مجلة شهرية - العدد (588)  | سبتمبر 2025 م- ربيع الأول 1447 هـ

التألق السعودي في مسرح العلاقات الدولية

تشهد المملكة العربية السعودية نهضة شاملة متكاملة مدفوعة برؤية إستراتيجية واضحة يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. هذه النهضة محصلة تخطيط علمي وإرادة متينة جعلت من المملكة فاعلاً رئيساً على مسرح العلاقات الدولية، سياسياً (ودبلوماسياً) واقتصادياً. وكان الفضل في هذا البروز يرجع لرؤية 2030م، التي مثلت خارطة طريق المستقبل ومهدت لنتائج كثيرة منها حضورها العالمي، رغم التحديات وامتحان التوازن بين المصالح الوطنية والمكانة الإقليمية والدولية. ولعل نجاحها في تعزيز العلاقات مع واشنطن وموسكو يعكس مهارة المملكة في إدارة الملفات الحساسة بين الدول.
أصبحت الرياض محطة رئيسة للقادة والزعماء، بل هي مركز لصناعة القرار العالمي، حيث تستضيف القمم والاجتماعات التي ترسم ملامح المرحلة المقبلة لمسرح العلاقات الدولية. وفي ذات الشأن، تأتي الاستعدادات لعقد لقاء تاريخي بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا على أرض المملكة، في خطوة تعكس المكانة التي وصلت إليها السعودية وسيطاً موثوقاً به في الأزمات الكبرى والصغرى، مثل ما حدث بمؤتمر (يالطا) عام 1945م الذي ولد فيه النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا التطور الدبلوماسي الكبير يأتي في وقت يشهد فيه العالم توترات متزايدة، ولاسيما في ظل التنافس بين القوى الكبرى، والحروب الاقتصادية (الجمركية)، والأزمات المتصاعدة في الشرق الأوسط وأوروبا.
الجدير بالذكر، أنه رغم هذه التحديات (مثل ما تقدم)، نجحت القيادة السعودية في أن تكون طرفاً محايداً يملك القدرة على تقريب وجهات النظر، ما جعلها شريكاً رئيساً في الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار العالمي. متحملة عبء دور أكبر مما قامت به سويسرا خلال الحربين العالميتين، حيث تبنت الحياد، لكنها لعبت دور الوسيط في محادثات السلام والاتفاقيات الدولية. وعلى مر التاريخ، أبلت السعودية بلاءً حسناً باستضافة قمم مهمة جمعت زعماء العالم، بدءاً من القمم العربية والإسلامية، وصولاً إلى المنتديات الاقتصادية الكبرى، وآخرها اللقاءات النشطة والذكية التي نسقتها المملكة بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا (جدة - الرياض - جدة).
تأتي هذه القمة المنتظرة (بوتن - ترمب) لتؤكد أن المملكة ليست دولة إقليمية مؤثرة، بل قوة عالمية تمتلك أدوات التأثير وتساهم في صناعة مستقبل السياسة الدولية. وما يميز النهج السعودي في صناعة علاقاتها الدولية هي الحكمة والمعالجة الموفقة بين المصالح الوطنية والقضايا الإسلامية والعربية والمسؤولية الدولية، حيث استطاعت المملكة أن تعتنق وتمارس دبلوماسية تعتمد على بناء الجسور، لا تأجيج الصراعات والنفور، وهو ما جعل الرياض عاصمة من أجل اللقاءات وتقريب وجهات النظر والوصول للمنطقة الوسطى وحل الأزمات. هذا الحضور القوي يعكس قدرة المملكة على تحقيق طموحاتها العملاقة، ويعزز مكانتها قوة صاعدة في المشهد العالمي.
