعد حاسة السمع من أوائل الحواس التي تتكون لدى الرضيع، لكنها من أضعف المهارات استخداماً لدى الإنسان البالغ.
لذلك اتجهت العديد من الدول إلى تطبيق مفهوم التعلم النشط، الذي يتمحور حول المتعلم في جميع أنشطة التعليم، ويُحقق تواصلاً في كل الاتجاهات بين المعلم والمتعلم، وبين الطلاب أنفسهم، وهو ما يُعرف بالمشاركة الإيجابية. في هذا النمط من التعليم، يتحمل المتعلم مسؤولية تعلمه بنفسه، وقد أثبتت الأبحاث أن وجود تواصل في اتجاهات متعددة يؤدي إلى ارتفاع مستوى التحصيل الدراسي وتنمية شخصية الطالب واتجاهاته نحو العلم والمدرسة.
الإنصات هو أرقى درجات الاستماع، فهو استماع فعال ومركز، يعتمد على تشغيل الحواس جميعها. وليس كل استماع إنصاتاً، فالإنصات الحقيقي يُشبع حاجات إنسانية أساسية، مثل الحب، وتقدير الذات، والانتماء. وهو كذلك من أهم مهارات التفاوض والتواصل الإنساني.
ويركز الإنصات على التواصل اللفظي، لكنه لا يغفل التواصل غير اللفظي، أو ما يُعرف بلغة الجسد، التي تعكس مدى تقديرنا واحترامنا لمن أمامنا.
فالاهتمام الصادق بكلام الآخر، وإظهار التفاعل معه دون مقاطعة، هي أرقى صور الاحترام الإنساني. أما الصمت وحده فليس كافياً لإيصال الرسالة، إذ يجب أن يصاحبه تعبير جسدي مناسب يؤكد الاهتمام والانتباه.
والإنصات الفعّال هو مفتاح التواصل الناجح، فهو يجمع بين الاهتمام والتركيز، واستخدام نظرات العين وإشارات اليد وطريقة الجلوس للتعبير عن الإصغاء الحقيقي. فالصمت قد يعني القبول، وقد يعني عدم الاهتمام، أو اللامبالاة، ويُفسَّر دائماً بالاقتران مع الإشارات غير اللفظية مثل: إيماءات الرأس، وحركات اليدين، وتعبيرات الوجه، ونظرات العين.
وهكذا، فإن الإنصات ليس مجرد سماع للأصوات، بل هو استماع عميق يتطلب وعياً وتركيزاً كاملاً من متلقي الرسالة. فالإنصات يحقق فتح أبواب الفهم والتقدير من حولنا.