وصفت ‬(‬ألكسندرا ‬شارب)‬، ‬في ‬مجلة ‬(‬فورين ‬بوليسي Foreign Policy) الدبلوماسية السعودية بأنها نشطة وحاضرة بقوة ضمن ما يمكن أن يسمى في أدبيات السياسة الدولية بالدبلوماسية الفاعلة والاستباقية، هذا المنهج السياسي الدبلوماسي تنتهجه الدول الواثقة من مواقفها وقراراتها المبنية على وضوح المواقف وثبات المبادئ ومرونة ترتيب المصالح، ومنهج: (الدبلوماسية الاستباقية والنشطة Proactive and active diplomacy)، وهذا يتيح للدول تعزيز مصالحها وإعلان مبادئها، وبالتالي تعزيز مصالحها على الصعيد العالمي.‬ ويدعم هذا التوجه توسع مجالات الدبلوماسية السعودية لتشمل زيادة تبني تنظيم وحضور اجتماعات القمم واستضافة المؤتمرات والفعاليات الدولية (مثل ما سبق ذكره) وتنشيط الدبلوماسية البرلمانية، وتفعيل دور صناديق التنمية والإقراض والمساعدات الإنسانية، وتوظيف المزيد من السعوديين في المنظمات الدولية بما يليق بحجم المملكة ومساهماتها ودورها في مسرح العلاقات الدولية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
التعاون والشراكات من أجل التوازن واستدامة التنمية والسلام العالمي هو النهج الدبلوماسي والسياسي السعودي الآني، وبلا أدنى ريب فإن ثمار هذا المسار ستتجاوز تحديات الوضع الراهن في مسرح العلاقات الدولية المليء بالصراعات المسلحة، والنزاعات من أجل النفوذ والموارد والممرات البحرية والبرية والجوية، وهو عالم جديد يتجه بوضوح نحو شكل سياسي دولي متعدد الأقطاب الذي بدأ فعلاً في البروز. كما يساعد هذا التوجه أيضاً على ترتيب الأولويات وتوجيه تكامل السياسات والجهود في كافة المجالات، بما يدعم الإستراتيجيات الوطنية عالمياً في مجالات الاقتصاد والتنمية والأمن العالمي، وبطبيعة الحال إنجاز التوظيف الإيجابي للسياسات (والنشاط الدبلوماسي الذكي) في عالم يراه مخططون إستراتيجيون مختلفاً (في حاضر الأيام) عما كان عليه الحال قبل أقل من عقد.
ما تقدم يعززه التحول في مجال وسائل الاتصال على مستوى العالم، مع انتشار منصات وتطبيقات التواصل بين الشعوب، متزامناً مع التمكن والإبداع الذي وصل إليه الشباب السعودي في الميادين الإلكترونية، وهكذا باتت شؤون (الإنسان) وأمنه وطعامه وعلاقاته تزداد تأثراً بالسياسة والدبلوماسية. لذلك أدركت القيادة السعودية مبكراً ملامح متغيرات العصر وضروراته ولوازمه، فاستثمروا مبكراً في الإنسان أولاً ومن ثم فيما يمكن أن يقوم به (هذا الإنسان) على هذا المسرح العالمي المفتوح. هذه الرؤية الاستباقية السعودية للذات والعلاقات مع الآخر، لا شك سيكون أمامها تحديات ولكن فرسان القيادة في المملكة التقطت القفاز وقدمت رؤية تتجاوز التحديات بجدارة واقتدار.
الاجتماع ‬الذي ‬عقد بقصر ‬الدرعية ‬بالرياض ‬في ‬18 ‬فبراير ‬2025م، ‬بين ‬كبار ‬المسؤولين ‬الأمريكيين ‬والروس، وصف ‬بأنه ‬(‬أوسع ‬اتصال)‬، ‬بين ‬الجانبين ‬منذ ‬اندلاع ‬الحرب ‬الأوكرانية ‬في ‬فبراير ‬2022م.
ورغم ‬تركيز ‬التغطية ‬الغربية ‬على ‬تداعيات ‬هذه ‬المحادثات ‬على ‬مستقبل ‬أوكرانيا، ‬والسياسة ‬الخارجية ‬الأمريكية، ‬وعلاقات ‬واشنطن ‬بحلفائها ‬الأوروبيين، ‬فإن ‬(‬هولي ‬ويليامز)، ‬من ‬شبكة ‬(‬سي ‬بي ‬إس ‬نيوز)‬، ‬وصفتها ‬بأنها ‬(خطوة ‬مهمة ‬أخرى)‬، ‬في ‬مساعي ‬الرئيس ‬(‬دونالد ‬ترمب)، ‬(‬لإعادة ‬تشكيل ‬سياسة ‬واشنطن ‬تجاه ‬عزل ‬روسيا)‬.‬ من ‬جانب ‬آخر، ‬لفت ‬(‬سيباستيان ‬آشر)، ‬من ‬شبكة (بي ‬بي ‬سي)‬، ‬إلى ‬أن ‬المراقبين ‬الغربيين، ‬ركزوا ‬على ‬دور ‬السعودية ‬في ‬تسهيل ‬هذه ‬المحادثات، ‬معتبرين ‬ذلك ‬دليلاً ‬على ‬‬التقدم ‬الكبير ‬الذي ‬أحرزته ‬في ‬ترسيخ ‬دورها ‬الدبلوماسي ‬على ‬الساحة ‬الدولية في آخر عقد مضى.
من نافلة القول إنه ‬رغم ‬استمرار ‬الرياض ‬في ‬ترسيخ ‬شراكتها ‬الإستراتيجية ‬مع ‬الولايات ‬المتحدة، ‬فإنها ‬عملت ‬في ‬السنوات ‬الأخيرة ‬على ‬‬تنويع ‬خياراتها ‬إقليمياً ‬ودولياً‬، ‬مما ‬منحها قدراً ‬أكبر ‬على ‬‬التحلي ‬بالمرونة ‬والبراغماتية ‬وفقاً ‬للظروف ‬والتحديات ‬التي ‬تفرضها ‬الساحة ‬الدولية‬.‬ ومع ‬كونها ‬الوسيط ‬الرئيس ‬في ‬محادثات ‬السلام ‬بشأن ‬أوكرانيا، ‬وفوق هذا وذاك فإن المملكة ‬طرف ‬محتمل ‬في ‬جهود ‬تخفيف ‬التوتر ‬بين ‬إدارة ‬ترمب ‬وإيران، حيث أشار ‬(‬جورجيو ‬كافيرو)‬، ‬من ‬شركة ‬(غلف ‬ستيت ‬أناليتيكس)‬، ‬إلى ‬أن ‬النجاح ‬في ‬هذه ‬الجبهات ‬سيعزز ‬مكانتها ‬على ‬الساحة ‬الدولية، وذكر (أمين ‬طرزي)، ‬من ‬(‬جامعة ‬جنوب ‬كاليفورنيا)‬، ‬إلى ‬أن ‬السعودية ‬عملت ‬على ‬توسيع ‬بصمتها ‬الدبلوماسية عبر‬ ‬مسار ‬التوسط في مفاوضات حرب ‬أوكرانيا، ‬سعياً ‬لتعزيز ‬دورها ‬لاعباً ‬رئيساً ‬في ‬المشهد ‬الدولي ‬وعلى ‬مدى ‬السنوات ‬الثلاث ‬الماضية، ‬سعت ‬للتوسط ‬في ‬تبادل ‬الأسرى ‬بين ‬‬كييف‬ ‬وموسكو.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
المؤشرات تقول إن إدارة ‬دونالد ‬ترمب ‬ترغب ‬في ‬توسيع ‬العلاقات ‬مع الرياض، ‬فمثلاً تجد ‬أن ‬مبعوث ‬الرئيس ‬الأمريكي ‬إلى ‬الشرق ‬الأوسط ‬(‬ستيف ‬ويتكوف)‬، ‬أشاد ‬بالدور ‬‬الفعال‬ ‬الذي ‬لعبه ‬ولي ‬العهد ‬السعودي ‬في ‬إطلاق ‬سراح ‬المعلم ‬الأمريكي ‬(‬مارك ‬فوجل)، ‬مؤخراً ‬من ‬السجون ‬الروسية وهو مثال للدبلوماسية الرفيعة والمكانة العالية للمملكة عند الطرفين، ‬ومن ‬ثم، ‬فإن ‬‬واشنطن‬، ‬كانت ‬حريصة ‬على ‬أن ‬يستضيف ‬شريكها ‬الإقليمي ‬أهم ‬اجتماع ‬مباشر ‬بين ‬المسؤولين ‬الأمريكيين ‬والروس ‬منذ ‬ثلاث سنوات.
شهدت العقود الماضية من تاريخ النظام العالمي ‬قمماً ‬أمريكية ‬روسية ‬عدة ‬في ‬فيينا، ‬وريكيافيك، ‬وجنيف، ‬وهلسنكي، ‬حققت ‬نجاحات ‬دبلوماسية ‬متفاوتة، ‬إلا ‬أن ‬اجتماعاً ‬بهذا ‬المستوى ‬من ‬الأهمية ‬لم ‬يُعقد ‬من ‬قبل ‬في ‬الرياض،‬ ‬ومن ‬المهم ‬ملاحظة ‬أنه ‬قبل ‬بدء ‬المحادثات ‬مع ‬الجانب ‬الروسي ‬برعاية ‬وزير ‬الخارجية ‬السعودي، ‬الأمير ‬‬فيصل ‬بن ‬فرحان‬، ‬ومستشار ‬الأمن ‬الوطني، ‬‬مساعد ‬العيبان، ‬والتقى ‬الوفد ‬الأمريكي ‬الذي ‬ضم ‬وزير ‬الخارجية ‬(‬ماركو ‬روبيو)‬، ‬ومستشار ‬الأمن ‬الوطني ‬(‬مايك ‬والتز)‬ ‬أولاً ‬بولي ‬العهد ‬السعودي.
وخلال ‬اجتماع ‬الرياض، ‬اتفق ‬(‬روبيو)‬، ‬ووزير ‬الخارجية ‬الروسي ‬(سيرجي ‬لافروف)‬، ‬على ‬تعيين ‬‬فرق ‬رفيعة ‬المستوى‬، ‬للبدء ‬في ‬العمل ‬على ‬مسار ‬لإنهاء ‬الحرب ‬الأوكرانية ‬في ‬أقرب ‬وقت ‬ممكن.‬ ‬وأشار ‬متحدث ‬باسم ‬الخارجية ‬الأمريكية، ‬إلى ‬أن ‬السعودية ‬ستكون ‬المكان ‬المختار ‬لمزيد ‬من ‬المحادثات ‬المستقبلية، ‬وعليه، ‬أشارت ‬تعليقات ‬المراقبين ‬إلى ‬الدور ‬المحوري ‬الذي ‬تؤديه ‬الرياض ‬في ‬جهود ‬السلام، ‬والتي ‬يُرجح ‬أن ‬تكون ‬حاسمة ‬في ‬رسم ‬ملامح ‬الحل ‬طويل ‬الأمد ‬لأوكرانيا.
‬أشار ‬(‬مايكل ‬هاريس)‬، ‬من ‬(‬المعهد ‬الملكي ‬للخدمات ‬المتحدة)‬، ‬أن ‬السلام ‬الدائم ‬في ‬فلسطين ‬‬يعتمد ‬على ‬النفوذ ‬السعودي، ‬لوقف ‬احتلال ‬إسرائيل ‬وضمها ‬للأراضي ‬الفلسطينية. و‬أوضح ‬(‬هاريس)‬، ‬أنه ‬(لا ‬أحد ‬أكثر ‬قوة)‬ ‬في ‬تحقيق ‬تقدم ‬جاد ‬في ‬ملف ‬السلام ‬من ‬ولي ‬العهد ‬السعودي، ‬الذي ‬حث ‬للمطالبة ‬(‬بالالتزام ‬وعدم ‬توسع ‬إسرائيل ‬إقليمياً)‬، ‬وهو ‬الأمر ‬الذي ‬يؤكد ‬أنه ‬‬سيزيد ‬من ‬احتمالات ‬أن ‬يتحدث ‬الإسرائيليون ‬والفلسطينيون ‬في ‬النهاية ‬بشكل ‬بناء.
السعودية ‬‬واضحة ‬في ‬عزمها‬، ‬على ‬أنها ‬لن ‬تقبل ‬المطالب ‬الأمريكية‬، ‬بشأن ‬مستقبل ‬غزة، ‬و‬أن ‬الرفض ‬القاطع ‬لخطة ‬ترمب ‬المعلنة ‬في شأن ‬غزة، ‬‬حفز ‬السعودية ‬للاهتداء ‬إلى ‬خطة ‬بديلة ‬قابلة ‬للتطبيق ‬مع ‬الدول ‬العربية ‬الأخرى‬. ‬ولتحقيق ‬ذلك، ‬أشار ‬عمر ‬كريم‬، ‬إلى ‬دعوتها ‬قادة ‬الإمارات ‬والأردن ‬وقطر ‬ومصر ‬للاتفاق ‬على ‬موقف ‬موحد، ‬وتقديم ‬رسالة ‬مشتركة ‬للأمريكيين ‬والإسرائيليين، ‬مع ‬السعي ‬لحشد ‬الدعم ‬العربي ‬لهذه ‬الرؤية ‬قبل ‬طرحها ‬في ‬القمة ‬العربية ‬في ‬القاهرة، ‬المقررة ‬في ‬4 ‬مارس ‬2025م.
مع ‬ذلك، ‬ستظل ‬العلاقة بين المملكة و‬الولايات ‬المتحدة، ‬وبخاصة ‬في ‬ظل ‬إدارة ‬ترمب ‬غير ‬المتوقعة، ‬محور ‬الاهتمام ‬الدولي ‬والإقليمي ‬للسعودية ‬ودول ‬الخليج ‬الأخرى، ‬وأشارت ‬(‬خان) ‬إلى ‬أن ‬اختيار ‬ترمب ‬لها ‬كأول ‬محطة ‬خارجية ‬له ‬كرئيس ‬لا ‬يعكس ‬فقط ‬دعمه ‬لطموحاتها ‬القيادية ‬عالمياً، ‬بل ‬يمهد ‬أيضاً ‬لاجتماع ‬محوري ‬بينه ‬وبين ‬بوتين،‬ ‬لكنها ‬من ‬ناحية ‬أخرى، ‬أقرت ‬بأن التقلب ‬في ‬السياسة ‬الخارجية ‬الأمريكية‬، ‬ولا‬سيما ‬تأييدها ‬لضم ‬إسرائيل ‬للأراضي ‬الفلسطينية، ‬والإبعاد ‬القسري ‬لسكان ‬غزة، ‬يعد ‬أمراً ‬غير ‬قانوني ‬وفق ‬القانون ‬الدولي ‬ومرفوضاً ‬تماماً ‬من ‬قبل ‬السعودية، ‬والدول ‬العربية ‬في ‬المنطقة.
بلا ريب، ‬فإن ‬اختيار ‬السعودية، ‬وسيط اً‬مفضلاً لدى ‬كل ‬من ‬الولايات ‬المتحدة ‬وروسيا، ‬لإنهاء ‬الحرب ‬المستمرة ‬منذ ‬ثلاث ‬سنوات ‬في ‬أوكرانيا، ‬دليل قوي على ‬دورها ‬المتنامي ‬في ‬الدبلوماسية ‬الدولية، ‬ويعكس ‬نهجها ‬في ‬الحفاظ ‬على ‬علاقات ‬متوازنة ‬مع ‬مختلف ‬الدول، ‬بغض ‬النظر ‬عن ‬اختلاف ‬أنظمتها ‬السياسية ‬والاقتصادية ‬ومع ‬استنتاج ‬(آشر)‬، ‬أنها لا ‬تخفي ‬طموحها ‬في ‬أن ‬تصبح ‬لاعباً ‬أساسياً ‬في ‬الدبلوماسية ‬العالمية‬، ‬فإن ‬مدى ‬قدرتها ‬على ‬ترجمة ‬هذا ‬الطموح ‬إلى ‬نفوذ ‬دبلوماسي ‬فعلي، ‬على ‬الولايات ‬المتحدة ‬وإسرائيل، ‬بشأن ‬مستقبل ‬الفلسطينيين، ‬سيتضح ‬في ‬الفترة ‬المقبلة، ‬مع ‬محاولتها ‬توظيف ‬دورها ‬الدبلوماسي ‬المتنامي ‬لحماية ‬المدنيين ‬الفلسطينيين ‬من ‬مخططات ‬الضم ‬الإسرائيلية، ‬وترحيل ‬السكان ‬من ‬أراضيهم.
السعودية تتبنى سياسة مبنية على الاستباق والتوازن بين المصالح الوطنية والتزاماتها الإقليمية، فمثلاً: في الملف اليمني، والأزمة اللبنانية، والعلاقات مع إيران، واستقرار سوق الطاقة، أثبتت المملكة قدرتها على الجمع بين الفطنة والحزم الدبلوماسي والرؤية الإستراتيجية، ويبدو ذلك جلياً في تحركاتها التي لا تكتفي بردود الأفعال، بل تصنع المبادرات وتفرض إيقاعاً جديداً في المنطقة. وأن (رؤية 2030م) لم تُحدث تحولاً داخلياً حسب، بل أعادت رسم مكانة المملكة في السياسة العالمية، فالانفتاح الاقتصادي والاجتماعي تزامنا مع دبلوماسية أكثر هدوءاً (وذكاء) وفعالية. قدمت المملكة نموذجاً نادراً في العالم، يجمع بين الثبات في المواقف والتجدد والإبداع والابتكار، فهي لا تسعى لدور عابر، بل لتأثير طويل المدى قائم على الشراكات، والاحترام المتبادل، وحسن إدارة الملفات الحساسة بين الدول، وإستضافة القمم الدولية بمختلف أنواعها، واستضافة (G20) في 26 مارس 2020م ليس حصراً للنوع ولكن أنموذجاً للإبداع الدبلوماسي.

ذو صلة